yass
31/08/2008, 23:04
غدا أول أيام رمضان.. أعاده الله علينا و عليكم بالصحة و السعادة و العافية, و في هذا الشهر المميز للمتدينين منهم و غير المتدينين يتغيّر كل شيء في بلادنا, حتى نظام التوقيت و أوقات النوم و الصحو و العمل و الدراسة و كل شيء.
أعيش خارج سوريا منذ سنين عديدة, و لذلك فإن رمضان كغيره من الأيام بالنسبة لي كوني أعيش في اسبانيا و أنا علماني غير مؤمن بالأديان إلا كمرحلة من مراحل التطور الإنساني, لكن هذه قصة أخرى, لكنني دائما أتذكر أيام رمضان بحنين, لأنني أعتقد أنه ليس شهرا دينيا فقط بل هو طقس اجتماعي لعله الأهم في البلدان ذات أغلبية سكان إسلامية (كالكريسماس في بلاد الغرب, معناه الديني مقتصر على المؤمنين و المتدينين, لكنه طقس اجتماعي).
أتذكر عندما كنت صغيرا و كنا نذهب إلى المدرسة في رمضان, كانت الدراسة و الوظائف أخف قليلا من الشهور الأخرى, فالأستاذ أو المعلمة "صائمة" و "تعبانة". و في المدرسة كذلك أتذكر طرق الأطفال لمعرفة من فيهم الصائم من غيره, و منها طريقة فحص اللسان, فإن كان أبيض اللون فيفترض أن صاحبه صائم, و يا ويل من لا يكون بياض لسانه واضح, لأن الفسحة ما بين الدروس ستكون جحيما يلاحقه فيه زملائه وهم يغنون له "يا مفطر يا دم.. يا بياع السم".
عند خروجنا من المدرسة كنا نهرول إلى البيت بسرعة على عكس عادتنا في باقي أيام السنة, ففي تلك الأيام لم يكن هناك ستالايت و فضائيات بعد, و كانت فترة الظهر مخصصة لاعادة بث مسلسلات غوار الطوشة القديمة, و بعد غوار تبدأ برامج الأطفال التي كانت تبدأ الساعة الثالثة على عكس باقي السنة حيث كانت تبدأ في الرابعة و نصف, و بعد برامج الأطفال يبدأ برنامج "طبق رمضان", و مع بدايته تبدأ مفاوضات الأهل مع أحد الأولاد لكي يذهب لشراء المعروك, غالبا ما تبدأ المفاوضات سلسة هادئة و سرعان ما تتحول إلى زمجرة تجعلك تتحوّل إلى طائرة نفاثة تطير نحو محل المعروك (طقس رمضاني آخر, دائما الأهل يفضلون المعروك المصنوع في محل بعيد عن المنزل و لا يحبون معروك المحل القريب, و لذلك من الممكن أن تنظم رحلات جماعية لأطفال الحارة لشراء المعروك و تتخلل هذه الرحلات مغامرات و تسلية كثيرة).
بعد المعروك هناك طقس آخر يكتشفه من يستعمل السيارة أو المواصلات في الفترة الحرجة (تبدأ قبل الافطار بساعة تقريبا), حيث يتحوّل السائقون إلى مجانين يسابقون الريح للوصول إلى المنزل قبل الافطار. تذكرت هذا الطقس منذ فترة قليلة, بالتحديد يوم نهائي كأس الأمم الأوربية الذي لعبته اسبانيا و ألمانيا و انتهى بفوز الاسبان, كنت عائدا من زيارة لمزرعة خالي قبل المباراة بنصف ساعة, و كان كل من يقود حولي مسرعا و كأنه أصيب بمس من الجنون (رغم أن سائقي المنطقة التي أعيش فيها يتصفون بالهدوء و احترام القوانين) فقلت لأختي:" حاسس حالي برمضان قبل الافطار".
ثم الافطار..
عدد كبير من الأطباق و الصحون و السلطات و الفتوش (أغلبها لا يمس من قبل أحد) .. ثم كاسة شاي.. ثم لعبة طابة بالحارة حتى يبدأ المسلسل الرمضاني الوحيد (في تلك الفترة), أغلب هذه المسلسلات كان عن أيام الاستعمار الفرنسي أو الاحتلال العثماني, تسعفني الذاكرة باسمين: هجرة القلوب إلى القلوب (90 أو 91), و رائعة حنا مينا "نهاية رجل شجاع" (95 .. أعتقد).
اعتبارا من انتصاف شهر رمضان تبدأ التحضيرات للعيد, حيث تمتلئ الأسواق بالناس (20% يشترون- 80% يتسكعون) و يبدأ البحث عن ثياب العيد للصغار, و للكبار أحيانا كذلك..
في الأيام الأخيرة من رمضان هناك ما كان ينبئ الأطفال بقرب العيد: تبدأ البقاليات بوضع بسطات ضخمة أمامها تحوي مختلف أنواع السكاكر و الحلويات (ضيافة العيد).. فرش البسطة في بقالية الحارة كان دغدغة لروح الطفل الذي كنت.. حيث أنه يشير إلى أن العيد قد اقترب جدا..
ثم هناك طقوس يوم العيد... لكن هذا موضوع نتركه لنهاية هذا الشهر..
مع أنني نوستالجي إلى حد ما لكنني لست ممن يقول أن الزمن الماضي كان أفضل.. فقط أقول أنه كان بالنسبة لي أكثر جمالا.. لأنني كنت أراه بعيون طفل, من الممكن أنه كان زمنا أقل استهلاكية و أقل تجارية... من الممكن أنه لم يتغيّر أبدا, بل تغيّر المراقب...
طقس رمضان, بغض النظر عن المعنى الديني العائد لكل شخص, هو جزء من ثقافتنا و جزء من تراثنا الذي يجب الحفاظ عليه قدر الامكان لأنه طقس جميل و ممتع..
كل عام و أنتم بخير...و الله يسعدكون
Yass
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
أعيش خارج سوريا منذ سنين عديدة, و لذلك فإن رمضان كغيره من الأيام بالنسبة لي كوني أعيش في اسبانيا و أنا علماني غير مؤمن بالأديان إلا كمرحلة من مراحل التطور الإنساني, لكن هذه قصة أخرى, لكنني دائما أتذكر أيام رمضان بحنين, لأنني أعتقد أنه ليس شهرا دينيا فقط بل هو طقس اجتماعي لعله الأهم في البلدان ذات أغلبية سكان إسلامية (كالكريسماس في بلاد الغرب, معناه الديني مقتصر على المؤمنين و المتدينين, لكنه طقس اجتماعي).
أتذكر عندما كنت صغيرا و كنا نذهب إلى المدرسة في رمضان, كانت الدراسة و الوظائف أخف قليلا من الشهور الأخرى, فالأستاذ أو المعلمة "صائمة" و "تعبانة". و في المدرسة كذلك أتذكر طرق الأطفال لمعرفة من فيهم الصائم من غيره, و منها طريقة فحص اللسان, فإن كان أبيض اللون فيفترض أن صاحبه صائم, و يا ويل من لا يكون بياض لسانه واضح, لأن الفسحة ما بين الدروس ستكون جحيما يلاحقه فيه زملائه وهم يغنون له "يا مفطر يا دم.. يا بياع السم".
عند خروجنا من المدرسة كنا نهرول إلى البيت بسرعة على عكس عادتنا في باقي أيام السنة, ففي تلك الأيام لم يكن هناك ستالايت و فضائيات بعد, و كانت فترة الظهر مخصصة لاعادة بث مسلسلات غوار الطوشة القديمة, و بعد غوار تبدأ برامج الأطفال التي كانت تبدأ الساعة الثالثة على عكس باقي السنة حيث كانت تبدأ في الرابعة و نصف, و بعد برامج الأطفال يبدأ برنامج "طبق رمضان", و مع بدايته تبدأ مفاوضات الأهل مع أحد الأولاد لكي يذهب لشراء المعروك, غالبا ما تبدأ المفاوضات سلسة هادئة و سرعان ما تتحول إلى زمجرة تجعلك تتحوّل إلى طائرة نفاثة تطير نحو محل المعروك (طقس رمضاني آخر, دائما الأهل يفضلون المعروك المصنوع في محل بعيد عن المنزل و لا يحبون معروك المحل القريب, و لذلك من الممكن أن تنظم رحلات جماعية لأطفال الحارة لشراء المعروك و تتخلل هذه الرحلات مغامرات و تسلية كثيرة).
بعد المعروك هناك طقس آخر يكتشفه من يستعمل السيارة أو المواصلات في الفترة الحرجة (تبدأ قبل الافطار بساعة تقريبا), حيث يتحوّل السائقون إلى مجانين يسابقون الريح للوصول إلى المنزل قبل الافطار. تذكرت هذا الطقس منذ فترة قليلة, بالتحديد يوم نهائي كأس الأمم الأوربية الذي لعبته اسبانيا و ألمانيا و انتهى بفوز الاسبان, كنت عائدا من زيارة لمزرعة خالي قبل المباراة بنصف ساعة, و كان كل من يقود حولي مسرعا و كأنه أصيب بمس من الجنون (رغم أن سائقي المنطقة التي أعيش فيها يتصفون بالهدوء و احترام القوانين) فقلت لأختي:" حاسس حالي برمضان قبل الافطار".
ثم الافطار..
عدد كبير من الأطباق و الصحون و السلطات و الفتوش (أغلبها لا يمس من قبل أحد) .. ثم كاسة شاي.. ثم لعبة طابة بالحارة حتى يبدأ المسلسل الرمضاني الوحيد (في تلك الفترة), أغلب هذه المسلسلات كان عن أيام الاستعمار الفرنسي أو الاحتلال العثماني, تسعفني الذاكرة باسمين: هجرة القلوب إلى القلوب (90 أو 91), و رائعة حنا مينا "نهاية رجل شجاع" (95 .. أعتقد).
اعتبارا من انتصاف شهر رمضان تبدأ التحضيرات للعيد, حيث تمتلئ الأسواق بالناس (20% يشترون- 80% يتسكعون) و يبدأ البحث عن ثياب العيد للصغار, و للكبار أحيانا كذلك..
في الأيام الأخيرة من رمضان هناك ما كان ينبئ الأطفال بقرب العيد: تبدأ البقاليات بوضع بسطات ضخمة أمامها تحوي مختلف أنواع السكاكر و الحلويات (ضيافة العيد).. فرش البسطة في بقالية الحارة كان دغدغة لروح الطفل الذي كنت.. حيث أنه يشير إلى أن العيد قد اقترب جدا..
ثم هناك طقوس يوم العيد... لكن هذا موضوع نتركه لنهاية هذا الشهر..
مع أنني نوستالجي إلى حد ما لكنني لست ممن يقول أن الزمن الماضي كان أفضل.. فقط أقول أنه كان بالنسبة لي أكثر جمالا.. لأنني كنت أراه بعيون طفل, من الممكن أنه كان زمنا أقل استهلاكية و أقل تجارية... من الممكن أنه لم يتغيّر أبدا, بل تغيّر المراقب...
طقس رمضان, بغض النظر عن المعنى الديني العائد لكل شخص, هو جزء من ثقافتنا و جزء من تراثنا الذي يجب الحفاظ عليه قدر الامكان لأنه طقس جميل و ممتع..
كل عام و أنتم بخير...و الله يسعدكون
Yass
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////