sona78
28/10/2008, 13:48
القدس المحتلّة ـ نجوان درويش
جمانة حدّاد لا أحد يفهم ما الذي يجبر كتّاباً عرباً على الاحتفاء بتل أبيب؟ أو على الأقل ما الذي يجبرهم على المشاركة في كتاب يضع تل أبيب في جغرافيا المنطقة العربية ووجدانها، كأنّها شقيقة لبغداد وبيروت وعمّان واللاذقية؟ ربما لم يكن بعض هؤلاء الكتّاب المشاركين في الكتاب على علم بكل محتوياته (ننتظر منهم والحالة تبرؤهم السريع منه)، لكن لماذا ترتضي كاتبة لبنانية إعداد كتاب كهذا والترويج له في بريطانيا؟ «مدينة: قصص مدن من الشرق الأوسط» الذي أعدّته وقدّمت له جمانة حداد (صدر بالإنكليزية عن دار «كوما بريس») يشمل بحسب خبر وزّعته الشاعرة اللبنانية نصوصاً لكل من: جمال الغيطاني (قصّة الإسكندرية)، والياس فركوح (قصّة عمان)، ونبيل سليمان (قصّة اللاذقية)، وجمانة حداد (قصّة بيروت)، وفدوى القاسم (قصّة دبي)، وعلاء حليحل (قصّة عكا)، وحسن بلاسم (قصّة بغداد)، ويوسف المحيميد (قصّة الرياض)، ونديم غورسيل (قصّة اسطنبول)، و... يتسحاك لاؤور (قصة تل أبيب) الذي يصفه الخبر بـ«الكاتب التقدمي الإسرائيلي».
صحيح أنّ للشاعر لاؤور مواقف معروفة في «رفض الاحتلال» (رفض الاحتلال لدى «التقدميين الإسرائيليين» هو بالمناسبة غير «رفض الاحتلال» الذي نقصده نحن). لكنّ العجيب أنّ تقدّمية بعض الكتّاب الإسرائيليين أصبحت تُتخذ ذريعة لتمرير إسرائيل وإدخالها في الوعي العربي، كجزء طبيعي من المنطقة وتنوعها «الطبيعي». وبدلاً من أن يُستفاد من الومضات القليلة لـ«الوعي التقدمي» عند بعض الكتّاب الإسرائيليين، يُوضع هؤلاء في قنوات تصب في اتجاه معاكس لشعاراتهم المعلنة. من الممكن مثلاً، أن يُشرك لاؤور في كتاب يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي أو إرهاب الدولة العبرية، أو فاشية المجتمع الإسرائيلي المتصاعدة؛ لا في كتاب عادي يتحدث عن «مدينة تل أبيب» التي ـ بالمناسبة ـ قامت على أنقاض يافا وتشريد شعب فلسطين (هذه معلومة عامة فيما نظن). بالطبع لسنا من هواة المزايدة، ولا نقف في صف الديماغوجية، كما نعرف مواقف جيدة للكتّاب المشاركين في الكتاب؛ لكن إدراج «مدينة تل أبيب» في هذا السياق يؤدي إلى تفسير سياسي وأخلاقي لا نظن أنّه يغيب عن وعي الغيطاني وفركوح وسليمان وبقية المشاركين.
في كتاب جمانة حداد «الشرق أوسطي» الجديد، يجري الالتفاف ـ بوعي أو من دون وعي ـ على «تقدمية» لاؤور باتجاه تقديم تل أبيب (بقصد أو بغير قصد) ضمن البانوراما الطبيعية لـ «الشرق الأوسط» (لا يتردّد الكتاب في عنوانه باستعمال هذا المصطلح الاستعماري لوصف المنطقة). كلام كثير يثار بشأن مواهب حداد وإبداعاتها اللانهائية. ومن المقلق فعلاً أن تصل هذه الإبداعات إلى تخوم تل أبيب! ومن المقلق أيضاً أن يمرّ كتاب كهذا على وعي هذه النخبة من الكتّاب العرب الذين قبلوا بسرد قصص مدنهم مع «قصة تل أبيب» في إطار واحد يشي بقبولها مدينةً طبيعيةً في «الشرق الأوسط».
" جريدة الأخبار"
جمانة حدّاد لا أحد يفهم ما الذي يجبر كتّاباً عرباً على الاحتفاء بتل أبيب؟ أو على الأقل ما الذي يجبرهم على المشاركة في كتاب يضع تل أبيب في جغرافيا المنطقة العربية ووجدانها، كأنّها شقيقة لبغداد وبيروت وعمّان واللاذقية؟ ربما لم يكن بعض هؤلاء الكتّاب المشاركين في الكتاب على علم بكل محتوياته (ننتظر منهم والحالة تبرؤهم السريع منه)، لكن لماذا ترتضي كاتبة لبنانية إعداد كتاب كهذا والترويج له في بريطانيا؟ «مدينة: قصص مدن من الشرق الأوسط» الذي أعدّته وقدّمت له جمانة حداد (صدر بالإنكليزية عن دار «كوما بريس») يشمل بحسب خبر وزّعته الشاعرة اللبنانية نصوصاً لكل من: جمال الغيطاني (قصّة الإسكندرية)، والياس فركوح (قصّة عمان)، ونبيل سليمان (قصّة اللاذقية)، وجمانة حداد (قصّة بيروت)، وفدوى القاسم (قصّة دبي)، وعلاء حليحل (قصّة عكا)، وحسن بلاسم (قصّة بغداد)، ويوسف المحيميد (قصّة الرياض)، ونديم غورسيل (قصّة اسطنبول)، و... يتسحاك لاؤور (قصة تل أبيب) الذي يصفه الخبر بـ«الكاتب التقدمي الإسرائيلي».
صحيح أنّ للشاعر لاؤور مواقف معروفة في «رفض الاحتلال» (رفض الاحتلال لدى «التقدميين الإسرائيليين» هو بالمناسبة غير «رفض الاحتلال» الذي نقصده نحن). لكنّ العجيب أنّ تقدّمية بعض الكتّاب الإسرائيليين أصبحت تُتخذ ذريعة لتمرير إسرائيل وإدخالها في الوعي العربي، كجزء طبيعي من المنطقة وتنوعها «الطبيعي». وبدلاً من أن يُستفاد من الومضات القليلة لـ«الوعي التقدمي» عند بعض الكتّاب الإسرائيليين، يُوضع هؤلاء في قنوات تصب في اتجاه معاكس لشعاراتهم المعلنة. من الممكن مثلاً، أن يُشرك لاؤور في كتاب يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي أو إرهاب الدولة العبرية، أو فاشية المجتمع الإسرائيلي المتصاعدة؛ لا في كتاب عادي يتحدث عن «مدينة تل أبيب» التي ـ بالمناسبة ـ قامت على أنقاض يافا وتشريد شعب فلسطين (هذه معلومة عامة فيما نظن). بالطبع لسنا من هواة المزايدة، ولا نقف في صف الديماغوجية، كما نعرف مواقف جيدة للكتّاب المشاركين في الكتاب؛ لكن إدراج «مدينة تل أبيب» في هذا السياق يؤدي إلى تفسير سياسي وأخلاقي لا نظن أنّه يغيب عن وعي الغيطاني وفركوح وسليمان وبقية المشاركين.
في كتاب جمانة حداد «الشرق أوسطي» الجديد، يجري الالتفاف ـ بوعي أو من دون وعي ـ على «تقدمية» لاؤور باتجاه تقديم تل أبيب (بقصد أو بغير قصد) ضمن البانوراما الطبيعية لـ «الشرق الأوسط» (لا يتردّد الكتاب في عنوانه باستعمال هذا المصطلح الاستعماري لوصف المنطقة). كلام كثير يثار بشأن مواهب حداد وإبداعاتها اللانهائية. ومن المقلق فعلاً أن تصل هذه الإبداعات إلى تخوم تل أبيب! ومن المقلق أيضاً أن يمرّ كتاب كهذا على وعي هذه النخبة من الكتّاب العرب الذين قبلوا بسرد قصص مدنهم مع «قصة تل أبيب» في إطار واحد يشي بقبولها مدينةً طبيعيةً في «الشرق الأوسط».
" جريدة الأخبار"