الإصلاحي
21/07/2008, 08:02
وقفة قصيرة مع بعض أقوال " الرئيس " لقناة الجزيرية القطرية
لقد قدر للكاتب أن يستمع إلى ماقاله " الرئيس السوري " بشار الأسد ، في اللقاء الخاص الذي أجراه معه في باريز السيد محمد كريشان على فضائية الجزيرة مساء الأحد الموافق 13.07.08 . وباعتباره هنا ــ أي الكاتب ــ " سامع وشاهد عيان
" لكل ماقيل في هذا اللقاء ، فقد رغب أن يشرك القارئ الكريم معه في انطباعاته الشخصية على ما سمعه و رآه في تلك المقابلة . وتقتضي الموضوعية هنا أن نبدأ بعرض أمين للأفكار الأساسية من إجابات " الرئيس"على الأسئلة التي طُرحت عليه ، وذلك قبل أن نقوم بإبداء رأينا الخاص حولها . إن ما ا ستوقف الكاتب من هذه الإجابات
هو بصورة أساسية تلك الإجابات الملتوية المتعلقة بـا لموضوعات الأربع التالية : تحسن العلاقات الفرنسية والأوربيةـ السورية وانعكاس ذلك على الموقف من اغتيال رفيق الحريري ، المفاوضات الجارية مع " إسرائيل " ، الموقف من مصر والسعودية ، الموقف من المعارضة السورية الداخلية والخارجية . وتمثل الفقرات التالية المضمون الدقيق وشبه الحرفي للإجابات التي قدمها " المسؤول " على الأسئلة التي طرحت عليه :
فردا على سؤال حول تأثير الإنفتاح الأوروبي على النظام السوري على الاتهامات التي تثارضد ه في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ، أجاب الأسد :
ــ إن الضغوط قد قلّت في هذا الصدد.. لكن ذلك لايعني أن الأمر قد انتهى .. إن هذا لايعنينا .. إن هذه الاتهامات هي
" سياسية " .. وإن مبعثها هو وجود " لغط "معظمه يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية التي تبحث عن شمّاعة تعلق عليها أخطاءها ، وكانت سورية هي أسهل شماعة .
ــ نحن تحدثنا منذ بدء عملية السلام عن علاقات عادية مع تل أبيب في إطار اتفاق السلام ، ... تسميها طبيعية ، تطبيعية ، لايهم ، إسمها علاقات طبيعية ... كأي علاقة بين دولتين ... هناك سفارات ، هناك علاقات ، هناك اتفاقيات ... نحن نسميها علاقات عادية ... إذا أعيدت كل الحقوق السورية لايمكن رفض السلام ... المسار السوري ليس هو السلام ... توقيع اتفاق على مسار يدعم المسارات الأخرى ... المهم هو الإرادة السياسية لدى الطرفين... لقاء الرئيسين ( بشار واولمرت ) يأتي لاحقا كغطاء سياسي ... دور الولايات المتحدة الأمريكية أساسي في عملية السلام .
وردا على سؤال عن خلافات النظام السوري مع السعودية ومصر ، كان الجواب :
ــ أنا لاأعرف حقا سبب هذا الخلاف .
وعند سؤاله عن موقفه من المعارضة السورية في الداخل والخارج ومن المساجين السياسيين في سوريا أجاب :
ــ نحن منفتحون على الجميع .. لقد أفرجنا عن الألوف من المساجين ، واعتقلنا فقط بضع عشرات .... كل من يعتبر نفسه معارضة يرتفع صوته مع ارتفاع الضغوط الخارجية وينخفض بانخفاضها .. إن النظام يحاسب ويسجن من يخالف القانون ، وليس من يبدي رأيا معارضا لسياسة الحكومة السورية ... اعتقال الأشخاص ( ردا على سؤال مباشر عن اعتقال ميشيل كيلو وفداء الحوراني ) لاعلاقة له بالراي ... الإصلاح يجري وفق معادلة داخلية يحكمها الحذر حفاظا على استقرار البلاد ... لدينا قوانين صارمة ضد من يتكلم بالطائفية أو يتعامل مع الخارج . لو لم يكن عندنا جبهة متماسكة لما صمدنا ... المسيرة طويلة وما زلنا في بداسة الطريق ... يهمنا مكانة سورية داخل سورية وليس خارجها .
إن أهم مايلفت النظر في أجوبة بشار الأسد هو لجوؤه إلى التعابير اللغوية العائمة والغائمة والتي لايمكن معها لأي
مشاهد أو مستمع أن يصل إلى أي مكان، ولا إلى أي موقف واضح !! .
ــ ففيما يتعلق بالضغوط الفرنسية ، والضغوط الأوربية على سورية بخصوص اغتيال رفيق الحريري ، اعترف
الأسد بأن هذه الضغوط قد تراجعت ، وأن معظم " اللغـط الذي أُثير حول هذه المسألة إنما سببه الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تبحث عن شماعة تعلق عليها أخطاؤها ، وقد وجدت في سورية الشماعة الأسهل التي تعلق عليها أخطاؤها .
إن مايرغب الكاتب أن يذكّر بشار الأسد به هنا ، هو أن تراجع فرنسا وأوروبا ومعهما أمريكا أيضا عن الضغط على النظام السوري في مسألة اغتيال الحريري إنما يعود بصورة أساسية إلى انصياع هذا النظام للمطالب الأورو ـ أمريكية في الإعتراف بـ " إسرائيل " وتطبيع العلاقات معها ، والذي لاتمثل ماسمي بالمفاوضات غير المباشرة بين النظام السوري وإسرائيل سوى الفصل النهائي من مسرحية " الضحك على الذقون " التي كان بطلها قبل عقد من الزمان ( إن لم يكن أكثر ) السيد الوالد ، ومن ثم تولى الإبن من بعد أبيه مهمة إنجاز وإخراج هذه المسرحية، وتسويقها عربياً وفلسطينياً وإسلامياً !! . إن اعتبار امريكا أن " سوريا هي الشماعة الأسهل التي يمكن أن تعلق عليها أمريكا أخطاءها ، يطرح على " الرئيس السوري " سؤال : لماذا تحولت سورية على يدكم إلى الشماعة الأسهل ، بعد أن كانت ذات يوم تمثل الرقم الأصعب ، والحلقة الأمتن والأقوى في سلسلة النظام العربي من المحيط إلى الخليج ؟!. إنني أعرف الجواب الصحيح على هذا السؤال ، وأعرف أيضاً أن الشعب العربي السوري كله يعرفه مثلي ، بل وأعرف أيضاً وأيضاً أن النظام الحاكم نفسه يعرفه كذلك ، ولكن بالنسبة للشعب العربي السوري ، ومعارضته الوطنية " العين بصيرة واليد قصيرة " . هذا مع العلم أنه قد سبق للكاتب أن نشر في نهاية العام الماضي مقالة حول الأزمة اللبنانية عامة وقضية اغتيال الحريري خاصة جاء فيها بخصوص هذه المسالة : " إن الوجه الباطن للصراع في لبنان إنما يتمثل بوجود
طرفين رئيسيين ...الطرف الأول هو الولايات المتحدة وإسرائيل والطرف الثاني هو إيران وسورية ، وبينما يمسك الطرف الأول بملف " المحكمة الدولية " لمحاكمة قتلة الحريري ... يمسك الطرف الثاني بالملف اللبناني ولا سيما سلاح حزب الله ، وبنصاب الثلثين الضروري دستوريا لانتخاب رئيس توافقي للبنان " . إن مصداقية ماقلناه قبل بضعة أشهر يتجلّى اليوم فيما نراه بأم أعيننا كيف سار ويسير طرفا هذا الصراع بصورة متوازية ومتناغمة في كل من أنقرة والدوحة وبغداد( التي يزورها اليوم ابن رفيق الحريري ! ) وكيف جلس بشار الأسد وأولمرت على نفس الطاولة ولنفس الهدف في باريز ساركوزي !! .
ــ أما بخصوص أمّا بخصوص الموقف من القضية الفلسطينية ، قضية العرب المركزية ، فـسيادة " الرئيس "، يريد علاقات طبيعية وعادية مع إسرائيل ، ولكنه لايريد بنفس الوقت أن يسميها " تطبيعية " وذلك لأنه يعرف أن الجماهير في كافة الأقطار العربية ، بما فيها تلك التي اعترفت أنظمتها رسميا باسرائيل( مصر والأردن ) قد رفضت وترفض مثل هذه التعابير الفوقية التي لاتعبر سوى عن الرضوخ والاستسلام للإمبريالية العالمية التي تعتبر ( بكسر الباء ) الحركة الصهيونية ممثلها الشرعي والوحيد في الشرق الأوسط !! .
فالنظام ــ يقول الرئيس ــ لايمكنه رفض السلام مع "إسرائيل" إذا ماأعادت كامل الحقوق السورية !!. وتساؤلنا هنا : هل تقزّمت الحقوق العربية إلى الحقوق السورية ؟! ، وتقزمت الحقوق السورية في نظر الرئيس إلى نصف جولان بنصف سيادة ؟! ، أين هذا ياسيادة الأمين العام (القومي والقطري) لحزب البعث العربي الإشتراكي من شعار الحزب
" أمة عربية واحدة " ؟ ! ، فهل إن حزب البعث ، بمفهومكم الخاص ، لم يعد له علاقة بفلسطين ، أم أن فلسطين لم تعد بنظركم أرضا محتلة من الصهاينة ،أم أنكم سلّمتم بشعار الصهيونية المعروف" أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " ، أم انكم بتم مستعدين للتنازل عن مبادئ الحزب ، بل وعن فلسطين والجولان بعد لواء اسكندرون مقابل بقائكم في الكرسي الرئاسي الذي وصلتموه ــ كما تعرف أنت وأعرف أنا ويعرف الجميع ــ بطرق غير مشروعة وغير ديموقراطية بل وغير أخلاقية أيضاً ؟!!.
إن السبب الكامن وراء انطلاق المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية هو ــ حسب الرئيس ــ توفر "الإرادة السياسية" عند الطرفين ( سورية وإسرائيل ) ! ، فيالها من إرادة سياسية تفوح منها رائحة التخلي النهائي عن القضية الفلسطينية ، إن لم نقل أكثر من هذا !! ، ويالهما من " طرفين " يجمع بينهما حلف " أن وياك على ابن عمي " ؟!! .
إن أكثر من عشرة ملايين فلسطيني في فلسطين المحتلة وفي الشتات ، ومعهم وخلفهم مئات الملايين من مناضلي وشرفاء الأمة العربية ، وعلى رأسهم المقاومة العراقية البطلة سوف يفشلون بإرادتهم القومية والوطنية الصلبة كل المخططات التآمرية الداخلية والخارجية التي تحاول أن تبيع تاريخ الأمة العربية وجغرافيتها للتحالف الإمبريالي ــ الصهيوني !! . فحبذا لو يعود أبناء جلدتنا في دمشق إلى رشدهم قبل فوات الأوان ، ويعلموا أن "اليهودية" كدين سماوي هي غير "الصهيونية" كحركة كحركة استعمار استيطاني مرتبط بكل أعداء الأمة العربية في العالم .
ــ أما بصدد الخلافات السورية من جهة والسعودية والمصرية من جهة أخرى ، فقد أجاب السيد الرئيس ، بعد أن اعترف بوجود هذه الخلافات بالقول " أنا لاأعرف حقا سبب هذه الخلافات "! .
إن الكاتب يؤيد الرئيس بشار في أن وجود خلافات بين أنظمة متشابهة ( مثل أنظمة : مصر والسعودية وسورية ) يعتبر أمراً غير طبيعي وغير مفهوم . إذ الأمرالطبيعي هو ــ من وجهة نظر الكاتب ــ أن تكون هذه الأنظمة الثلاث في سلة واحدة ولا سيما أن مواقفها النظرية والعملية على الصعيدين القومي والقطري يكاد يكون واحداً، من حيث كونها أنظمة فاسدة ، قمعية ، ديكتاتورية ، وغير ديموقراطية ، ومن حيث كون سياساتها تصب بصورة أو بأخرى في طاحونة الولايات المتحدة و " إسرائيل" .
وتوكيدا لمثل هذا التصور ، أشار أحد محرري جريدة "هاآرتس " الإسرائيلية في تعليق له على الخلافات الإسرائيلية الإسرائيلية حول صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله اللبناني ( في فضائية الجزيرة خلال نشرة اخبار الساعة الثالثة مساء الثلاثاء الموافق 15.07.08 )، إلى أنه على إسرائيل أن تتحالف مع القوى المعتدلة في المنطقة ، وتقبل بـ " المبادرة العربية " وذلك لكي يتم عزل القوى المتطرفة المعادية لإسرائيل في المنطقة ، وحدد الدول المعتدلة التي على إسرائيل أن تتحالف معها بمصر والسعودية والأردن وسورية ( نعم وسورية ) .
ــ وإذا ماوصلنا إلى رابعة الأثافي في أجوبة الأسد على علاقته مع المعارضة ومع الشعب العربي السوري ، فلابد أن تكون لدينا كمية كبيرة من إشارات التعجب والأستفهام حتى نستطيع قراءة الظاهر والباطن في هذه الإجابات الرئاسية . لقد كان بشار الأسد صادقا وواضحا في أن لدى نظامه قوانين صارمة ، ضد كل ما ومن يهدد استقرار البلاد ــ على حد تعبيره ــ ، وأن تطبيق هذه القوانين الصارمة يتم أيضا بطريقة صارمة ولكنه لم يكن صادقا في قوله أن أحدا لايسجن في ( سورية الأسد ) بسبب رأيه وإنما فقط بسبب مخالفته للقانون !! . إن ماخطر على بال الكاتب وهو يسمع هذه الإجابات من " السيد الرئيس "هو المثل الشعبي الذي يقول " عشنا وشفنا ! " .
إن القوانين الصارمة التي ذكرها الرئيس بشار الأسد في إجابته إن هي إلاّ من صنعه وصنع والده من قبله ، بل إن الدستور السوري نفسه هو من صنعهما أيضاً . إن أحدا لايجهل أن دستور 1973 قد فصله الرئيس السابق على مقاسه ومقاس أسرته ، وأن التعديلات التي أجراها الرئيس الحالي على هذا الدستور بعد وفة والده عام 2000 إنما كانت تسير في نفس الإتجاه ، إن لم يكن أسوأ ( التعديل من أجل التوريث ) . هذا من من جهة أما من جهة أخرى فإن بعض المواد
الدستورية الإيجابية قد تم الإلتفاف على إيجابياتها بواسطة القوانين اللاحقة التي أصدرها كل من الأب والإبن ( يمكن الرجوع حول هذا الموضوع إلى مقال للأستاذ حسين العودات ، بعنوان " كيف عطّل القانون الدستور في سوريا " والمنشور في صفحة مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية الإلكترونية ، تاريخ 2. 2. 08 ) ، وإلا كيف يمكن التوفيق بين ماورد في المادة 26 من الدستور التي تنص على أن لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية ... وما ورد في المادة 38 من الد ستور من أن لكل مواطن أن يعبر عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى ... وبين قوانين الطوارئ التي ماتزال مستمرة منذ 1962 وحتى اليوم ، والقانون 49 لعام 1981 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في سورية !! . إنه من المؤسف أن يقول" الرئيس بشار الأسد " في هذه المقابلة أن اعتقال الأشخاص في سوريا لاعلاقة له بالرأي ، وهو يتم وفقا للقانون !! . يكفي أن نقول هنا تعليقا على هذا الكلام التصديري :
إسمع ياميشيل كيلو ، ويا عارف دليلة ، ويا فداء الحوراني ، إسمعوا ياآلاف سجناء الرأي ، وياشهداء أحداث سجن صيدنايا ، إسمعوا كلام " الرئيس " وهزّوا رؤوسكم معي تعجبا من هذه الإجابات العجيبة !! .
يقول المثل العربي :" عش رجباً ترى عجباً " ، فكيف إذا كان علي المرء أن يعيش واحداً وأربعين رجبا قابلة للتمديد !! .
الدكتور محمد الزعبي
لقد قدر للكاتب أن يستمع إلى ماقاله " الرئيس السوري " بشار الأسد ، في اللقاء الخاص الذي أجراه معه في باريز السيد محمد كريشان على فضائية الجزيرة مساء الأحد الموافق 13.07.08 . وباعتباره هنا ــ أي الكاتب ــ " سامع وشاهد عيان
" لكل ماقيل في هذا اللقاء ، فقد رغب أن يشرك القارئ الكريم معه في انطباعاته الشخصية على ما سمعه و رآه في تلك المقابلة . وتقتضي الموضوعية هنا أن نبدأ بعرض أمين للأفكار الأساسية من إجابات " الرئيس"على الأسئلة التي طُرحت عليه ، وذلك قبل أن نقوم بإبداء رأينا الخاص حولها . إن ما ا ستوقف الكاتب من هذه الإجابات
هو بصورة أساسية تلك الإجابات الملتوية المتعلقة بـا لموضوعات الأربع التالية : تحسن العلاقات الفرنسية والأوربيةـ السورية وانعكاس ذلك على الموقف من اغتيال رفيق الحريري ، المفاوضات الجارية مع " إسرائيل " ، الموقف من مصر والسعودية ، الموقف من المعارضة السورية الداخلية والخارجية . وتمثل الفقرات التالية المضمون الدقيق وشبه الحرفي للإجابات التي قدمها " المسؤول " على الأسئلة التي طرحت عليه :
فردا على سؤال حول تأثير الإنفتاح الأوروبي على النظام السوري على الاتهامات التي تثارضد ه في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ، أجاب الأسد :
ــ إن الضغوط قد قلّت في هذا الصدد.. لكن ذلك لايعني أن الأمر قد انتهى .. إن هذا لايعنينا .. إن هذه الاتهامات هي
" سياسية " .. وإن مبعثها هو وجود " لغط "معظمه يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية التي تبحث عن شمّاعة تعلق عليها أخطاءها ، وكانت سورية هي أسهل شماعة .
ــ نحن تحدثنا منذ بدء عملية السلام عن علاقات عادية مع تل أبيب في إطار اتفاق السلام ، ... تسميها طبيعية ، تطبيعية ، لايهم ، إسمها علاقات طبيعية ... كأي علاقة بين دولتين ... هناك سفارات ، هناك علاقات ، هناك اتفاقيات ... نحن نسميها علاقات عادية ... إذا أعيدت كل الحقوق السورية لايمكن رفض السلام ... المسار السوري ليس هو السلام ... توقيع اتفاق على مسار يدعم المسارات الأخرى ... المهم هو الإرادة السياسية لدى الطرفين... لقاء الرئيسين ( بشار واولمرت ) يأتي لاحقا كغطاء سياسي ... دور الولايات المتحدة الأمريكية أساسي في عملية السلام .
وردا على سؤال عن خلافات النظام السوري مع السعودية ومصر ، كان الجواب :
ــ أنا لاأعرف حقا سبب هذا الخلاف .
وعند سؤاله عن موقفه من المعارضة السورية في الداخل والخارج ومن المساجين السياسيين في سوريا أجاب :
ــ نحن منفتحون على الجميع .. لقد أفرجنا عن الألوف من المساجين ، واعتقلنا فقط بضع عشرات .... كل من يعتبر نفسه معارضة يرتفع صوته مع ارتفاع الضغوط الخارجية وينخفض بانخفاضها .. إن النظام يحاسب ويسجن من يخالف القانون ، وليس من يبدي رأيا معارضا لسياسة الحكومة السورية ... اعتقال الأشخاص ( ردا على سؤال مباشر عن اعتقال ميشيل كيلو وفداء الحوراني ) لاعلاقة له بالراي ... الإصلاح يجري وفق معادلة داخلية يحكمها الحذر حفاظا على استقرار البلاد ... لدينا قوانين صارمة ضد من يتكلم بالطائفية أو يتعامل مع الخارج . لو لم يكن عندنا جبهة متماسكة لما صمدنا ... المسيرة طويلة وما زلنا في بداسة الطريق ... يهمنا مكانة سورية داخل سورية وليس خارجها .
إن أهم مايلفت النظر في أجوبة بشار الأسد هو لجوؤه إلى التعابير اللغوية العائمة والغائمة والتي لايمكن معها لأي
مشاهد أو مستمع أن يصل إلى أي مكان، ولا إلى أي موقف واضح !! .
ــ ففيما يتعلق بالضغوط الفرنسية ، والضغوط الأوربية على سورية بخصوص اغتيال رفيق الحريري ، اعترف
الأسد بأن هذه الضغوط قد تراجعت ، وأن معظم " اللغـط الذي أُثير حول هذه المسألة إنما سببه الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تبحث عن شماعة تعلق عليها أخطاؤها ، وقد وجدت في سورية الشماعة الأسهل التي تعلق عليها أخطاؤها .
إن مايرغب الكاتب أن يذكّر بشار الأسد به هنا ، هو أن تراجع فرنسا وأوروبا ومعهما أمريكا أيضا عن الضغط على النظام السوري في مسألة اغتيال الحريري إنما يعود بصورة أساسية إلى انصياع هذا النظام للمطالب الأورو ـ أمريكية في الإعتراف بـ " إسرائيل " وتطبيع العلاقات معها ، والذي لاتمثل ماسمي بالمفاوضات غير المباشرة بين النظام السوري وإسرائيل سوى الفصل النهائي من مسرحية " الضحك على الذقون " التي كان بطلها قبل عقد من الزمان ( إن لم يكن أكثر ) السيد الوالد ، ومن ثم تولى الإبن من بعد أبيه مهمة إنجاز وإخراج هذه المسرحية، وتسويقها عربياً وفلسطينياً وإسلامياً !! . إن اعتبار امريكا أن " سوريا هي الشماعة الأسهل التي يمكن أن تعلق عليها أمريكا أخطاءها ، يطرح على " الرئيس السوري " سؤال : لماذا تحولت سورية على يدكم إلى الشماعة الأسهل ، بعد أن كانت ذات يوم تمثل الرقم الأصعب ، والحلقة الأمتن والأقوى في سلسلة النظام العربي من المحيط إلى الخليج ؟!. إنني أعرف الجواب الصحيح على هذا السؤال ، وأعرف أيضاً أن الشعب العربي السوري كله يعرفه مثلي ، بل وأعرف أيضاً وأيضاً أن النظام الحاكم نفسه يعرفه كذلك ، ولكن بالنسبة للشعب العربي السوري ، ومعارضته الوطنية " العين بصيرة واليد قصيرة " . هذا مع العلم أنه قد سبق للكاتب أن نشر في نهاية العام الماضي مقالة حول الأزمة اللبنانية عامة وقضية اغتيال الحريري خاصة جاء فيها بخصوص هذه المسالة : " إن الوجه الباطن للصراع في لبنان إنما يتمثل بوجود
طرفين رئيسيين ...الطرف الأول هو الولايات المتحدة وإسرائيل والطرف الثاني هو إيران وسورية ، وبينما يمسك الطرف الأول بملف " المحكمة الدولية " لمحاكمة قتلة الحريري ... يمسك الطرف الثاني بالملف اللبناني ولا سيما سلاح حزب الله ، وبنصاب الثلثين الضروري دستوريا لانتخاب رئيس توافقي للبنان " . إن مصداقية ماقلناه قبل بضعة أشهر يتجلّى اليوم فيما نراه بأم أعيننا كيف سار ويسير طرفا هذا الصراع بصورة متوازية ومتناغمة في كل من أنقرة والدوحة وبغداد( التي يزورها اليوم ابن رفيق الحريري ! ) وكيف جلس بشار الأسد وأولمرت على نفس الطاولة ولنفس الهدف في باريز ساركوزي !! .
ــ أما بخصوص أمّا بخصوص الموقف من القضية الفلسطينية ، قضية العرب المركزية ، فـسيادة " الرئيس "، يريد علاقات طبيعية وعادية مع إسرائيل ، ولكنه لايريد بنفس الوقت أن يسميها " تطبيعية " وذلك لأنه يعرف أن الجماهير في كافة الأقطار العربية ، بما فيها تلك التي اعترفت أنظمتها رسميا باسرائيل( مصر والأردن ) قد رفضت وترفض مثل هذه التعابير الفوقية التي لاتعبر سوى عن الرضوخ والاستسلام للإمبريالية العالمية التي تعتبر ( بكسر الباء ) الحركة الصهيونية ممثلها الشرعي والوحيد في الشرق الأوسط !! .
فالنظام ــ يقول الرئيس ــ لايمكنه رفض السلام مع "إسرائيل" إذا ماأعادت كامل الحقوق السورية !!. وتساؤلنا هنا : هل تقزّمت الحقوق العربية إلى الحقوق السورية ؟! ، وتقزمت الحقوق السورية في نظر الرئيس إلى نصف جولان بنصف سيادة ؟! ، أين هذا ياسيادة الأمين العام (القومي والقطري) لحزب البعث العربي الإشتراكي من شعار الحزب
" أمة عربية واحدة " ؟ ! ، فهل إن حزب البعث ، بمفهومكم الخاص ، لم يعد له علاقة بفلسطين ، أم أن فلسطين لم تعد بنظركم أرضا محتلة من الصهاينة ،أم أنكم سلّمتم بشعار الصهيونية المعروف" أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " ، أم انكم بتم مستعدين للتنازل عن مبادئ الحزب ، بل وعن فلسطين والجولان بعد لواء اسكندرون مقابل بقائكم في الكرسي الرئاسي الذي وصلتموه ــ كما تعرف أنت وأعرف أنا ويعرف الجميع ــ بطرق غير مشروعة وغير ديموقراطية بل وغير أخلاقية أيضاً ؟!!.
إن السبب الكامن وراء انطلاق المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية هو ــ حسب الرئيس ــ توفر "الإرادة السياسية" عند الطرفين ( سورية وإسرائيل ) ! ، فيالها من إرادة سياسية تفوح منها رائحة التخلي النهائي عن القضية الفلسطينية ، إن لم نقل أكثر من هذا !! ، ويالهما من " طرفين " يجمع بينهما حلف " أن وياك على ابن عمي " ؟!! .
إن أكثر من عشرة ملايين فلسطيني في فلسطين المحتلة وفي الشتات ، ومعهم وخلفهم مئات الملايين من مناضلي وشرفاء الأمة العربية ، وعلى رأسهم المقاومة العراقية البطلة سوف يفشلون بإرادتهم القومية والوطنية الصلبة كل المخططات التآمرية الداخلية والخارجية التي تحاول أن تبيع تاريخ الأمة العربية وجغرافيتها للتحالف الإمبريالي ــ الصهيوني !! . فحبذا لو يعود أبناء جلدتنا في دمشق إلى رشدهم قبل فوات الأوان ، ويعلموا أن "اليهودية" كدين سماوي هي غير "الصهيونية" كحركة كحركة استعمار استيطاني مرتبط بكل أعداء الأمة العربية في العالم .
ــ أما بصدد الخلافات السورية من جهة والسعودية والمصرية من جهة أخرى ، فقد أجاب السيد الرئيس ، بعد أن اعترف بوجود هذه الخلافات بالقول " أنا لاأعرف حقا سبب هذه الخلافات "! .
إن الكاتب يؤيد الرئيس بشار في أن وجود خلافات بين أنظمة متشابهة ( مثل أنظمة : مصر والسعودية وسورية ) يعتبر أمراً غير طبيعي وغير مفهوم . إذ الأمرالطبيعي هو ــ من وجهة نظر الكاتب ــ أن تكون هذه الأنظمة الثلاث في سلة واحدة ولا سيما أن مواقفها النظرية والعملية على الصعيدين القومي والقطري يكاد يكون واحداً، من حيث كونها أنظمة فاسدة ، قمعية ، ديكتاتورية ، وغير ديموقراطية ، ومن حيث كون سياساتها تصب بصورة أو بأخرى في طاحونة الولايات المتحدة و " إسرائيل" .
وتوكيدا لمثل هذا التصور ، أشار أحد محرري جريدة "هاآرتس " الإسرائيلية في تعليق له على الخلافات الإسرائيلية الإسرائيلية حول صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله اللبناني ( في فضائية الجزيرة خلال نشرة اخبار الساعة الثالثة مساء الثلاثاء الموافق 15.07.08 )، إلى أنه على إسرائيل أن تتحالف مع القوى المعتدلة في المنطقة ، وتقبل بـ " المبادرة العربية " وذلك لكي يتم عزل القوى المتطرفة المعادية لإسرائيل في المنطقة ، وحدد الدول المعتدلة التي على إسرائيل أن تتحالف معها بمصر والسعودية والأردن وسورية ( نعم وسورية ) .
ــ وإذا ماوصلنا إلى رابعة الأثافي في أجوبة الأسد على علاقته مع المعارضة ومع الشعب العربي السوري ، فلابد أن تكون لدينا كمية كبيرة من إشارات التعجب والأستفهام حتى نستطيع قراءة الظاهر والباطن في هذه الإجابات الرئاسية . لقد كان بشار الأسد صادقا وواضحا في أن لدى نظامه قوانين صارمة ، ضد كل ما ومن يهدد استقرار البلاد ــ على حد تعبيره ــ ، وأن تطبيق هذه القوانين الصارمة يتم أيضا بطريقة صارمة ولكنه لم يكن صادقا في قوله أن أحدا لايسجن في ( سورية الأسد ) بسبب رأيه وإنما فقط بسبب مخالفته للقانون !! . إن ماخطر على بال الكاتب وهو يسمع هذه الإجابات من " السيد الرئيس "هو المثل الشعبي الذي يقول " عشنا وشفنا ! " .
إن القوانين الصارمة التي ذكرها الرئيس بشار الأسد في إجابته إن هي إلاّ من صنعه وصنع والده من قبله ، بل إن الدستور السوري نفسه هو من صنعهما أيضاً . إن أحدا لايجهل أن دستور 1973 قد فصله الرئيس السابق على مقاسه ومقاس أسرته ، وأن التعديلات التي أجراها الرئيس الحالي على هذا الدستور بعد وفة والده عام 2000 إنما كانت تسير في نفس الإتجاه ، إن لم يكن أسوأ ( التعديل من أجل التوريث ) . هذا من من جهة أما من جهة أخرى فإن بعض المواد
الدستورية الإيجابية قد تم الإلتفاف على إيجابياتها بواسطة القوانين اللاحقة التي أصدرها كل من الأب والإبن ( يمكن الرجوع حول هذا الموضوع إلى مقال للأستاذ حسين العودات ، بعنوان " كيف عطّل القانون الدستور في سوريا " والمنشور في صفحة مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية الإلكترونية ، تاريخ 2. 2. 08 ) ، وإلا كيف يمكن التوفيق بين ماورد في المادة 26 من الدستور التي تنص على أن لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية ... وما ورد في المادة 38 من الد ستور من أن لكل مواطن أن يعبر عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى ... وبين قوانين الطوارئ التي ماتزال مستمرة منذ 1962 وحتى اليوم ، والقانون 49 لعام 1981 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في سورية !! . إنه من المؤسف أن يقول" الرئيس بشار الأسد " في هذه المقابلة أن اعتقال الأشخاص في سوريا لاعلاقة له بالرأي ، وهو يتم وفقا للقانون !! . يكفي أن نقول هنا تعليقا على هذا الكلام التصديري :
إسمع ياميشيل كيلو ، ويا عارف دليلة ، ويا فداء الحوراني ، إسمعوا ياآلاف سجناء الرأي ، وياشهداء أحداث سجن صيدنايا ، إسمعوا كلام " الرئيس " وهزّوا رؤوسكم معي تعجبا من هذه الإجابات العجيبة !! .
يقول المثل العربي :" عش رجباً ترى عجباً " ، فكيف إذا كان علي المرء أن يعيش واحداً وأربعين رجبا قابلة للتمديد !! .
الدكتور محمد الزعبي