sameerss
17/05/2008, 03:11
لم يجدالفكر الروائي منذ موت دوستويفسكي قبل حوالي مائة عام وحتى الأن تعبيرا سيكولوجيا يعطي للعاطفة ذات المدلول العميق الذي
منحها اياه دوستويفسكي لقدحاول < فلوبير> مثلأ وهو أحد واقعيي القرن التاسع عشر أن يعطي للعاطفة بعدا نفسيا في روايته
الكبرى" مدامبوفاري"ولكن البعد النفسي اختفى خلف المضامين الجمالية وخلف القالب العام للرواية ولم تعطنا "مدام بوفاري"في النهاية
الأ درسا نفسيا جافايعبر عن بيئة معينة
في حين أن موباسان,كاتب القصص القصيرة لم يستطع في روايته الطويلة قوي كالموت أيعطينا تبريرا كاملأ للأرتباط اللذي عاشت عليه بطلة الرواية مع الفنان اللذي رسم لها اللوحة واللذي حاولت أن تحافظ على حبه لهاحتى بعد ما بلغت ابنتها مرحلة الشباب وشعر الرسام ما شعره تجاه أمها قبل عشرين سنة. هنا أيضا غاب التبرير النفسي واكتفى موباسان بالقالب الروائي كذلك لم يحاول "بلزاك" في روايته <الناعقون> أن يعطي مضمونا نفسيا للعاطفة التي يتحدث عنها وقد نجح بلزاك في رواية "الأب غوريو" نجاحا جعل دوستويفسكي يترجمها ألى الروسية . وعلى كل فاْن مرورا سريعا" بكتاب القرن التاسع عشر الكبار "تولستوي_جوجل_تشيخوف_جوركي" المعاصرين لدوستويفسكي وكتاب القرن العشرين الذين جاؤوا بعده مثل "همنغواي_فيتزجرالد_شتاينبك_� �امو"
نقول أنهم لم يستطيعوا أبرواياتهم أن يعطوا لنا بعدا نفسيا للعاطفة التي استطاع دوستويفسكي أن يرسم فيها أبرز الخطوط السيكولوجية لمفهوم العاطفة في تعبيراته الروائية ..فأخرج العاطفة من القوالب الجمالية والرومانسية التي غرق فيها كتاب القرن التاسع عشر,و وضعها في اطار واقعي وحضاري ,وجعل العاطفة أيا كانت تعبيرا عن مكنونات انسانية بحتة في قالب اجتماعي يشترك فيها
الألم مع اللذة والسعادة مع التعاسة والخير مع الشر..
لقد نجح دوستويفسكي في رسم شخصياته بشكل يتوافق مع العواطف التي تجوس في أعماقهم,و ابتعد عن الأساليب الصورية والمادية والتي تظهر واضحة في الأدب المعاصر.والتي تحاول بحث العاطفة عبر المشاركة الجنسية فقط ولم يلجأ الى المضامين الوجودية في هذه الناحية.كما فعل "كامو" بل صّور العاطفة على أساس "بعد حيوي"والمشاركة الجنسية انطلقت لديه من خلال هذا البعد ومثلت في نفس الوقت جانبا مظلما غير واضح في الذات الأنسانية.والتي حاول "فرويد" القاء الضوء عليه فيما بعد.
ارتبطت العاطفة عند دوستويفسكي أيضا بمشكلة الأزلية"الألم",في الوقت الذي ارتبطت فيه باليأس والأنتصار علىما هنالك من فرق شاسع بينهما,وكانت رواياته هنا تنبع من تجربة ذاتية مع اليأس والأنتصار..
لذلك فأن العاطفة في الرواية الدوستويفسكية ليست ألا تعبيرا شخصياّ خالصاّ عن تجارب ذاتية بين الفشل والنجاح وفي هذه الدراسة سنتبين تجربة الكاتب من خلال حياته الشخصية أولآ ثم انعكاس ذلك الأمر ومقدار أثره في رواياته الكبرى.تلك الشخصيات المسحوقة وذلك الألم الممزوج بالعنف وهذا المزيج الغريب من العواطف الأنسانية التي تتحد مع الرؤى والأحلام والكوابيس,التي تسيطر على أبطال الروائي الكبير ماهي ألا نتيجة لمفهوم عميق وغريب للطبيعة الأنسانية ولقدانبثق عطاء الكاتب من خلال ارتباط معاناته الشخصية بمعاناة أبطاله أنفسهم.
و لقد أعطانا" دوستويفسكي "كأديب ما لم يستطع علماء النفس أن يعطوه في مجال دراسة العاطفة الأنسانية.
معاناة الشخصيات المحطمة المسحوقة في المجتمع التي تريد أن تبني شخصيتها وبالتالي عاطفتها على الرغم من الهوة التي تفصلها عن باقي المجتمع.. فالعاطفة موجودة , والأتحاد بها, والشعور بالانتماء لهذه العاطفة مفقودان,؟
ولعل ما هو قاس فعلا أن نطمع في حب الأخرين ولا نواجه سوى بالقسوة المصحوبة بالعنف وبنوبات الأنانية.
هذاهو الصراع الذي تطرحه روايات "دوستويفسكي"دائما.
أذن ترتبط العاطفة في روايات دوستويفسكي بصراع الأنسان في وجه ما هو قاس وساحق في الطبيعة الأنسانية .وان تبرير الآخر ينبع من أندوستويفسكي ذاته الذي عانى في بداية حياته من قسوة والده عليه,تلك القسوة التي صوّر شيئا من جوانبها في شخص "فيودور كارامازوف"الأب في رواية "الأخوة كارامازوف" وفي قسوة الظروف المحيطة به خاصة بعد نفيه الى سيبيريا, وتدميره ككاتب في بداية الطريق ولعل ما رآه دوستويفسكي في سجنه في سيبيريا, مايعكس وجهة نظره في أن الطبيعة الأنسانية ذات العاطفة الجياشة , ما هي الا شيْ هذبه تطور الأنسان الطويل.., على ما يقول هنري برغسون .
غير أن ذلك التناقض الذي يطرحه دوستويفسكي في منطق أبطاله لا يخرج فقط عن ادراك الكاتب للقسوة التي تحملها الطبيعة الأنسانية في ثناياها ومن تجربة النفي والسجن التي عاشها بل من صراع عاطفي وحاد عاشه بعد عودته من سيبيريا كسجين ومنثم كمجند في الجيش الروسي .
فبنفس الطريقة التي يصف فيها اندفاع أبطاله نحو ما يحبونه أو يشتهونه لأنهم يفتقدون اليه ,وبنفس تلك القوة في التعبير التي نشاهدها في رواياته وكذلك بنفس الأسلوب بتعذيب النفس,اندفع دوستويفسكي في حب مجنون أعمى لزوجة معلم شاب كان قد أدمن الخمر, وقد بدأ حبه هذا بصداقة فهمها دوستويفسكي على أنها حب تخصه به زوجة المعلم الشاب "ماريا ايساييفا" لقد بدا هذا الحب أخويا بين الرجل القادم من سيبيريا,وبين المرأة التي لم تفعل أكثر من أنها منحت ثقتها للكاتب الذي ما زال مجهولا,ولقد حول دوستويفسكي هذه الثقة بينه وبين نفسه الى حب كبير جارف على شكل الحب الذي تصوره لنا رواياته..ولقد انقلب هذا الحب فيما بعد الى مزيج من الجنون والضياع عندما لم تفكر ماريا في دوستويفسكي الاكصديق حميم لها ولزوجها.الا أن دوستويفسكي لم ييأس لحظة واحدة في ملاحقتها بحبه المجنون ,ولقد أفسح موت الزوج المجال لدوستويفسكي للاقتراب من ماريا أكثر فأكثر,الا أن" ماريا" ترسل له رسالة تنبئه فيها بأنها تعشق رجلا آخر وأنها لا تفكر فيه مطلقا.فما كان من دوستويفسكي الا أن انسحب الى زاوية ضيقة يستقر فيها باحثا عن مساعدة يمدها الى ماريا في حب غريمه الشاب,ويعرض عليها هنا حبا أخويا وصداقة خالصة وهو يعلم أنه لا يستطيع الوفاء بوعده ,على أن الأمور التي سارت مع دوستويفسكي في حبه الأول على هذا النحو ,لا يلبث في التحسن عندما تدرك ماريا وهي المرأة المتقلبة الأهواء الضائعة.أن دوستويفسكي هو الشخص الوحيد الذي يحبها فعلا... ويتم الزواج بينهما ولكنه لا يكون زواجا سعيدا على الرغم من الحب الكبير الذي يبذله دوستويفسكي لزوجته لأن الكاتب وهن جسمه بتأثير سنوات النفي والسجن ,و زوجته متقلبة الأهواء يعذبها ضميرها في كل ما ترتكبه,وتشعر بضعف شخصيتها وهي مرتبكة في علاقاتها مع الآخرين وخاصة في علاقتها مع الشاب الذي كانت تعشقه قبل الزواج بدوستويفسكي والذي يلاحق الزوجين باستمرارالى كل مكان يذهبان اليه..ان هذا النوع من الحب الذي يصطدم به دوستويفسكي يعبر عنه في معظم رواياته "الأبله" "الشياطين" "الأخوة كارامازوف" وخاصة في روايته "الزوج الأبدي" أما في رواية "المقامر" فانه يصف حبا من طرف واحد .تلك التجربة التي خاضها في حياته مرتين كانت الأولى مع زوجته"ماريا ايسا ييفا" وكانت الثانية مع الفتاة الطالبة الجامعية "باولين سوسلوفا" المتحررة فكريا والملحدة والمتأثرة بالأفكار الأوربية المستحدثة,والتي لم يؤمن بها دوستويفسكي في يوم من الأيام. وعندها رفضت "باولين"حبه لأنها اتخذت عشيقا لها,طالبا أسبانيا يقدس الحب الحر كماكانت باولين تقدسه.
(تدل الحياة العاطفية التي عاشها دوستويفسكي على اندفاع كبير تجاه من يحبهم واصرار عنيف تجاه ما يشعر به نفسه ونرى انعدام للأنانية في شخصيته ),
ولربما لا تكون هذه المشكلة مشكلة دوستويفسكي وحده.لم تعد مشاكل دوستويفسكي العاطفية بعد موت زوجته وفشل علاقته بباولين مثيرة للأهتمام,لأن دوستويفسكي بذل جهده بعد فشل علاقتيه السابقتين في جعل علاقاته النسائية مستقرة.فتزوج كاتبة الاختزال "آنا سنيشينكا" التي أملى عليها روايته "المقامر" أعجب دوستويفسكي بآنا وطلب منها العمل في اتمام الفصول الأخيرة من روايته "الجريمة والعقاب" ثم جلس في أحد الأيام يحدثها قائلا: ان هناك رساما في مثل سنهيعيش وحيدا مبدد الأحلام مشرد العواطف يلتقي بفتاة يفهمها وتفهمه فتنتعش روحه ,ثم قال لها تصوري أن هذا الرسام هوأنا وأن هذه الفتاة هي أنت وتصوري أنني صارحتك بحبي فماذا تقولين فأجابت الفتاة :أقول أنني أحبك وسأظل أحبك مدى الحياة"(122_123_127) ويتم الزواج الذي يبدو وكأنه زواج سعيد ..
وقد تحقق ذلك فعلا .
تتوقف الحياة العاطفية المضطربة التي عاشها دوستويفسكي في هذه النقطة ولقد وفرت "آنا" لدوستويفسكي ما استطاعت من أسباب الراحة ,الا أن الكاتب كان يتجه حثيثا الى نهاية حياته خاصة بعد موت ابنه "ألكسي"وصدمته بذلك.
ليست القصص العاطفية التي يعرضها علينا دوستويفسكي سوى مرآة تنعكس من عليها حياته العاطفية الخاصة فكثيرا ما يذكرنا "ديمتري كارامازوف" بحبه المجنون ل"غروشنكا"باندفاع دوستويفسكي ذاته,في حين أن الرفض الذي يشعر فيه بطل "المقامر"في الرواية التي تحمل نفس الاسم من قبل"مدموازيل بلانش"انما يذكرنا برفض باولين له.
كانت "المقامر"انعكاسا تاما لعلاقة باولين بدوستويفسكي,وازدرائها له وجعل علاقتهما من طرف واحد,وقد ترك دوستويفسكي في تلك الفترة أثرا لم يعره النقاد اهتماما على الرغم من القضايا التي يطرحها والتي من أهمها مشكلة الانسان المسحوق .
وكان هذا الأثر رواية "في قبوي" وهي تتحدث عن معاناة رجل تخطى سن الشباب وبدأ يسخر من أحلامه وأماله والمثير في الموضوع أن هذا الشخص لا يتكلم عن عواطف كان يملكها وأنما عن أحلام مدمرة وعن انسحاق كامل لذكريات وأحلام شبابه.
ان القصة الوحيدة القريبة من الأجواء العاطفية في رواية "في قبوي"هي علاقة"حقير القبو" بالمومس "ليزا"وهي علاقة تعيد الى أذهاننا أحداث "الجريمة و العقاب"باطار مغاير بعض الشىء (حقير القبو)يفرغ كل ما يعتمل في نفسه من حقد في المومس "ليزا"فيشتمها ويلعنها ثم يطردها ..
وهذا الأرتباط العاطفي الوحيد انما هو ارتباط شاذ بين اثنين شائت ظروفهما الاجتماعية أن يلتقيا على طريق الألم والتناقض الأنساني .ليست رواية "في قبوي"سوى قصة صغيرة بسيطة في اطار لطيف يدل على عبقرية دوستويفسكي حيث أنها واحدة من أقتم روايات القرن التاسع عشر بالنسبة لفكرة الانسان في العالم السفلي .وكذلك في الأبله والشياطين وقد كتبها عندما كان في أوروبا مع زوجته وفبها يحاول أن ينقذ المعايير الجمالية للعالم الأنساني.كما حاول "دون كيشوت" في رواية "سرفانتس" الشهيرة انقاذ جمال العالم الأنساني من الشر الذي يقع فيه,
هنا في رواية الأبله حيث تتحول العواطف والآلام الى مزيج من رؤى جمالية نعثر على شخصية دوستويفسكي "الحقيقية" دوستويفسكي الذي يريد أن يرى العالم الانساني على حد تعبير ايفان كارامازوف (مليئا بالتناسق والأنسجام خاليا من الشر والألم) <424_425>.
ما الذي حل بمفهوم العاطفة والحب عند دوستويفسكي ابتداء من روايته"الفقراء" وانتهاء بروايته الأخيرة "الأخوة كارامازوف".
لم تعد العاطفة,وخاصة عاطفة الحب,في مفهوم دوستويفسكي ,وخاصة في روايته الأخيرة سوى ضريح من الآلام المصحوبة بتيارات العنف والهوى الجارف .
<<<تذكرنا القصص العاطفية في روايات دوستويفسكي بكوابيس الأفلام السينمائية,علما أنه ليس شكسبيريا في نمطه الا أنه كاتب نموذجي مخلص لعمله مبدع فيه,يدرس سيكولوجية الأفراد أكثر ممايخطط في رواياته.
استطاع أن يحلل عاطفة الحب قبل أن يقوم " فرويد" بتشريح الدماغ الأنساني ومن ثم تحليل النفس البشرية.
سبق علماء النفس في فهم سيكولوجية العاطفة,واستخراج الألم من جذور النفس البشرية,وأعطانا مفهوما عاما عن العلاقات المشوشة القائمة بين النساء التائهات والرجال المندفعين بآمالهم وعواطفهم وحبهم الجامحين بخيال العبقرية,الذين يريدون أن يحققوها والتي يعانون منها كما عانى هو ذاته منها!
دوستويفسكي ذلك الكاتب الروائي الذي انتهت حياته بمثل ما بدأت عاصفة غاضبة هوجاء مترنمة من الغضب ,ومتشامخة من كثرة العواطف الجياشة ,عبقرية في عنفوانها,ومحببة في جبروتها,ومتألمة لمصيرها ,ومصير بني البشر....:>>>
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
:hart:
منحها اياه دوستويفسكي لقدحاول < فلوبير> مثلأ وهو أحد واقعيي القرن التاسع عشر أن يعطي للعاطفة بعدا نفسيا في روايته
الكبرى" مدامبوفاري"ولكن البعد النفسي اختفى خلف المضامين الجمالية وخلف القالب العام للرواية ولم تعطنا "مدام بوفاري"في النهاية
الأ درسا نفسيا جافايعبر عن بيئة معينة
في حين أن موباسان,كاتب القصص القصيرة لم يستطع في روايته الطويلة قوي كالموت أيعطينا تبريرا كاملأ للأرتباط اللذي عاشت عليه بطلة الرواية مع الفنان اللذي رسم لها اللوحة واللذي حاولت أن تحافظ على حبه لهاحتى بعد ما بلغت ابنتها مرحلة الشباب وشعر الرسام ما شعره تجاه أمها قبل عشرين سنة. هنا أيضا غاب التبرير النفسي واكتفى موباسان بالقالب الروائي كذلك لم يحاول "بلزاك" في روايته <الناعقون> أن يعطي مضمونا نفسيا للعاطفة التي يتحدث عنها وقد نجح بلزاك في رواية "الأب غوريو" نجاحا جعل دوستويفسكي يترجمها ألى الروسية . وعلى كل فاْن مرورا سريعا" بكتاب القرن التاسع عشر الكبار "تولستوي_جوجل_تشيخوف_جوركي" المعاصرين لدوستويفسكي وكتاب القرن العشرين الذين جاؤوا بعده مثل "همنغواي_فيتزجرالد_شتاينبك_� �امو"
نقول أنهم لم يستطيعوا أبرواياتهم أن يعطوا لنا بعدا نفسيا للعاطفة التي استطاع دوستويفسكي أن يرسم فيها أبرز الخطوط السيكولوجية لمفهوم العاطفة في تعبيراته الروائية ..فأخرج العاطفة من القوالب الجمالية والرومانسية التي غرق فيها كتاب القرن التاسع عشر,و وضعها في اطار واقعي وحضاري ,وجعل العاطفة أيا كانت تعبيرا عن مكنونات انسانية بحتة في قالب اجتماعي يشترك فيها
الألم مع اللذة والسعادة مع التعاسة والخير مع الشر..
لقد نجح دوستويفسكي في رسم شخصياته بشكل يتوافق مع العواطف التي تجوس في أعماقهم,و ابتعد عن الأساليب الصورية والمادية والتي تظهر واضحة في الأدب المعاصر.والتي تحاول بحث العاطفة عبر المشاركة الجنسية فقط ولم يلجأ الى المضامين الوجودية في هذه الناحية.كما فعل "كامو" بل صّور العاطفة على أساس "بعد حيوي"والمشاركة الجنسية انطلقت لديه من خلال هذا البعد ومثلت في نفس الوقت جانبا مظلما غير واضح في الذات الأنسانية.والتي حاول "فرويد" القاء الضوء عليه فيما بعد.
ارتبطت العاطفة عند دوستويفسكي أيضا بمشكلة الأزلية"الألم",في الوقت الذي ارتبطت فيه باليأس والأنتصار علىما هنالك من فرق شاسع بينهما,وكانت رواياته هنا تنبع من تجربة ذاتية مع اليأس والأنتصار..
لذلك فأن العاطفة في الرواية الدوستويفسكية ليست ألا تعبيرا شخصياّ خالصاّ عن تجارب ذاتية بين الفشل والنجاح وفي هذه الدراسة سنتبين تجربة الكاتب من خلال حياته الشخصية أولآ ثم انعكاس ذلك الأمر ومقدار أثره في رواياته الكبرى.تلك الشخصيات المسحوقة وذلك الألم الممزوج بالعنف وهذا المزيج الغريب من العواطف الأنسانية التي تتحد مع الرؤى والأحلام والكوابيس,التي تسيطر على أبطال الروائي الكبير ماهي ألا نتيجة لمفهوم عميق وغريب للطبيعة الأنسانية ولقدانبثق عطاء الكاتب من خلال ارتباط معاناته الشخصية بمعاناة أبطاله أنفسهم.
و لقد أعطانا" دوستويفسكي "كأديب ما لم يستطع علماء النفس أن يعطوه في مجال دراسة العاطفة الأنسانية.
معاناة الشخصيات المحطمة المسحوقة في المجتمع التي تريد أن تبني شخصيتها وبالتالي عاطفتها على الرغم من الهوة التي تفصلها عن باقي المجتمع.. فالعاطفة موجودة , والأتحاد بها, والشعور بالانتماء لهذه العاطفة مفقودان,؟
ولعل ما هو قاس فعلا أن نطمع في حب الأخرين ولا نواجه سوى بالقسوة المصحوبة بالعنف وبنوبات الأنانية.
هذاهو الصراع الذي تطرحه روايات "دوستويفسكي"دائما.
أذن ترتبط العاطفة في روايات دوستويفسكي بصراع الأنسان في وجه ما هو قاس وساحق في الطبيعة الأنسانية .وان تبرير الآخر ينبع من أندوستويفسكي ذاته الذي عانى في بداية حياته من قسوة والده عليه,تلك القسوة التي صوّر شيئا من جوانبها في شخص "فيودور كارامازوف"الأب في رواية "الأخوة كارامازوف" وفي قسوة الظروف المحيطة به خاصة بعد نفيه الى سيبيريا, وتدميره ككاتب في بداية الطريق ولعل ما رآه دوستويفسكي في سجنه في سيبيريا, مايعكس وجهة نظره في أن الطبيعة الأنسانية ذات العاطفة الجياشة , ما هي الا شيْ هذبه تطور الأنسان الطويل.., على ما يقول هنري برغسون .
غير أن ذلك التناقض الذي يطرحه دوستويفسكي في منطق أبطاله لا يخرج فقط عن ادراك الكاتب للقسوة التي تحملها الطبيعة الأنسانية في ثناياها ومن تجربة النفي والسجن التي عاشها بل من صراع عاطفي وحاد عاشه بعد عودته من سيبيريا كسجين ومنثم كمجند في الجيش الروسي .
فبنفس الطريقة التي يصف فيها اندفاع أبطاله نحو ما يحبونه أو يشتهونه لأنهم يفتقدون اليه ,وبنفس تلك القوة في التعبير التي نشاهدها في رواياته وكذلك بنفس الأسلوب بتعذيب النفس,اندفع دوستويفسكي في حب مجنون أعمى لزوجة معلم شاب كان قد أدمن الخمر, وقد بدأ حبه هذا بصداقة فهمها دوستويفسكي على أنها حب تخصه به زوجة المعلم الشاب "ماريا ايساييفا" لقد بدا هذا الحب أخويا بين الرجل القادم من سيبيريا,وبين المرأة التي لم تفعل أكثر من أنها منحت ثقتها للكاتب الذي ما زال مجهولا,ولقد حول دوستويفسكي هذه الثقة بينه وبين نفسه الى حب كبير جارف على شكل الحب الذي تصوره لنا رواياته..ولقد انقلب هذا الحب فيما بعد الى مزيج من الجنون والضياع عندما لم تفكر ماريا في دوستويفسكي الاكصديق حميم لها ولزوجها.الا أن دوستويفسكي لم ييأس لحظة واحدة في ملاحقتها بحبه المجنون ,ولقد أفسح موت الزوج المجال لدوستويفسكي للاقتراب من ماريا أكثر فأكثر,الا أن" ماريا" ترسل له رسالة تنبئه فيها بأنها تعشق رجلا آخر وأنها لا تفكر فيه مطلقا.فما كان من دوستويفسكي الا أن انسحب الى زاوية ضيقة يستقر فيها باحثا عن مساعدة يمدها الى ماريا في حب غريمه الشاب,ويعرض عليها هنا حبا أخويا وصداقة خالصة وهو يعلم أنه لا يستطيع الوفاء بوعده ,على أن الأمور التي سارت مع دوستويفسكي في حبه الأول على هذا النحو ,لا يلبث في التحسن عندما تدرك ماريا وهي المرأة المتقلبة الأهواء الضائعة.أن دوستويفسكي هو الشخص الوحيد الذي يحبها فعلا... ويتم الزواج بينهما ولكنه لا يكون زواجا سعيدا على الرغم من الحب الكبير الذي يبذله دوستويفسكي لزوجته لأن الكاتب وهن جسمه بتأثير سنوات النفي والسجن ,و زوجته متقلبة الأهواء يعذبها ضميرها في كل ما ترتكبه,وتشعر بضعف شخصيتها وهي مرتبكة في علاقاتها مع الآخرين وخاصة في علاقتها مع الشاب الذي كانت تعشقه قبل الزواج بدوستويفسكي والذي يلاحق الزوجين باستمرارالى كل مكان يذهبان اليه..ان هذا النوع من الحب الذي يصطدم به دوستويفسكي يعبر عنه في معظم رواياته "الأبله" "الشياطين" "الأخوة كارامازوف" وخاصة في روايته "الزوج الأبدي" أما في رواية "المقامر" فانه يصف حبا من طرف واحد .تلك التجربة التي خاضها في حياته مرتين كانت الأولى مع زوجته"ماريا ايسا ييفا" وكانت الثانية مع الفتاة الطالبة الجامعية "باولين سوسلوفا" المتحررة فكريا والملحدة والمتأثرة بالأفكار الأوربية المستحدثة,والتي لم يؤمن بها دوستويفسكي في يوم من الأيام. وعندها رفضت "باولين"حبه لأنها اتخذت عشيقا لها,طالبا أسبانيا يقدس الحب الحر كماكانت باولين تقدسه.
(تدل الحياة العاطفية التي عاشها دوستويفسكي على اندفاع كبير تجاه من يحبهم واصرار عنيف تجاه ما يشعر به نفسه ونرى انعدام للأنانية في شخصيته ),
ولربما لا تكون هذه المشكلة مشكلة دوستويفسكي وحده.لم تعد مشاكل دوستويفسكي العاطفية بعد موت زوجته وفشل علاقته بباولين مثيرة للأهتمام,لأن دوستويفسكي بذل جهده بعد فشل علاقتيه السابقتين في جعل علاقاته النسائية مستقرة.فتزوج كاتبة الاختزال "آنا سنيشينكا" التي أملى عليها روايته "المقامر" أعجب دوستويفسكي بآنا وطلب منها العمل في اتمام الفصول الأخيرة من روايته "الجريمة والعقاب" ثم جلس في أحد الأيام يحدثها قائلا: ان هناك رساما في مثل سنهيعيش وحيدا مبدد الأحلام مشرد العواطف يلتقي بفتاة يفهمها وتفهمه فتنتعش روحه ,ثم قال لها تصوري أن هذا الرسام هوأنا وأن هذه الفتاة هي أنت وتصوري أنني صارحتك بحبي فماذا تقولين فأجابت الفتاة :أقول أنني أحبك وسأظل أحبك مدى الحياة"(122_123_127) ويتم الزواج الذي يبدو وكأنه زواج سعيد ..
وقد تحقق ذلك فعلا .
تتوقف الحياة العاطفية المضطربة التي عاشها دوستويفسكي في هذه النقطة ولقد وفرت "آنا" لدوستويفسكي ما استطاعت من أسباب الراحة ,الا أن الكاتب كان يتجه حثيثا الى نهاية حياته خاصة بعد موت ابنه "ألكسي"وصدمته بذلك.
ليست القصص العاطفية التي يعرضها علينا دوستويفسكي سوى مرآة تنعكس من عليها حياته العاطفية الخاصة فكثيرا ما يذكرنا "ديمتري كارامازوف" بحبه المجنون ل"غروشنكا"باندفاع دوستويفسكي ذاته,في حين أن الرفض الذي يشعر فيه بطل "المقامر"في الرواية التي تحمل نفس الاسم من قبل"مدموازيل بلانش"انما يذكرنا برفض باولين له.
كانت "المقامر"انعكاسا تاما لعلاقة باولين بدوستويفسكي,وازدرائها له وجعل علاقتهما من طرف واحد,وقد ترك دوستويفسكي في تلك الفترة أثرا لم يعره النقاد اهتماما على الرغم من القضايا التي يطرحها والتي من أهمها مشكلة الانسان المسحوق .
وكان هذا الأثر رواية "في قبوي" وهي تتحدث عن معاناة رجل تخطى سن الشباب وبدأ يسخر من أحلامه وأماله والمثير في الموضوع أن هذا الشخص لا يتكلم عن عواطف كان يملكها وأنما عن أحلام مدمرة وعن انسحاق كامل لذكريات وأحلام شبابه.
ان القصة الوحيدة القريبة من الأجواء العاطفية في رواية "في قبوي"هي علاقة"حقير القبو" بالمومس "ليزا"وهي علاقة تعيد الى أذهاننا أحداث "الجريمة و العقاب"باطار مغاير بعض الشىء (حقير القبو)يفرغ كل ما يعتمل في نفسه من حقد في المومس "ليزا"فيشتمها ويلعنها ثم يطردها ..
وهذا الأرتباط العاطفي الوحيد انما هو ارتباط شاذ بين اثنين شائت ظروفهما الاجتماعية أن يلتقيا على طريق الألم والتناقض الأنساني .ليست رواية "في قبوي"سوى قصة صغيرة بسيطة في اطار لطيف يدل على عبقرية دوستويفسكي حيث أنها واحدة من أقتم روايات القرن التاسع عشر بالنسبة لفكرة الانسان في العالم السفلي .وكذلك في الأبله والشياطين وقد كتبها عندما كان في أوروبا مع زوجته وفبها يحاول أن ينقذ المعايير الجمالية للعالم الأنساني.كما حاول "دون كيشوت" في رواية "سرفانتس" الشهيرة انقاذ جمال العالم الأنساني من الشر الذي يقع فيه,
هنا في رواية الأبله حيث تتحول العواطف والآلام الى مزيج من رؤى جمالية نعثر على شخصية دوستويفسكي "الحقيقية" دوستويفسكي الذي يريد أن يرى العالم الانساني على حد تعبير ايفان كارامازوف (مليئا بالتناسق والأنسجام خاليا من الشر والألم) <424_425>.
ما الذي حل بمفهوم العاطفة والحب عند دوستويفسكي ابتداء من روايته"الفقراء" وانتهاء بروايته الأخيرة "الأخوة كارامازوف".
لم تعد العاطفة,وخاصة عاطفة الحب,في مفهوم دوستويفسكي ,وخاصة في روايته الأخيرة سوى ضريح من الآلام المصحوبة بتيارات العنف والهوى الجارف .
<<<تذكرنا القصص العاطفية في روايات دوستويفسكي بكوابيس الأفلام السينمائية,علما أنه ليس شكسبيريا في نمطه الا أنه كاتب نموذجي مخلص لعمله مبدع فيه,يدرس سيكولوجية الأفراد أكثر ممايخطط في رواياته.
استطاع أن يحلل عاطفة الحب قبل أن يقوم " فرويد" بتشريح الدماغ الأنساني ومن ثم تحليل النفس البشرية.
سبق علماء النفس في فهم سيكولوجية العاطفة,واستخراج الألم من جذور النفس البشرية,وأعطانا مفهوما عاما عن العلاقات المشوشة القائمة بين النساء التائهات والرجال المندفعين بآمالهم وعواطفهم وحبهم الجامحين بخيال العبقرية,الذين يريدون أن يحققوها والتي يعانون منها كما عانى هو ذاته منها!
دوستويفسكي ذلك الكاتب الروائي الذي انتهت حياته بمثل ما بدأت عاصفة غاضبة هوجاء مترنمة من الغضب ,ومتشامخة من كثرة العواطف الجياشة ,عبقرية في عنفوانها,ومحببة في جبروتها,ومتألمة لمصيرها ,ومصير بني البشر....:>>>
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
:hart: