شكو زولو
07/06/2008, 08:50
الصداقة، لغةً، تعني المحبة بالصدق. وكلمة صديق تشتق من الصدق والصدق نقيض الكذب. وبهذا يكون الصديق هو مَن صَدَقَ المودة والنصيحة. لهذا يقول المثل: "صديقك مَنْ صَدَقَكَ لا مَنْ صدّقك" (المنجد في اللغة والأعلام).
التراث الإنساني، الديني منه والاجتماعي، زاخر بالأدب حول الصداقة والأصدقاء. وللخبرة الشخصية تأثير كبير على هذا التراث. فمعظم التأمّلات والانطباعات عن الصداقة قامت على أساس الخبرة الشخصية، فجاء الانطباع سلبياً عند مَن سجّل في حياته أنواعاً من الخبرات المحبطة مع أصدقائه، وجاء الانطباع إيجابياً عند الشخص الذي عرف في حياته علاقات صداقة طويلة ومديدة كالتي يتّحدث عنها الكتاب المقدّس. فنذكر على سبيل المثال، الصداقة التي ربطت بين داود ويوناثان واستمرّت حتّى الموت. ثم بقيت خالدة في ذاكرة القلب. فأين الصَديق اليوم الذي يتحدّث عنه الكتاب؟ أين هو الصَديق الذي يقول عنه ابن سيراخ إنّه دواء الحياة وبأنّه ملجأ حصين ولا شيء يعادله؟
مَن منّا اليوم يراعي آداب الصحبة أو الصداقة؟ لو تمسّك كلّ من الصاحبين بهذه الآداب لما كانت المحبة تنقلب إلى عداوة، ولما وقع الفراق بينهما، ولما وجد الشيطان طريقاً إليهما. ليس من السهل التعبير من خلال الكلمات عن السعادة التي يسبّبها وجود الأصدقاء، إنّما الذين اختبروها ويختبرونها يعرفونها. لهذا لا يمكن لنا أن نتعلّم عظمة الصداقة لا من الدرس ولا من الشرح، إنّما فقط بالخبرة نفسها. وقد تكون هذه الخبرة مريرة أحياناً، وتؤدّي إلى خيبة الأمل، وأحياناً إلى الانزلاق نحو الشرّ، إلا إنّها تعلّم المرء أن يكون ثاقب النظر في اختيار أصدقائه. ليست الصداقة بمنأى عن العواصف، فالرسول بولس واجه مصاعب مع صَديقه برنابا، وحتّى مع بطرس نفسه، إلا أنّه ظلّ متّحداً بهما بأوثق الروابط، أي المحبة. لأنه عندما توجد المحبة تبطل كل رذيلة. فَمن أهم الأسباب التي تشكّل الخلاف بين الأصدقاء هي الرذائل. إذ كيف يمكن لصداقة ما أن تدوم ويتسلّط عليها التفاخر والغرور، الخيانة والخداع، السخرية والاستهزاء، الخذلان وعدم الاهتمام، الغيرة والحقد. كل هذه الرذائل أو التجارب لها نقيضها وبالتالي يمكن لأي خلاف يشكّل عائقاً دون نجاح العلاقة أن يُحل بنقيضه أي بالفضيلة. مما يعني أنه يمكن للصدق أن يحلّ مكان الغش والخداع. وأن نقدّم اقتراحات مهذبة ولا نصدر أوامرَ، بدل أن نسخر ونستهزئ بآراء أصدقائنا. وأن نبدي اهتماماً وعطفاً عوض أن نكون خذّالين، وأن ننسحق ونعتذر، عندما تدعو الحاجة الى الاعتذار، لأن المتواضع لا يعرف التفاخر اليه سبيلاً، وهكذا دواليك.
كم نحن اليوم بحاجة إلى أصدقاء حقيقيين، لأنّ ألوف الكنوز لا تقارَن بصَديق حقيقي، فالصَديق الحقيقي يصبر على صَديقه ولا ييأس من إصلاحه، من دون كبرياء ولا تعالٍ. لا يصاحب من أجل مصلحة دنيوية ويكون وفياً لصَديقه مهما كانت الظروف. يحبّ له الخير كما يحبّه لنفسه، ويُسَرّ لمسراته ويحزن لأحزانه. فالصداقة الحقّة لا تتكوّن بسرعة أبداً ولا تكتمل إلا مع الزمن. يقول ابن سيراخ بأنّ "الصداقة تزداد مناعةً عندما تشيخ"، و"الصَديق الحديث خمرٌ جديدة، إذا عَتُقَت لذّ لك شربُها" (سيراخ 10:9).
إذاً الصداقة حاجة ضرورية للحياة، كالماء والهواء والشمس. "لأنّه كما ترمي الشمس بأشعتها على الأماكن المجاورة، كذلك الأصدقاء ينثرون نورهم حيث يكونون" (موعظة القديسة أنثوسا إلى ابنها). هي حاجة ضرورية لأن لها فوائدها النفسية والاجتماعية. فهي تساعد كثيراً على خفض مشاعر الوحدة، وعلى الإفصاح عن الذات، كما أنها تلعب دوراً كبيراً في التفاعل الإجتماعي، لهذا من المهم جداً أن تنتشر قيّم الصداقة هذه في محيط العمل، وفي أجواء المؤسسات، وأن نتعلّم جميعاً أساليب حل الخلافات بين الأصدقاء، صغاراً أو كباراً، لأن ذلك ينعكس على العمل العام والخير العام.
وأخيراً، إن الله نفسه أظهر ذاته "صَديقاً للبشر" بمحبته المجانية وخاصةً للفقراء والمساكين والمضطَهَدين والمرضى، في حين أنّنا نرى اليوم، الأصدقاء يكثرون ويلتفّون حول الأغنياء. هذه الصداقة لا ولن تدوم، فصداقة المنفعة عَرَضية تنقطع بانقطاع الفائدة والمصلحة، على مثال صداقة يهوذا الذي باع السيّد بثلاثين من الفضّة. مَن أراد أن يكون صَديقاً حقًّا فليثبت في صداقته، بعد امتحانها. فيكون، كما يقول الميتروبوليت جورج خضر، "من أولئك الذين جاوزوا مجرى مجرّد التأثّر البشري إلى رؤية ما لا يفنى".
سميرة عوض ملكي
التراث الإنساني، الديني منه والاجتماعي، زاخر بالأدب حول الصداقة والأصدقاء. وللخبرة الشخصية تأثير كبير على هذا التراث. فمعظم التأمّلات والانطباعات عن الصداقة قامت على أساس الخبرة الشخصية، فجاء الانطباع سلبياً عند مَن سجّل في حياته أنواعاً من الخبرات المحبطة مع أصدقائه، وجاء الانطباع إيجابياً عند الشخص الذي عرف في حياته علاقات صداقة طويلة ومديدة كالتي يتّحدث عنها الكتاب المقدّس. فنذكر على سبيل المثال، الصداقة التي ربطت بين داود ويوناثان واستمرّت حتّى الموت. ثم بقيت خالدة في ذاكرة القلب. فأين الصَديق اليوم الذي يتحدّث عنه الكتاب؟ أين هو الصَديق الذي يقول عنه ابن سيراخ إنّه دواء الحياة وبأنّه ملجأ حصين ولا شيء يعادله؟
مَن منّا اليوم يراعي آداب الصحبة أو الصداقة؟ لو تمسّك كلّ من الصاحبين بهذه الآداب لما كانت المحبة تنقلب إلى عداوة، ولما وقع الفراق بينهما، ولما وجد الشيطان طريقاً إليهما. ليس من السهل التعبير من خلال الكلمات عن السعادة التي يسبّبها وجود الأصدقاء، إنّما الذين اختبروها ويختبرونها يعرفونها. لهذا لا يمكن لنا أن نتعلّم عظمة الصداقة لا من الدرس ولا من الشرح، إنّما فقط بالخبرة نفسها. وقد تكون هذه الخبرة مريرة أحياناً، وتؤدّي إلى خيبة الأمل، وأحياناً إلى الانزلاق نحو الشرّ، إلا إنّها تعلّم المرء أن يكون ثاقب النظر في اختيار أصدقائه. ليست الصداقة بمنأى عن العواصف، فالرسول بولس واجه مصاعب مع صَديقه برنابا، وحتّى مع بطرس نفسه، إلا أنّه ظلّ متّحداً بهما بأوثق الروابط، أي المحبة. لأنه عندما توجد المحبة تبطل كل رذيلة. فَمن أهم الأسباب التي تشكّل الخلاف بين الأصدقاء هي الرذائل. إذ كيف يمكن لصداقة ما أن تدوم ويتسلّط عليها التفاخر والغرور، الخيانة والخداع، السخرية والاستهزاء، الخذلان وعدم الاهتمام، الغيرة والحقد. كل هذه الرذائل أو التجارب لها نقيضها وبالتالي يمكن لأي خلاف يشكّل عائقاً دون نجاح العلاقة أن يُحل بنقيضه أي بالفضيلة. مما يعني أنه يمكن للصدق أن يحلّ مكان الغش والخداع. وأن نقدّم اقتراحات مهذبة ولا نصدر أوامرَ، بدل أن نسخر ونستهزئ بآراء أصدقائنا. وأن نبدي اهتماماً وعطفاً عوض أن نكون خذّالين، وأن ننسحق ونعتذر، عندما تدعو الحاجة الى الاعتذار، لأن المتواضع لا يعرف التفاخر اليه سبيلاً، وهكذا دواليك.
كم نحن اليوم بحاجة إلى أصدقاء حقيقيين، لأنّ ألوف الكنوز لا تقارَن بصَديق حقيقي، فالصَديق الحقيقي يصبر على صَديقه ولا ييأس من إصلاحه، من دون كبرياء ولا تعالٍ. لا يصاحب من أجل مصلحة دنيوية ويكون وفياً لصَديقه مهما كانت الظروف. يحبّ له الخير كما يحبّه لنفسه، ويُسَرّ لمسراته ويحزن لأحزانه. فالصداقة الحقّة لا تتكوّن بسرعة أبداً ولا تكتمل إلا مع الزمن. يقول ابن سيراخ بأنّ "الصداقة تزداد مناعةً عندما تشيخ"، و"الصَديق الحديث خمرٌ جديدة، إذا عَتُقَت لذّ لك شربُها" (سيراخ 10:9).
إذاً الصداقة حاجة ضرورية للحياة، كالماء والهواء والشمس. "لأنّه كما ترمي الشمس بأشعتها على الأماكن المجاورة، كذلك الأصدقاء ينثرون نورهم حيث يكونون" (موعظة القديسة أنثوسا إلى ابنها). هي حاجة ضرورية لأن لها فوائدها النفسية والاجتماعية. فهي تساعد كثيراً على خفض مشاعر الوحدة، وعلى الإفصاح عن الذات، كما أنها تلعب دوراً كبيراً في التفاعل الإجتماعي، لهذا من المهم جداً أن تنتشر قيّم الصداقة هذه في محيط العمل، وفي أجواء المؤسسات، وأن نتعلّم جميعاً أساليب حل الخلافات بين الأصدقاء، صغاراً أو كباراً، لأن ذلك ينعكس على العمل العام والخير العام.
وأخيراً، إن الله نفسه أظهر ذاته "صَديقاً للبشر" بمحبته المجانية وخاصةً للفقراء والمساكين والمضطَهَدين والمرضى، في حين أنّنا نرى اليوم، الأصدقاء يكثرون ويلتفّون حول الأغنياء. هذه الصداقة لا ولن تدوم، فصداقة المنفعة عَرَضية تنقطع بانقطاع الفائدة والمصلحة، على مثال صداقة يهوذا الذي باع السيّد بثلاثين من الفضّة. مَن أراد أن يكون صَديقاً حقًّا فليثبت في صداقته، بعد امتحانها. فيكون، كما يقول الميتروبوليت جورج خضر، "من أولئك الذين جاوزوا مجرى مجرّد التأثّر البشري إلى رؤية ما لا يفنى".
سميرة عوض ملكي