yass
26/10/2008, 14:17
الدكتور عبد الله تركماني
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي ستجرى في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يراقب العالم ما ستأتي به من إدارة جمهورية أو ديموقراطية وشخص الرئيس وكيف سيدير علاقة الإدارة الجديدة مع العالم.
وخلال هذا الترقب ينبه العديد من الخبراء والباحثين إلى أنه أيا كانت الاختلافات، في أسلوب الاقتراب من قضايا العالم بين الرؤساء الأمريكيين، فإنّ السياسة الخارجية والمواقف الأساسية منها من الأمور التي يتحقق لها قدر كبير من الاستمرارية.
ويبدو أنّ الرئيس الأمريكي الجديد، سواء كان الديموقراطي باراك أوباما أو الجمهوري جون ماكين، سيركز فور تسلمه صلاحياته الدستورية على الوضع الداخلي، وخصوصا الشق المالي والاقتصادي منه، بعد زلزال 15 سبتمبر/أيلول المالي في " وول ستريت ". أما انشغالاته الخارجية فسوف تتركز حول الوضع في العراق وإيران وأفغانستان وباكستان، وربما قضية فلسطين وقضايا السلام العربي – الإسرائيلي، فضلا عن موضوع الإرهاب الذي صار منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أولوية دائمة للإدارة الأمريكية أيا يكن رئيسها. إضافة إلى الوضع العالمي على وجه العموم، وخاصة متابعة التردي الحاصل في العلاقات مع روسيا.
والسؤال هو: أين يقف كل من أوباما الذي يرفع شعار التغيير ويلوح بالحلول السياسية، وماكين الذي يرفع شعار الاستمرارية ويلوح بالحلول العسكرية؟
علينا في البداية التذكير بأنّ الموقف الأمريكي، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، لا ينطلق من المبادئ ولكن من المصالح. وقد تثبت الأشهر المقبلة أنّ الرئيس بوش لم يكن زعيما عابرا في السياسة الدولية أو في النظام الأمريكي، وإنما كان تجسيدا لتطور لم تكتمل فصوله بعد. ولكن هناك اتفاق على أنّ التحول الكبير، الذي أدخلته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على الديبلوماسية ووظيفتها، لن يطرأ عليه تغيير أساسي: توسيع الدور الديبلوماسي الأمريكي في الخارج، ليتجاوز حدود العلاقة مع السلطات المسؤولة ووزارات الخارجية في الدول إلى التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني، خاصة في العالمين العربي والإسلامي.
ولكن سوف يطرأ - بالتأكيد - تغيير في السياسة الخارجية بشكل عام، فأيا كانت الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية لحكومة الرئيس القادم، فإنّ تغييرا مهما سوف يحدث، لكن هناك أشياء سوف تبقى، ما دامت ستكون في خدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وسيبقى الشرق الأوسط الكبير العنصر الحاكم عند الاختيار، فيما يتعلق بالرؤية والموقف في السياسة الخارجية، باعتبار أنه سيبقى المجال الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية في العالم، وللمفارقة المؤثر الأساسي في صنع صورة الولايات المتحدة الأمريكية عالميا، وتحديد مكانتها وقدراتها على التأثير والحفاظ على نفوذها على الصعيد العالمي.
ووفقا لما ذكره برنامج الحزب الجمهوري، في حال فاز ماكين في الانتخابات، ستبقي السياسة الخارجية الأمريكية على توجهها العسكري أحادي الجانب، من دون اعتبار يذكر للقانون الدولي وحقوق الإنسان، إلا في حالات شديدة الانتقائية، حيث يُعتَبَرُ تحقيق أهداف السياسة الأمريكية ضروريا. وقد أصر ماكين على تقديم نفسه في صورة خليفة الرئيس بوش الملتزم بالسياسة الخارجية نفسها وبتوجهات السياسة الاقتصادية ذاتها، ومتعهدا بعدم التزامه بالسلبيات التي تسببت بها شخصية الرئيس بوش.
أما الحزب الديموقراطي، فإنّ رؤيته تتمحور حول ضرورة إعادة تأهيل الدور الأمريكي التشاركي في العالم، ووقف سياسة القطب الواحد أو الهيمنة الفردية، إذ على رغم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تشكل القوة العظمى الأولى في العالم، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، إلا أنها لا تستطيع أن تقود العالم بمفردها وبمعزل عن التفاهم مع الأقطاب الدوليين الرئيسيين، سيما حلفائها في الاتحاد الأوروبي. ويحاول باراك أوباما أن يقدم رؤية واقعية قائمة على ديبلوماسية تعددية الأطراف، وعلى تغيير الصورة الأمريكية في العالم، من خلال سياسة دولية أقل صداما وأكثر تعاونا وتفهما لخصوصيات المشاكل القائمة.
إنّ التوصيف السابق لفكر ومواقف أوباما وماكين يجب ألا يحجب عنا حقيقة مهمة، وهي أنّ تلك المواقف أُعلنت في خضم حملة انتخابات الرئاسة، أي أنها خضعت لاعتبارات انتخابية وبعضها يغلب عليه طابع المزايدة لكسب الأصوات، وبالتالي فمن المرجح أن تتغير تدريجيا بعد وصول أي من المرشحين للسلطة وفقا لزيادة خبرتهما بقضايا العالم، واستجابة للتطورات والضغوط الإقليمية والعالمية، والتي ينبغي أن تتعامل معها الإدارة القادمة في حينها، بما يتلاءم مع ما تفرضه من تبدل في المواقف.
ومن شبه المؤكد أنّ إدارة المرشح الديموقراطي باراك أوباما ستكون أكثر استعدادا للركون إلى الوسائل الديبلوماسية، والسعي إلى شراكة أكبر مع القوى الإقليمية والمنظمات الدولية، ولا تريد أن تظهر كإدارة بوش التي ركزت على العمل الانفرادي في إدارة ملف العراق مثلا. كما أنّ وصول إدارة أوباما إلى الرئاسة سيبدد احتمالات الضربة العسكرية المتوقعة ضد المنشآت النووية الإيرانية، لأنها أكثر تركيزا على الأدوات الديبلوماسية السلمية في التعامل مع الأزمة، حتى أنها ستسعى إلى الوصول إلى " المساومة الكبرى " في التعامل مع هذه الأزمة وكثير من الملفات الأخرى بين الجانبين، مثل: الدور الإيراني الإقليمي، والترتيبات الأمنية للخليج، والدور الأبرز في العراق.
وربما ثمة مبالغة في التعويل على شخصية الرئيس القادم في إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية، فهذه السياسة تصنعها المؤسسات ومراكز القوى ومجموعات "لوبيات" الضغط، وترتبط بالمصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية، وطريقة فهمها لصراع القوى، ونهجها في التعامل مع الأزمات الدولية والإقليمية.
أخبار الشرق
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي ستجرى في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يراقب العالم ما ستأتي به من إدارة جمهورية أو ديموقراطية وشخص الرئيس وكيف سيدير علاقة الإدارة الجديدة مع العالم.
وخلال هذا الترقب ينبه العديد من الخبراء والباحثين إلى أنه أيا كانت الاختلافات، في أسلوب الاقتراب من قضايا العالم بين الرؤساء الأمريكيين، فإنّ السياسة الخارجية والمواقف الأساسية منها من الأمور التي يتحقق لها قدر كبير من الاستمرارية.
ويبدو أنّ الرئيس الأمريكي الجديد، سواء كان الديموقراطي باراك أوباما أو الجمهوري جون ماكين، سيركز فور تسلمه صلاحياته الدستورية على الوضع الداخلي، وخصوصا الشق المالي والاقتصادي منه، بعد زلزال 15 سبتمبر/أيلول المالي في " وول ستريت ". أما انشغالاته الخارجية فسوف تتركز حول الوضع في العراق وإيران وأفغانستان وباكستان، وربما قضية فلسطين وقضايا السلام العربي – الإسرائيلي، فضلا عن موضوع الإرهاب الذي صار منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أولوية دائمة للإدارة الأمريكية أيا يكن رئيسها. إضافة إلى الوضع العالمي على وجه العموم، وخاصة متابعة التردي الحاصل في العلاقات مع روسيا.
والسؤال هو: أين يقف كل من أوباما الذي يرفع شعار التغيير ويلوح بالحلول السياسية، وماكين الذي يرفع شعار الاستمرارية ويلوح بالحلول العسكرية؟
علينا في البداية التذكير بأنّ الموقف الأمريكي، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، لا ينطلق من المبادئ ولكن من المصالح. وقد تثبت الأشهر المقبلة أنّ الرئيس بوش لم يكن زعيما عابرا في السياسة الدولية أو في النظام الأمريكي، وإنما كان تجسيدا لتطور لم تكتمل فصوله بعد. ولكن هناك اتفاق على أنّ التحول الكبير، الذي أدخلته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على الديبلوماسية ووظيفتها، لن يطرأ عليه تغيير أساسي: توسيع الدور الديبلوماسي الأمريكي في الخارج، ليتجاوز حدود العلاقة مع السلطات المسؤولة ووزارات الخارجية في الدول إلى التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني، خاصة في العالمين العربي والإسلامي.
ولكن سوف يطرأ - بالتأكيد - تغيير في السياسة الخارجية بشكل عام، فأيا كانت الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية لحكومة الرئيس القادم، فإنّ تغييرا مهما سوف يحدث، لكن هناك أشياء سوف تبقى، ما دامت ستكون في خدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وسيبقى الشرق الأوسط الكبير العنصر الحاكم عند الاختيار، فيما يتعلق بالرؤية والموقف في السياسة الخارجية، باعتبار أنه سيبقى المجال الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية في العالم، وللمفارقة المؤثر الأساسي في صنع صورة الولايات المتحدة الأمريكية عالميا، وتحديد مكانتها وقدراتها على التأثير والحفاظ على نفوذها على الصعيد العالمي.
ووفقا لما ذكره برنامج الحزب الجمهوري، في حال فاز ماكين في الانتخابات، ستبقي السياسة الخارجية الأمريكية على توجهها العسكري أحادي الجانب، من دون اعتبار يذكر للقانون الدولي وحقوق الإنسان، إلا في حالات شديدة الانتقائية، حيث يُعتَبَرُ تحقيق أهداف السياسة الأمريكية ضروريا. وقد أصر ماكين على تقديم نفسه في صورة خليفة الرئيس بوش الملتزم بالسياسة الخارجية نفسها وبتوجهات السياسة الاقتصادية ذاتها، ومتعهدا بعدم التزامه بالسلبيات التي تسببت بها شخصية الرئيس بوش.
أما الحزب الديموقراطي، فإنّ رؤيته تتمحور حول ضرورة إعادة تأهيل الدور الأمريكي التشاركي في العالم، ووقف سياسة القطب الواحد أو الهيمنة الفردية، إذ على رغم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تشكل القوة العظمى الأولى في العالم، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، إلا أنها لا تستطيع أن تقود العالم بمفردها وبمعزل عن التفاهم مع الأقطاب الدوليين الرئيسيين، سيما حلفائها في الاتحاد الأوروبي. ويحاول باراك أوباما أن يقدم رؤية واقعية قائمة على ديبلوماسية تعددية الأطراف، وعلى تغيير الصورة الأمريكية في العالم، من خلال سياسة دولية أقل صداما وأكثر تعاونا وتفهما لخصوصيات المشاكل القائمة.
إنّ التوصيف السابق لفكر ومواقف أوباما وماكين يجب ألا يحجب عنا حقيقة مهمة، وهي أنّ تلك المواقف أُعلنت في خضم حملة انتخابات الرئاسة، أي أنها خضعت لاعتبارات انتخابية وبعضها يغلب عليه طابع المزايدة لكسب الأصوات، وبالتالي فمن المرجح أن تتغير تدريجيا بعد وصول أي من المرشحين للسلطة وفقا لزيادة خبرتهما بقضايا العالم، واستجابة للتطورات والضغوط الإقليمية والعالمية، والتي ينبغي أن تتعامل معها الإدارة القادمة في حينها، بما يتلاءم مع ما تفرضه من تبدل في المواقف.
ومن شبه المؤكد أنّ إدارة المرشح الديموقراطي باراك أوباما ستكون أكثر استعدادا للركون إلى الوسائل الديبلوماسية، والسعي إلى شراكة أكبر مع القوى الإقليمية والمنظمات الدولية، ولا تريد أن تظهر كإدارة بوش التي ركزت على العمل الانفرادي في إدارة ملف العراق مثلا. كما أنّ وصول إدارة أوباما إلى الرئاسة سيبدد احتمالات الضربة العسكرية المتوقعة ضد المنشآت النووية الإيرانية، لأنها أكثر تركيزا على الأدوات الديبلوماسية السلمية في التعامل مع الأزمة، حتى أنها ستسعى إلى الوصول إلى " المساومة الكبرى " في التعامل مع هذه الأزمة وكثير من الملفات الأخرى بين الجانبين، مثل: الدور الإيراني الإقليمي، والترتيبات الأمنية للخليج، والدور الأبرز في العراق.
وربما ثمة مبالغة في التعويل على شخصية الرئيس القادم في إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية، فهذه السياسة تصنعها المؤسسات ومراكز القوى ومجموعات "لوبيات" الضغط، وترتبط بالمصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية، وطريقة فهمها لصراع القوى، ونهجها في التعامل مع الأزمات الدولية والإقليمية.
أخبار الشرق