ayhamm26
16/10/2008, 01:07
يعبر باحث سوري جاد عن رفضه توصيف النظام القائم في سوريا بالطائفية ويعتبر أن مثل هذا التوصيف هو الذي يعبر عن "قصر نظر ومشاعر طائفية ساذجة"، وذلك لأن النظام ليس إلا نظاما توتاليتاريا كغيره من الأنظمة التوتاليتارية التي شخصتها حنة أرندت في كتابها "أسس التوتاليتارية" الذي يعتمده الباحث الكريم.
وباعتبار أننا من القائلين بطائفية النظام، طبعا ليس بالتعارض مع توتاليتاريته، فإننا سنبدأ مرافعتنا بالبدء منذ لحظة الاعلان الرسمي عن قيام الهوية الوطنية السورية مؤسساتيا، أي غبّ خروج الاستعمارالفرنسي وقيام الاستقلال، حيث تولدت الهوية الوطنية ككلية اجتماعية ما بعد طبقية أو اثنية أو طائفية، وكان من الطبيعي أن يرافق هذه الولادة نوع من الانتشاء والفخرالممجد للذات الوطنية كأنا عليا تتسامى فوق الانتماءات ما قبل الوطنية التي تحررت من الاستعمار، بعد أن ساهم الاستعمار ذاته -من خلال التناقض الوطني معه- على تشكل نواتها كهوية موحدة لهذه الأنا الوطنية الوليدة في مواجهة الآخر الكولونيالي.
إن المرحلة الوطنية الوليدة التي عبرت عن ذاتها في صيغة الشرعية الدستورية للدولة البرلمانية ذات النظام الديموقراطي التعددي أتاحت نوعا من التوازن بين مكونات المجتمع السوري: الاثني والطائفي بل القبلي والعائلي عندما وضعت منظوماته التقليدية أمام تحديات مؤسسات حديثة: الأحزاب - المنتديات - الصحف - النقابات، فكانت فرصة تاريخية أمام المجتمع اسوري لكي تتشقق بناه التقليدية العمودية الدموية (العشائرية والعائلية والطائفية) عن كلية نوعية جديدة من خلال انتشاره السوسيولوجي عبر وفي المؤسسات الحديثة (الأحزاب) والايديولوجيات الحديثة (القومية واليسارية)، حيث لأول مرة يكون لها حضور فعلي في البرلمان (البعث) وحضور رمزي (الشيوعي)، مع حركة اسلامية مدنية تعيد قراءة الاسلام على ضوء الأسئلة المدنية الراهنة (الشيخ مصطفى السباعي) التي تفترضها استحقاقات مجتمع يدخل في طور تحديات الحداثة، فدخل الاخوان المسلمون كغيرهم -مستقبل البراءة الوطنية بلا تشنجات عقائدية -المعارك البرلمانية بتنافسية شديدة وحادة لكن باسلوب سلمي مدني وحضاري يعترف بنتائج صندوق الانتخاب كمرجعية نهائية.
لن نطيل في الحديث عن طارئ الوحدة بين مصر وسوريا 1958- وهي طارئ بالمعنى أنها لم تعمر إلا قليلا - لكن لابد من التأكيد على أهمية انعكاسات هذه المرحلة على مسار تشكل الهوية الوطنية السورية، اذ ستؤسس هذه المرحلة القصيرة لنموذج دولة العسكر الريفيون الشعبويون (دولة الشعارات الغريزية المعبرة عن الغوغائية)، التي وجدت مثالها العالمي في النموذج الشمولي السوفياتي الستاليني، وثمة قراءات تكذب شائعة أن أمريكا رفضت المساعدة في بناء السد العالي في مصر، بينما وافق الاتحاد السوفييتي، وتقول هذه القراءة أن مشروعا كهذا لم يكن ليبهظ الموازنة الأمريكية الهائلة، بينما أبهظ الموازنة السوفياتية، فالمسألة إذن- وفق هذه القراءة- أن جمال عبد الناصر استجاب لنداءات الاستبدد التوتاليتاري الستاليني المتجاوب مع موروث الاستبداد الطغياني الشرقي (والمصري) في وعي عبد الناصرالذي لم يكن ليجتذبه نموذج الديموقراطية الأمريكية، فاختار العرض السوفييتي...؟
بغض النظر عن صحة هذه القراءة أو عدم صحتها، ولكن ذلك لن يحيل دون الاقرار بحقيقة النموذج التوتاليتاري (الستاليني) الذي أنتجته وأسسته مدرسة عبد الناصر الذي حبس الشيوعيين بعد أن اختلس نموذجهم التوتاليتاري(الستاليني)، فأعاد انتجه بوصفه نموذجا يحتذى للدولة الوطنية العسكريتارية الشعبوية الانقلابية التوتاليتارية التي سيواصل حزب البعث تقاليدها في سوريا ولاحقا في العراق والجزائر واليمن وليبيا.
هذه المرحلة هي الوحيدة التي يمكن أن يصح عليها التوصيف الذي يسوقه الصديق الأستاذ جاد الكريم الجباعي تحت عنوان (في الاستبداد المحدث) - على موقع الأوان.
حيث التوصيف القائل بأننا تجاه الاستبداد المحدث أو النظام الشمولي وليس الطائفي- كما أسلفنا حسب رأي الصديق- يجد دلالته في التجربة الناصرية، حيث " في هذا النظام الشمولي تتربع على رأس الهرم قيادة الحزب الثوري أو مجلس قيادة الثورة، وعلى رأس هذا أو تلك يقف الأمين العام القائد التاريخي الملهم أو القائد الضرورة... وعلاقات الولاء هي علاقات الولاء الحزبي، الأيدلوجي والسياسي، والانضباط الحزبي الحديدي وهي تتضمن سائر الولاءات الأخرى... حيث تحكم هذه الولاءات آليات "الخوف من الحرية"، واذا كانت علاقات الولاء هذه كانت علاقات موضوعية في نظم الاستبداد القديمة، أما في النظم الشمولية فالتبعية "هي تبعية ذاتية" مقرونة بالحماسة والتعصب الحزبي.
والتطرف الايديولوجي، والحمية الثورية ضد اعداء الحزب... وهي تشكل أساس علاقات الشك والارتياب وأساس نظام الوشاية..
والوشاية واجب تمليه ضرورة الدفاع عن الثورة، شرط للارتقاء بالمراتب العليا... بينما قاعدة الأحزاب (البعث والجبهة الوطنية)، فتؤلف جماهير الحركة التوتايتارية وخزانها البشري الاحتياطي... لذلك كانت الظاهرة الجماهيرية ظاهرة ملازمة للنظم الشمولية... التي تستقطب: النخب المثقفة من جهة وفقراء المدن والأرياف. ولهذا فالتحليل هذا يقود الى اعتبار "جماهير" حزب البعث الربي الاشتراكي واحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الأخرى جزءاً أساسياً، بل الجزء الأساسي من الجسم السياسي السوري.
ويضاف الى ذلك، أن أحزاب المعارضة أيضا أحزاب شمولية، تتألف من قادة وجماهير، بل من قادة معصومين وجماهبر مؤمنة... وعلاقاتها علاقات تبعية وولاء وخضوع وامتثال.
واستنادا الى هذا التحليل يخلص النص الى الحكم "أن المعارضة السورية تخطئ خطأ قاتلا حين يظن بعضها أو يقدرون أن النظام القائم نظام طائفي وأن السلطة القائمة سلطة طائفية... ويعتبر ذلك أنه قصر نظر ومشاعر طائفية ساذجة...". ويبرهن على ذلك بقدرة النظام على التحشييد للمشاركة في (الأعراس) والمهرجانات والاحتفالات والمسيرات التوتاليتارية... " فعن أي سلطة طائفية يتحدث الطائفيون؟!"
نقول: إذا كان هذا التوظيف الذي يستمد مسوغاته النظرية من بنية الأنظمة الشمولية:النازية والفاشية ومن ثم الستالينية يصح بالعام على توصيف التجربة الناصرية، فهل يصح على التجربة البعثية؟ وإذا صح جزء منها على جزء من المرحلة البعثية (الأسدية - الصدامية)، فهل تصح على صورة الواقع القائم اليوم في سوريا كما يذهب صديقنا!؟ هل حقا أن حزب البعث أو قياداته (الثورية) اليوم تتربع رأس الهرم، وأن الرئيس الوريث لايزال قائدا تاريخيا ملهما، وقائدا ضرورة كضرورات أبيه؟... لا نظن أن ذلك قائم في رأس أية صناجة من صناجاتهم الاعلامية!
هل لا يزال الديكتاتور الوريث قابلا للتصدير والتسويق كأبيه بوصفه قائدا ملهما؟ أم أنه ليس إلا مجرد تفويض أو تكليف أمني لرعاية مصالح عصابات النهب بل والقتل، أي رئاسة عصابة قرصنة تقوم على أخذ مجتمعها والذي يفترض أنه شعبها رهينة للمقاولة على فك أسره من قبل المجتمع الدولي وبالمعنى المباشر لكلمة الرهينة، حيث يطالب بمكاسب تخص نظامه وبقائه مقابل رفع السوط عن أبناء ما يفترض أنهم أهله، أي يطلب من (الامبريالية) ثمن حرية بعض أبناء من يفترض أنهم أبناء موطنه، وهذه الفذلكة ليست من عندياتنا، بل هي السؤال الدولي الأول الذي يسمعه المرء حتى في الخارج: كم قبض بشار الأسد من فرنسا ساركوزي ثمن اطلاق سراح عارف دليلة؟!
وهذه المأثرة -المقاولة والمساومة على حريات الأبناء- بدأها الأب المؤسس -الملهم والضرورة- الذي يعرف العالم كله أن رياض الترك لم يطلق سراحه بعد أكثر من17 عاما الا بمساومات مع المفوضية الأوربية، وهذه المسألة لا يزال أبناء النظام أوفياء لنهج (الأب القائد) في استخدامها كورقة من ضمن الأوراق الأساسية التي يتفاوض بها النظام مع العالم: مثلها مثل ورقة الاغتيالات في لبنان أو ارسال السيارات المفخخة إلى العراق، وعلى هذا فإن هكذا ممارسات لا ترتقي أبدا إلى مستوى الممارسات التوتاليتارية: وذلك عندما تستدعي هذه الممارسات نماذج من نوع ستالين أو ماوتسي تونغ، فهؤلاء -أبناء القائد الضرورة- قراصنة لا يختلفون نوعيا عن قراصنة السفن في موانئ الصومال، فالفرق في الدرجة وليس في النوع، هو الفرق بين حجم ثروات سوريا وثروات الصومال، بل إن المقارنة قد تذهب لمصلحة قراصنة الصومال على اعتبار أن رهائنهم على الأقل ليسوا صوماليين، بينما رهائن قراصنتنا (الوطنيين الممانعين) هم رهائن سوريون...!
هل الولاءات الحزبية (الايديولوجية والسياسية) والانضباط الحزبي الحديدي هو الذي يحكم علاقات الولاء التي تحكم بنية النظام الشمولي في سوريا، أم علاقات القوة والاذعان والخضوع الأعمى لسلطة المخابرات التي يخافها البعثي- قال لنا عضو قيادة قطرية خلال حرب الخليج الأولى بعد بياننا: بيان المثقفين المنددين بالمشاركة السورية في قوات التحاف، قال: "من أين لي أن أحميكم وأنا من يحميني؟" - كما يخافها الجبهوي مثلما يخافها المواطن العادي، بل حتى المناضلين الحزبيين داخل أحزاب المعارضة، الذين يخشون التعبير العلني عن رأيهم ضمن اجتماعاتهم خوفا من العيون المبثوثة داخل حزبهم من قبل رفاقهم أنفسهم!؟
هل لا يزال في سوريا (تبعية ذاتية) مقرونة بالحماسة والتعصب الحزبي والحمية الثورية، ام أن هذه التبعية التي بدأت في أيامها الأولى كـتبعية (ذاتية نضالوية)، تحولت اليوم الى ذاتية جبانة نهازة مريضة بالخوف على لقمة العيش للبائسين الموصوفين بـ (الجماهير) المؤمنة بالشعارات قسرا وقهرا، والخوف على الامتيازات للقافزين رياء وتملقا، أو الحفاظ على النفوذ والتسلط للحاكمين التابعين إلى (مركز باطني لا مرئي كتيم) قادر على بعث القشعريرة في النفس الآدمية بعد أن أترعت واقعيا وتخييليا وفانتازيا وذهانيا بملاحم رعب، حيث كلما مر حين من الزمان على تاريخ لحظة اللاشعور البدئي لولادة الرعب هذه عاد زبانيتهم للتذكير بها، وايقاظ ذاكرات المجازر عند الناس، حيث السؤال المتكرر امام كل من يتلمس كائنيته الآدمية: هل نسيتم ماذا فعلنا بالثمانينات في حماه وتدمر؟
وباعتبار أننا من القائلين بطائفية النظام، طبعا ليس بالتعارض مع توتاليتاريته، فإننا سنبدأ مرافعتنا بالبدء منذ لحظة الاعلان الرسمي عن قيام الهوية الوطنية السورية مؤسساتيا، أي غبّ خروج الاستعمارالفرنسي وقيام الاستقلال، حيث تولدت الهوية الوطنية ككلية اجتماعية ما بعد طبقية أو اثنية أو طائفية، وكان من الطبيعي أن يرافق هذه الولادة نوع من الانتشاء والفخرالممجد للذات الوطنية كأنا عليا تتسامى فوق الانتماءات ما قبل الوطنية التي تحررت من الاستعمار، بعد أن ساهم الاستعمار ذاته -من خلال التناقض الوطني معه- على تشكل نواتها كهوية موحدة لهذه الأنا الوطنية الوليدة في مواجهة الآخر الكولونيالي.
إن المرحلة الوطنية الوليدة التي عبرت عن ذاتها في صيغة الشرعية الدستورية للدولة البرلمانية ذات النظام الديموقراطي التعددي أتاحت نوعا من التوازن بين مكونات المجتمع السوري: الاثني والطائفي بل القبلي والعائلي عندما وضعت منظوماته التقليدية أمام تحديات مؤسسات حديثة: الأحزاب - المنتديات - الصحف - النقابات، فكانت فرصة تاريخية أمام المجتمع اسوري لكي تتشقق بناه التقليدية العمودية الدموية (العشائرية والعائلية والطائفية) عن كلية نوعية جديدة من خلال انتشاره السوسيولوجي عبر وفي المؤسسات الحديثة (الأحزاب) والايديولوجيات الحديثة (القومية واليسارية)، حيث لأول مرة يكون لها حضور فعلي في البرلمان (البعث) وحضور رمزي (الشيوعي)، مع حركة اسلامية مدنية تعيد قراءة الاسلام على ضوء الأسئلة المدنية الراهنة (الشيخ مصطفى السباعي) التي تفترضها استحقاقات مجتمع يدخل في طور تحديات الحداثة، فدخل الاخوان المسلمون كغيرهم -مستقبل البراءة الوطنية بلا تشنجات عقائدية -المعارك البرلمانية بتنافسية شديدة وحادة لكن باسلوب سلمي مدني وحضاري يعترف بنتائج صندوق الانتخاب كمرجعية نهائية.
لن نطيل في الحديث عن طارئ الوحدة بين مصر وسوريا 1958- وهي طارئ بالمعنى أنها لم تعمر إلا قليلا - لكن لابد من التأكيد على أهمية انعكاسات هذه المرحلة على مسار تشكل الهوية الوطنية السورية، اذ ستؤسس هذه المرحلة القصيرة لنموذج دولة العسكر الريفيون الشعبويون (دولة الشعارات الغريزية المعبرة عن الغوغائية)، التي وجدت مثالها العالمي في النموذج الشمولي السوفياتي الستاليني، وثمة قراءات تكذب شائعة أن أمريكا رفضت المساعدة في بناء السد العالي في مصر، بينما وافق الاتحاد السوفييتي، وتقول هذه القراءة أن مشروعا كهذا لم يكن ليبهظ الموازنة الأمريكية الهائلة، بينما أبهظ الموازنة السوفياتية، فالمسألة إذن- وفق هذه القراءة- أن جمال عبد الناصر استجاب لنداءات الاستبدد التوتاليتاري الستاليني المتجاوب مع موروث الاستبداد الطغياني الشرقي (والمصري) في وعي عبد الناصرالذي لم يكن ليجتذبه نموذج الديموقراطية الأمريكية، فاختار العرض السوفييتي...؟
بغض النظر عن صحة هذه القراءة أو عدم صحتها، ولكن ذلك لن يحيل دون الاقرار بحقيقة النموذج التوتاليتاري (الستاليني) الذي أنتجته وأسسته مدرسة عبد الناصر الذي حبس الشيوعيين بعد أن اختلس نموذجهم التوتاليتاري(الستاليني)، فأعاد انتجه بوصفه نموذجا يحتذى للدولة الوطنية العسكريتارية الشعبوية الانقلابية التوتاليتارية التي سيواصل حزب البعث تقاليدها في سوريا ولاحقا في العراق والجزائر واليمن وليبيا.
هذه المرحلة هي الوحيدة التي يمكن أن يصح عليها التوصيف الذي يسوقه الصديق الأستاذ جاد الكريم الجباعي تحت عنوان (في الاستبداد المحدث) - على موقع الأوان.
حيث التوصيف القائل بأننا تجاه الاستبداد المحدث أو النظام الشمولي وليس الطائفي- كما أسلفنا حسب رأي الصديق- يجد دلالته في التجربة الناصرية، حيث " في هذا النظام الشمولي تتربع على رأس الهرم قيادة الحزب الثوري أو مجلس قيادة الثورة، وعلى رأس هذا أو تلك يقف الأمين العام القائد التاريخي الملهم أو القائد الضرورة... وعلاقات الولاء هي علاقات الولاء الحزبي، الأيدلوجي والسياسي، والانضباط الحزبي الحديدي وهي تتضمن سائر الولاءات الأخرى... حيث تحكم هذه الولاءات آليات "الخوف من الحرية"، واذا كانت علاقات الولاء هذه كانت علاقات موضوعية في نظم الاستبداد القديمة، أما في النظم الشمولية فالتبعية "هي تبعية ذاتية" مقرونة بالحماسة والتعصب الحزبي.
والتطرف الايديولوجي، والحمية الثورية ضد اعداء الحزب... وهي تشكل أساس علاقات الشك والارتياب وأساس نظام الوشاية..
والوشاية واجب تمليه ضرورة الدفاع عن الثورة، شرط للارتقاء بالمراتب العليا... بينما قاعدة الأحزاب (البعث والجبهة الوطنية)، فتؤلف جماهير الحركة التوتايتارية وخزانها البشري الاحتياطي... لذلك كانت الظاهرة الجماهيرية ظاهرة ملازمة للنظم الشمولية... التي تستقطب: النخب المثقفة من جهة وفقراء المدن والأرياف. ولهذا فالتحليل هذا يقود الى اعتبار "جماهير" حزب البعث الربي الاشتراكي واحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الأخرى جزءاً أساسياً، بل الجزء الأساسي من الجسم السياسي السوري.
ويضاف الى ذلك، أن أحزاب المعارضة أيضا أحزاب شمولية، تتألف من قادة وجماهير، بل من قادة معصومين وجماهبر مؤمنة... وعلاقاتها علاقات تبعية وولاء وخضوع وامتثال.
واستنادا الى هذا التحليل يخلص النص الى الحكم "أن المعارضة السورية تخطئ خطأ قاتلا حين يظن بعضها أو يقدرون أن النظام القائم نظام طائفي وأن السلطة القائمة سلطة طائفية... ويعتبر ذلك أنه قصر نظر ومشاعر طائفية ساذجة...". ويبرهن على ذلك بقدرة النظام على التحشييد للمشاركة في (الأعراس) والمهرجانات والاحتفالات والمسيرات التوتاليتارية... " فعن أي سلطة طائفية يتحدث الطائفيون؟!"
نقول: إذا كان هذا التوظيف الذي يستمد مسوغاته النظرية من بنية الأنظمة الشمولية:النازية والفاشية ومن ثم الستالينية يصح بالعام على توصيف التجربة الناصرية، فهل يصح على التجربة البعثية؟ وإذا صح جزء منها على جزء من المرحلة البعثية (الأسدية - الصدامية)، فهل تصح على صورة الواقع القائم اليوم في سوريا كما يذهب صديقنا!؟ هل حقا أن حزب البعث أو قياداته (الثورية) اليوم تتربع رأس الهرم، وأن الرئيس الوريث لايزال قائدا تاريخيا ملهما، وقائدا ضرورة كضرورات أبيه؟... لا نظن أن ذلك قائم في رأس أية صناجة من صناجاتهم الاعلامية!
هل لا يزال الديكتاتور الوريث قابلا للتصدير والتسويق كأبيه بوصفه قائدا ملهما؟ أم أنه ليس إلا مجرد تفويض أو تكليف أمني لرعاية مصالح عصابات النهب بل والقتل، أي رئاسة عصابة قرصنة تقوم على أخذ مجتمعها والذي يفترض أنه شعبها رهينة للمقاولة على فك أسره من قبل المجتمع الدولي وبالمعنى المباشر لكلمة الرهينة، حيث يطالب بمكاسب تخص نظامه وبقائه مقابل رفع السوط عن أبناء ما يفترض أنهم أهله، أي يطلب من (الامبريالية) ثمن حرية بعض أبناء من يفترض أنهم أبناء موطنه، وهذه الفذلكة ليست من عندياتنا، بل هي السؤال الدولي الأول الذي يسمعه المرء حتى في الخارج: كم قبض بشار الأسد من فرنسا ساركوزي ثمن اطلاق سراح عارف دليلة؟!
وهذه المأثرة -المقاولة والمساومة على حريات الأبناء- بدأها الأب المؤسس -الملهم والضرورة- الذي يعرف العالم كله أن رياض الترك لم يطلق سراحه بعد أكثر من17 عاما الا بمساومات مع المفوضية الأوربية، وهذه المسألة لا يزال أبناء النظام أوفياء لنهج (الأب القائد) في استخدامها كورقة من ضمن الأوراق الأساسية التي يتفاوض بها النظام مع العالم: مثلها مثل ورقة الاغتيالات في لبنان أو ارسال السيارات المفخخة إلى العراق، وعلى هذا فإن هكذا ممارسات لا ترتقي أبدا إلى مستوى الممارسات التوتاليتارية: وذلك عندما تستدعي هذه الممارسات نماذج من نوع ستالين أو ماوتسي تونغ، فهؤلاء -أبناء القائد الضرورة- قراصنة لا يختلفون نوعيا عن قراصنة السفن في موانئ الصومال، فالفرق في الدرجة وليس في النوع، هو الفرق بين حجم ثروات سوريا وثروات الصومال، بل إن المقارنة قد تذهب لمصلحة قراصنة الصومال على اعتبار أن رهائنهم على الأقل ليسوا صوماليين، بينما رهائن قراصنتنا (الوطنيين الممانعين) هم رهائن سوريون...!
هل الولاءات الحزبية (الايديولوجية والسياسية) والانضباط الحزبي الحديدي هو الذي يحكم علاقات الولاء التي تحكم بنية النظام الشمولي في سوريا، أم علاقات القوة والاذعان والخضوع الأعمى لسلطة المخابرات التي يخافها البعثي- قال لنا عضو قيادة قطرية خلال حرب الخليج الأولى بعد بياننا: بيان المثقفين المنددين بالمشاركة السورية في قوات التحاف، قال: "من أين لي أن أحميكم وأنا من يحميني؟" - كما يخافها الجبهوي مثلما يخافها المواطن العادي، بل حتى المناضلين الحزبيين داخل أحزاب المعارضة، الذين يخشون التعبير العلني عن رأيهم ضمن اجتماعاتهم خوفا من العيون المبثوثة داخل حزبهم من قبل رفاقهم أنفسهم!؟
هل لا يزال في سوريا (تبعية ذاتية) مقرونة بالحماسة والتعصب الحزبي والحمية الثورية، ام أن هذه التبعية التي بدأت في أيامها الأولى كـتبعية (ذاتية نضالوية)، تحولت اليوم الى ذاتية جبانة نهازة مريضة بالخوف على لقمة العيش للبائسين الموصوفين بـ (الجماهير) المؤمنة بالشعارات قسرا وقهرا، والخوف على الامتيازات للقافزين رياء وتملقا، أو الحفاظ على النفوذ والتسلط للحاكمين التابعين إلى (مركز باطني لا مرئي كتيم) قادر على بعث القشعريرة في النفس الآدمية بعد أن أترعت واقعيا وتخييليا وفانتازيا وذهانيا بملاحم رعب، حيث كلما مر حين من الزمان على تاريخ لحظة اللاشعور البدئي لولادة الرعب هذه عاد زبانيتهم للتذكير بها، وايقاظ ذاكرات المجازر عند الناس، حيث السؤال المتكرر امام كل من يتلمس كائنيته الآدمية: هل نسيتم ماذا فعلنا بالثمانينات في حماه وتدمر؟