ayhamm26
17/07/2008, 20:44
بدت الصور التي بثتها قناة (العربية) وقنوات أخرى عن التحقيق مع عمر خضر، المعتقل الكندي من أصل مصري في سجن غوانتامو، والتي قدمت باعتبارها: (أول اعترافات مصورة تبث لمعتقل في غوانتامو) بدت هذه الصور، صادمة للشعور الإنساني، رغم أنها لم تظهر أي عمليات تعذيب يقوم بها المحققون الأميركيون مع المعتقل الذي اعتقل وهو في سن السادسة عشرة وكان بذلك أصغر معتقل في هذا السجن الأمريكي البشع... وقد ذكر محامي عمر خضر، أن موكله قد حرم من النوم لعدة أيام كي يضعف المحققون إرادته وقدرته على التركيز والمقاومة! إلا أن المأساة الحقيقية لهذا المعتقل الذي ترفض الحكومة الكندية العمل على استعادته، أن أصوله المصرية لم تشفع له بأي محاولة إنسانية... ولم تحرك أي مروءة حكومية عربية، مادامت الحكومة المصرية تصنفه ـ مثل الأمريكيين- باعتباره (إرهابيا) حاول قتل جندي أمريكي في أفغانستان! ورغم أن الاتهامات الموجهة له، حول علاقته بالقاعدة... بقيت في السياق القانوني إتهامات غير مثبتة... أي لم تسوق مقرونة بالدلائل والبراهين، إلا أن هذا الشاب العربي يبقى رهين الاعتقال، في زمن تتواطأ فيه الحكومات العربية مع هذا الغوانتاناموي وما يمثله من انتهاك لحقوق الإنسان... ولحقوق المحاكمة العادلة في زمن العدالة الأمريكية السافرة!
إن صورة عمر خضر، وبكاؤه اليائس حالة تدعو للتأمل حقاً... فخلف الشفقة الظاهرية التي تثيرها للوهلة الأولى، تكمن صورة الإنسان العربي الرخيص الثمن، سواء وقع في يد أعدائه، أو سجنته أنظمته الوطنية في سجونها الأكثر احترافاً وإتقاناً لفنون التعذيب، والأبلغ امتهاناً لأبسط قيم العدالة وصون كرامة البشر! فهذه الأنظمة هي شريكة في صناعة الإرهاب، وفي دفع المؤمنين والمغرر بهم على حد سواء، إلى ساحات العنف والتطرف... فما من حياة حرة وكريمة ومليئة بقيم تحقيق الذات، ومسكونة بهواجس العدالة والديمقراطية، يمكن أن تدفع أحداً لأن يضحي بنفسه في سبيل نظام متطرف ومغلق ومتخلف مثل نظام طالبان، أو في سبيل موت مجاني، يبدد طاقة خيرة شباب الأمة، ومن تحتاجهم في التنمية والبناء.
ربما لا نعرف ظروف اتهام واعتقال عمر خضر، لكن فتى يعتقل في السادسة عشرة من العمر، ويمضي سنوات في معتقلٍ، اعُتبر سجناؤه مجرمون لا يستحقون أية حقوق، حري بالتعاطف والمؤازرة، ورفع صوت التضامن معه... ولاشك أن مثل حالته حالات كثيرة، لابد أن ينظر إليها نظرة أخرى خارج سياق الاتهامات الأمريكية المشكوك في صدقيتها. ولاشك أن الصورة على بساطتها قياساً بما يجري في السجون العربية- هي أبلغ من ألف كلمة في التعبير عن العذابات الإنسانية... ولو أن صوراً أخرى تسربت من السجون العربية لكنا أمام تعبير آخر عن قيمة الإنسان العربي، وعن حاله المزرية التي يستحق معها، أن تطالب جمعيات الرفق بالحيوان بشيء من الحقوق له... فلغة الحديد والنار لا تصنع أوطاناً سليمة ومعافاة من أمراض التطرف والإرهاب... ولا تترك للتاريخ غير عهود الظلم والدم وجرائم الاستبداد التي ستسطع عليها شمس الحقيقة مهما طغى صوت الباطل وكثرت شهادات الزور والبهتان!
مظاهرات (بالروح... بالدم): الصوت الذي لا قيمة له! وأبقى مع صورة الإنسان العربي الرخيص الثمن... وأنا أتابع مظاهرات التأييد للرئيس السوداني عمر البشير. بداية وككثير من المواطنين العرب، أرفض تقديم رئيس دولة عربي للمحكمة الجنائية الدولية، سواء أقر القضاة لائحة اتهام مدعيها العام أوكامبو... أو لم يقروا... ولو كان على هذه المحكمة أن تقدم أحداً لهذه المحكمة، أو تصدر مذكرة اعتقال بحق أحد، لكان عليها أن تفعل مع جل رؤساء الحكومات الإسرائيلية، الذين لم يخل عهد أي واحد منهم بمن فيهم رابين الذي ُصّنف في فصيلة الحمائم، من ارتكاب مجزرة أو حرب إبادة، أو جريمة ضد الإنسانية سواء في فلسطين أو في لبنان أو غير أرض عربية... لكنني وكإنسان عربي أشعر أن علينا أن ننتمي لهذا العصر، وأن نتجاوز تقاليد الإعلام الشمولي، وأسلوب تعبئة القطيع الجماهيرية... أشعر بالعار من أي مظاهرة ترفع شعار (بالروح بالدم نفديك يا...) كما رأينا على شاشة الفضائية السودانية أخيراً وليس آخراً في مظاهرات التأييد للرئيس البشير، والاعتراض على توجيه الاتهام له من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي! لا أحد في العالم يصدق أن هذه المظاهرات، في أي دولة عربية كانت، تخرج من تلقاء نفسها... لا أحد يصدق أننا سنفدي زعماءنا بالروح والدم، إلا إذا أرغمنا حقيقة على الموت من أجل أن يبقوا... أي ببساطة يمكن أن نفديهم على طريقة: (مكره أخاك لا بطل)! لقد كان العراقيون يخرجون بالملايين ليهتفوا بحياة صدام حسين فيما بغداد توشك على السقوط بيد الاحتلال الأمريكي، وسواء كان صدام في نظرنا ديكتاتورا ظالماً أم شهيداً وبطلاً... فإن أحداً منا لم يكن يصدق تلك المظاهرات، ولم يكن يشك أن 99.99 بالمائة من المشاركين فيها قد خرجوا تحت ضغط الخوف من بطش من ينادون بحياته ويعلنون أنهم سيفدونه بالروح والدم... رغم تعاطفنا الكبير مع العراق بعد الاحتلال أضعاف تعاطفنا قبله! إن السؤال الذي يطرح نفسه في سياق تاريخي عربي متصل، متى ستحترم أنظمتنا صورتنا أمام الآخرين... متى ستترك لنا وسيلة حضارية أخرى للوقوف معها إذا اقتضت الحاجة، غير مسرحيات بالروح وبالدم، ورفع الصور واللافتات التي تتهم الآخرين بالعمالة، وتكيل لهم الشتائم كما رأينا في مظاهرات السودان الأخيرة التي شتم فيها لويس أوكامبو واتهم بالعمالة ولعن سنسفيل أجداده، لأنه تطاول على الزعيم! في تظاهرات بالروح بالدم... يسمح للموظفين أن يخرجوا من دوائرهم في أوقات الدوام الرسمي، وللطلاب والمعلمين أن يعطلوا العملية التعليمية مهما كان هناك تأخير في إعطاء دروس المنهاج المقررة، وللعمال أن يغلقوا معاملهم، ويسمح للجميع أن يقطعوا الطرقات، وأن يسيروا عكس اتجاه السير، وأن يحتلوا الساحات العامة، دون أن يحتج أحد على مصلحة عامة تتعطل، أو ضرورات هامة تعرقل! إن صورة مظاهرات التأييد الشعبية العربية، وهي اليوم صورة تلفزيونية فضائية بامتياز، تنتقل من محطة رسمية إلى أخرى حسب الحدث والمناسبة والرغبة... لا تفعل شيئاَ سوى أنها تؤكد أننا أصوات لا قيمة لها... فما من مظاهرة شعبية في دعم زعيم عربي، على حق كان أم على باطل، حلت أزمة، أو خففت عقوبة، أو أجبرت مجلس الأمن عن التراجع في اتخاذ إجراء... أو إعادة النظر في قرار... والعالم محق في ألا يصدقنا، لأنه ما من مظاهرة احتجاجية إذا قيض لها أن تشق طريقاً- أجبرت حاكماً على إعطاء شيء لشعبه، أو إسقاط حكومة، أو التراجع عن قانون جائر، أو تحقيق أي مكسب داخلي... فلماذا يجب أن تحقق هذه المظاهرات مكسباً خارجياً؟
القدس العربي
إن صورة عمر خضر، وبكاؤه اليائس حالة تدعو للتأمل حقاً... فخلف الشفقة الظاهرية التي تثيرها للوهلة الأولى، تكمن صورة الإنسان العربي الرخيص الثمن، سواء وقع في يد أعدائه، أو سجنته أنظمته الوطنية في سجونها الأكثر احترافاً وإتقاناً لفنون التعذيب، والأبلغ امتهاناً لأبسط قيم العدالة وصون كرامة البشر! فهذه الأنظمة هي شريكة في صناعة الإرهاب، وفي دفع المؤمنين والمغرر بهم على حد سواء، إلى ساحات العنف والتطرف... فما من حياة حرة وكريمة ومليئة بقيم تحقيق الذات، ومسكونة بهواجس العدالة والديمقراطية، يمكن أن تدفع أحداً لأن يضحي بنفسه في سبيل نظام متطرف ومغلق ومتخلف مثل نظام طالبان، أو في سبيل موت مجاني، يبدد طاقة خيرة شباب الأمة، ومن تحتاجهم في التنمية والبناء.
ربما لا نعرف ظروف اتهام واعتقال عمر خضر، لكن فتى يعتقل في السادسة عشرة من العمر، ويمضي سنوات في معتقلٍ، اعُتبر سجناؤه مجرمون لا يستحقون أية حقوق، حري بالتعاطف والمؤازرة، ورفع صوت التضامن معه... ولاشك أن مثل حالته حالات كثيرة، لابد أن ينظر إليها نظرة أخرى خارج سياق الاتهامات الأمريكية المشكوك في صدقيتها. ولاشك أن الصورة على بساطتها قياساً بما يجري في السجون العربية- هي أبلغ من ألف كلمة في التعبير عن العذابات الإنسانية... ولو أن صوراً أخرى تسربت من السجون العربية لكنا أمام تعبير آخر عن قيمة الإنسان العربي، وعن حاله المزرية التي يستحق معها، أن تطالب جمعيات الرفق بالحيوان بشيء من الحقوق له... فلغة الحديد والنار لا تصنع أوطاناً سليمة ومعافاة من أمراض التطرف والإرهاب... ولا تترك للتاريخ غير عهود الظلم والدم وجرائم الاستبداد التي ستسطع عليها شمس الحقيقة مهما طغى صوت الباطل وكثرت شهادات الزور والبهتان!
مظاهرات (بالروح... بالدم): الصوت الذي لا قيمة له! وأبقى مع صورة الإنسان العربي الرخيص الثمن... وأنا أتابع مظاهرات التأييد للرئيس السوداني عمر البشير. بداية وككثير من المواطنين العرب، أرفض تقديم رئيس دولة عربي للمحكمة الجنائية الدولية، سواء أقر القضاة لائحة اتهام مدعيها العام أوكامبو... أو لم يقروا... ولو كان على هذه المحكمة أن تقدم أحداً لهذه المحكمة، أو تصدر مذكرة اعتقال بحق أحد، لكان عليها أن تفعل مع جل رؤساء الحكومات الإسرائيلية، الذين لم يخل عهد أي واحد منهم بمن فيهم رابين الذي ُصّنف في فصيلة الحمائم، من ارتكاب مجزرة أو حرب إبادة، أو جريمة ضد الإنسانية سواء في فلسطين أو في لبنان أو غير أرض عربية... لكنني وكإنسان عربي أشعر أن علينا أن ننتمي لهذا العصر، وأن نتجاوز تقاليد الإعلام الشمولي، وأسلوب تعبئة القطيع الجماهيرية... أشعر بالعار من أي مظاهرة ترفع شعار (بالروح بالدم نفديك يا...) كما رأينا على شاشة الفضائية السودانية أخيراً وليس آخراً في مظاهرات التأييد للرئيس البشير، والاعتراض على توجيه الاتهام له من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي! لا أحد في العالم يصدق أن هذه المظاهرات، في أي دولة عربية كانت، تخرج من تلقاء نفسها... لا أحد يصدق أننا سنفدي زعماءنا بالروح والدم، إلا إذا أرغمنا حقيقة على الموت من أجل أن يبقوا... أي ببساطة يمكن أن نفديهم على طريقة: (مكره أخاك لا بطل)! لقد كان العراقيون يخرجون بالملايين ليهتفوا بحياة صدام حسين فيما بغداد توشك على السقوط بيد الاحتلال الأمريكي، وسواء كان صدام في نظرنا ديكتاتورا ظالماً أم شهيداً وبطلاً... فإن أحداً منا لم يكن يصدق تلك المظاهرات، ولم يكن يشك أن 99.99 بالمائة من المشاركين فيها قد خرجوا تحت ضغط الخوف من بطش من ينادون بحياته ويعلنون أنهم سيفدونه بالروح والدم... رغم تعاطفنا الكبير مع العراق بعد الاحتلال أضعاف تعاطفنا قبله! إن السؤال الذي يطرح نفسه في سياق تاريخي عربي متصل، متى ستحترم أنظمتنا صورتنا أمام الآخرين... متى ستترك لنا وسيلة حضارية أخرى للوقوف معها إذا اقتضت الحاجة، غير مسرحيات بالروح وبالدم، ورفع الصور واللافتات التي تتهم الآخرين بالعمالة، وتكيل لهم الشتائم كما رأينا في مظاهرات السودان الأخيرة التي شتم فيها لويس أوكامبو واتهم بالعمالة ولعن سنسفيل أجداده، لأنه تطاول على الزعيم! في تظاهرات بالروح بالدم... يسمح للموظفين أن يخرجوا من دوائرهم في أوقات الدوام الرسمي، وللطلاب والمعلمين أن يعطلوا العملية التعليمية مهما كان هناك تأخير في إعطاء دروس المنهاج المقررة، وللعمال أن يغلقوا معاملهم، ويسمح للجميع أن يقطعوا الطرقات، وأن يسيروا عكس اتجاه السير، وأن يحتلوا الساحات العامة، دون أن يحتج أحد على مصلحة عامة تتعطل، أو ضرورات هامة تعرقل! إن صورة مظاهرات التأييد الشعبية العربية، وهي اليوم صورة تلفزيونية فضائية بامتياز، تنتقل من محطة رسمية إلى أخرى حسب الحدث والمناسبة والرغبة... لا تفعل شيئاَ سوى أنها تؤكد أننا أصوات لا قيمة لها... فما من مظاهرة شعبية في دعم زعيم عربي، على حق كان أم على باطل، حلت أزمة، أو خففت عقوبة، أو أجبرت مجلس الأمن عن التراجع في اتخاذ إجراء... أو إعادة النظر في قرار... والعالم محق في ألا يصدقنا، لأنه ما من مظاهرة احتجاجية إذا قيض لها أن تشق طريقاً- أجبرت حاكماً على إعطاء شيء لشعبه، أو إسقاط حكومة، أو التراجع عن قانون جائر، أو تحقيق أي مكسب داخلي... فلماذا يجب أن تحقق هذه المظاهرات مكسباً خارجياً؟
القدس العربي