شكو زولو
15/05/2008, 15:32
تأخرت كثيراً يا يسوع حتى توقفت أمام أيقونتك، نظرت إليك، تأملت برهة وجهك الجميل، جثوت أمامك وقد مددت كل أعمالي واستحضرت كل ما مضى من الزمن.
تأخرت أن أبسط أمامك كبواتي وعجزي وسقطاتي الأليمة. انشغلت عن اللقاء الحميمي بك في الوقت الذي كنت فيه أشعر بكلمتك، إذ تركت كل شيء ورائي ووجدت نفسي أمام فتيةٍ عجز مجتمعهم عن فهمهم وكثيراً ما بخلوا عليه بمنح الحب. أيقنت أنك ستفتح ذراعيك لتحتضنهم حالما أبدء بدفعهم نحوك. حاورتهم، ناقشتهم، تفهمت مشكلاتهم، صراعاتهم مع أهلهم، عدتُ إلى الكتب وقرأت عن المرحلة العمرية الدقيقة التي يمرون بها. حاولت ألا أتسرع بآرائي ومواقفي وتصرفاتي معهم، نجحت أحياناً وأحياناً أخرى فشلت، فرحت حين رأيتهم يتوافدون لتناول جسدك ودمك، يقرؤون الإنجيل، يطرحون أفكاراً جديدة، يسألوني عن عنوان كتاب ليقرؤوه. حرضت عقولهم على التفكير والتساؤل وحذفت كلمة ممنوع من أذهانهم معطياً إياهم حرية الاختيار والرأي والاختلاف. حدثتهم عنك مطولاً، أفهمتهم انك تقبلهم كما هم، رغم كل ما ينظرونه في شخصياتهم من سوء وأنك لست كبقية مجتمعهم يرفضهم وينتقدهم ويصرخ في وجوههم، أبعدتهم عن سطحيات الدين وحاولت أن أدلهم على عمق ما رميت إليه في تعاليمك. قرأت لهم عن عجائبك وشفاءاتك وحنوك على البشرية، أخبرتهم أنك تريدهم قياميين لا يضنيهم اليأس والعجز، يؤمنون بتعزيتك رغم كل شيء
هل أوصلتهم إليك يا يسوع، لا أعرف! وحدك أنت تعرف. لكنني موقن أنهم يستحقونك.. قلوبهم نقية ونفوسهم بارة. واحدهم يتكلم كثيراً وآخر يتضجر بسرعة وثالث يتساءل ورابع يبتسم ببراءة، وخامس يجلس هادئاً. كل واحد منهم عالم خاص قد أكون نجحت أو فشلت في اقتحامه إلا أني واثق أني زرعتك فيه. أحببتهم جداً وجاهدت كثيراً لئلا يتحول حبي لهم إلى امتلاك. ذكّرت نفسي دائماً "أنّ الحاجة إلى واحد" وإني مجرد وسيلة لبلوغ هذا الواحد.
أتعبتني خطاياي يارب وصرت أشعر بالازدواج بين ما أعلّم وما أصنع، عذّبني الإحساس بالذنب وكثيراً ما ارتميت أمام أيقونتك وأنا على الرمق الأخير أطلب عطفك.
والآن حانت الساعة يارب كي أبوح باعترافي هذا وأبتعد مودعاً وجوه تلك الصبية الذين ألف ملامحهم قلبي. حانت الساعة وقد سمعتك منذ سبع سنوات في الإنجيل تنادي بطرس ويعقوب وتبعتك معهم. رميتُ شباكي المهترئة وامتلأت عشقاً بالعمل من أجلك. تأملت تفاصيل حياتك على الأرض، نقلتها إلى الصغار، تمعنت كلماتك ورحت أجوب معك من قرية إلى أخرى مشرعاً قلبي لفيض نعمتك. دخلت معك إلى الهيكل حين جادلت علماء اليهود ورؤسائهم، تعلمت منك أن الحوار بشارة وأنه عليّ أن أطلق العنان لمخيلتي كي تبدع أفكاراً ورؤى وتطلعات. كم كنت ظمآن يارب لآخر يبادلني التفكير، يختلف معي، يحاجج ضدّي وكم كان عسيراً أن أجده، فالمحيط تملأه أدمغة فارغة تتشابه فيها القناعات الجامدة لدرجة التطابق.
لم أترك يا يسوع العمل في مدارس الأحد الذي أغرمت به، لدرجة قضاء يوم العطلة بأكمله متنقلاً بين الأطفال والصبية والمراهقين محتملاً تعباً وإعياء كانت تخففه ابتسامة طفل تعلّم شيئاً عنك.
لم أترك هذا العمل طمعاً بالمناصب، فانا أعلم جيداً أنك اعتليت أعظم منصب في البشرية، أي الصليب لذلك فإني لا أنظر إلى الموقع أو المسؤولية كمرتبة، بل كجنب ينزف دماً، وهذا يتطلب سمواً في الرؤية قد يكون منعدماً.
ليست القضية بالنسبة لي (أني سأكون) بل (كيف سأكون)، أي ليس أي موقع أشغله بل كيف أوصل الكلمة من خلال هذا الموقع. تركت العمل رفضاً لآلية خاطئة تترك مجموعة قليلة من الأشخاص الفارغين يتخذون قرارات دون إشراك البقية وإنما فرضها عليهم. تركت بسبب أخطاء اسمعها وأعيشها، أخطاء تلو الأخطاء تراكمت فأخنقت الروح وتركت الذهنية المؤسساتية والرعية تتحكم بكل شيء. افتقدت الرؤية وصارت شديدة الضبابية وتحوّل العمل لأجل العمل وتسييره، لا لأجل الهدف في بناء الشخص، والشخص غير المناسب في مكان من المفترض أن يكون فعالاً فيه ولكن؟؟؟؟
الاجتماعات تعقد لمناقشة التفاصيل وبتواتر لا يوصف أما عن وضع الحلول لمشكلات أساسية تهمنا فلا مجال للطرح بل هو مؤجل إلى أبد الآبدين. دوماً المواضيع مقبولة من الكل فالأنشطة لا تحرض أو تنمّي عند الأولاد أي ملكة إبداعية، وهذا أيضاً لا يهم، المهم فقط إملاء الكراسي الفارغة .....
مناخ من انعدام الثقة يسري بين الجميع، ولا دراسات تجرى لفهم طبيعة ونفسية الأولاد والمراهقين أما منهج العمل والتعامل معهم فبقي وفق أساليب بدائية تفتقر إلى الحدّ الأدنى من العلمية. ونحن لا نقول أنه ليس عندنا أشخاص موهوبين متخصصين ويستطيعون إنقاذنا من هذه الورطة لكنّهم يختلفون عنّا ولا يتطابقون بفكرنا فنحن لا نريد مثل هؤلاء بل نريد الاستنساخ فقط ومثل هؤلاء الموهوبين لا يخدمون سلطنتنا.
هذا ليس نقداً وإنما تشريح للمرض وإطلاق الصرخة لاجتراح العلاج قبل أن نفقد أولادنا فيصيرون أعضاء في نوادي ترفيهية أو أماكن أخرى تتصيد الفرص لاقتناص أكبر عدد من شبابنا. كما أنه ليس هروب من المسؤولية أو خروج عن هوية حركية طالما كونتني وبنت شخصيتي وفكري. هذا بضع مساهمة لحلم جيل سيأتي بعدنا ينتظر مدارس أحد تعبّر عن تطلعاته وطموحاته.
لا بدّ أن نتواضع ونعترف بالأخطاء ونبحث عن الحلول. وفي كل ذلك وبعد ان فقدت الأمل إلا بالصلاة سأكون بعيداً بعيد. أقف أمام أيقونتي مصلياً لمدارس أحد أكثر رجاء، محبة، وتنوع، وسأبحث عن حلم آخر أعمل لتحقيقه بالمسيح. فلو نظرنا حولنا نجد عالم مليء بالقضايا التي تستحق من يتبناها ويسعى للنضال بالمسيح من أجلها.
سامحني يارب إذا كان قراري خاطئاً، وساعدني إن كان صائباً.
وأولادي أتركهم لسواي كي يرشدهم ولعله يكون أفضل مني، لكن اسمح لي أن احتفظ بأسمائهم ملصقة على الصفحة الأولى من كتاب السواعي ذاكراً إياهم في كل صلاة، داعياً ألاّ تدخلهم في تجربة بل نجّهم من الشرير. آمين
ايلي عبدو
تأخرت أن أبسط أمامك كبواتي وعجزي وسقطاتي الأليمة. انشغلت عن اللقاء الحميمي بك في الوقت الذي كنت فيه أشعر بكلمتك، إذ تركت كل شيء ورائي ووجدت نفسي أمام فتيةٍ عجز مجتمعهم عن فهمهم وكثيراً ما بخلوا عليه بمنح الحب. أيقنت أنك ستفتح ذراعيك لتحتضنهم حالما أبدء بدفعهم نحوك. حاورتهم، ناقشتهم، تفهمت مشكلاتهم، صراعاتهم مع أهلهم، عدتُ إلى الكتب وقرأت عن المرحلة العمرية الدقيقة التي يمرون بها. حاولت ألا أتسرع بآرائي ومواقفي وتصرفاتي معهم، نجحت أحياناً وأحياناً أخرى فشلت، فرحت حين رأيتهم يتوافدون لتناول جسدك ودمك، يقرؤون الإنجيل، يطرحون أفكاراً جديدة، يسألوني عن عنوان كتاب ليقرؤوه. حرضت عقولهم على التفكير والتساؤل وحذفت كلمة ممنوع من أذهانهم معطياً إياهم حرية الاختيار والرأي والاختلاف. حدثتهم عنك مطولاً، أفهمتهم انك تقبلهم كما هم، رغم كل ما ينظرونه في شخصياتهم من سوء وأنك لست كبقية مجتمعهم يرفضهم وينتقدهم ويصرخ في وجوههم، أبعدتهم عن سطحيات الدين وحاولت أن أدلهم على عمق ما رميت إليه في تعاليمك. قرأت لهم عن عجائبك وشفاءاتك وحنوك على البشرية، أخبرتهم أنك تريدهم قياميين لا يضنيهم اليأس والعجز، يؤمنون بتعزيتك رغم كل شيء
هل أوصلتهم إليك يا يسوع، لا أعرف! وحدك أنت تعرف. لكنني موقن أنهم يستحقونك.. قلوبهم نقية ونفوسهم بارة. واحدهم يتكلم كثيراً وآخر يتضجر بسرعة وثالث يتساءل ورابع يبتسم ببراءة، وخامس يجلس هادئاً. كل واحد منهم عالم خاص قد أكون نجحت أو فشلت في اقتحامه إلا أني واثق أني زرعتك فيه. أحببتهم جداً وجاهدت كثيراً لئلا يتحول حبي لهم إلى امتلاك. ذكّرت نفسي دائماً "أنّ الحاجة إلى واحد" وإني مجرد وسيلة لبلوغ هذا الواحد.
أتعبتني خطاياي يارب وصرت أشعر بالازدواج بين ما أعلّم وما أصنع، عذّبني الإحساس بالذنب وكثيراً ما ارتميت أمام أيقونتك وأنا على الرمق الأخير أطلب عطفك.
والآن حانت الساعة يارب كي أبوح باعترافي هذا وأبتعد مودعاً وجوه تلك الصبية الذين ألف ملامحهم قلبي. حانت الساعة وقد سمعتك منذ سبع سنوات في الإنجيل تنادي بطرس ويعقوب وتبعتك معهم. رميتُ شباكي المهترئة وامتلأت عشقاً بالعمل من أجلك. تأملت تفاصيل حياتك على الأرض، نقلتها إلى الصغار، تمعنت كلماتك ورحت أجوب معك من قرية إلى أخرى مشرعاً قلبي لفيض نعمتك. دخلت معك إلى الهيكل حين جادلت علماء اليهود ورؤسائهم، تعلمت منك أن الحوار بشارة وأنه عليّ أن أطلق العنان لمخيلتي كي تبدع أفكاراً ورؤى وتطلعات. كم كنت ظمآن يارب لآخر يبادلني التفكير، يختلف معي، يحاجج ضدّي وكم كان عسيراً أن أجده، فالمحيط تملأه أدمغة فارغة تتشابه فيها القناعات الجامدة لدرجة التطابق.
لم أترك يا يسوع العمل في مدارس الأحد الذي أغرمت به، لدرجة قضاء يوم العطلة بأكمله متنقلاً بين الأطفال والصبية والمراهقين محتملاً تعباً وإعياء كانت تخففه ابتسامة طفل تعلّم شيئاً عنك.
لم أترك هذا العمل طمعاً بالمناصب، فانا أعلم جيداً أنك اعتليت أعظم منصب في البشرية، أي الصليب لذلك فإني لا أنظر إلى الموقع أو المسؤولية كمرتبة، بل كجنب ينزف دماً، وهذا يتطلب سمواً في الرؤية قد يكون منعدماً.
ليست القضية بالنسبة لي (أني سأكون) بل (كيف سأكون)، أي ليس أي موقع أشغله بل كيف أوصل الكلمة من خلال هذا الموقع. تركت العمل رفضاً لآلية خاطئة تترك مجموعة قليلة من الأشخاص الفارغين يتخذون قرارات دون إشراك البقية وإنما فرضها عليهم. تركت بسبب أخطاء اسمعها وأعيشها، أخطاء تلو الأخطاء تراكمت فأخنقت الروح وتركت الذهنية المؤسساتية والرعية تتحكم بكل شيء. افتقدت الرؤية وصارت شديدة الضبابية وتحوّل العمل لأجل العمل وتسييره، لا لأجل الهدف في بناء الشخص، والشخص غير المناسب في مكان من المفترض أن يكون فعالاً فيه ولكن؟؟؟؟
الاجتماعات تعقد لمناقشة التفاصيل وبتواتر لا يوصف أما عن وضع الحلول لمشكلات أساسية تهمنا فلا مجال للطرح بل هو مؤجل إلى أبد الآبدين. دوماً المواضيع مقبولة من الكل فالأنشطة لا تحرض أو تنمّي عند الأولاد أي ملكة إبداعية، وهذا أيضاً لا يهم، المهم فقط إملاء الكراسي الفارغة .....
مناخ من انعدام الثقة يسري بين الجميع، ولا دراسات تجرى لفهم طبيعة ونفسية الأولاد والمراهقين أما منهج العمل والتعامل معهم فبقي وفق أساليب بدائية تفتقر إلى الحدّ الأدنى من العلمية. ونحن لا نقول أنه ليس عندنا أشخاص موهوبين متخصصين ويستطيعون إنقاذنا من هذه الورطة لكنّهم يختلفون عنّا ولا يتطابقون بفكرنا فنحن لا نريد مثل هؤلاء بل نريد الاستنساخ فقط ومثل هؤلاء الموهوبين لا يخدمون سلطنتنا.
هذا ليس نقداً وإنما تشريح للمرض وإطلاق الصرخة لاجتراح العلاج قبل أن نفقد أولادنا فيصيرون أعضاء في نوادي ترفيهية أو أماكن أخرى تتصيد الفرص لاقتناص أكبر عدد من شبابنا. كما أنه ليس هروب من المسؤولية أو خروج عن هوية حركية طالما كونتني وبنت شخصيتي وفكري. هذا بضع مساهمة لحلم جيل سيأتي بعدنا ينتظر مدارس أحد تعبّر عن تطلعاته وطموحاته.
لا بدّ أن نتواضع ونعترف بالأخطاء ونبحث عن الحلول. وفي كل ذلك وبعد ان فقدت الأمل إلا بالصلاة سأكون بعيداً بعيد. أقف أمام أيقونتي مصلياً لمدارس أحد أكثر رجاء، محبة، وتنوع، وسأبحث عن حلم آخر أعمل لتحقيقه بالمسيح. فلو نظرنا حولنا نجد عالم مليء بالقضايا التي تستحق من يتبناها ويسعى للنضال بالمسيح من أجلها.
سامحني يارب إذا كان قراري خاطئاً، وساعدني إن كان صائباً.
وأولادي أتركهم لسواي كي يرشدهم ولعله يكون أفضل مني، لكن اسمح لي أن احتفظ بأسمائهم ملصقة على الصفحة الأولى من كتاب السواعي ذاكراً إياهم في كل صلاة، داعياً ألاّ تدخلهم في تجربة بل نجّهم من الشرير. آمين
ايلي عبدو