BL@CK
12/07/2008, 04:08
"كنيسة إيطالية تتحول إلي مسجد كل يوم جمعة"
هو عنوان خبر نشرته "نهضة مصر" بتاريخ 11/11/2007 نقلا عن صحف إيطالية. الخبر يقول إن كاهنا قرر فتح أبواب الكنيسة التي يرعاها بإحدى مدن شمال إيطاليا أمام المسلمين لأداء صلاة الجمعة في ظل عدم وجود مسجد في تلك المنطقة. وحسب صحيفتي "لاريبوبليكا" و"كورييري ديلا سيرا" الواسعتي الانتشار فإن جزءا من مبني كنسية سانتا ماريا أسونتا في ضاحية باديرنو دي بونزانو بمدينة تريفيزو، يتحول إلي مسجد كل يوم جمعة، وإن نحو 200 مسلم يتوافدون للصلاة في تلك الكنيسة قادمين من مناطق مختلفة. وبرر الكاهن دون ألدو دانيلي المشرف علي الكنيسة قراره بأنه نابع من رغبته في توطيد التلاقي بين الثقافات والأديان وتعزيز سبل اندماج الجالية المسلمة المقيمة في تلك البلدة. وقد تحدي الكاهن الإيطالي بذلك مخاوف بعض سكان المدينة من أداء المسلمين شعائرهم الدينية في رحاب الكنيسة. ويبلغ عدد مسلمي إيطاليا حوالي مليون مسلم، 5% منهم فقط من أصل إيطالي.
انتهى مضمون الخبر. وأفهم هذا جيدا. ولا يدهشني. يدهشني في المقابل، لا، أقصد لم يعد يدهشني في المقابل قانونٌ يمنع تشيد كنيسة في مصر إلا بموافقة مباشرة من رئيس الجمهورية! رغم أن بمصر أكثرَ من عشرة ملايين مسيحي! وحتى عام 1999 كان مجرد ترميم أي جزء تالف من كنيسة، ولو كان حائطا وشيك السقوط فوق رأس الناس، لا يتم كذلك إلا بعد موافقة مباشرة من أعلى سلطة في البلاد. وحتى بعد تصديق الرئيس يحتاج الأمر إلى سلسلة لا تنتهي من التوقيعات والموافقات "التعجيزية" والموافقات الأمنية (كأن المطلوب بناؤه قاعدة حربية أو نووية مثلا!) التي يجب أن تتم قبل إنشاء دار عبادة تعتمره شريحةٌ ضخمة من مواطني مصر. وفي المقابل يُعفى مالكُ برجٍ سكنيّ من دفع الضرائب مدى الحياة لو فقط بنى أسفله مسجدا صغيرا أو زاوية لصلاة المسلمين. حتى لو وصل عدد طوابق البرج ثلاثين أو أربعين طابقا!! لن أخوض في حقائق تاريخية معروفة مثل أن مصر في أساسها قبطية، وأن كلمةEgypt مشتقّة من الأصلCoptic أي قبطيّ. ولن أضيف جديدا حين أقول إن مسلمي مصر ليسوا إلا فاتحين دخلوا البلاد مع جيش يقوده عمرو بن العاص، الشخصية الملتبسّة الذي قيل إنه قام بتوزيع كتب مكتبة الإسكندرية على الحمامات لحرقها بعدما أرسل له عمر بن الخطاب رسالة تقول إن ما كان من هذه الكتب موافقا لكتاب الله ففي كتاب الله عنه الغنى، وما كان منها مخالفا لكتاب الله فلا حاجة لنا به! ثم قام بن العاص بفرض الجزية الضخمة على من تمسّكوا بعقيدتهم من المصريين ولم يدخلوا الدين الجديد. وكان يُعلّم على أجسادهم وأثوابهم وأبواب بيوتهم بعلامات تفيد أن نصرانيا يقطن هذا البيت فاجتنبوه. وقد بلغ من احتقار العرب للمصريين(أصحاب البلد) أن قال معاوية بن أبى سفيان: "وجدتُ أهلَ مصرَ ثلاثةَ أصناف: فثلثٌ ناسٌ، وثلثٌ يشبه الناسَ، وثلثٌ لا ناس. فأما الثلث الذين هم ناسٌ فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى؛ أي من أسلم من المصريين، والثلث الذين لا ناس فالمسالمة أي القبط"!!! ولن أعيد الكلام عن البند الثاني في الدستور المصري، الذي يحاول مثقفو مصر تعديله منذ دهر دون فائدة، ويقول إن مصر بلد إسلامي بما يعني أن كل مواطن مسيحي هو،بالتبعية، مواطن من الدرجة الثانية. ولا الكلام حول مطالبتنا، نحن المثقفين التعساء، بإلغاء خانة الديانة في بطاقة الهوية المصرية، إسوةً بكل بلدان العالم. إذ البطاقة إن هي إلا عقدُ مواطَنة بين المواطِن ودولته لا شأن له بالعقيدة. ولن أتعجّب من كون مباني جامعة الأزهر تُشيّد من ضرائب يدفعها مواطنو مصر من مسيحيين ومسلمين ثم يُحرّم دخولها على غير المسلمين! ولن أحكي عن عراكنا من أحد الدعاة الفاشيين حين قال إن العقيدةَ الدينيةَ شرطٌ للمواطَنة! ولما قلنا له كلامك يا مولانا يعني أن المسلم الأفغاني له حق المواطنة بمصر أكثر من المصري القبطي! قال نعم!!!!!!!
"الدين لله والوطن للجميع" هو الشعار الذي رفعته ثورة 19، حكومةً وشعبًا، حين كانت مصر راقيةً وأكثر تحضرًا ووعيا. حين كانت خلوًا من مثل هؤلاء الغلاة الذين يفتتون أوصال الوطن ثم يتعجبون من نشوب فتنة طائفية طارئة غير المسبَّبة هنا أو هناك. فأما الدين فللهلم يزل، فهل الوطن مصرُ للجميع؟ لن أجادل في كل البديهيات السابقة المهدَرة لأننا تعبتنا حقا من المجادلة والعراك بشأنها. لكنني سأجرّد الأمر دون الخوض في تفاصيل. كيف أمنع نفسي من الدهشة أن يأتي علينا حينٌ من الدهر يكون بناء نادٍ ليلي أو ملهى للترفيه أيسر من بناء دار لعبادة الرب، أيًّا كان هذا الرب؟
شهدت مثل هذا الأمر بنفسي. أسكن في حيّ يضم مساكن لأفراد من جاليات أوروبية من أساتذة الجامعات والأطباء والعلماء وأسرهم. يعني نسبة المسيحيين به لا يستهان بها. يوجد بها، حتى الآن فقط، ثلاثة مساجد ضخمة فخمة. وحين فكر البعض في بناء كنيسة واحدة وحيدة لخدمة مسيحيي الحي من مصريين وأجانب ثارت الثائرة وانتفض القوم! ولم تتم الموافقة إلا بعد عمل بيان استنكاري حاد اللهجة هدد فيه المسيحيون بالانسحاب من المدينة إن لم تُبنَ لهم كنيسة. وكان لهم ما أرادوا بعد عذاب شهدتُه بنفسي وعاركت فيه.
وبعمل تجريد جديد أقول إن الفارق في الوعي بين "فرد واحد" هو ذلك الكاهن الإيطالي الجسور، وبين "مجموع ضخم" يمثّل الحكومة المصرية بدستورها الجائر، وبعض دعاتها الغلاة، وقسما لا يُستهان به من القاعدة الشعبية، هو الفارق الحضاري والفكري والوجودي بين دولةمدنيّة وبين دولة من العالم الثالث. طرفةٌ رياضية أن يكون وعي "فرد" أعلى من "محصّلة وعي مجموع"!
فاطمة ناعـوت - موقع ألف
هو عنوان خبر نشرته "نهضة مصر" بتاريخ 11/11/2007 نقلا عن صحف إيطالية. الخبر يقول إن كاهنا قرر فتح أبواب الكنيسة التي يرعاها بإحدى مدن شمال إيطاليا أمام المسلمين لأداء صلاة الجمعة في ظل عدم وجود مسجد في تلك المنطقة. وحسب صحيفتي "لاريبوبليكا" و"كورييري ديلا سيرا" الواسعتي الانتشار فإن جزءا من مبني كنسية سانتا ماريا أسونتا في ضاحية باديرنو دي بونزانو بمدينة تريفيزو، يتحول إلي مسجد كل يوم جمعة، وإن نحو 200 مسلم يتوافدون للصلاة في تلك الكنيسة قادمين من مناطق مختلفة. وبرر الكاهن دون ألدو دانيلي المشرف علي الكنيسة قراره بأنه نابع من رغبته في توطيد التلاقي بين الثقافات والأديان وتعزيز سبل اندماج الجالية المسلمة المقيمة في تلك البلدة. وقد تحدي الكاهن الإيطالي بذلك مخاوف بعض سكان المدينة من أداء المسلمين شعائرهم الدينية في رحاب الكنيسة. ويبلغ عدد مسلمي إيطاليا حوالي مليون مسلم، 5% منهم فقط من أصل إيطالي.
انتهى مضمون الخبر. وأفهم هذا جيدا. ولا يدهشني. يدهشني في المقابل، لا، أقصد لم يعد يدهشني في المقابل قانونٌ يمنع تشيد كنيسة في مصر إلا بموافقة مباشرة من رئيس الجمهورية! رغم أن بمصر أكثرَ من عشرة ملايين مسيحي! وحتى عام 1999 كان مجرد ترميم أي جزء تالف من كنيسة، ولو كان حائطا وشيك السقوط فوق رأس الناس، لا يتم كذلك إلا بعد موافقة مباشرة من أعلى سلطة في البلاد. وحتى بعد تصديق الرئيس يحتاج الأمر إلى سلسلة لا تنتهي من التوقيعات والموافقات "التعجيزية" والموافقات الأمنية (كأن المطلوب بناؤه قاعدة حربية أو نووية مثلا!) التي يجب أن تتم قبل إنشاء دار عبادة تعتمره شريحةٌ ضخمة من مواطني مصر. وفي المقابل يُعفى مالكُ برجٍ سكنيّ من دفع الضرائب مدى الحياة لو فقط بنى أسفله مسجدا صغيرا أو زاوية لصلاة المسلمين. حتى لو وصل عدد طوابق البرج ثلاثين أو أربعين طابقا!! لن أخوض في حقائق تاريخية معروفة مثل أن مصر في أساسها قبطية، وأن كلمةEgypt مشتقّة من الأصلCoptic أي قبطيّ. ولن أضيف جديدا حين أقول إن مسلمي مصر ليسوا إلا فاتحين دخلوا البلاد مع جيش يقوده عمرو بن العاص، الشخصية الملتبسّة الذي قيل إنه قام بتوزيع كتب مكتبة الإسكندرية على الحمامات لحرقها بعدما أرسل له عمر بن الخطاب رسالة تقول إن ما كان من هذه الكتب موافقا لكتاب الله ففي كتاب الله عنه الغنى، وما كان منها مخالفا لكتاب الله فلا حاجة لنا به! ثم قام بن العاص بفرض الجزية الضخمة على من تمسّكوا بعقيدتهم من المصريين ولم يدخلوا الدين الجديد. وكان يُعلّم على أجسادهم وأثوابهم وأبواب بيوتهم بعلامات تفيد أن نصرانيا يقطن هذا البيت فاجتنبوه. وقد بلغ من احتقار العرب للمصريين(أصحاب البلد) أن قال معاوية بن أبى سفيان: "وجدتُ أهلَ مصرَ ثلاثةَ أصناف: فثلثٌ ناسٌ، وثلثٌ يشبه الناسَ، وثلثٌ لا ناس. فأما الثلث الذين هم ناسٌ فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى؛ أي من أسلم من المصريين، والثلث الذين لا ناس فالمسالمة أي القبط"!!! ولن أعيد الكلام عن البند الثاني في الدستور المصري، الذي يحاول مثقفو مصر تعديله منذ دهر دون فائدة، ويقول إن مصر بلد إسلامي بما يعني أن كل مواطن مسيحي هو،بالتبعية، مواطن من الدرجة الثانية. ولا الكلام حول مطالبتنا، نحن المثقفين التعساء، بإلغاء خانة الديانة في بطاقة الهوية المصرية، إسوةً بكل بلدان العالم. إذ البطاقة إن هي إلا عقدُ مواطَنة بين المواطِن ودولته لا شأن له بالعقيدة. ولن أتعجّب من كون مباني جامعة الأزهر تُشيّد من ضرائب يدفعها مواطنو مصر من مسيحيين ومسلمين ثم يُحرّم دخولها على غير المسلمين! ولن أحكي عن عراكنا من أحد الدعاة الفاشيين حين قال إن العقيدةَ الدينيةَ شرطٌ للمواطَنة! ولما قلنا له كلامك يا مولانا يعني أن المسلم الأفغاني له حق المواطنة بمصر أكثر من المصري القبطي! قال نعم!!!!!!!
"الدين لله والوطن للجميع" هو الشعار الذي رفعته ثورة 19، حكومةً وشعبًا، حين كانت مصر راقيةً وأكثر تحضرًا ووعيا. حين كانت خلوًا من مثل هؤلاء الغلاة الذين يفتتون أوصال الوطن ثم يتعجبون من نشوب فتنة طائفية طارئة غير المسبَّبة هنا أو هناك. فأما الدين فللهلم يزل، فهل الوطن مصرُ للجميع؟ لن أجادل في كل البديهيات السابقة المهدَرة لأننا تعبتنا حقا من المجادلة والعراك بشأنها. لكنني سأجرّد الأمر دون الخوض في تفاصيل. كيف أمنع نفسي من الدهشة أن يأتي علينا حينٌ من الدهر يكون بناء نادٍ ليلي أو ملهى للترفيه أيسر من بناء دار لعبادة الرب، أيًّا كان هذا الرب؟
شهدت مثل هذا الأمر بنفسي. أسكن في حيّ يضم مساكن لأفراد من جاليات أوروبية من أساتذة الجامعات والأطباء والعلماء وأسرهم. يعني نسبة المسيحيين به لا يستهان بها. يوجد بها، حتى الآن فقط، ثلاثة مساجد ضخمة فخمة. وحين فكر البعض في بناء كنيسة واحدة وحيدة لخدمة مسيحيي الحي من مصريين وأجانب ثارت الثائرة وانتفض القوم! ولم تتم الموافقة إلا بعد عمل بيان استنكاري حاد اللهجة هدد فيه المسيحيون بالانسحاب من المدينة إن لم تُبنَ لهم كنيسة. وكان لهم ما أرادوا بعد عذاب شهدتُه بنفسي وعاركت فيه.
وبعمل تجريد جديد أقول إن الفارق في الوعي بين "فرد واحد" هو ذلك الكاهن الإيطالي الجسور، وبين "مجموع ضخم" يمثّل الحكومة المصرية بدستورها الجائر، وبعض دعاتها الغلاة، وقسما لا يُستهان به من القاعدة الشعبية، هو الفارق الحضاري والفكري والوجودي بين دولةمدنيّة وبين دولة من العالم الثالث. طرفةٌ رياضية أن يكون وعي "فرد" أعلى من "محصّلة وعي مجموع"!
فاطمة ناعـوت - موقع ألف