sona78
07/10/2008, 13:02
يديعوت أحرونوت ــ يارون لندن
«استراتيجية الضاحية» هي تعبير مرشّح لأن يتجذر في الخطاب الأمني. الضاحية هي الحي الشيعي في بيروت الذي جعله طيّارونا أثناء حرب لبنان الثانية مدينة أشباح. غادي آيزنكوت، قائد المنطقة الشمالية، قال في مقابلة مع «يديعوت أحرونوت»، نشرت يوم الجمعة، أموراً واضحة خلاصتها: في المواجهة المقبلة مع حزب الله، لن نكبّد أنفسنا عناء صيد عشرات آلاف وسائل إطلاق الصواريخ، ولن نسفك دم جنودنا في محاولة السيطرة على «المحميات الطبيعية»، بل سندمر لبنان ولن نخشى احتجاجات العالم. سنقوّض الـ160 قرية شيعية التي أصبحت قواعد عسكرية، ولن نوفر البنى التحتية للدولة التي يسيطر عليها حزب الله عملياً. هذه الاستراتيجية ليست تهديداً جاء بزلة لسان من ضابط متحمّس، بل خطة مُقرّة.
حتى الآن، لم تُتبنّ «استراتيجية الضاحية» لأن إسرائيل حاولت التمسك بالتمييز بين «اللبنانيين الأشرار» و«اللبنانيين الأخيار». إذا ما ضربنا «الأشرار» فقط، هكذا اعتقدنا، سيتعزز «الأخيار». ولكن ها هم «الأشرار» بالذات يسيطرون على البلاد المجاورة.
لبنان الآن كله موقع إيراني متقدم. حكامه هم تقريباً شرعيون لأن حكمهم يعكس موازين القوى الحقيقية في الدولة. الديموغرافيا، القوة العسكرية، الأمن الذاتي، البنية التحتية الاجتماعية، الروح القتالية والدعم الخارجي، كل ذلك يقف إلى جانب نصر الله.
هذا شر وخير. هذا شر لأن في شمالنا توجد دولة كلها نيّة مبيتة. وهو خير لأنه لم يعد هناك حاجة إلى تمييزات معقدة. من وجهة النظر الجديدة للاستراتيجيين الإسرائيليين، لبنان هو عدو وليس فسيفساء معقّدة من الكتل تتضمن أعداءً وضحايا ضمن وضع ليس في سيطرتنا.
رغم التغيير الثوري في الوضع اللبناني الداخلي، لا أعتقد أن «استراتيجية الضاحية» كانت لتنال الشرعية الرسمية لو لم تتغير رؤية القادة بكل معانيها ومسؤولياتها. التغيير لم يحصل نتيجة لعملية تفكير مرتّبة، بل نتيجة للوعي الذي تسلّل ببطء إلى رؤوسهم وأدى بهم إلى الاستنتاج بأنه يجب إلقاء كامل المسؤولية على جيراننا جرّاء أفعال زعمائهم.
فشلنا في محاولاتنا الذكية للتمييز بين الأفراد الأبرياء وزعمائهم الخطّائين. فشلنا في مساعينا للتمييز بين «الناس البسطاء الذين لهم أيضاً آباء وأبناء»، ومن يحرّضون بسطاء الشعب أولئك. ودون أن نقول ذلك صراحة، توصّلنا إلى استنتاج أن الشعوب مسؤولة عن زعمائها. من ناحية عملية، الفلسطينيون في غزة كلّهم خالد مشعل، اللبنانيون هم كلّهم نصر الله، والإيرانيون كلّهم أحمدي نجاد.
خسارة أن هذا المفهوم لم يؤخذ به في الأيام الأولى بعد الانسحاب من لبنان. خسارة أنه لم يؤخذ به فور «فك الارتباط» مع غزة وصليات الصواريخ الأولى نحو النقب الشمالي. في الحالتين أوهمنا أنفسنا بأن «الشعب» ليس زعماءه، وأن «الشعب» فقط لرزقه يسعى، بل إنه أسير لدى «الجهات المتطرفة وغير المسؤولة». لو أننا انتهجنا فوراً «استراتيجية الضاحية»، لكان من المعقول الافتراض أننا كنا وفّرنا على أنفسنا مشاكل كثيرة. «الضاحية» في غزة كانت ستوضح لحماس أننا لسنا في وارد أن نضربهم ضربة متوازنة.
«استراتيجية الضاحية» هي وصفة التفكير الجامد لمعظم العرب. بالنسبة إليهم، «الصهاينة» هم مجرمون، ولكن «الصهاينة» هم عموم اليهود، مواطنو إسرائيل وكذا اليهود الذين لا يؤيّدون الصهيونية على الإطلاق. والدعائيون العرب من المتعلّمين في الغرب وحدهم يميّزون بين «الحكومة الصهيونية» والشعب اليهودي «الذي ليس لنا معه أي نزاع تاريخي، وعشنا معه بانسجام على مدى مئات السنين».
لا اقترح أن نتبنّى نمط تفكير العرب بل فقط الاستنتاجات الناشئة عن وضع ثابت، حيث تتنكر فيه دول ومنظمات سياسية تدّعي التمثيل لمسؤولياتها عمن تدّعي تمثيلهم. وأقصد الوضع الذي يعبّر فيه المواطنون العرب عن استيائهم من أنهم يعاقبون بسبب زعمائهم، ولكنهم يخافون من زعمائهم أكثر مما يخافون منا. يجب أن نعمل على أن يكون الخوف الذي نفرضه عليهم أكبر.
جريدة الاخبار
«استراتيجية الضاحية» هي تعبير مرشّح لأن يتجذر في الخطاب الأمني. الضاحية هي الحي الشيعي في بيروت الذي جعله طيّارونا أثناء حرب لبنان الثانية مدينة أشباح. غادي آيزنكوت، قائد المنطقة الشمالية، قال في مقابلة مع «يديعوت أحرونوت»، نشرت يوم الجمعة، أموراً واضحة خلاصتها: في المواجهة المقبلة مع حزب الله، لن نكبّد أنفسنا عناء صيد عشرات آلاف وسائل إطلاق الصواريخ، ولن نسفك دم جنودنا في محاولة السيطرة على «المحميات الطبيعية»، بل سندمر لبنان ولن نخشى احتجاجات العالم. سنقوّض الـ160 قرية شيعية التي أصبحت قواعد عسكرية، ولن نوفر البنى التحتية للدولة التي يسيطر عليها حزب الله عملياً. هذه الاستراتيجية ليست تهديداً جاء بزلة لسان من ضابط متحمّس، بل خطة مُقرّة.
حتى الآن، لم تُتبنّ «استراتيجية الضاحية» لأن إسرائيل حاولت التمسك بالتمييز بين «اللبنانيين الأشرار» و«اللبنانيين الأخيار». إذا ما ضربنا «الأشرار» فقط، هكذا اعتقدنا، سيتعزز «الأخيار». ولكن ها هم «الأشرار» بالذات يسيطرون على البلاد المجاورة.
لبنان الآن كله موقع إيراني متقدم. حكامه هم تقريباً شرعيون لأن حكمهم يعكس موازين القوى الحقيقية في الدولة. الديموغرافيا، القوة العسكرية، الأمن الذاتي، البنية التحتية الاجتماعية، الروح القتالية والدعم الخارجي، كل ذلك يقف إلى جانب نصر الله.
هذا شر وخير. هذا شر لأن في شمالنا توجد دولة كلها نيّة مبيتة. وهو خير لأنه لم يعد هناك حاجة إلى تمييزات معقدة. من وجهة النظر الجديدة للاستراتيجيين الإسرائيليين، لبنان هو عدو وليس فسيفساء معقّدة من الكتل تتضمن أعداءً وضحايا ضمن وضع ليس في سيطرتنا.
رغم التغيير الثوري في الوضع اللبناني الداخلي، لا أعتقد أن «استراتيجية الضاحية» كانت لتنال الشرعية الرسمية لو لم تتغير رؤية القادة بكل معانيها ومسؤولياتها. التغيير لم يحصل نتيجة لعملية تفكير مرتّبة، بل نتيجة للوعي الذي تسلّل ببطء إلى رؤوسهم وأدى بهم إلى الاستنتاج بأنه يجب إلقاء كامل المسؤولية على جيراننا جرّاء أفعال زعمائهم.
فشلنا في محاولاتنا الذكية للتمييز بين الأفراد الأبرياء وزعمائهم الخطّائين. فشلنا في مساعينا للتمييز بين «الناس البسطاء الذين لهم أيضاً آباء وأبناء»، ومن يحرّضون بسطاء الشعب أولئك. ودون أن نقول ذلك صراحة، توصّلنا إلى استنتاج أن الشعوب مسؤولة عن زعمائها. من ناحية عملية، الفلسطينيون في غزة كلّهم خالد مشعل، اللبنانيون هم كلّهم نصر الله، والإيرانيون كلّهم أحمدي نجاد.
خسارة أن هذا المفهوم لم يؤخذ به في الأيام الأولى بعد الانسحاب من لبنان. خسارة أنه لم يؤخذ به فور «فك الارتباط» مع غزة وصليات الصواريخ الأولى نحو النقب الشمالي. في الحالتين أوهمنا أنفسنا بأن «الشعب» ليس زعماءه، وأن «الشعب» فقط لرزقه يسعى، بل إنه أسير لدى «الجهات المتطرفة وغير المسؤولة». لو أننا انتهجنا فوراً «استراتيجية الضاحية»، لكان من المعقول الافتراض أننا كنا وفّرنا على أنفسنا مشاكل كثيرة. «الضاحية» في غزة كانت ستوضح لحماس أننا لسنا في وارد أن نضربهم ضربة متوازنة.
«استراتيجية الضاحية» هي وصفة التفكير الجامد لمعظم العرب. بالنسبة إليهم، «الصهاينة» هم مجرمون، ولكن «الصهاينة» هم عموم اليهود، مواطنو إسرائيل وكذا اليهود الذين لا يؤيّدون الصهيونية على الإطلاق. والدعائيون العرب من المتعلّمين في الغرب وحدهم يميّزون بين «الحكومة الصهيونية» والشعب اليهودي «الذي ليس لنا معه أي نزاع تاريخي، وعشنا معه بانسجام على مدى مئات السنين».
لا اقترح أن نتبنّى نمط تفكير العرب بل فقط الاستنتاجات الناشئة عن وضع ثابت، حيث تتنكر فيه دول ومنظمات سياسية تدّعي التمثيل لمسؤولياتها عمن تدّعي تمثيلهم. وأقصد الوضع الذي يعبّر فيه المواطنون العرب عن استيائهم من أنهم يعاقبون بسبب زعمائهم، ولكنهم يخافون من زعمائهم أكثر مما يخافون منا. يجب أن نعمل على أن يكون الخوف الذي نفرضه عليهم أكبر.
جريدة الاخبار