Marooshe
29/11/2008, 17:18
الأساس الفلسفي للأفكار الحرة
بقلم محمود كرم
Apr 20, 2008
في أغلب مراحل التاريخ الإنساني كانت الأفكار الحرة بكل مستوياتها واتجاهاتها وتموجاتها تتقصّد المواجهة مع الظروف المحيطة بها، لا تستسلم لها، ولا تحاول مجاراتها نفاقاً أو ترضيةً أو مهادنة أو تراجعاً، بل تتشابك معها في معاركَ قد تطول وقد تقصر في بعض الأحيان، لأنها أفكار معنيٌة في الأساس بخلق حالةٍ أو مستوى إنساني لا يخضع للظروف المحيطة سواء أكانت اجتماعية أم ثقافية أم دينية أم سياسية، وتحتفظ الأفكار الحرة الشجاعة ببسالتها النقدية وبومضاتها التفكيرية وبقدارتها التفكيكية في مواجهة الظروف وصناعة الحياة المبتكرة، لذا فهي ترفض الانزواء والتقوقع والتراجع، لأنها باعثة على المواجهة وخالقة لظروفها ودافعة للتفكير والتساؤل والإبداع، ولأنها تتجه مباشرةً إلى العقل، تستثيره وتحفّزه وتفجّر فيه منابت السؤال والتفكير، وتمنحه هوية إنسانية يتجلى بها حضوراً على مسرح الحياة، ويرتفع بها على أية هوية أخرى سواء أكانت دينية أم عرقية..
إنها الأفكار الشجاعة الحرة التي تسعى إلى فعل التفوق على ما عداها من أفكار أخرى، لأنها تؤمن إنه حينما تستطيع أن تتفوق على ما سواها، فإنها بذلك تستطيع أن تنتصر في معاركها ومواجهاتها مع الظروف والواقع السائد والتخلف، ولا يعني هذا السعي نحو التفوق والألق بالنسبة إليها سوى تأكيد على المضي قدماً في مواجهاتها الفكرية مع الظروف، لأن الأفكار الشجاعة، الحرة، الجريئة، الملهمة للعقل والتفكير والتساؤل، لا تبحث عن شروط المواءمة والتكيف مع الظروف، بل هي تتناقض معها، وتخلق من هذا التناقض ظروفاً جديدة ومستويات متجددة وطرقاً مبتكرة في مواجهة الواقع، وتخلق منه أيضاً مسارات أكثر فاعلية وإيجابية، بينما الأفكار المتخلفة المستسلمة تبحث عن انتصارها في الظروف المتاحة والسائدة والمهيمنة، وربما في بعض الأحيان قد تتناقض مع ظروفها، ولكنها تسعى إلى التكيف معها ومهادنتها والانخراط في متاهاتها وتبنيها لأنها لا تملك البديل..
لذلك فالإنسان عموماً، وفي حياته التي يمارسها عملياً وتطبيقياً قد يتناقض كثيراً مع قناعاته الدينية والمذهبية والعقائدية، ولكنه لا يستثمر هذا التناقض في المواجهة والتصادم معها، ومحاولة تخطيها وتجاوزها والانتصار عليها، لأنه يخشى أن يفقد ذاته وتاريخه وهويته، ولأنه لا يعرف الطريق إلى خلق البديل الذي يمنح ذاته حالة من الانسجام والاتزان والتثبت، ويزيل عنها بالتالي حالة التشظي والتناقض والقلق والترجرج، وعليهِ فالإنسان في النهاية هو المسؤول عن خلق مستوياته التفكيرية ليدخل بها في مواجهة مع الظروف المحيطة، كما إنه المسؤول أيضاً عن انحدار مستوياته، لأن الإنسان حينما يواجه الظروف ويبدع في ذلك ويجترح صيغاً مناسبة له، فإنه يريد بذلك أن يخلق ظروفاً دافعة وداعمة وملهمة لابداعاته وتألقاته وتوثباته الثقافية والنفسانية يرفع بها من مستوياته في التفكير والادراك والتحديق والإنجاز، بينما مَن يبحث عن اسلوب يوفر له طرق التكيف والتلاؤم مع الظروف، فإنه بذلك لا يعكس سوى مكونات وحالات ومستويات الظروف المحيطة به، والفرق هنا بين هذا الإنسان وذاك، هو الفرق بين مَن يجد في الظروف واقعاً مسلّما به يدفعه للخضوع له والتكيف معه استسلاماً وخوفاً وتقديساً أيضاً، وبين من يجد في الظروف واقعاً يجب مواجهته والتغلب عليه والعمل على استبداله..
وهناك مَن يؤمن بيقينهِ الديني الثابت والمتأصل فيه، بأن الظروف قدره المحتوم ولا يجب تغييرها وتخطيها، لأنه يراها من صُنع السماء وقدراً مقدساً يحمل في الوقت نفسه قداسة السماء ولا يجوز الاعتراض عليه، ويعتقد بأن إيمانه بخالقهِ، يلزمهُ بالضرورة الإيمان بأن الظروف قدره ويلزمه بعدم تغييرها، وعليهِ تذهب التفسيرات اللاهوتية الدينية إلى إيهام الفرد بأن ما يحدث من حوله والظروف المحيطة به قدراً محتوماً ومكتوباً، ويجب أن يؤمن به إيماناً راسخاً، لأنه يعكس إرادة خالقه، وتقديسه لخالقه والإيمان به يُحتّم عليه تالياً إيمانه بالظروف وتقديسها، وتذهب هذه التفسيرات دائماً إلى عملية الخلط بين اعتقاد الإنسان بخالقه، وبين ما يحدث له في الحياة، وهذا الخلط أنتجَ تفكيراً عاجزاً لدى الإنسان، أصبح ينظر إلى الظروف وإلى كل ما يحدث له، ومن حوله، بأن سببه تدخل الغيب والقدر والماورائيات..
بقلم محمود كرم
Apr 20, 2008
في أغلب مراحل التاريخ الإنساني كانت الأفكار الحرة بكل مستوياتها واتجاهاتها وتموجاتها تتقصّد المواجهة مع الظروف المحيطة بها، لا تستسلم لها، ولا تحاول مجاراتها نفاقاً أو ترضيةً أو مهادنة أو تراجعاً، بل تتشابك معها في معاركَ قد تطول وقد تقصر في بعض الأحيان، لأنها أفكار معنيٌة في الأساس بخلق حالةٍ أو مستوى إنساني لا يخضع للظروف المحيطة سواء أكانت اجتماعية أم ثقافية أم دينية أم سياسية، وتحتفظ الأفكار الحرة الشجاعة ببسالتها النقدية وبومضاتها التفكيرية وبقدارتها التفكيكية في مواجهة الظروف وصناعة الحياة المبتكرة، لذا فهي ترفض الانزواء والتقوقع والتراجع، لأنها باعثة على المواجهة وخالقة لظروفها ودافعة للتفكير والتساؤل والإبداع، ولأنها تتجه مباشرةً إلى العقل، تستثيره وتحفّزه وتفجّر فيه منابت السؤال والتفكير، وتمنحه هوية إنسانية يتجلى بها حضوراً على مسرح الحياة، ويرتفع بها على أية هوية أخرى سواء أكانت دينية أم عرقية..
إنها الأفكار الشجاعة الحرة التي تسعى إلى فعل التفوق على ما عداها من أفكار أخرى، لأنها تؤمن إنه حينما تستطيع أن تتفوق على ما سواها، فإنها بذلك تستطيع أن تنتصر في معاركها ومواجهاتها مع الظروف والواقع السائد والتخلف، ولا يعني هذا السعي نحو التفوق والألق بالنسبة إليها سوى تأكيد على المضي قدماً في مواجهاتها الفكرية مع الظروف، لأن الأفكار الشجاعة، الحرة، الجريئة، الملهمة للعقل والتفكير والتساؤل، لا تبحث عن شروط المواءمة والتكيف مع الظروف، بل هي تتناقض معها، وتخلق من هذا التناقض ظروفاً جديدة ومستويات متجددة وطرقاً مبتكرة في مواجهة الواقع، وتخلق منه أيضاً مسارات أكثر فاعلية وإيجابية، بينما الأفكار المتخلفة المستسلمة تبحث عن انتصارها في الظروف المتاحة والسائدة والمهيمنة، وربما في بعض الأحيان قد تتناقض مع ظروفها، ولكنها تسعى إلى التكيف معها ومهادنتها والانخراط في متاهاتها وتبنيها لأنها لا تملك البديل..
لذلك فالإنسان عموماً، وفي حياته التي يمارسها عملياً وتطبيقياً قد يتناقض كثيراً مع قناعاته الدينية والمذهبية والعقائدية، ولكنه لا يستثمر هذا التناقض في المواجهة والتصادم معها، ومحاولة تخطيها وتجاوزها والانتصار عليها، لأنه يخشى أن يفقد ذاته وتاريخه وهويته، ولأنه لا يعرف الطريق إلى خلق البديل الذي يمنح ذاته حالة من الانسجام والاتزان والتثبت، ويزيل عنها بالتالي حالة التشظي والتناقض والقلق والترجرج، وعليهِ فالإنسان في النهاية هو المسؤول عن خلق مستوياته التفكيرية ليدخل بها في مواجهة مع الظروف المحيطة، كما إنه المسؤول أيضاً عن انحدار مستوياته، لأن الإنسان حينما يواجه الظروف ويبدع في ذلك ويجترح صيغاً مناسبة له، فإنه يريد بذلك أن يخلق ظروفاً دافعة وداعمة وملهمة لابداعاته وتألقاته وتوثباته الثقافية والنفسانية يرفع بها من مستوياته في التفكير والادراك والتحديق والإنجاز، بينما مَن يبحث عن اسلوب يوفر له طرق التكيف والتلاؤم مع الظروف، فإنه بذلك لا يعكس سوى مكونات وحالات ومستويات الظروف المحيطة به، والفرق هنا بين هذا الإنسان وذاك، هو الفرق بين مَن يجد في الظروف واقعاً مسلّما به يدفعه للخضوع له والتكيف معه استسلاماً وخوفاً وتقديساً أيضاً، وبين من يجد في الظروف واقعاً يجب مواجهته والتغلب عليه والعمل على استبداله..
وهناك مَن يؤمن بيقينهِ الديني الثابت والمتأصل فيه، بأن الظروف قدره المحتوم ولا يجب تغييرها وتخطيها، لأنه يراها من صُنع السماء وقدراً مقدساً يحمل في الوقت نفسه قداسة السماء ولا يجوز الاعتراض عليه، ويعتقد بأن إيمانه بخالقهِ، يلزمهُ بالضرورة الإيمان بأن الظروف قدره ويلزمه بعدم تغييرها، وعليهِ تذهب التفسيرات اللاهوتية الدينية إلى إيهام الفرد بأن ما يحدث من حوله والظروف المحيطة به قدراً محتوماً ومكتوباً، ويجب أن يؤمن به إيماناً راسخاً، لأنه يعكس إرادة خالقه، وتقديسه لخالقه والإيمان به يُحتّم عليه تالياً إيمانه بالظروف وتقديسها، وتذهب هذه التفسيرات دائماً إلى عملية الخلط بين اعتقاد الإنسان بخالقه، وبين ما يحدث له في الحياة، وهذا الخلط أنتجَ تفكيراً عاجزاً لدى الإنسان، أصبح ينظر إلى الظروف وإلى كل ما يحدث له، ومن حوله، بأن سببه تدخل الغيب والقدر والماورائيات..