VivaSyria
13/07/2008, 19:34
لا يمكن لسلطة الاستبداد القبول بمبدأ الحوار، أو مناقشة أي فلسفة تتجاوز أو تتعدى فلسفة سلطتها وحكمها، أو حتى المهادنة مع من تعتبرهم معارضين منتقدين أو مهددين لسلطتها.
قبولك في السلطة والحكم مشروط ومرهون بمدى طاعتك وخضوعك وتبعيتك وتنفيذ ما يُطلب منك قولاً وفعلاً، وإلا فستتحمّل النتائج.
يقول العالم سكِنَر: "إذا أردتَ أن تتحكّم بأي سلوك، ما عليك سوى التحكّم بنتائجه. فإذا أردتَ لسلوكٍ ما أن يتكرّر، عليك أن تجعله يؤدي إلى نتيجة إيجابية (مكافأة). وإذا أردتَ أن توقِف سلوكاً ما أو تُطفئه، ما عليك سوى أن تجعله لا يؤدي إلى نتيجة، أو أشدّ من ذلك، أن يؤدي إلى نتيجة سيئة أو مؤلمة أو مُكلِفة... وما دُمتَ تمتلك ناصية النتائج والتحكّم بها، يمكنك أن تتحكّم بالسلوك ذاته كما تشاء". وهذا ما أطلق عليه سكِنَر، تكنولوجيا السلوك. (مصفى حجازي\ الإنسان المهدور).
وهذا بالتأكيد ما يحرص عليه أي نظام استبدادي، خاصة النظام السوري الذي يقوم باستخدام هذا المبدأ إلى مداه الأبعد، بحيث يجعل ممن "تسوّل لهم أنفسهم" مساءلة السلطة أو الاعتراض على فسادها واستبدادها نتائج كارثية وليست مؤلمة ومكلفة فحسب.
وما جرى مؤخراً في سجن صيدنايا، مُجرّد لوحة مُجرّبة ومُكرّرة من اللوحات التي عرضها سابقاً بحق الشعب السوري ومناهضي سلطته.
تقوم سلطة الاستبداد على مبدأ ثنائية (السيف والمنسف)*.
تعتَبِرُ سلطة الاستبداد نفسها أنها مالكة للحقيقة، وهي بهذا تتقاطع مع الأصوليات المتطرفة التي تمتلك ذات الادعاء، وأن أي معارض ومخالف لسلطتها يُعتَبرُ خارجا عن القانون والدولة والمجتمع، أي خائناً، مُكفّراً سياسياً ووطنياً واجتماعياً، وبالتالي يحق لها تجريده من الحقوق المدنية والسياسية والوطنية وملاحقته بشتى الوسائل، وقد تتراوح عقوبته بين السجن أو النفي أو القتل.
أما الخيار الآخر فهو الطاعة والرضوخ والتبعية، وبالتالي الحصول على حصة من منسف السلطة الممدود أمامك، فاغرف منه حتى يسيل السمن العربي من أكواعك، ثم اضرب بسيف سلطان نعمتك وولي أمنك.
تَعتَبِرُ سلطة الاستبداد أن كل ما يوجد من خيرات وموارد الوطن مُلكاً لها تتصرّف به كيفما ترتأي، تمنح من تشاء وتسلب من تشاء، على مبدأ الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، حيث قال في أول خطبة له في الرقة: (لقد وُليتُ عليكم، أموالكم وأرواحكم في يدي، إن شئتُ قبضت وإن شئت بسطت).
ويقوم نظام الطغاة والاستبداد على منح نفسه ما شاء من ألقاب ومراتب تزيد من جبروته وعليائه، تُغذي نرجسيته وترضي غروره... "القيادة الحكيمة، قائد الأمة، رمز الأمة، مُلهِم الجماهير، صانع الانتصارات والأمجاد، إلى آخره...".
ويطلق على معارضيه وخصومه ما شاء من نعوت واتهامات... "خونة، عملاء، جواسيس، كَفَرة، طابور خامس، مرتزقة، وآخر اختراع اختص به النظام في سوريا، إضعاف الشعور القومي والوطني؟!".
أما دستور الدولة، فهو كقطعة قماش يُقصّص ويُدوّر على مقاس الخليفة الحاكم، مهما كان جسمه غير لبّيس أو يتعارض مع قماشة الدستور. وما على أعضاء "مجلس الشعب" والذين استوزرهم النظام في حكومته سوى الطاعة والتأييد بعدما نالهم من منسفه، سواء رغبة بالمنسف أو رهبة من السيف، ما ملأ بطونهم وأعمى عيونهم وأخرس ألسنتهم وأنام ضمائرهم. فنالوا الرضى والحماية والقبول من قائدهم المُلهم وولي نعمتهم المُبجّل، ولكن... وهم صاغرون.
ربما نجح النظام في سوريا، في إتقان تلك الثنائية (السيف والمنسف) لعقود طويلة خلت، وإلا لما بقي صامداً في سلطته.
ما أربك النظام وجعله أكثر شراسة اتجاه معارضيه خلال السنوات الأخيرة، أولئك الذين رفضوا المنسف وتمردوا على السيف، فلو رضي مُمثلو ربيع دمشق وإعلان دمشق وباقي أطياف المعارضة تلويث أيديهم وأنفسهم من ذاك المنسف ثم تحديهم للسيف المسلط على رقابهم ورقاب ذويهم ومناصريهم لاستمرت الأمور على ما هي عليه وأسوأ. لكنهم اختاروا الوطن بدل المنسف، والحرية بدل الطغيان والاستبداد، والدولة بدل العصابة.
ولو كان لمانديلا سوريا رياض الترك أن يلوّث كفه في منسف السلطة وحسائها لما قضى قرابة الربع قرنٍ في زنزانة تحاكيه جدرانها الضيّقة، ولو رضي مُجرّد الصمت بعد خروجه منها لأتاه المنسف طائعاً.
مؤخراً يطلب رأس النظام بشار الأسد من المفكر ميشيل كيلو الاعتذار عما قاله وفعله شرطاً لإطلاق سراحه، فماذا قال وماذا فعل ميشيل كيلو؟! سوى اعتذاره عن وليمة المنسف وتحديه السيف، بل رفضهما.
لكن عناد المُستبّد واستكباره ما زال يصرُّ على ميشيل كيلو ورفاقه ذاك الخيار المرِن بين "السيف والمنسف "... فمن يعتذر مِن مَن؟!
وهيب أيوب - المرصد السوري
قبولك في السلطة والحكم مشروط ومرهون بمدى طاعتك وخضوعك وتبعيتك وتنفيذ ما يُطلب منك قولاً وفعلاً، وإلا فستتحمّل النتائج.
يقول العالم سكِنَر: "إذا أردتَ أن تتحكّم بأي سلوك، ما عليك سوى التحكّم بنتائجه. فإذا أردتَ لسلوكٍ ما أن يتكرّر، عليك أن تجعله يؤدي إلى نتيجة إيجابية (مكافأة). وإذا أردتَ أن توقِف سلوكاً ما أو تُطفئه، ما عليك سوى أن تجعله لا يؤدي إلى نتيجة، أو أشدّ من ذلك، أن يؤدي إلى نتيجة سيئة أو مؤلمة أو مُكلِفة... وما دُمتَ تمتلك ناصية النتائج والتحكّم بها، يمكنك أن تتحكّم بالسلوك ذاته كما تشاء". وهذا ما أطلق عليه سكِنَر، تكنولوجيا السلوك. (مصفى حجازي\ الإنسان المهدور).
وهذا بالتأكيد ما يحرص عليه أي نظام استبدادي، خاصة النظام السوري الذي يقوم باستخدام هذا المبدأ إلى مداه الأبعد، بحيث يجعل ممن "تسوّل لهم أنفسهم" مساءلة السلطة أو الاعتراض على فسادها واستبدادها نتائج كارثية وليست مؤلمة ومكلفة فحسب.
وما جرى مؤخراً في سجن صيدنايا، مُجرّد لوحة مُجرّبة ومُكرّرة من اللوحات التي عرضها سابقاً بحق الشعب السوري ومناهضي سلطته.
تقوم سلطة الاستبداد على مبدأ ثنائية (السيف والمنسف)*.
تعتَبِرُ سلطة الاستبداد نفسها أنها مالكة للحقيقة، وهي بهذا تتقاطع مع الأصوليات المتطرفة التي تمتلك ذات الادعاء، وأن أي معارض ومخالف لسلطتها يُعتَبرُ خارجا عن القانون والدولة والمجتمع، أي خائناً، مُكفّراً سياسياً ووطنياً واجتماعياً، وبالتالي يحق لها تجريده من الحقوق المدنية والسياسية والوطنية وملاحقته بشتى الوسائل، وقد تتراوح عقوبته بين السجن أو النفي أو القتل.
أما الخيار الآخر فهو الطاعة والرضوخ والتبعية، وبالتالي الحصول على حصة من منسف السلطة الممدود أمامك، فاغرف منه حتى يسيل السمن العربي من أكواعك، ثم اضرب بسيف سلطان نعمتك وولي أمنك.
تَعتَبِرُ سلطة الاستبداد أن كل ما يوجد من خيرات وموارد الوطن مُلكاً لها تتصرّف به كيفما ترتأي، تمنح من تشاء وتسلب من تشاء، على مبدأ الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، حيث قال في أول خطبة له في الرقة: (لقد وُليتُ عليكم، أموالكم وأرواحكم في يدي، إن شئتُ قبضت وإن شئت بسطت).
ويقوم نظام الطغاة والاستبداد على منح نفسه ما شاء من ألقاب ومراتب تزيد من جبروته وعليائه، تُغذي نرجسيته وترضي غروره... "القيادة الحكيمة، قائد الأمة، رمز الأمة، مُلهِم الجماهير، صانع الانتصارات والأمجاد، إلى آخره...".
ويطلق على معارضيه وخصومه ما شاء من نعوت واتهامات... "خونة، عملاء، جواسيس، كَفَرة، طابور خامس، مرتزقة، وآخر اختراع اختص به النظام في سوريا، إضعاف الشعور القومي والوطني؟!".
أما دستور الدولة، فهو كقطعة قماش يُقصّص ويُدوّر على مقاس الخليفة الحاكم، مهما كان جسمه غير لبّيس أو يتعارض مع قماشة الدستور. وما على أعضاء "مجلس الشعب" والذين استوزرهم النظام في حكومته سوى الطاعة والتأييد بعدما نالهم من منسفه، سواء رغبة بالمنسف أو رهبة من السيف، ما ملأ بطونهم وأعمى عيونهم وأخرس ألسنتهم وأنام ضمائرهم. فنالوا الرضى والحماية والقبول من قائدهم المُلهم وولي نعمتهم المُبجّل، ولكن... وهم صاغرون.
ربما نجح النظام في سوريا، في إتقان تلك الثنائية (السيف والمنسف) لعقود طويلة خلت، وإلا لما بقي صامداً في سلطته.
ما أربك النظام وجعله أكثر شراسة اتجاه معارضيه خلال السنوات الأخيرة، أولئك الذين رفضوا المنسف وتمردوا على السيف، فلو رضي مُمثلو ربيع دمشق وإعلان دمشق وباقي أطياف المعارضة تلويث أيديهم وأنفسهم من ذاك المنسف ثم تحديهم للسيف المسلط على رقابهم ورقاب ذويهم ومناصريهم لاستمرت الأمور على ما هي عليه وأسوأ. لكنهم اختاروا الوطن بدل المنسف، والحرية بدل الطغيان والاستبداد، والدولة بدل العصابة.
ولو كان لمانديلا سوريا رياض الترك أن يلوّث كفه في منسف السلطة وحسائها لما قضى قرابة الربع قرنٍ في زنزانة تحاكيه جدرانها الضيّقة، ولو رضي مُجرّد الصمت بعد خروجه منها لأتاه المنسف طائعاً.
مؤخراً يطلب رأس النظام بشار الأسد من المفكر ميشيل كيلو الاعتذار عما قاله وفعله شرطاً لإطلاق سراحه، فماذا قال وماذا فعل ميشيل كيلو؟! سوى اعتذاره عن وليمة المنسف وتحديه السيف، بل رفضهما.
لكن عناد المُستبّد واستكباره ما زال يصرُّ على ميشيل كيلو ورفاقه ذاك الخيار المرِن بين "السيف والمنسف "... فمن يعتذر مِن مَن؟!
وهيب أيوب - المرصد السوري