Tarek007
29/08/2005, 01:17
تنين الأسطورة أم تنين الفساد
أحمد الحاج علي : ( كلنا شركاء) 28/8/2005
في الأساطير القديمة التي تتداو لها الشعوب في كل قارات الأرض . ثمة وحش أسطوري ، برع التخيل البشري في رسم صورة مرعبة له ،انه وحش هائل الحجم له سبعة رؤوس وسبعة أفواه ، ينفث منها النار والحقد. فيحرق الزرع ، ويدمر المباني ، ويقتل البشر ، رجالا ونساء وأطفالا. مخلفا ورائه وحوله الرعب والخوف والموت. فيهرب الناس طلبا للنجاة بأرواحهم. يختبئون في بيوتهم بعد أن يضعوا وراءها المتاريس والدرابيس.
انه وصف تخيلي لوحش أسطوري أطلق عليه اسم التنين ، يملك قوة هائلة على القتل والتخريب ، بجثته الضخمة ورؤوسه وأفواهه السبعة. ومع ذلك ، فأن الإرادة البشرية مهما بدت ضعيفة. خامدة. خائفة. مهزومة. منكفئة على ذاتها ومستسلمة أمام جبروت وطغيان التنين. ومهما بدا أن العقل البشري عاجز عن فعل المقاومة والمواجهة ، إلا أنه في نهاية المطاف ، يقبل التحدي. ويجد السبل والطرائق لمقاومته ، وهزيمته ، وتحقيق الانتصار عليه. فمن وسط الدمار والخوف والموت المعشش في نفوس الناس ، ينبق البطل البشري كالإعصار. باعثا في الناس روح المقاومة والمواجهة وقبول التحدي. وليقول باسمهم : لا للوحش، ولا للموت، ولا للخوف. مصمما مع الناس على مقومة التنين. فيمتشق سلاحه ، وينازل الوحش في معركة مرعبة. ينتصر فيها البطل البشري على الوحش التنين. ويقتله مستغلا نقطة ضعف في جسده الضخم. لتعود الحياة إلى سابق عهدها. ينعم الناس فيها بالحب والعمران والسلام .
واذا كانت أسطورة التنين من إبداع الخيال البشري . ففي الواقع المعاش . وفي بلادنا ومجتمعاتنا . ما يقابلها ويعادلها . بل ويتفوق عليها من حيث قوة التوحش وقوة التدمير ، للأفراد وللأوطان . انه الفساد المستشري في مفاصل الدولة ، والسلطة، والمجتمع . منذ عشرات السنين . والذي لم تفلح بل وفشلت كل الدعوات لمقاومة الفساد ومحاربته ومحاصرته والحد منه والقضاء عليه ، إلا أننا ما نزال من أوائل الدول المتفوقة في إنتاج الفساد .
انه الفساد الذي يملك كما تنين الأسطورة ، قوه هائلة على التدمير والتخريب . قد دمر وخرب ليس الأبنية المادية من مؤسسات القطاع العام وعصرها وامتصها حتى صارت خاوية على عروشها فقط بل . خلخل . وعطل. وأفسد الأبنية الأخلاقية في المجتمع وأوجد بدلا عنها قيما ومنظومة أخلاق. تسود الآن في أوساط واسعة من المجتمع . من هذه القيم محاباة اللص . والمنافق . والكاذب . والجبان . والنظر إلى الأمين والصادق والمستقيم والجريء . نظرة دونية وتعتبره شخصا مثاليا ، وغير واقعي ، وغير عملي ، ولا يعرف كيف يدبر رأسه (( حمار)) ولذلك يستاهل ما فيه من فقر . كما يستاهل اللصوص الغنى والعز والجاه والسلطان ، وما كان لهذه القيم التي تمجد اللص والفاسد أن تنتشر وتتوسع في أوساط مجتمعنا لو كان هناك توجها جديدا وصادقا من قبل الدولة لمحاربة الفساد . كون الدعوات المتكررة من قبل السلطة لم تكن بالعزم والحزم المطلوبين . حيث لم تتعدّ الدعوات التي أطلقت في الماضي والتي تطلق الآن حدود الحملات الإعلامية الكلامية وفي أحسن الأحوال . طالت القشرة الخارجية للفساد ، من صغار الموظفين وما زالت الضربات الموجهة إلى تنين الفساد لا تتعدّ دغدغته وكركرته دون أن توجه ولو سهما واحدا إلى نحر الفساد .
وما زال يكافؤ الفاسد على فساده ، واللص على لصوصيته . والمنافق على نفاقه ، وصرنا نسمع البعض وهم يبررون دوام الفساد . كان يقال : (( الفساد موجود في كل دول العالم )) أو يقال : (( من أين نأتي بموظفين ومدراء نظيفين ؟ هل نستورد مسؤولين غير ملوثين من دول العالم كما نستورد السيارة والطيارة ؟ )) أو أن يقال:(( إن القضاء على الفساد مهمة مستحيلة )) وهذه التبريرات تعني فيما تعنيه أن الاستسلام لتنين الفساد هو المطلوب وأن التعايش معه هو المبتغى .
إن الفساد تنين حقيقي ، مثل تنين الجهل ، وتنين التخلف ، وتنيني الاستبداد ، وتنين الاحتلال ، بل هو احتلال داخلي ، يستنزف ثروات الأمة ، ويطال أذاه أكثرية أبنائها . وبالرغم من كل الأصوات الشعبية والرسمية المطالبة بوضع حد له ما زال الفساد عبر مافياته ، يكبر ويتوسع ويسطو على جهات لم يطلها سابقا في غياب المساءلة والمحاسبة .
إن الفساد مرض حقيقي ، يصيب جسد الوطن ، ويتركه في حالة هي اقرب إلى الشلل والموات . وإهمالنا أو ترددنا في مواجهته هي مساعدة حقيقية تقدم إلى اللصوص ، فمع الزمن تنمو قوى الفساد وتتكدس ثرواتها وينبت لها رؤوس سبعة ومخالب وأنياب لتطال حتى القوى التي صنعتها ورعتها وحمتها ، كما لايمكن تصور نمو حقيقي في البلاد بدون محاربة الفساد ، ولن يتم الحد من البطالة بدون محارة الفساد ، ولن تدخل بلادنا العصر بثوراته المعرفية والمعلوماتية بدون محاربة الفساد والقضاء عليه ، فهو كوحش الأسطورة لديه مهمة واحدة ووحيدة. التدمير المادي والمعنوي ، ثم إن تنين الفساد يتحدى مجتمعنا ، ويتحدى مؤسساتنا التربوية والدينية وإن فشلنا في هزيمة هذا التنين ، يعني فيما يعنيه ، اننا كبشر ، لانملك ولا نشترك في المواصفات الانسانية التي تتمتع بها الامم والشعوب الاخرى ، من قبول التحدي والمواجه ، ويعني ان الطينة التي جبلنا منها ، تفتقد الى جينات الوطنية والشجاعة والتصميم والمتابعة ، وهل نحن بحاجة الى من يذكرنا أن مقاومة الفساد مهمة وطنية بامتياز ، كما هي مهمة سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية وأخلاقية . لكن ما هي أسباب الفساد :
عالج الكتاب ظاهرة الفساد المستشرية في الوطن ، الا أن أغلب هذه الكتابات ، لم تلامس مشكلة تنين الفساد ولم تشر الى أسبابه الحقيقية ولم تدل على العوامل التي شجعت على انتشاره ، وجعلته غولا حقيقيا . فتحول جزء كبير من هذه الكتابات الى نوع من الفساد الثقافي ، والى نوع من النفاق والضحك على ذقون العباد ومعروف أنه بدون معرفة السبب الحقيقي لانتشار الفساد ، لا يمكننا الوقوف في وجهه ومقاومته بجدية ومصداقية . اذن نعيد السؤال ذاته ما هي أسباب الفساد؟ ان الفساد يولد من رحم الاستبداد ، فهو ابن الاستبداد المدلل . حيث لا فساد بدون استبداد إلا في الحدود الطبيعية والمعقولة الموجودة عند كل شعوب الارض ، تكافح وتستأصل في حينها .
الاستبداد خطوة تأسيسية من أجل الانتقال الى خطوة تالية ، هي الفساد ، فالاستبداد يوفر المناخ الصحي لانتشاره وحمايته وحضانته ورعايته ، ففي ظل الاستبداد ينمو اللصوص كالفطر . لصوص مدللون . يتكلمون في النهار بصورة وطنية خطابية عنترية ، وفي الليل يتم عقد الصفقات والمقايضات والعمولات المشبوهة ، وكل هذا يتم في ظل الاحتكار السياسي . والغاء دور الاحزاب ،بما فيه حزب السلطة وابقاؤها أحزابا شكلية لخدمتها ، كما ويتم اقصاء القوى السياسية الاخرى ، وتنشيف وتجفيف وقمع أي حراك اجتماعي أو سياسي ، والسطو على القضاء بارهابه وافساده وتحوليه الى تابع ، يتلقى الاوامر من الجهات التي سطت عليه ، فبدون السيطرة على القضاء لا يطمئن اللصوص الى ان سرقاتهم مستورة ومحمية.
وحتى تبقى سرقاتهم طي الكتمان ، وذلك للظهور بالمظهر الوطني والغيور ، لا بد من سرقة الاعلام وتحويله الى بوق يردد ما يملى عليه ، ويشيد بانجازات وهمية . كما لابد من شل حركة النقابات والاتحادات والسيطرة عليها والحاقها بتلك السلطة ، تأتمر بأمرها وتنفذ ما يملى عليها .
بعد معرفة أسباب الفساد في بلادنا . هل نحن بحاجة الى طرح السؤال التالي : كيف نستأصل الفساد ونقضي عليه؟ وهل هناك بديل عن ازالة اسباب انتشاره في بلادنا ، وحينئذ فقط يسهل علينا وضع آليات محاربة الفساد وهذه الآلية ، لا يمكن الا أن تكون جريئة وشفافة وصادقة ، ذلك أنها تمس حياة الغالبية العظمى من أسرنا وأطفالنا ومستقبلهم .
وأول خطوة فى طريق مكافحة الفساد ، لا بد من الاعتماد فيها على المجتمع . المجتمع شريك أساسي في مكافحة الفساد ، كونه المتضرر منه ، وهذا الشريك لا يمكن أن يقبل بهذه الشراكة الا بعودته الى السياسة وعودة السياسة اليه . هذا الشريك بعرف ما يدور حوله ويرى . الا أنه يلوذ بصمته فنمور الفساد أكلت لسانه ، وحولته الى كائن أخرس أو يتظاهر بأنه أخرس . لان غول الخوف ما زال حيا في المجتمع ، ووحده الخوف هو الذي قاد المجتمع نحو الانكفاء على ذاته ، والهروب من مواجهة الحاضر . فهو يهرب الى التراث بعجره وبجره ، ليغرق غي بحر الاموات منتشيا بما حققوه من انتصارات .
ان مشروعا لمحاربة الفساد فيما لو أطلق بحرية وشفافية مدعما بصحافة حرة وجريئة وقضاء حر مستقل وعادل ، واتحادات ونقابات صوتها من رأسها ، كفيل بتوجيه ضربات موجعة الى تنين الفساد .
انني أدعو الى انتخاب لجان شعبية في كل محافظة وكل منطقة ، تنبع لجنة مركزية مشهود لأفرادها بنظافة اليد ، وتعطى صلاحيات واسعة .
هل تحقق ما نحلم به من وطن أقل فسادا وأكثر كرامة.
أحمد الحاج علي : ( كلنا شركاء) 28/8/2005
في الأساطير القديمة التي تتداو لها الشعوب في كل قارات الأرض . ثمة وحش أسطوري ، برع التخيل البشري في رسم صورة مرعبة له ،انه وحش هائل الحجم له سبعة رؤوس وسبعة أفواه ، ينفث منها النار والحقد. فيحرق الزرع ، ويدمر المباني ، ويقتل البشر ، رجالا ونساء وأطفالا. مخلفا ورائه وحوله الرعب والخوف والموت. فيهرب الناس طلبا للنجاة بأرواحهم. يختبئون في بيوتهم بعد أن يضعوا وراءها المتاريس والدرابيس.
انه وصف تخيلي لوحش أسطوري أطلق عليه اسم التنين ، يملك قوة هائلة على القتل والتخريب ، بجثته الضخمة ورؤوسه وأفواهه السبعة. ومع ذلك ، فأن الإرادة البشرية مهما بدت ضعيفة. خامدة. خائفة. مهزومة. منكفئة على ذاتها ومستسلمة أمام جبروت وطغيان التنين. ومهما بدا أن العقل البشري عاجز عن فعل المقاومة والمواجهة ، إلا أنه في نهاية المطاف ، يقبل التحدي. ويجد السبل والطرائق لمقاومته ، وهزيمته ، وتحقيق الانتصار عليه. فمن وسط الدمار والخوف والموت المعشش في نفوس الناس ، ينبق البطل البشري كالإعصار. باعثا في الناس روح المقاومة والمواجهة وقبول التحدي. وليقول باسمهم : لا للوحش، ولا للموت، ولا للخوف. مصمما مع الناس على مقومة التنين. فيمتشق سلاحه ، وينازل الوحش في معركة مرعبة. ينتصر فيها البطل البشري على الوحش التنين. ويقتله مستغلا نقطة ضعف في جسده الضخم. لتعود الحياة إلى سابق عهدها. ينعم الناس فيها بالحب والعمران والسلام .
واذا كانت أسطورة التنين من إبداع الخيال البشري . ففي الواقع المعاش . وفي بلادنا ومجتمعاتنا . ما يقابلها ويعادلها . بل ويتفوق عليها من حيث قوة التوحش وقوة التدمير ، للأفراد وللأوطان . انه الفساد المستشري في مفاصل الدولة ، والسلطة، والمجتمع . منذ عشرات السنين . والذي لم تفلح بل وفشلت كل الدعوات لمقاومة الفساد ومحاربته ومحاصرته والحد منه والقضاء عليه ، إلا أننا ما نزال من أوائل الدول المتفوقة في إنتاج الفساد .
انه الفساد الذي يملك كما تنين الأسطورة ، قوه هائلة على التدمير والتخريب . قد دمر وخرب ليس الأبنية المادية من مؤسسات القطاع العام وعصرها وامتصها حتى صارت خاوية على عروشها فقط بل . خلخل . وعطل. وأفسد الأبنية الأخلاقية في المجتمع وأوجد بدلا عنها قيما ومنظومة أخلاق. تسود الآن في أوساط واسعة من المجتمع . من هذه القيم محاباة اللص . والمنافق . والكاذب . والجبان . والنظر إلى الأمين والصادق والمستقيم والجريء . نظرة دونية وتعتبره شخصا مثاليا ، وغير واقعي ، وغير عملي ، ولا يعرف كيف يدبر رأسه (( حمار)) ولذلك يستاهل ما فيه من فقر . كما يستاهل اللصوص الغنى والعز والجاه والسلطان ، وما كان لهذه القيم التي تمجد اللص والفاسد أن تنتشر وتتوسع في أوساط مجتمعنا لو كان هناك توجها جديدا وصادقا من قبل الدولة لمحاربة الفساد . كون الدعوات المتكررة من قبل السلطة لم تكن بالعزم والحزم المطلوبين . حيث لم تتعدّ الدعوات التي أطلقت في الماضي والتي تطلق الآن حدود الحملات الإعلامية الكلامية وفي أحسن الأحوال . طالت القشرة الخارجية للفساد ، من صغار الموظفين وما زالت الضربات الموجهة إلى تنين الفساد لا تتعدّ دغدغته وكركرته دون أن توجه ولو سهما واحدا إلى نحر الفساد .
وما زال يكافؤ الفاسد على فساده ، واللص على لصوصيته . والمنافق على نفاقه ، وصرنا نسمع البعض وهم يبررون دوام الفساد . كان يقال : (( الفساد موجود في كل دول العالم )) أو يقال : (( من أين نأتي بموظفين ومدراء نظيفين ؟ هل نستورد مسؤولين غير ملوثين من دول العالم كما نستورد السيارة والطيارة ؟ )) أو أن يقال:(( إن القضاء على الفساد مهمة مستحيلة )) وهذه التبريرات تعني فيما تعنيه أن الاستسلام لتنين الفساد هو المطلوب وأن التعايش معه هو المبتغى .
إن الفساد تنين حقيقي ، مثل تنين الجهل ، وتنين التخلف ، وتنيني الاستبداد ، وتنين الاحتلال ، بل هو احتلال داخلي ، يستنزف ثروات الأمة ، ويطال أذاه أكثرية أبنائها . وبالرغم من كل الأصوات الشعبية والرسمية المطالبة بوضع حد له ما زال الفساد عبر مافياته ، يكبر ويتوسع ويسطو على جهات لم يطلها سابقا في غياب المساءلة والمحاسبة .
إن الفساد مرض حقيقي ، يصيب جسد الوطن ، ويتركه في حالة هي اقرب إلى الشلل والموات . وإهمالنا أو ترددنا في مواجهته هي مساعدة حقيقية تقدم إلى اللصوص ، فمع الزمن تنمو قوى الفساد وتتكدس ثرواتها وينبت لها رؤوس سبعة ومخالب وأنياب لتطال حتى القوى التي صنعتها ورعتها وحمتها ، كما لايمكن تصور نمو حقيقي في البلاد بدون محاربة الفساد ، ولن يتم الحد من البطالة بدون محارة الفساد ، ولن تدخل بلادنا العصر بثوراته المعرفية والمعلوماتية بدون محاربة الفساد والقضاء عليه ، فهو كوحش الأسطورة لديه مهمة واحدة ووحيدة. التدمير المادي والمعنوي ، ثم إن تنين الفساد يتحدى مجتمعنا ، ويتحدى مؤسساتنا التربوية والدينية وإن فشلنا في هزيمة هذا التنين ، يعني فيما يعنيه ، اننا كبشر ، لانملك ولا نشترك في المواصفات الانسانية التي تتمتع بها الامم والشعوب الاخرى ، من قبول التحدي والمواجه ، ويعني ان الطينة التي جبلنا منها ، تفتقد الى جينات الوطنية والشجاعة والتصميم والمتابعة ، وهل نحن بحاجة الى من يذكرنا أن مقاومة الفساد مهمة وطنية بامتياز ، كما هي مهمة سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية وأخلاقية . لكن ما هي أسباب الفساد :
عالج الكتاب ظاهرة الفساد المستشرية في الوطن ، الا أن أغلب هذه الكتابات ، لم تلامس مشكلة تنين الفساد ولم تشر الى أسبابه الحقيقية ولم تدل على العوامل التي شجعت على انتشاره ، وجعلته غولا حقيقيا . فتحول جزء كبير من هذه الكتابات الى نوع من الفساد الثقافي ، والى نوع من النفاق والضحك على ذقون العباد ومعروف أنه بدون معرفة السبب الحقيقي لانتشار الفساد ، لا يمكننا الوقوف في وجهه ومقاومته بجدية ومصداقية . اذن نعيد السؤال ذاته ما هي أسباب الفساد؟ ان الفساد يولد من رحم الاستبداد ، فهو ابن الاستبداد المدلل . حيث لا فساد بدون استبداد إلا في الحدود الطبيعية والمعقولة الموجودة عند كل شعوب الارض ، تكافح وتستأصل في حينها .
الاستبداد خطوة تأسيسية من أجل الانتقال الى خطوة تالية ، هي الفساد ، فالاستبداد يوفر المناخ الصحي لانتشاره وحمايته وحضانته ورعايته ، ففي ظل الاستبداد ينمو اللصوص كالفطر . لصوص مدللون . يتكلمون في النهار بصورة وطنية خطابية عنترية ، وفي الليل يتم عقد الصفقات والمقايضات والعمولات المشبوهة ، وكل هذا يتم في ظل الاحتكار السياسي . والغاء دور الاحزاب ،بما فيه حزب السلطة وابقاؤها أحزابا شكلية لخدمتها ، كما ويتم اقصاء القوى السياسية الاخرى ، وتنشيف وتجفيف وقمع أي حراك اجتماعي أو سياسي ، والسطو على القضاء بارهابه وافساده وتحوليه الى تابع ، يتلقى الاوامر من الجهات التي سطت عليه ، فبدون السيطرة على القضاء لا يطمئن اللصوص الى ان سرقاتهم مستورة ومحمية.
وحتى تبقى سرقاتهم طي الكتمان ، وذلك للظهور بالمظهر الوطني والغيور ، لا بد من سرقة الاعلام وتحويله الى بوق يردد ما يملى عليه ، ويشيد بانجازات وهمية . كما لابد من شل حركة النقابات والاتحادات والسيطرة عليها والحاقها بتلك السلطة ، تأتمر بأمرها وتنفذ ما يملى عليها .
بعد معرفة أسباب الفساد في بلادنا . هل نحن بحاجة الى طرح السؤال التالي : كيف نستأصل الفساد ونقضي عليه؟ وهل هناك بديل عن ازالة اسباب انتشاره في بلادنا ، وحينئذ فقط يسهل علينا وضع آليات محاربة الفساد وهذه الآلية ، لا يمكن الا أن تكون جريئة وشفافة وصادقة ، ذلك أنها تمس حياة الغالبية العظمى من أسرنا وأطفالنا ومستقبلهم .
وأول خطوة فى طريق مكافحة الفساد ، لا بد من الاعتماد فيها على المجتمع . المجتمع شريك أساسي في مكافحة الفساد ، كونه المتضرر منه ، وهذا الشريك لا يمكن أن يقبل بهذه الشراكة الا بعودته الى السياسة وعودة السياسة اليه . هذا الشريك بعرف ما يدور حوله ويرى . الا أنه يلوذ بصمته فنمور الفساد أكلت لسانه ، وحولته الى كائن أخرس أو يتظاهر بأنه أخرس . لان غول الخوف ما زال حيا في المجتمع ، ووحده الخوف هو الذي قاد المجتمع نحو الانكفاء على ذاته ، والهروب من مواجهة الحاضر . فهو يهرب الى التراث بعجره وبجره ، ليغرق غي بحر الاموات منتشيا بما حققوه من انتصارات .
ان مشروعا لمحاربة الفساد فيما لو أطلق بحرية وشفافية مدعما بصحافة حرة وجريئة وقضاء حر مستقل وعادل ، واتحادات ونقابات صوتها من رأسها ، كفيل بتوجيه ضربات موجعة الى تنين الفساد .
انني أدعو الى انتخاب لجان شعبية في كل محافظة وكل منطقة ، تنبع لجنة مركزية مشهود لأفرادها بنظافة اليد ، وتعطى صلاحيات واسعة .
هل تحقق ما نحلم به من وطن أقل فسادا وأكثر كرامة.