عطر سوريا
08/08/2008, 21:05
إشكالية الحدود السورية الفلسطينية وقضم أراضي الجولانثمة أشكالية في تعريف حدود الجولان، فهناك مصطلحات قيد التداول، لا يميز معظم الكتاب بين مفهوميهما، الأمر الذي يؤدي إلى تشوش كبير في المعطيات الخاصة بكل واحد منهما، وهما: إقليم/ منطقة الجولان، ومحافظة القنيطرة، ويعبر المصطلح الأول عن مفهوم جغرافي/ طبيعي، يستند إلى معايير جغرافية بحتة، في حين يعبر المصطلح الثاني عن مفهوم إداري، يستند إلى معايير سياسية، ويزداد الأمر تعقيداً مع اختلاف الجغرافيين حول حدود الجولان ومساحته.
تكمن الإشكالية في حدود ومساحة الأراضي التي تدخل ضمن مفهومي هذين المصطلحين، فحدود الجولان الجغرافي لا تتطابق تماماً مع حدود محافظة القنيطرة، وبالتالي تختلف كل المعطيات الخاصة بالمساحة، والتضاريس، والمناخ، وشبكة المياه، والديموغرافيا/ السكان، والإمكانات الاقتصادية، والطاقة الاستيعابية.
بالنسبة لمحافظة القنيطرة، تشترك حدود المحافظة مع كل من لبنان شمالاً، وفلسطين غرباً، والمملكة الأردنية الهاشمية جنوباً، ومحافظتي ريف دمشق ودرعا شرقاً، وهي حدود تتميز بحواجز طبيعية، حيث تشكل قمم الجزء الجنوبي الغربي لجبل الشيخ/ حرمون حدها الشمالي، ووادي الأردن حدها الغربي، ووادي اليرموك حدها الجنوبي، والحوض الأيسر لوادي الرقاد تغريباً، مع جزء من منطقة الجدور حدها الشرقي.
بالنسبة للجولان الجغرافي/ الطبيعي، اتفق الباحثون على الحدود الجنوبية، حيث اجمعوا على اعتبار وادي اليرموك هو الحد الجنوبي، بعد أن رأوا في هذا الوادي حداً نموذجياً بعمقه وعرضه، في الجزء الموازي من مجراه للجولان، إذ يتراوح عمقه في هذا الجزء بين (350-550)م، ويتراوح عرضه بين (2-4) كم.
واختلف هؤلاء حول الحدود الشمالية، والغربية، والشرقية، ففي الشمال اعتبر بعض الجغرافيين، ومنهم الدكتور أديب باغ، أن السفح الجنوبي، والجنوبي الشرقي لجبل الشيخ/ حرمون هو الحد الشمالي، في حين حدد بعضهم الآخر، ومنهم الدكتور عادل عبد السلام، هذه الحدود بخط اختلاف البنية الجيولوجية، بين كتلة حرمون، ذات الطبيعة الالتوائية- الصدعية، والصخور الكلسية، المتطبقة، المائلة، وبين الهضبة البازلتية/ الاندفاعية، الأحدث عمراً في الجولان، وهوخط تماس بين الكتلتين الرسوبية والبازلتية، ويكاد ينطبق على خط مجرى وادي سعار، الذي حفر مجراه بعمق واضح، وجوانب شديدة الانحدار، في مجرييه الأوسط والأدنى.
في الغرب، هناك إجماع على اعتبار وادي الأردن هو الحد الغربي للجولان، غير أن عبارة وادي الأردن عبارة غامضة، تثير إشكاليات كبيرة، على خلفية الأبعاد السياسية لهذا الوادي، ولا يمكن الاكتفاء بهذه العبارة، أي وادي الأردن دون الدخول في التفاصيل، فعلى سبيل المثال: هل يسير خط الحدود مع أعالي منحدرات وجروف الجولان الغربي، المشرفة على الوادي، أم يسير مع خط تماس أسافل هذه الجروف مع سهل الحولة، وسرير نهر الأردن، وسهل البطيحة، وامتداد على طول الشريط الساحلي الشرقي لبحيرة طبرية، وصولاً إلى مثلث الأردن- اليروك، أم يسير بالتطابق مع الخط المنصف لسرير نهر الأردن، وامتداده المنصف لسهل الحولة في الشمال، وبحيرة طبرية في الجنوب..؟!
جغرافياً، تأتي إشكالية الحدود الغربية للجولان الطبيعي، من اعتبار وادي الأردن وحدة جغرافية خاصة في إطار الانهدام السوري- الأفريقي، تتميز عن الجوار السوري/ الجولان، والفسلطيني/ الجليل، بعامل الارتفاع، إذ ينحدر هذا الوادي من ارتفاع (+200م) عن سطح البحر، عند نقطة التقاء الحدود السورية- اللبنانية- الفلسطينية، إلى ارتفاع (70)م في المساحة التي كانت تغطيها بحيرة الحولة قبل تجفيفها، إلى (-212)م في بحيرة طبرية، وإلى (-235)م عند التقاء الأردن واليرموك، إضافة إلى عوامل التضاريس، والمناخ، والتربة، والشبكة المائية، والنبات والحيوان، فهذا الوادي غور منخفض، يتميز بفروقات مناخية عن منطقتي الجليل والجولان، كما يتميز بتربة لحقية تراكمية، وبشبكة مائية معقدة، تتمثل في أقنية مائية متشابكة، ومستنقعات، تحصر جزراً صغيرة من الأرض.
وقد تناول الدكتور عادل عبد السلام هذا الموضوع بشيء من التفصيل، فأوضح أن خط الحدود الغربية للجولان الطبيعي، يسير أسفل، وحضيض الجروف، وشدد على أنها لا تسير على حوافها العليا، وأدخل الشريط الضيق من أقدام هذه الجروف ضمن الجولان الجغرافي/ الطبيعي، واعتبر كامل سهل البطيحة جزءاً من الجولان الطبيعي.
وفي الشرق، شكلت الحدود الشرقية للجولان الطبيعي مثار خلاف كبير بين الجغرافيين، فالأب آبل يرى في منطقتي الجدور في الشمال، والنقرة في الجنوب كحدود شرقية بين الجولان وحوران، في حين اعتبر الجغرافي ووسو نهر الرقاد هو الحد الشرقي، وحدد الدكتور عادل عبد السلام هذه الحدود بوادي الرقاد، وقال أن هذا الوادي يرسم الحدود الشرقية للجولان، من بداياته عند بلدة جباتا الخشب في الشمال، وحتى مصبه في نهر اليرموك في الجنوب.
وذهب الدكتور باغ إلى أن المجرى القديم لنهر الرقاد هو الحد الشرقي للجولان، فض بذلك الجزء الجنوبي الغربي من منطقة وادي العجم إلى الجولان، إضافة إلى ما يعرف بالزوية الشرقية في الجنوب، واستند في رأيه إلى الطبيعة البركانية/ البازلتية لضمور منطقة الجدور في الشمال، ومناخها، وعزز رأيه بفرضية تقول أن مجرى مياه الجزء الأعلى لنهر الرقاد انحرف نحو الشرق، نتيجة تشكل الوعرة في هذه المنطقة، في الحقب الجيولوجي الرابع، مما أدى إلى تحول مجرى المياه إلى نهر الأعوج، ما عزز رأيه في الجنوب بفرضية تقول أن نهر الرقاد تعرض لعملية أسر نهري في مجراه الأدنى، قام بها وادي التيم، الذي يشكل الآن المجرى الأدنى للرقاد، وشدد على اعتبار نهر العلان هو الحد الشرقي للجولان.
وبدورنا، تتفق مع القائلين بوادي اليرموك حداً جنوبياً، ووصولاً إلى سرير النهر، وتتجاوز في الشمال خط وادي سعار، لتضم إلى الجولان الطبيعي الحوض الأيمن لهذا الوادي، وتتجاوز في الغرب أسافل الجروف وحضيضها، لنصل إلى سرير نهر الأردن، وامتداد خط منصفه شمالاً في سهل الحولة، وجنوباً في بحيرة طبرية، وحتى نقطة التقاء الأردن واليرموك، فقد قسم نهر الأردن وادي الأردن إلى قسمين، شرقي يتواصل مع الجولان، وغربي يتواصل مع الجليل، ويشغل الجولان معظم مساحة الحوض الشرقي/ الأيسر لهذا الوادي، إضافة إلى ما هو مشترك جغرافياً بين الجولان والجزء الشرقي لوادي الأردن.
ونعتبر الحوض الأيسر لنهر العلان، ومنطقة الجيدور/ الجدور، وصولاً إلى سعسع، ودير ماكر، والجابية ضمن الجولان، وذلك استناداً إلى ما يلي:
أ- العامل الجغرافي:
وتقصد عامل البنية والصخور، والمناخ، فمن المعروف أن أي إنسان يتوجه من دمشق إلى القنيطرة، يحس بفرق الحرارة والرطوبة، فور وصوله إلى بلدة سعسع، ويلاحظ بجلاء طغيان طبقات الغطاء البازلتي، بعد خروجه من هذه البلدة مباشرة، وهو غطاء من منشأ جولاني، ويمتد حتى نهر الأعوج شمالاً ومعظم مساحة الحوض الأيسر لنهر العلان جنوباً ويتصل مع الغطاء البازلتي في عمق الجولان.
ب- العامل التاريخي:
عبر الشاعر حسان بن ثابت عن واقع، يؤكد أن موقع الجابية جزء من الجولان، حين قال: (بجابية الجولان وسط الأعاجم)، كما عبر الجراس عن هذا الواقع حين قال: (بجابية الجولان لولا ابن بحدل)، وكذلك وكذلك أكد جولانية الجابية كل من القرماني في أخبار الدول، والبغدادي في مراصد الاطلاع، وأوضح كل من المسعودي في مروج الذه، والبكري في معجم ما استعجم جولانية بلدة جاسم، كما أوضح كل من ياقوت الحموي في معجم البلدان، والقرماني في أخبار الدول جولانية بلدة عقربا.
واعتبر القدماء المجرى الأدنى لنهر العلان جزءاً من الجولان، حين أطلقوا اسم (سحم الجولان)، على الموقع الذي يحمل هذا الاسم، وهو موقع يقع على يسار نهر العلان، فالاسم (سحم الجولان) يؤكد تبعية هذا الموقع إلى الجولان، إضافة إلى أن مضلع الرقاد- اليرموك- العلان، عرف منذ القديم بالزوية الشرقية، تمييزاً عن الزوية الغربية في جنوبي الجولان، وتأكيداً على تبعية هذه المنطقة، (الزوية الشرقية) للجولان، كما أن خرائط العهد العثماني تمد الحدود الشرقية للجولان على هذه المناطق.
وفق ما تقدم، يمكن أن تحدد حدود الجولان الجغرافي/ الطبيعي على النحو الآتي:
- شمالاً: الحوض الأيمن لوادي سعار.
- جنوباً: الخط المنصف لسرير نهر اليرموك.
- غرباً: الخط المنصف لسرير نهر الأردن، وامتداد هذا الخط شمالاً في سهل الحولة، وجنوباً في بحيرة طبرية وما بعدها، حتى التقاء الأردن اليرموك.
- شرقاً: منطقة الجيدور/الجدور، والحوض الأيسر لنهر العلان وسياسياً، لم تعرف بلاد الشام قبل الحرب العالمية الأولى، الحدود السياسية، التي تمزقها الآن، فقد كانت منذ بدايات العهد الإسلامي، وحتى نهاية العهد اعثماني، والحكم العربي، وحدة سياسية تضم حدات إدارية، أملتها اعتبارات إقليمية، أو اجتماعية، تباينت طبيعتها من منطقة لأرى، باستثناء الفترات التي تعرضت فيها المنطقة لغزو أجنبي، أسفر عن ظهور حدود سياسية، سرعان مازالت مع نهاية الغزو والاحتلال، ويشار إلى أن حدود الوحدات الإدارية لم تكن ثابتة، فقد تعرضت للتغيير، بحسب الظروف وسلم الأولويات للسلطة الحاكمة.
وقد بدأت مسألة الحدود السياسية تظهر في بلاد الشام، وتأخذ أبعادها الكيانية، في ساحة التفاعلات السياسية- الاجتماعية، منذ أن أخذ الاستعمار الذي يتطلع إلى هذه المنطقة، وينفذ فيها مشاريع ومخططات تجزئة وتفتيت وحدة هذه البلاد، بما في ذلك المشروع الصهيوني، الذي جاء من رحم هذا الاستعمار، فحمل له بالضرورة كل خصائصه، وصفاته، في كل ما يتعلق بالمسألة العنصرية، التي وجدت في الموروث الثقافي اليهودي أرضاً خصبة، وتجسدت في أسوأ وأخطر أشكال الاستعمار وأنواعه، وهو الاستيطان الإحلالي، الذي مارسه الأوروبيون ضد الهنود الحمر في أمريكا، والروس ضد شعوب شمالي القفقاس.
وأخذت بلا الشام نشهد إشكاليات الحدود السياسية، بين أقاليمها، مع بداية تجسيد اتفاقية سايكس- بيكو- سازانوف، التي عرفت لاحقاً باتفاقية سايكس- بيكو، بعد أن اندلعت ثورة أكتوبر في روسيا، وقام النظام السوفييتي بالكشف عنها، والانسحاب منها، كوريثة لروسيا القيصرية.
أسفر تنفيذ هذه الاتفاقية عن تقسيم بلاد الشام إلى أربعة كيانات، هي: سورية، ولبنان، وفلسطين، وشرقي الأردن، وعن ظهور حدود سياسية بين هذه الكيانات، حددت الاتجاه العام لحدود منطقة الجولان، الشمالية، والغربية، والجنوبية، وفتح المجال واسعاً لمساومات بريطانية- فرنسية، حول الحدود السياسية بين سورية وفلسطين.
تكمن الإشكالية في حدود ومساحة الأراضي التي تدخل ضمن مفهومي هذين المصطلحين، فحدود الجولان الجغرافي لا تتطابق تماماً مع حدود محافظة القنيطرة، وبالتالي تختلف كل المعطيات الخاصة بالمساحة، والتضاريس، والمناخ، وشبكة المياه، والديموغرافيا/ السكان، والإمكانات الاقتصادية، والطاقة الاستيعابية.
بالنسبة لمحافظة القنيطرة، تشترك حدود المحافظة مع كل من لبنان شمالاً، وفلسطين غرباً، والمملكة الأردنية الهاشمية جنوباً، ومحافظتي ريف دمشق ودرعا شرقاً، وهي حدود تتميز بحواجز طبيعية، حيث تشكل قمم الجزء الجنوبي الغربي لجبل الشيخ/ حرمون حدها الشمالي، ووادي الأردن حدها الغربي، ووادي اليرموك حدها الجنوبي، والحوض الأيسر لوادي الرقاد تغريباً، مع جزء من منطقة الجدور حدها الشرقي.
بالنسبة للجولان الجغرافي/ الطبيعي، اتفق الباحثون على الحدود الجنوبية، حيث اجمعوا على اعتبار وادي اليرموك هو الحد الجنوبي، بعد أن رأوا في هذا الوادي حداً نموذجياً بعمقه وعرضه، في الجزء الموازي من مجراه للجولان، إذ يتراوح عمقه في هذا الجزء بين (350-550)م، ويتراوح عرضه بين (2-4) كم.
واختلف هؤلاء حول الحدود الشمالية، والغربية، والشرقية، ففي الشمال اعتبر بعض الجغرافيين، ومنهم الدكتور أديب باغ، أن السفح الجنوبي، والجنوبي الشرقي لجبل الشيخ/ حرمون هو الحد الشمالي، في حين حدد بعضهم الآخر، ومنهم الدكتور عادل عبد السلام، هذه الحدود بخط اختلاف البنية الجيولوجية، بين كتلة حرمون، ذات الطبيعة الالتوائية- الصدعية، والصخور الكلسية، المتطبقة، المائلة، وبين الهضبة البازلتية/ الاندفاعية، الأحدث عمراً في الجولان، وهوخط تماس بين الكتلتين الرسوبية والبازلتية، ويكاد ينطبق على خط مجرى وادي سعار، الذي حفر مجراه بعمق واضح، وجوانب شديدة الانحدار، في مجرييه الأوسط والأدنى.
في الغرب، هناك إجماع على اعتبار وادي الأردن هو الحد الغربي للجولان، غير أن عبارة وادي الأردن عبارة غامضة، تثير إشكاليات كبيرة، على خلفية الأبعاد السياسية لهذا الوادي، ولا يمكن الاكتفاء بهذه العبارة، أي وادي الأردن دون الدخول في التفاصيل، فعلى سبيل المثال: هل يسير خط الحدود مع أعالي منحدرات وجروف الجولان الغربي، المشرفة على الوادي، أم يسير مع خط تماس أسافل هذه الجروف مع سهل الحولة، وسرير نهر الأردن، وسهل البطيحة، وامتداد على طول الشريط الساحلي الشرقي لبحيرة طبرية، وصولاً إلى مثلث الأردن- اليروك، أم يسير بالتطابق مع الخط المنصف لسرير نهر الأردن، وامتداده المنصف لسهل الحولة في الشمال، وبحيرة طبرية في الجنوب..؟!
جغرافياً، تأتي إشكالية الحدود الغربية للجولان الطبيعي، من اعتبار وادي الأردن وحدة جغرافية خاصة في إطار الانهدام السوري- الأفريقي، تتميز عن الجوار السوري/ الجولان، والفسلطيني/ الجليل، بعامل الارتفاع، إذ ينحدر هذا الوادي من ارتفاع (+200م) عن سطح البحر، عند نقطة التقاء الحدود السورية- اللبنانية- الفلسطينية، إلى ارتفاع (70)م في المساحة التي كانت تغطيها بحيرة الحولة قبل تجفيفها، إلى (-212)م في بحيرة طبرية، وإلى (-235)م عند التقاء الأردن واليرموك، إضافة إلى عوامل التضاريس، والمناخ، والتربة، والشبكة المائية، والنبات والحيوان، فهذا الوادي غور منخفض، يتميز بفروقات مناخية عن منطقتي الجليل والجولان، كما يتميز بتربة لحقية تراكمية، وبشبكة مائية معقدة، تتمثل في أقنية مائية متشابكة، ومستنقعات، تحصر جزراً صغيرة من الأرض.
وقد تناول الدكتور عادل عبد السلام هذا الموضوع بشيء من التفصيل، فأوضح أن خط الحدود الغربية للجولان الطبيعي، يسير أسفل، وحضيض الجروف، وشدد على أنها لا تسير على حوافها العليا، وأدخل الشريط الضيق من أقدام هذه الجروف ضمن الجولان الجغرافي/ الطبيعي، واعتبر كامل سهل البطيحة جزءاً من الجولان الطبيعي.
وفي الشرق، شكلت الحدود الشرقية للجولان الطبيعي مثار خلاف كبير بين الجغرافيين، فالأب آبل يرى في منطقتي الجدور في الشمال، والنقرة في الجنوب كحدود شرقية بين الجولان وحوران، في حين اعتبر الجغرافي ووسو نهر الرقاد هو الحد الشرقي، وحدد الدكتور عادل عبد السلام هذه الحدود بوادي الرقاد، وقال أن هذا الوادي يرسم الحدود الشرقية للجولان، من بداياته عند بلدة جباتا الخشب في الشمال، وحتى مصبه في نهر اليرموك في الجنوب.
وذهب الدكتور باغ إلى أن المجرى القديم لنهر الرقاد هو الحد الشرقي للجولان، فض بذلك الجزء الجنوبي الغربي من منطقة وادي العجم إلى الجولان، إضافة إلى ما يعرف بالزوية الشرقية في الجنوب، واستند في رأيه إلى الطبيعة البركانية/ البازلتية لضمور منطقة الجدور في الشمال، ومناخها، وعزز رأيه بفرضية تقول أن مجرى مياه الجزء الأعلى لنهر الرقاد انحرف نحو الشرق، نتيجة تشكل الوعرة في هذه المنطقة، في الحقب الجيولوجي الرابع، مما أدى إلى تحول مجرى المياه إلى نهر الأعوج، ما عزز رأيه في الجنوب بفرضية تقول أن نهر الرقاد تعرض لعملية أسر نهري في مجراه الأدنى، قام بها وادي التيم، الذي يشكل الآن المجرى الأدنى للرقاد، وشدد على اعتبار نهر العلان هو الحد الشرقي للجولان.
وبدورنا، تتفق مع القائلين بوادي اليرموك حداً جنوبياً، ووصولاً إلى سرير النهر، وتتجاوز في الشمال خط وادي سعار، لتضم إلى الجولان الطبيعي الحوض الأيمن لهذا الوادي، وتتجاوز في الغرب أسافل الجروف وحضيضها، لنصل إلى سرير نهر الأردن، وامتداد خط منصفه شمالاً في سهل الحولة، وجنوباً في بحيرة طبرية، وحتى نقطة التقاء الأردن واليرموك، فقد قسم نهر الأردن وادي الأردن إلى قسمين، شرقي يتواصل مع الجولان، وغربي يتواصل مع الجليل، ويشغل الجولان معظم مساحة الحوض الشرقي/ الأيسر لهذا الوادي، إضافة إلى ما هو مشترك جغرافياً بين الجولان والجزء الشرقي لوادي الأردن.
ونعتبر الحوض الأيسر لنهر العلان، ومنطقة الجيدور/ الجدور، وصولاً إلى سعسع، ودير ماكر، والجابية ضمن الجولان، وذلك استناداً إلى ما يلي:
أ- العامل الجغرافي:
وتقصد عامل البنية والصخور، والمناخ، فمن المعروف أن أي إنسان يتوجه من دمشق إلى القنيطرة، يحس بفرق الحرارة والرطوبة، فور وصوله إلى بلدة سعسع، ويلاحظ بجلاء طغيان طبقات الغطاء البازلتي، بعد خروجه من هذه البلدة مباشرة، وهو غطاء من منشأ جولاني، ويمتد حتى نهر الأعوج شمالاً ومعظم مساحة الحوض الأيسر لنهر العلان جنوباً ويتصل مع الغطاء البازلتي في عمق الجولان.
ب- العامل التاريخي:
عبر الشاعر حسان بن ثابت عن واقع، يؤكد أن موقع الجابية جزء من الجولان، حين قال: (بجابية الجولان وسط الأعاجم)، كما عبر الجراس عن هذا الواقع حين قال: (بجابية الجولان لولا ابن بحدل)، وكذلك وكذلك أكد جولانية الجابية كل من القرماني في أخبار الدول، والبغدادي في مراصد الاطلاع، وأوضح كل من المسعودي في مروج الذه، والبكري في معجم ما استعجم جولانية بلدة جاسم، كما أوضح كل من ياقوت الحموي في معجم البلدان، والقرماني في أخبار الدول جولانية بلدة عقربا.
واعتبر القدماء المجرى الأدنى لنهر العلان جزءاً من الجولان، حين أطلقوا اسم (سحم الجولان)، على الموقع الذي يحمل هذا الاسم، وهو موقع يقع على يسار نهر العلان، فالاسم (سحم الجولان) يؤكد تبعية هذا الموقع إلى الجولان، إضافة إلى أن مضلع الرقاد- اليرموك- العلان، عرف منذ القديم بالزوية الشرقية، تمييزاً عن الزوية الغربية في جنوبي الجولان، وتأكيداً على تبعية هذه المنطقة، (الزوية الشرقية) للجولان، كما أن خرائط العهد العثماني تمد الحدود الشرقية للجولان على هذه المناطق.
وفق ما تقدم، يمكن أن تحدد حدود الجولان الجغرافي/ الطبيعي على النحو الآتي:
- شمالاً: الحوض الأيمن لوادي سعار.
- جنوباً: الخط المنصف لسرير نهر اليرموك.
- غرباً: الخط المنصف لسرير نهر الأردن، وامتداد هذا الخط شمالاً في سهل الحولة، وجنوباً في بحيرة طبرية وما بعدها، حتى التقاء الأردن اليرموك.
- شرقاً: منطقة الجيدور/الجدور، والحوض الأيسر لنهر العلان وسياسياً، لم تعرف بلاد الشام قبل الحرب العالمية الأولى، الحدود السياسية، التي تمزقها الآن، فقد كانت منذ بدايات العهد الإسلامي، وحتى نهاية العهد اعثماني، والحكم العربي، وحدة سياسية تضم حدات إدارية، أملتها اعتبارات إقليمية، أو اجتماعية، تباينت طبيعتها من منطقة لأرى، باستثناء الفترات التي تعرضت فيها المنطقة لغزو أجنبي، أسفر عن ظهور حدود سياسية، سرعان مازالت مع نهاية الغزو والاحتلال، ويشار إلى أن حدود الوحدات الإدارية لم تكن ثابتة، فقد تعرضت للتغيير، بحسب الظروف وسلم الأولويات للسلطة الحاكمة.
وقد بدأت مسألة الحدود السياسية تظهر في بلاد الشام، وتأخذ أبعادها الكيانية، في ساحة التفاعلات السياسية- الاجتماعية، منذ أن أخذ الاستعمار الذي يتطلع إلى هذه المنطقة، وينفذ فيها مشاريع ومخططات تجزئة وتفتيت وحدة هذه البلاد، بما في ذلك المشروع الصهيوني، الذي جاء من رحم هذا الاستعمار، فحمل له بالضرورة كل خصائصه، وصفاته، في كل ما يتعلق بالمسألة العنصرية، التي وجدت في الموروث الثقافي اليهودي أرضاً خصبة، وتجسدت في أسوأ وأخطر أشكال الاستعمار وأنواعه، وهو الاستيطان الإحلالي، الذي مارسه الأوروبيون ضد الهنود الحمر في أمريكا، والروس ضد شعوب شمالي القفقاس.
وأخذت بلا الشام نشهد إشكاليات الحدود السياسية، بين أقاليمها، مع بداية تجسيد اتفاقية سايكس- بيكو- سازانوف، التي عرفت لاحقاً باتفاقية سايكس- بيكو، بعد أن اندلعت ثورة أكتوبر في روسيا، وقام النظام السوفييتي بالكشف عنها، والانسحاب منها، كوريثة لروسيا القيصرية.
أسفر تنفيذ هذه الاتفاقية عن تقسيم بلاد الشام إلى أربعة كيانات، هي: سورية، ولبنان، وفلسطين، وشرقي الأردن، وعن ظهور حدود سياسية بين هذه الكيانات، حددت الاتجاه العام لحدود منطقة الجولان، الشمالية، والغربية، والجنوبية، وفتح المجال واسعاً لمساومات بريطانية- فرنسية، حول الحدود السياسية بين سورية وفلسطين.