-
دخول

عرض كامل الموضوع : خمسة أيّام في العراق تحت وقع الحرب!


قرصان الأدرياتيك
01/12/2008, 19:26
كانت البداية عندما كنّا مدعوّين إلى العشاءِ في منزلِ أختي مع قريبٍ لنا من العراق يُدعى أبا بشّار. بعدَ الطّعام وفي جلسةٍ حول القهوة التركيّة حدّثنا أبو بشّار وقال إنَّ عليه العودة يومَ السّبتِ القادم إلى العراق لأشغالٍ مستعجلة، ولن يمكثَ هناك طويلاً بل سيعود إلى عائلته التي اكترتْ منزلاً في بلدتنا، وأكملَ مازحاً يسأل: من يودّ مرافقتي؟! كسرتُ الصّمتَ الذي سادَ لثوانٍ وقلتُ: ها أنذا! سآتي معكَ فمنذ زمنٍ بعيد وأنا أشتهيَ رؤيةَ العراق أرض الحضارة البائدة. علتِ الأصواتُ تندّد بي وبهذا القرار، وغضبَ والداي ونعتني الجميعُ بالجنون، ووقفتْ أختي التي تصغرني بعام في وسط الصّالة بذهول وخوفٍ وقالت: ماما لا تتركيه يذهب! وفي ذلك الضوضاء الذي استمرَّ يحيط بي من كلِّ جانب جلسَ أبو بشّار صامتاً شاعراً بالنّدم على مثل هذه الدّعوة إلى بلدٍ سقطتْ عاصمته قبل مدّةٍ يسيرة والحربُ تعملُ فيه على قدمٍ وساق! بينما رحتُ أنا أبتسمُ هازئاً بالمخاوفِ مترقّباً مغامرةً من نوعٍ فريد لا تصحّ لكلِّ راغبٍ أو مريد. كانت والدتي أكثرَ الذين أعادوا على مسمعي النهيَ، وحاولتْ مراراً وتكراراً طوالَ الأيّام التي تلتْ ذاكَ المساء أن تثنيَني عن عزمي دون فائدةٍ تذكر، فقد منحني اللهُ رأساً عنيداً عنادَ البغلِ وقلباً شجاعاً كالأسدِ حرماني العودة عن أيّ قرار!

السّبت 12 حزيران 2004 (اليومُ الأوّل)
وفي هذا اليوم أفقتُ مبكّراً مع ديوك الفجرِ مفعماً بالحماسةِ والترقّب لرحلةٍ جديدة أقضيها في بلدٍ وعالمٍ جديد تحت وقع حربٍ لا تعرفُ الرحمةَ والرأفة بل الموت الذي نشرته في كلِّ مكان. وصلَ أبو بشّار بسيّارة ألمانيّة الصّنع من نوع الأوبل لعام 2000. كانت السيّارة صغيرة إلا أنّها كانت متينةً بما فيه الكفاية للقيامِ بمثل هذه الرّحلة الطويلة. كنتُ مستعداً فانطلقنا مباشرةً دون تأخير ومررنا في طريقِنا داخل البلدة بإحدى العائلات العراقيّة المهاجرة التي سألته منذ أيّام أن يقلّهم معه إلى الموصل. عندَ الباب وقفتْ امرأةٌ في الخمسينات من العمرِ بثيابِ النّوم، ودارَ بينها وبين أبي بشّار حديثٌ انتهى بمغادرتنا دون اصطحابهم لكثرة حاجاتهم وضيق المكان.

في حوالي الثّامنة أخذنا الأوتوستراد نحوَ مدينة القامشلي وقبلَ بلوغِها انعطفنا إلى الشّرق باتّجاه اليعربيّة وهو الاسم العربيّ الذي أطلقتُه دولةُ البعث على "تل كوجك" حيث يقعُ المركز الحدوديّ الفاصل بين سورية والعراق. في التاسعة والنّصف نزلنا من السيّارة وراحَ كلٌّ منا لينهي معاملات العبور. عندَ رؤية جواز سفري السوريّ أرسلني ضابطُ الأختام إلى معاونِ رئيس المركز وهو من رتبة ملازم ويُدعى سِراج عبد الله، وهذا استقبلني بلطفٍ وطلبَ كأساً من الشّاي لأجلي، وأخبرني أنَّ التعليمات الصّادرة عن إدارة الهجرة والجوازات في دمشق تقتضي بعبورِ من هم فوق الأربعين سناً فقط لدواعٍ أمنيّة! سألتُه إن كانَ ثمّةَ من يستطيع مساعدتي فأرسلني مباشرةً إلى رئيس المركز وهو برتبة نقيب ويُدعى زكريّا. كانَ حاداً وفظاً ولم يقبل حتى الكلامَ في الأمرِ فخرجتُ غاضباً وهاتفتُ صديقاً لي أفاقَ من نومِه على صوتِ صراخي وهرع إلى فرع إدارة الهجرة وطلبَ من العميد مساعدتي وهذا اتّصلَ بدورِه بالنقيبِ زكريّا وبعدَ أن علّمه درساً في أصولِ الأدبِ والاحترام أوعزَ إليه أن يسيّرَ معاملتي. بعدَ قليلٍ خرجَ عنصرٌ برتبة مساعد يبحثُ عني وقامَ بيده بكلِّ شيء بناءً على أوامرِ النقيب مباشرةً. وهناك دفعتُ ستّمئة ليرة سورية ثمناً لخروجي من وطني!

على الحدودِ العراقيّة المدعوّة "ربيعة" أنهينا المعاملة سريعاً، ومنها عبرنا إلى أرضِ النّهرين التي ما زالَ عبقُ الآراميّة يتردّد في أجزائها، وما زالت صروح النينويين تحدّثُ بأمجادٍ غيّبتها الحروب والنزعات الجشعة! بعدَ اجتيازِ الحدودِ وقفنا لملء السيّارةِ بالوقود، وكانَ ثمنُ التنكة الواحدة، أي عشرين ليتراً، ألفَ دينارٍ ما يُعادلُ ثلثي الدولار الأميركيّ، وكانَ البائعُ طفلاً لا يتجاوز العاشرة من العمر.
كانت المنطقة التي اجتزناها تخضعُ لعشائر الشمّر العربيّة وهي ممتلئة بقطّاع الطّرق وعصابات النهب والسرقة والقتل. إلا أنَّ رئيسَ العراق المُقبل على استلامِ الحُكم وهو من عائلة الياور ينتمي إلى أحد الأفخاذ الشمريّة، ولهذا فرضَ على بني قومِه حماية المنطقة إكراماً لانتماء رئيس العراق الجديد!

عندَ اقترابِنا من السكّة الحديديّة كنتُ وأبو بشّار في حديث شائق حول العراق ولم ينتبه إلى مفرقٍ بزاويةٍ حادّة، فلم يتمكّن من الانعطاف برغم محاولته عبثاً، فداسَ على الفرامل واستمرّت السيّارةُ في تقدّمها حتى خرجنا عن الطريق وطرنا وسقطنا من ارتفاعٍ يتجاوز المتر. الحماية الحديديّة في أسفل السيّارة درأت عنها شدّة الاصطدام وحمتنا من أيّ ضرر، فشكرنا الله المنّان على هذه النعمة. اقتربَ البعضُ يسألُ عن سلامتنا إلا أنَّ أبا بشّار أدارَ المحرّكَ وعادَ من جديد يأكل الطّريق الصّحراويّ قاصداً الموصل الحدباء.
على اليمين انتشرتْ معاملُ الإسمنتِ في منطقةٍ سهلة تبشّر باقترابِ الوصول، وعلى بعد عشرات الكيلومترات ارتفعت الجبالُ ساحقةً بأنفتها تواضعَ السّهول.

بلغَ النهارُ منتصفه وبلغنا نحنُ بوّابةَ الموصل أمّ الربيعَين كما سمّاها العربُ، ونواردشير أي المدينة الجديدة كما سمّاها الفرس. وأول شيءٍ استرعى انتباهي كانَ الجامعُ الموصلّي بمئذنته القصيرة وقبّته العريضة المتميّزة. ثمَّ أشارَ أبو بشّار إلى فندق الموصل الشّامخ البادي بوضوحٍ عندَ مدخلها. كنتُ أمتّعُ ناظريَّ بأرضٍ جديدةٍ وطرازٍ من العمارة جديد يتميّز بنكهةٍ خاصّة تختلفُ عن الفنّ السوريّ بجمالِ الواحةِ في قلبِ الصّحراء. أكملنا الطّريقَ وارتقينا الجسرَ فأصبحَ فندق الموصل أمامنا مباشرةً بالإضافة إلى جامعٍ بقبّة صفراء بلون الصحراء، وعلى الجانب الأيمن اضطجعَ مشفى سينا التعليميّ. وبعدَ أن عبرنا جسرَ الشّهداء النائمِ فوقَ نهر الدجلة الذي تزيّنه الجزرُ الملأى بالأشجار، وتملأُ سماءَه مروحيّات الدوريّات العسكريّة الأميركيّة، دخلنا في دغلٍ كثيفٍ يُدعى "غابات الموصل" تكثرُ فيه أشجارُ الكينا التي تبعثُ من أوراقها أريجاً خاصّاً يطهّرُ الهواءَ من كلِّ شيءٍ ما خلا الغبار الذي لا بُدَّ منه لاكتمال المشهد الصحراويّ.

في أثناءِ توجّهنا إلى مركزِ المدينة مررنا بجامعِ طالب العثمان، وهو مبنيٌّ بحسب النمط السّائد الذي وصفتُه قبلَ قليل: قبّة ضخمة عريضة صفراء ومئذنة قصيرة يتوّجها هلالٌ صغير. إلى يسارِنا برزتْ جامعةُ الموصل فأمّا إلى اليمين فالأسوار الأثريّة أعادتني إلى زمن الامبراطوريّة الآشوريّة وسمعتُ صوتَ جبابرة آشور يقولون لي بالآراميّة: ܒܫܝܢܐ ܘܒܫܠܡܐ ܒܐܬܪܐ ܕܐܬܘܪ أهلاً وسهلاً في أرضِ آثورَ. وفي مقابل الأسوار الأثريّة ارتفعَ سياجٌ يُحيطُ بقصرِ الرئيس السابق صدّام حسين أخفاهُ الأميركيّونَ خلفَ ترسانات إسمنتيّة مدعّمة وأسوارٍ حديديّة شائكة تتشكّل من شرائط دائريّة الشّكل. وبعدَ قليلٍ شاهدتُ مدرَّجاً قال لي عنه أبو بشّار "هنا كانَ يخطبُ عزّة إبراهيم الدوري" وهذا أصله من الموصل كان رئيساً للوزراء على عهد النظام السّابق وهو من لائحة المطلوبين الذين ما زال يبحثُ عنهم الجيش الأميركيّ. أنهينا أوصافنا ومشاهداتنا تحت صراخ معدة كلّ منا فحثثنا السّير إلى مكانٍ نسدُّ فيه ثغرات جوعنا وتعبنا.

في حيِّ الزّهور جلسنا في مطعم "القبطان" وطلبنا "لحم بعجين" على الطريقة الموصليّة، طلبنا ثلاثاً إحداها "بالبيض نصف استواء" أي رغيفاً من اللحم يفترشُ الطبّاخُ فوقَه بيضةً نصف مقليّة. ذهبَ أبو بشّار خلال إعداد الطعام واغتسلَ من غبارِ وتعبِ الطريقِ، بينما رحتُ أنا جالساً أغسلُ عينيَّ بمشاهدة الجوار وأتلذّذ بالمرّة الأولى التي أزورُ فيها أرضاً تنتهكها الحربُ انتهاكاً صارخاً! على لافتة المطعم كُتبت كلمتان "كاهي بورك" سألتُ أبا بشّار عنهما فأجابني "هذيك" رافعاً إصبعه مُشيراً إلى نوعٍ من المعجّنات المحلّى. كانَ الذبابُ قطعاناً يتكاثرُ علينا كأنّنا قطعةٌ من الحلوى يريدُ التهامها بأدرانه وسنانه ذكّرني بذاك القاضي العراقيّ الذي كسرَ وقارَه وهدوءَه بسبب ذبابة. كانَ الطّعامُ شهيّاً جداً مُعداً على الصّاج لم يأخذ معنا وقتاً طويلاً، وبعدَ معركةٍ قصيرة معه، ملأ رفيقُ دربي رأسَه بسيجارةٍ ثمَّ قامَ ودفعَ الحسابَ وأشارِ لي إلى السيّارة وفيها أعلمني أنّنا سنزور خالته السوريّة في حيّ القادسيّة الثاني.

كانت الأزقّة في هذا الحيّ مملوءة بالنفايات والمياه العطنة تنسابُ في وسطها وأسلاك الكهرباء تملأ سماءَها كشبكة عنكبوت تنتظر الفريسة! دخلنا البيت وشاهد أبو بشّار أخته التي تسكن في بغداد وفرحَ جداً بها وتبادل معها الأحاديث وسألها عن زوجِها فأخبرته أنّه في الموصل وهو قادم بعد قليل. استرحنا قليلاً وشربنا الماءَ واللبنَ والشّاي، ثمَّ وضعت خالته الدولما (المحشيّ)، ودعونا إلى مشاركتهما إلا أنّنا اعتذرنا فقد سبقَ السّيفُ العَذَل في مطعم القبطان. وصل صهرُه وأكملنا تعارفنا، وعلمنا منه أنّهما، أي أخته وزوجها، مزمعان على الذهاب إلى شقلاوة بعد المرور بدهوك.

يتبع.

اللامنتمي
01/12/2008, 21:02
هُناكَ حَميمية ٌ مُتخفية في كُل ِ مُذكراتكَ يا صاحِبي

هُنا شَـعرتُ أنني عَلى ارتباطٍ بـِ النص بـِ طريقةٍ ما

وَتظلُ الذاكِرة ُ بـِ شَغـَبـِها وَ هَمسِها وَ لونها وَ أوجاعِها المَليئةِ بأشكال ِ الحَياة وَ لمَسـاتِها هِيَ الأبقى

أنتَ سِّـر وَحَياتـُكُ كِتاب ,.

VivaSyria
01/12/2008, 21:28
كالعاده تميز و إبداع...

في إنتظار الـ يتبع صديقي. :D

sona78
01/12/2008, 23:16
يلي فهمتو من القصة الى الان انك تنح... وانو عندك واسطة بحيث دبرت امورك !!!!!!!!!!!;)
لا شيل بياختي ع جنب اكيد بنتظار اليتبع بشوق
تحياتي يا قرصان الترحال :D

توم و جيري
01/12/2008, 23:52
حلا على حلا يسلمو وياريت ما تطول بالبقية .........

حموده ابو حميد
02/12/2008, 00:03
طو ل عمرك فريد بكتاباتك وبردودك مافي متلك مستحيل

ناطرين منك التكمله يا احلى قرصان مشكور كتير:gem:

boozy
02/12/2008, 01:39
ليش يتبع شوقتني
بس مفهمت انت عراقي لو سوري لو شنو؟؟؟
مبين جاي للعراق هواي من قبل حافظ تفاصيل العبور عن ظهر قلب!! ؟؟ كنت طالب ؟ وباي محافظة؟
بس احب اأكد للي يحب يجي للعراق انو العراق بخير ومافي شي يخوف هذا كلو اعلام فارغ وحكي بلا طعمة وهاي احنا عايشين مثل الورد.:gem:

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 03:19
هُناكَ حَميمية ٌ مُتخفية في كُل ِ مُذكراتكَ يا صاحِبي
هُنا شَـعرتُ أنني عَلى ارتباطٍ بـِ النص بـِ طريقةٍ ما
وَتظلُ الذاكِرة ُ بـِ شَغـَبـِها وَ هَمسِها وَ لونها وَ أوجاعِها المَليئةِ بأشكال ِ الحَياة وَ لمَسـاتِها هِيَ الأبقى
أنتَ سِّـر وَحَياتـُكُ كِتاب ,.

أن تشعرَ بتلك الحميميّة فهذا ما يبثّه قلبُك في تباعيضِك.
وهذا الحُبّ الذي يستعرُ بين الأصدقاء قادرٌ على أن يجعلَ من عيني كل ذي بشر مرآة قلب الصّديق!
آه من الذّاكرة يا صاحبي فلو يُمكنُ المرء أن يكتبَ كلَّ شيء لما وسعته مكتبات الورّاقين وكتبهم...
وتلك الأوراق الصّفراء التي يحتفظُ بها كلُّ منا في جيوبِه وأدراجه تذكّرنا بأشياء طواها الزمنُ من الذّاكرة وأبقاها في حبرٍ وسطور.
امتناني لمرورِك في كتيّب حياتي الغرّ :D.

جـدل
02/12/2008, 09:56
رسالةُ جندي في العراق

سيدي الرئيس...
هذا تقريري الأخير
الجثثُ تراقصنا...
الخوفُ يغتالنا..
سيدي...
هذا تقريري الأخير
وأنا على جبهةِ الموت..
أصادرُ الحياة...
من صدور الأطفال
من قلوب الأمهات..
من كل الأحياء...
هذه رسالتي الأخيرةَ...
قبل الموت الأخير...


علقوا مشنقة جثتي...على باب المقابر

جدل

sweetbaby
02/12/2008, 09:58
بانتظار الـ يتبع..:D

personita
02/12/2008, 11:00
يلي فهمتو من القصة الى الان انك تنح... وانو عندك واسطة بحيث دبرت امورك !!!!!!!!!!!;)
لا شيل بياختي ع جنب اكيد بنتظار اليتبع بشوق
تحياتي يا قرصان الترحال :D
`
و الله أنا وصلت لنفس الاستنتاج يا سونة :lol:!!
بانتظار ما تبقى لديك من جنون..:D

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:08
كالعاده تميز و إبداع...
في إنتظار الـ يتبع صديقي. :D
قليلة بربّك!!! مرورُك يا صديقي بقربي بيكفيني!
وإنشالله هيك عقبال ما أشوفك عريس قريباً :p.

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:11
يلي فهمتو من القصة الى الان انك تنح... وانو عندك واسطة بحيث دبرت امورك !!!!!!!!!!!;)
لا شيل بياختي ع جنب اكيد بنتظار اليتبع بشوق
تحياتي يا قرصان الترحال :D
هلا عالتناحة ما رح نختلف خلقة الله مو بإيدي! بس قصة الواسطة والله لا كتير تشدي إيدك، الشغلة شغلة فلوس ومعارف مو أكتر، ومو دائماً هالأشيا متوفرة!
وإنشالله ما أخذلك باليتبع :D.

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:15
حلا على حلا يسلمو وياريت ما تطول بالبقية .........
الله يحلي أيّامك ورح حاول ما أتأخر قد ما فيي :D.

طو ل عمرك فريد بكتاباتك وبردودك مافي متلك مستحيل
ناطرين منك التكمله يا احلى قرصان مشكور كتير:gem:
خجلتني يا رجل... كلماتك أكبر مني بكتير، تسلم.
الحلا أنت وشكراً لمرورك الطيب :D.

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:22
ليش يتبع شوقتني
بس مفهمت انت عراقي لو سوري لو شنو؟؟؟
مبين جاي للعراق هواي من قبل حافظ تفاصيل العبور عن ظهر قلب!! ؟؟ كنت طالب ؟ وباي محافظة؟
بس احب اأكد للي يحب يجي للعراق انو العراق بخير ومافي شي يخوف هذا كلو اعلام فارغ وحكي بلا طعمة وهاي احنا عايشين مثل الورد.:gem:
والله يا صديقتي هالــ"يتبع" لأن الوصف والتفاصيل مكتوبة أول شي على دفتر فواتير كان موجود بالسيارة، وبعدين على قصاصات من مفكرة صغيرة، وآخر شي على دفتر اشتريتو من الموصل! فامهليني أنو نزلن شوي شوي عالكومبيوتر.
بس بصراحة أنا استغربت أنو كيف ما عرفتِ أني سوريّ، مع ذكري لجواز السفر ومعاملات الحدود!
فأما عن جيتي للعراق فللأسف مو "هوايَ"، من حياتي كلا مو شايف العراق إلا خمسة أيام فقط بعد سقوط بغداد!
وبالنسبة للتفاصيل فالبركة بأبو بشار يلي هلكت سماه بالأسئلة وخليتو يلعن الساعة اللي غلط فيها ودعاني للزيارة :lol:.
وهالخمسة أيام معي بالسيارة من مكان لمكان كانوا قد الخمسين سنة اللي عاشن ببغداد :D.

Sun Shine Art
02/12/2008, 23:25
بشوق متابعه ...

عيشتني القصه بطريقه رائعه بكل جوانبها ...
:D

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:26
رسالةُ جندي في العراق
سيدي الرئيس...
هذا تقريري الأخير
الجثثُ تراقصنا...
الخوفُ يغتالنا..
سيدي...
هذا تقريري الأخير
وأنا على جبهةِ الموت..
أصادرُ الحياة...
من صدور الأطفال
من قلوب الأمهات..
من كل الأحياء...
هذه رسالتي الأخيرةَ...
قبل الموت الأخير...
علقوا مشنقة جثتي...على باب المقابر
جدل



أرى في سيماء وجهك الجميل تصويراً بعدة كلمات يختزل ثرثرة رحّالة في خمسة أيّام :D.

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:29
بانتظار الـ يتبع..:D
أتنتظرين مسافراً ليس له ما يضع عليه رأسَه فيرقد غافياً دافئاً بسلام؟!
عبورُك على جسرِ الكلمات له لحنٌ تطرب له أوتاره المشدودة :D.

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:33
`
و الله أنا وصلت لنفس الاستنتاج يا سونة :lol:!!
بانتظار ما تبقى لديك من جنون..:D
أرأيتِ يا سونا ماذا اقترفتِ فأثمتِ؟! لقد سلّمتني فريسةً سهلة بين أنيابِ ضارٍ اسمه بيرسونيتا لا يعرفُ الرّحمة والرأفة، وجعلتِ مني وليمةً لجوعها إلى قتلِ الرّجال :p!
سأسكبُ جنوني بين راحتيكِ ناشداً التعقّل والسّكينة :lol:.
:D.

قرصان الأدرياتيك
02/12/2008, 23:35
بشوق متابعه ...
عيشتني القصه بطريقه رائعه بكل جوانبها ...
:D
شمسُك إن أشرقت أينعتِ البيادرُ بكلّ ما فيها من قمحٍ وزؤان!
شكراً لهذه المرافقة التي أسرّتْ أحشائي :D.

هكذا تكلمت
02/12/2008, 23:37
مطر مطر
ما مر (دهر ُ)والعراق ليس فيه جوع
تحيه لك
وشكرا على البقيه الاتيه

satoman
02/12/2008, 23:51
شو هاد خال والله عنجد ابداع:D
متابعين

حموده ابو حميد
02/12/2008, 23:55
شو هاد خال والله عنجد ابداع:D
متابعين


هيدا ابداع وبس هيدا انجاز بحد ذاتو :D

boozy
03/12/2008, 00:05
اي لعد خلاص شرف وزورنا بالبصرة واحنا نقوم بالواجب على اصولة
نغديك صبور(سمك معروف بالبصرة)
ونعشيك احلى دولمة(انتو تسموها ما اعرف شنو بالعصاعيص!!)
ونشوفك شط العرب وناخذك جولة بالقارب..ونعبرك الصوب الثاني من الخليج
ونشممك هوا بساتين النخيل الي يرد الروح..
وتدلل عيوني..
واذا تريد نزوجك كمان!!!ها ها ها عم بمزح بهاي الاخيرة
بس هم تدلل

personita
03/12/2008, 00:55
:Dأرأيتِ يا سونا ماذا اقترفتِ فأثمتِ؟! لقد سلّمتني فريسةً سهلة بين أنيابِ ضارٍ اسمه بيرسونيتا لا يعرفُ الرّحمة والرأفة، وجعلتِ مني وليمةً لجوعها إلى قتلِ الرّجال :p!
سأسكبُ جنوني بين راحتيكِ ناشداً التعقّل والسّكينة :lol:.
:D.



:xمهما بلغت ضراوتي، فهي لن تصل ضراوتك في الفتك بمن لا حول لهم و لا قوة في اللغة رجالا
و نساء!! :p
لم أكن أعرف أنني تلك المفترسة التي ذكرت، حماك الله إذن من جوعي للفتك بأبناء جنسك و لا أراك أنيابي.. إلا لابتسام..و لا أسمعك كلامي إلا متروية متعقلة، فاحذر إذن أن تستفز فيَّ كوامن الكلام..:blow:
بانتظار ما تبقى لكم..:D

قرصان الأدرياتيك
09/12/2008, 19:21
مطر مطر
ما مر (دهر ُ)والعراق ليس فيه جوع
تحيه لك
وشكرا على البقيه الاتيه

تحيّة إليك وإلى سيّابك الرّائع :D.

شو هاد خال والله عنجد ابداع:D متابعين
شكراً من القلب... وامتنانٌ لمتابعتك :D.

اي لعد خلاص شرف وزورنا بالبصرة واحنا نقوم بالواجب على اصولة
نغديك صبور(سمك معروف بالبصرة)
ونعشيك احلى دولمة(انتو تسموها ما اعرف شنو بالعصاعيص!!)
ونشوفك شط العرب وناخذك جولة بالقارب..ونعبرك الصوب الثاني من الخليج
ونشممك هوا بساتين النخيل الي يرد الروح..
وتدلل عيوني..
واذا تريد نزوجك كمان!!!ها ها ها عم بمزح بهاي الاخيرة
بس هم تدلل
إن شاءَ الله سألبّي دعوتَك وقد ملأتني رغبةً جديدة في زيارةٍ إلى بصراكِ وبحرِك العربيّ!
شهيّةٌ مائدتُك مثل جرأتك وثقي بأنّي لن أبقي منها شيئاً إن قدمتُ :D.

هيدا ابداع وبس هيدا انجاز بحد ذاتو :D
ليباركُك الربّ :D.

قرصان الأدرياتيك
09/12/2008, 19:27
:D
:xمهما بلغت ضراوتي، فهي لن تصل ضراوتك في الفتك بمن لا حول لهم و لا قوة في اللغة رجالا
و نساء!! :p
لم أكن أعرف أنني تلك المفترسة التي ذكرت، حماك الله إذن من جوعي للفتك بأبناء جنسك و لا أراك أنيابي.. إلا لابتسام..و لا أسمعك كلامي إلا متروية متعقلة، فاحذر إذن أن تستفز فيَّ كوامن الكلام..:blow:

بانتظار ما تبقى لكم..:D

تبتُ وهداني الله إلى جادة الحقّ والصّواب، وهو بنفسِه أقنعني أن أبتعدَ عن استفزازِك أعاذنا اللهُ من توابعه!
جزءٌ ممّا تبقّى يأتيكِ بعدَ قليل :D.

قرصان الأدرياتيك
09/12/2008, 19:51
من حيّ القادسيّة الثاني توجّهنا إلى أحد أقدم أحياء الموصل "حوش البيعة" حيث تنتشر الكاتدرائيّات في منطقة مرتفعة بأزقّة ضيّقة تشابه الأحياء الدمشقيّة والحلبيّة، وهكذا عبرنا جسرَ نينوى العتيق الذي صنعه الإنجليز في الثلاثينيّات من القرن المنصرم وعنده التقطنا صورتين! توغّلنا في الشّارع المقابل المزدحم حتّى وصلنا ساحية خالية قد تحوّلتْ إلى موقفٍ للسيّارات وفيها وضعنا سيّارتنا مقابل 500 دينار.

أكملنا راجلين في تلك الحارات التي لا تسع إلا المشاة صعوداً وأخيراً بلغنا الكاتدرائيّة السريانيّة، وفي هذه الأثناء هتفَ المؤذّن يعلن الصّلاةَ لكلّ راغبٍ في الإله ولكلّ عابدٍ يشتهي العبادة! قرعنا البابَ فخرجَ شابٌّ رحّبَ بنا وأهّل وسألناه أن نسلّمَ على صاحب عرش الكاثدرا فسألنا الانتظار في مكتبه الصّغير، وبعدَ عدّة دقائق نزل أحد الآباء الكهنة وأخبرنا أنَّ المطران في الانتظار! جلسنا في حضرة جزيل الاحترام هذا وعرّجنا على كثيرٍ من الأحاديث كانَ أهمّها تلك الكنائس البروتستانتيّة التي أدخلها الجيشُ الأميركيّ معه إلى العراق، وصارتْ معاناة حقيقيّة وتحدّياً أمام الكنائس الشرقيّة القديمة، وخاصّة مع المعونات الماديّة التي قدّمتها فجذبتْ إلى أحضانها الكثيرين، لا بل أعادت العماذَ ضاربةً بعرض الحائط أحد أركان العقائد المسيحيّة الشرقيّة. وأخبرنا أنَّ عدد تلك الكنائس في هذه الأيّام بلغ حوالي 13 كنيسةً متجدّدة، واشتهرتْ إحداها باسم "اللاطائفيّة"! من مكتبِه عرّجنا قبلَ الرّحيل على مدافن الكهنة، وهناك شاهدتُ أسماءً خدمتْ في منطقة الجزيرة السوريّة في النّصف الأوّل من القرنِ الماضي.


ومن حوش البيعة أخذنا السيّارة متّجهين إلى الكاتدرائيّة الكلدانيّة "الطاهرة" (بعدَ حوالي ستّة أشهر، وبالضّبط في يوم الثّلاثاء الواقع في السّابع من شهر كانون الأوّل في هذا العام، قامَ أكثر من عشرة مسلّحين بإخلائها ثمَّ تفجيرها وإحالتها إلى ركام). بعدَ أن تركناها بشموخِها المنهار قريباً، عبرنا الجسرَ الحديث الكبير فبدتْ قلعة "باشطابيا" ونهر دجلة يمرُّ رافعاً أنفَه بزهوّ الآشوريّين وأبناء آثور فيضحي مشهدُ الطّبيعة والبناء قطعةً من فنٍّ إلهيٍّ قديم!

أكملنا مسيرنا واجتزنا جامعاً يُعدُّ من أضخم جوامع الموصل حتّى وصلنا قصرَ الموصل الخاصّ بالرّئيس التكريتيّ السّابق غفرَ اللهُ له سيّئاته وأجزاه خيراً بدل الحسنات إن وُجِدَتْ. أوقفَ أبو بشّار عربتنا في "البنزيخانة" وهي لفظة عراقيّة تحلّ محلّ محطّة الوقود، وبعد أن تناولت السيّارة وجبةً سريعة، انطلقتْ خارجةً من الحدباء مودّعةً البناءَ متّجهةً نحو مثوى الشّهيد بهنام في مقامه المشهور. كانت الشّمسُ في هذه الأثناء تحتضرُ في مغربِها، وإليها تحنُّ قببُ الكنائس بصلبانها ومآذن المساجدِ بأهلّتها مُحمرّةً بنزاع الموت المتواتر في كلّ يوم، وقبلَ انتهاء السّاعة الأخيرة، لوّحتني وأسبغتْ عليَّ قبساً من سحرِها مكفّنةً سحنتي بسمرة الموصل العراقيّة.


وصلنا ديرَ الشّهيد وقد أنهى النّورُ العظيمُ احتضارَه وماتَ بعيداً عن العيون، لكنّ الأفقَ ما زالَ مضاءً غيرَ مُصدّقٍ هذا الرّحيل! وبمرافقة بقايا أشلاء النّور زرتُ الضّريحَ وحيداً ووقفتُ فوقَ سطحه أنظرُ إلى بيادر القمحِ المصفرّة تنتظرُ الحصاد! نزلتُ إلى المكتبةِ وأفرغتُ فيها شرهي الأبديّ إلى شراءِ الكلمة، وعندَ ذلك وصلَ رئيسُ المقام مرحّباً مؤهلاً بنا. وأعادَ عليَّ زيارة الضّريح مع شرحٍ تاريخيٍّ مُسهَب وأخبرني أنّه يُعدُّ كتاباً جديداً عنهُ يشرحُ فيه كلَّ كتابةٍ موجودة على الجدران والأبواب والمدافن الأثريّة.

أعادني وصفُه وشروحاته الدّقيقة إلى قرون المسيحيّة الأولى، فامتطيتُ الفرسَ مع مار بهنام وأخته سارة هارباً من وجه أبيه الوثنيّ، ووضعتُ أخيراً عنقيَ معه تحت سيف الاستبداد، واستمعتُ قبلَ استشهادي إلى آلاف من الشهادات قُدّمتْ ثمناً للإيمانِ بالمسيح.


وفي التّاسعة من مساء هذا اليوم ولجتُ تحت أستار الليلِ مقترباً بخفرٍ وحياء من ضريحي بهنام وسارة وهناك صلّيتُ راكعاً ودعيتُ إله الأزل والأبد وربّ الأكوان من أجلِ صديقٍ وصديقة يحملان اسمَي الشّهيدَين. وبعدَ ذلكَ اجتمعنا حولَ طاولةٍ صُفّت عليها ضروب الطّعام الشرقيّ، وكانتْ شهيّةً بما فيه الكفاية لأنزعَ حزامي وأفكّ عروة البنطال وأكتسح بجوعي الأطباقَ والأقداح! أنهينا واجبَ الحاجة والغريزة وقمنا جميعاً لنطّلعَ على أرشيفٍ ضخمٍ منوّع يعدّه ويحفظه الرّئيس ويثبت فيه كلَّ ما ذكرَ عن شهيدنا ومقامه في الإعلام المرئيّ والمسموع.

كنتُ قد أنهيتُ ما اختزنتُ فيَّ من طاقاتٍ، فهجعتُ إلى غرفتي واستلقيتُ على السّرير ونمتُ من فرط التّعبِ، وهكذا كانت ليلتي الأولى في أرضِ الحضارة الماضية بين جدرانٍ تُحدّث بكلِّ قديمٍ وبالقرب من شهداء القرن الرّابع.

اللامنتمي
09/12/2008, 20:16
ذاكِرة ُ الأمكِنة تـَشي بـِ الكَثير

أكادُ أشتمُ رائِحة َ الحَجر ِ المُنبَعِثةِ من جُدران ِ الكاتدرائيّاتِ العَتيقة

وَ لأنكَ فنانٌ في إدراكِ التفاصيل ِ وَ تبسيطها , فإنني أُريدُ لهذا الحَنين ِ أن يَسـتفيقَ الآن

حَتى أقرأ َ كُلَ التاريخ ِ بـِ رحلَتك وَ أرى العِراقَ بـِ عيونك

يا صاحِبي آنَ للخـُشوع ِ أن يَحِّلَ بـِ حضور ِ حَرفك ,.

personita
10/12/2008, 00:46
أكملنا راجلين في تلك الحارات التي لا تسع إلا المشاة صعوداً وأخيراً بلغنا الكاتدرائيّة السريانيّة، وفي هذه الأثناء هتفَ المؤذّن يعلن الصّلاةَ لكلّ راغبٍ في الإله ولكلّ عابدٍ يشتهي العبادة!

راقت لي كثيرا هذه اللوحة البديعة.. ركن يلتقي فيه جلال كاتدرائية بجلال الأذان.. دعوتان إلى الله.. طريقان.. يلتقيان عند إله واحد.. تناحرنا طويلا و ما زلنا باسمه، بينما تلتحم المآذن و الأجراس.. في تحدٍّ جميل لغبائنا !


وبعدَ ذلكَ اجتمعنا حولَ طاولةٍ صُفّت عليها ضروب الطّعام الشرقيّ، وكانتْ شهيّةً بما فيه الكفاية لأنزعَ حزامي وأفكّ عروة البنطال وأكتسح بجوعي الأطباقَ والأقداح!

كنت قد جزمت ذات مرة أنك من الرجال الذين قد "خلقوا للحروب"، لكن ها أنا ذا أكتشف أنك أيضا ممن خلقوا "لقصعة و ثريد".. :o:o:p

boozy
10/12/2008, 21:37
طبعا انت روائي خطير
والله اذا ما تكتب رواية ازعل عليك بجد..
حتى لو رواية وحدة بس اكتبها بحياتك
ومتأكدة التاريخ راح يخلد اسمك..
انت شخص يحب التفصيل الممل ودقيق الملاحظة..وقوي الذاكرة.

قرصان الأدرياتيك
11/12/2008, 22:08
ذاكِرة ُ الأمكِنة تـَشي بـِ الكَثير

أكادُ أشتمُ رائِحة َ الحَجر ِ المُنبَعِثةِ من جُدران ِ الكاتدرائيّاتِ العَتيقة

وَ لأنكَ فنانٌ في إدراكِ التفاصيل ِ وَ تبسيطها , فإنني أُريدُ لهذا الحَنين ِ أن يَسـتفيقَ الآن

حَتى أقرأ َ كُلَ التاريخ ِ بـِ رحلَتك وَ أرى العِراقَ بـِ عيونك

يا صاحِبي آنَ للخـُشوع ِ أن يَحِّلَ بـِ حضور ِ حَرفك ,.








للتاريخ روائحٌ شتّى نختارُ منها ما يُناسبُنا وما يلائمُ أذواق أنفاسِنا!
وذوقُك أنتَ لطيفٌ ياسمينيٌّ مليءٌ بالحبّ والرّغبة والسّلام...
دع الذّكرى جانباً وانهضْ من أحلامِك واتركْ قدميك تسيران بكِ حيثُ دجلة يمرُّ مزمجراً،
وحيثُ أرض وطئتها ممالك وشعوب.
في انتظارِك :D.

حنين.
11/12/2008, 23:12
طبعا انت روائي خطير
والله اذا ما تكتب رواية ازعل عليك بجد..
حتى لو رواية وحدة بس اكتبها بحياتك
ومتأكدة التاريخ راح يخلد اسمك..
انت شخص يحب التفصيل الممل ودقيق الملاحظة..وقوي الذاكرة.

اضم صوتي لصوتها
فعلا جعلتني احس انني ارافقك كظلك في كل مكان
لكنني كنت صامتة متله تماما
مستنية التكملة بشوق:D

قرصان الأدرياتيك
11/12/2008, 23:40
راقت لي كثيرا هذه اللوحة البديعة.. ركن يلتقي فيه جلال كاتدرائية بجلال الأذان.. دعوتان إلى الله.. طريقان.. يلتقيان عند إله واحد.. تناحرنا طويلا و ما زلنا باسمه، بينما تلتحم المآذن و الأجراس.. في تحدٍّ جميل لغبائنا !


كنت قد جزمت ذات مرة أنك من الرجال الذين قد "خلقوا للحروب"، لكن ها أنا ذا أكتشف أنك أيضا ممن خلقوا "لقصعة و ثريد".. :o:o:p
نعم يا صديقتي إن كانَ اللهُ واحداً حقاً فعبادتنا حقّة!
ويكفي المتعبّدَ أن يهيمَ بحبِّ الإله وحبِّ البشر ليكون عابداً حقيقيّاً بالرّوح والحقّ.
أنتِ يا ابنة الأندلس تذكرينَ الأشياءَ عندما تحينُ الفرصة، وتعلمين من أيّ كنانةٍ تسحبين السّهمَ، لترمي به قلبَ قرصانٍ مسكينٍ مثلي :p.
إنَّ الرّجالَ إن لم تفعل فعلَها بقصعةٍ وثريد فلن يكونَ لها فعلٌ في المعارك!
:D.

قرصان الأدرياتيك
11/12/2008, 23:45
طبعا انت روائي خطير
والله اذا ما تكتب رواية ازعل عليك بجد..
حتى لو رواية وحدة بس اكتبها بحياتك
ومتأكدة التاريخ راح يخلد اسمك..
انت شخص يحب التفصيل الممل ودقيق الملاحظة..وقوي الذاكرة.
أنّى لي هذا يا صديقتي! لستُ سوى مغمورٍ يقتاتُ من الفتات المتساقطِ عن موائدِ الرواة والأدباء.
وقد شرعتُ مرّتين في كتابةِ القصّة لكنّ القلمَ خانني في كلتيهما، وبعدما أجدُ لي مكاناً أضعُ فيه رأسي، عندها سأكتبُ تبعاً لنصيحتك الرّائعة.
أمّا عن التفصيل والتدقيق فهذا صحيح والهمزة والشدّة تشهدانِِ لي :lol:.
أمّا عن دقّة الملاحظة فتأتي من حبِّ المغامرةِ والبحثِ عن كلِّ جديد!
وعن الذّاكرة فذاكرتي ضعيفة إلى حدٍّ أنسى فيه أسماءَ البشر، ولولا الكتابةَ لما وجدتُ شيئاً أنشره هنا أو في مكانٍ آخر.
طوبى لكِ :D.

قرصان الأدرياتيك
11/12/2008, 23:52
اضم صوتي لصوتها
فعلا جعلتني احس انني ارافقك كظلك في كل مكان
لكنني كنت صامتة متله تماما
مستنية التكملة بشوق:D
ليتكِ ترافقيني في رحلةٍ ما بشرط ألا تسأليني عن تبغي ولفائفي :p.
وجودُك معي وكلماتُك تكفي أسرجة رحالي تموينَها وزادها، فابقي معي.
وأرجو أن تكونَ بقيّة الأيّام مما يُسعدك ويطربُ عَينَيكِ :D.

قرصان الأدرياتيك
31/01/2009, 03:35
الأحد 13 حزيران 2004 (اليومُ الثّاني)

ومثلما اعتادَ أصحابُ الأديارِ، كانت الصّلاةُ في السّابعة صباحاً، لكنّي وبسبب تعب البارحة وكثرة التجوال والتأمّل دخلتُ عليهم متأخّراً أكثر من عشرِ دقائق! وكنتُ أقولُ في سرّي سأدخلُ متمهّلاً بخفيةٍ وأمكثُ في الخلف... لكنّ الرّئيس كانَ أحذقَ منّي فقد أخّرَ سكّان الدّير بانتظارِ الزّائر النّائم الذي رمقه الجميع بعين العتب حالما دخل... يا إلهي! صرتُ كتلةً محمرّةً ورغبتُ في داخلي أن ألبسَ عباءة الخفاء، لا بل رغبتُ أن تبتلعني الأرضُ وتهضمني وتُخرجني في الخلاء. لكنّ المحالَ محالٌ. بدأَ صلاتَه بألحانٍ شجيّة ومقامات تطربُ لها الأذهانُ قبلَ الأسماع، وراحَ يلعبُ بصوته ومقطوعاته الروحيّة متنقّلاً بين المقامات الشرقيّة مركّزاً على البيات، فيجيبُه شمّاسُه، وأنا هناكَ مثلَ أطرشٍ في زفّةٍ صباحيّة!

انتهت الصّلاةُ وحمدتُ الله على ذلك آلافَ المرّات، ومكثتُ للحظاتٍ أسألُ النّفسَ عن هذا الطّريق الذي قادني يوماً إلى اجتماعِ مثل هذا في دير الشّهيد بهنام! بعدَ عدّة دقائق كانَ الفطورُ مُعدَّاً مؤلّفاً من جبنة بيضاء مالحة، وزيتون أخضر وأسود، ومرتديلا، وشاي ثقيل. أن تأكلَ على صوتِ الأشجار والعصافير في بستان صغيرٍ، فهذا يُطعمك غذاءً روحياً لا يعبأ بأغذية الجسد. لم أردْ أن ينتهي احتفالُ الطّعام، لكنّ كلمة الرّئيس عن مكتبة المخطوطات الثّمينة عجّلتْ في ذلك! أعادنا من جديد حيث مكتبة البيع وأهداني صوراً وكتباً، ومن هناك سرْنا إلى ركنٍ بعيدٍ مهمل في صدرِه اضطجعَ أكثرُ من أربعمئة مخطوطٍ عربيٍّ وسريانيّ مرميّة على رفوفٍ حديديّة صدئة، مما فطرَ قلبي فأفلت لساني من لجامه وانطلقَ معنّفاً الرّئيسَ دونَ أن أتنبّه إلى لهجتي القاسية. اعتذرتُ منه على عجلٍ وقلتُ له إنَّ مثل هذه الثّروة الأدبيّة يليق بها مكانٌ مناسبٌ لحفظها، وألقيتُ على مسمعه دروساً في حفظِ المخطوطات تعلّمتها عبر دراسةٍ نظريّة وعمليّة لأكثر من خمس سنوات. وفي أحد الأطراف انثنى مخطوطٌ صغير بدون غلاف، حتّى مالَ نصفُه بزاويةٍ حادّة وكادَ أن ينشطرَ نصفين، سحبتُه من موضعه ووضعته منبسطاً في مكانٍ قريب، وعيناي لا تصدّقان ما تريا. وودتُ لو أمكث في هذا المكان أيّاماً أرتّب ما عبثتْ به أيادي الجهل والأميّة الحمقاء وقلّة الحيلة بدون رقيب، لكنّنا كنّا بأمسّ الحاجة إلى هذه الدّقائق للوصول إلى بغداد في الوقت المناسب. وفي ساحةِ الدّير خارجاً وقفنا أمامَ البوّابة الضّخمة والتقطنا بضع صورٍ ثمَّ ودعناهم شاكرين وغادرنا على بركةِ الله.

دخلنا الموصلَ من جديد في حوالي التّاسعة والنّصف، وفي أثناءِ المرور شاهدنا كنيسةَ النبيّ يونان التي حُوّلت في عهود العبوديّة والذمّية اللاعادلة إلى جامع النبيّ يونس، قبّتها منشأَة على الطّراز الأرمنيّ ذي الشّكل الهندسيّ الجميل، ومئذنتُها لا تحمل من عناصر الفنون إلا الإسلاميّة. عبرناها وانحرفنا إلى الشّرق باتّجاه دهوك.

تركنا الشّمسَ وراءَنا إلى اليمين وأخذنا طريقَ الشّمال، وعندَ إحدى السّاحات تقدّمت ثلاثُ سَيّارات من نوع الهَمَر الأميركيّ تحملُ المارينز، وفي أعلى السيّارة المتوسّطة برزتْ فتاةٌ شقراء تحملُ مدفعاً رشّاشاً مصوّباً نحوَ الأمام وشعرها الطّويلُ يندفعُ من تحت خوذتها متطايراً مع الهواء! اصطفّتْ آثارُ النينويّين إلى اليمين، وبرجٌ عملاقٌ توسّط الطّريقَ. وأمامنا ارتفعَ قصرُ صدّامَ المليء بالعلوج على حدّ تعبير الصحّاف وزير الإعلام العراقيّ السّابق، خلفه مباشرةً كانَ فندقُ أبروي نينوى، وفي غمرة هذه المشاهد والتّصاوير دخلنا الكورنيش وعبرنا فوق دجلة العريض وشمسُ الظّهيرة تعلو في السّماء دون انتظار.

في شمال المدينة الحدباء أوقفنا عربتنا أمام محلٍّ لإصلاح العجلات، وأنزلَ أبو بشّار العجلة التي وجدناها صباحاً فارغة من الهواء "على الجنط"! لم يطل الأمرُ كثيراً فامتطينا مركبتنا وحثثنا السّيرَ نحوَ الشّمال الكرديّ جنّة العراق على حدّ قولِ العراقيّين. بلغَ شهرُ حزيران منتصفه وما زالَ الحصّادون يحصدونَ القمحَ المُصفرَّ تحت وقع الشّمس الرّتيب، وأمامَ أبصارِنا بدتْ سلسلة جبالٍ كأنّها خيال ضباب جاثم على الأرض. وإحدى لافتات الطّريق قالتْ: زاخو 80 كم، دهوك 42 كم، سدّ الموصل 17 كم وهذا بلغناه والسّاعة تعلنُ العاشرة والنّصف. كانَ هذا السدُّ يُسمّى سدّ صدّام وهو ضخمٌ ورائع كبحرٍ صغيرٍ على سطحه تغفو سماء زرقاء بين جبال جرداء تُذكّر بسكينة الخالق ونسّاك وزهّاد كانوا يملأون هذه الأرضَ يوماً وينثرون بوجودهم عبقَ طيبِ القداسة ويُظهرون جمالَ اللهِ وكمالِه بين البشر.

بعدَ عشر دقائق دخلنا ناحية فايدة وهي إحدى النواحي التي قامتْ على ما يبدو حديثاً بجانب صوامع الحبوب. وعلى تلٍّ بعيد انتصبتْ واحدةٌ من قلاع الديكتاتور الرّاحل. وهكذا أوقفنا كلَّ شيءٍ في العاشرة وخمسين دقيقة عندما بلغنا حدودَ كردستان. ولأنَّ سيّارتنا تحملُ لوحةً مكتوب عليها "بغداد" فقد أنهكنا العسكريُّ الكرديُّ بتفتيشه وتقليبه حاجاتنا. وعلى الحاجز الثاني اقتربُ عسكريٌّ آخر مدجّجٌ بالأسلحة وقالَ بالكرديّة: ﭼاوايِه... باش؟! أي كيفَ الحال... أبخير؟! وعندما اقتربَ أكثر ورأى الصّليبَ معلّقاً في السيّارة، ابتسمَ وقالَ بالسّورث وهي اللهجة الآراميّة المنتشرة في العراق: ܣܽܘܪܰܝܰܐ... ܒܫܶܝܢܐ ܐܚܽܘܢܺܝ: سورايا... بْشِينا خوني، أي:مسيحيّ... بالسّلامة (أهلاً) يا أخي. كانَ آشوريّاً من حزب ܙܰܘܥܐ "زَوْعا". تغيّرَ كلُّ شيء فاكتست الطبيعةُ بالأخضر واعتدلَ الهواءُ وانتعشَ ببرودة الجبال القريبة التي صرنا عندَ أقدامها، وأمامَنا انبسطتْ مدينةُ دهوك مرحّبةً بكلمة الآثوريّ الآراميّة.

حملتني الجبالُ واخضرارُها ورطوبة نسائمها إلى لبنان الذي قضيتُ فيه سنوات دراستي الست... وتذكّرتُ فيه كلَّ جميل وذكرى ختمتْ نفسي بختم تلك البلاد الرّائعة المتعبة بسبب قلاقل أبنائها! فتحتْ دهوكُ ذراعيها تستقبلنا كأمٍّ سريانيّة تقتبلُ بنيها بعدَ غيابٍ طويل وتحدّثهم عن ماضيها الحافل بكلّ اغتصابٍ وانتهاك، تخبرهم عن لغتها وأرضها وكلّ قطعةٍ من جسدها وطئها الأغرابُ فأحالوها إلى رمادٍ لا جمرَ تحته!!! امتلأت الأجواءُ بالرّوائح الكرديّة حتّى لافتات الطّريق المكتوبة باللغة الكرديّة كانت تلحّ في إيقاظنا لتكشفَ عن عيونِنا البراقع التي حجبتْ عنها رؤية دولة كردستان الجديدة.

sona78
04/02/2009, 12:59
وصلنا ديرَ الشّهيد وقد أنهى النّورُ العظيمُ احتضارَه وماتَ بعيداً عن العيون، لكنّ الأفقَ ما زالَ مضاءً غيرَ مُصدّقٍ هذا الرّحيل!

دون اية مبالغة .........اجمل تعبير عن الغروب فراته بحياتي على الاطلاق
متابعة دائمة

قرصان الأدرياتيك
05/02/2009, 00:26
دون اية مبالغة .........اجمل تعبير عن الغروب فراته بحياتي على الاطلاق
متابعة دائمة

شكراً يا عزيزتي سونا على هذا الإطراء الذي لم يأتِني من أحد قبلاً. وأرجو أن أكونَ عندَ حسن ظنّك!

قرصان الأدرياتيك
01/08/2009, 01:31
حالما دخلنا المدينة توقّفنا بالقربِ من مقهى فيه بضعة رجال سألنا أحدهم عن فندق بابل فأجابنا بكرديّة لم نفهم منها إلا القليل، وبمعونة إشاراته وإيماءاته عرفنا الطريق، فبلغنا البيتَ بعد دقائق لم تخلُ من عناء. سلّمنا على أصحابِه الذين يمتّون بصلةِ القرابة إلى أبي بشّار، وبعدَ استراحةٍ قصيرة تخلّلتها القهوة التركيّة خرجنا في زيارةٍ قصيرة إلى سوقِ المدينة، وهناك جذبني السجّادُ الكرديّ الفارسيّ بألوانه الحارّة وتلك النّقوش التي تزيّنه، ولم يطل الأمرُ حتّى انطلقنا متّجهين إلى زاويثا بحسب الخطّة المرسومة!

خرجنا من دهوك عندَ منتصف النّهار لنعبرَ الجبالَ نحوَ الشّمال من جديد. كانت الأوبّل الألمانيّة تزمجر وهي ترتقي تلك المرتفعات المزيّنة باخضرارٍ لا مثيل له، وتقتربُ من زاويثا المشهورة بنوعٍ فريد من أنواع شجر الصّنوبر، ومعها سحنا في أحضان طبيعةٍ تضمُّ كروماً ولوزاً وشعرنا أنّنا فعلاً في خدرِ العراق الحقيقيّ. بلغنا مقصدنا في زاويثا وفيها توقّفنا والتقطنا صورتَين ثمَّ أخذنا الطّريقَ صعوداً نحوَ "سره سنك". مررنا ببلدة "سوارا توكا" وسيّارتنا تواصل ارتقاءَها كقردٍ أفريقيّ لا يكلّ ولا يملّ وفي أعلى هذه البلدة نزلنا حيث عثرنا على مطعمٍ واستراحةٍ صغيرة لا بأسَ بها! رحتُ أنا آخذُ الصّورَ للوادي والجبال العملاقة المخوفة بينما أفرغَ أبو بشّار تعبَه في سجائره عراقيّة الصّنع! جلسنا في زاوية الحديقة وشربنا الشّاي وبدأ قريبي يقصُّ عليَّ شيئاً من طفولته التي يذكرها بحسرة، عندما كانَ يُرافق أباه في أعمالِه التي صرفها في هذه المنطقة في بناءِ المصايف والمطاعم لعدّة سنوات.

تركنا المكانَ بعدَ وقتٍ ملأته أحاديث أبي بشّار العذبة وخفايا طفولته وشقاواته، وانحدرنا هذه المرّة نزولاً نحوَ "سره سنك"، وعلى قمّة جبلِ "جارا" رأينا أحد قصور الرّئيس الرّاحل. وبالقربِ من ذاكَ المكان مررنا بأرضٍ مسوّرة بحجارةٍ صفراء متينة عرفتُ لاحقاً أنَّ هذه الأرض هي بقايا لقصرٍ صدّاميٍّ آخر لم يعدْ موجوداً اليوم بعدما نهبَ الأكرادُ حجارته وكثيراً من حجارة السّور ليبنوا بها منازلهم! لفحنا هواءٌ رطبٌ قادمٌ من بحيرة قائمة على سدٍّ صغير توقّفنا عندَها للحظات وسحبتُ آلة التصويرِ وصوّبتها تجاه المياه وضغطتُ إلا أنّها خانتني في تلك اللحظة وتعطّلت... شتمتُها شتيمةً سوريّةً ثقيلة من قاموس مفردات ممّا تحت الزنّار، وكدتُ أرمي بها على الأرض لولا أبي بشّار الذي قالَ لي: لا تقلق سنجدُ في سوق البلدة فيلماً أضعه في كاميرتي! بالقربِ من شابٍّ نحيفٍ طويل فتحَ قريبي نافذتَه وقال: "عندي سؤال بَلا زَحْمَة! أكو مصوّر قريب؟!" رفعَ الشابُ يدَه مشيراً إلى يسارنا وقال: "في السّوق"! وعندَ محلّ التّصويرِ ضاعَ الحابلُ بالنّابلِ فقد تعطّلتْ كاميرا أبي بشّار بعدَ وضع الفيلم الجديد، والمصوّرُ غائبٌ، وصبيّه يشرحُ لنا بكرديّة ممزوجةٍ بإشارات يديه البهلوانيّة... وضاقَ صدري ونفذ صبري فقرّرتُ شراءَ واحدة جديدة ما زلتُ حتّى اليوم أحتفظ بها ذكرىً لتلك المصيبة. دفعتُ أربعاً وخمسين ألفَ دينارٍ أي حوالي ثمانية وثلاثين دولاراً وأخذتُ أيضاً فيلمين وضعتهما في جيبي وعُدنا إلى السيّارة التي سارتْ بنا صعوداً نحوَ "إينشْكي" وهي قريةٌ مسيحيّةٌ صغيرة قريبة في شكلها وأزقّتها من القرى السوريّة القريبة من السّاحل.

في هذه الأثناء هاتفتُ أختي وتكلّمتُ معها كي تطمئنّ... ثمَّ نزلنا باتّجاه "سُلاف"، وفي الطّريقِ إليها، وأمامَنا مباشرةً، على بُعدٍ بعيد فوق ذروة الجبل، كأنّها مائدةٌ مستديرة اصطفّتْ عليها ألوانُ الطّعامِ؛ جثمتْ مدينةُ "العَمّاديّة"! أوقفَنا عسكريٌّ وقالَ بالكرديّة: الطّريقُ إلى العَمّاديّة مقطوعٌ! فنزلنا "كلي سُلاف" ("كلي" كلمة كرديّة تعني "وادي" تلفظ الكافُ فيها جيماً مصريّة)، ومن هناك برزتْ العَمّاديّة من جديد كتاجٍ يزيّن هامة الجبل مرصّعةً ببيوتها المرصوفة فيها كجواهر من كلِّ شكلٍ ولون. وبعدَ لأيٍ وجدنا الطّريقَ الموصل إليها، لكنّنا قبل بوّابتها الحجريّة انعطفنا إلى اليسار نحوَ "شيلادزَّه" وخلال الطّريق كنتُ أجوبُ بنظري الأنحاءَ فشاهدتُ لافتةً مكتوبٌ عليها "إلى كنيسة مار عوديشو"، وعندَ مفترقِ طرقٍ لمحتُ لافتةً أخرى تقول "عمليّات إزالة الألغام"، تظلّعتُ إلى أبي بشّارَ وأشرتُ إليها بدون كلمة، فقال بدون أن يلتفتَ إليَّ: تعودُ هذه الألغام إلى الحرب التي شنّها صدّام على الأكراد، ثمَّ سكتَ فسكتُّ معه وعدتُ إلى مشاهدي وتلك الخربشات التي خططتُها على وريقات كنتُ أحملها!

يتبع...

jano.
01/08/2009, 02:39
رائع أنت كالعادة يا طيرنا المسافر...

لا بأس أن تتعطل آلة التصوير، فها أنت تصوّر لنا الأماكن أكثر دقةً من أية آلة، وبطعمٍ آخر.

سمعت كثيراً عن المنطقة التي وصفتها لنا في مذكّرتك الأخيرة. هل هذه القرى التي ذكرتها قريبة من نوهدرا؟

يقال أن الطبيعة هناك فريدة بجمالها، هل هذا صحيح؟

بانتظار التتمّة...

:D

عاشق سلاف
01/08/2009, 11:40
غريب ..

أنا من الموصل .. أتحدث إليك من أرضها الآن ..

ولكنك تتكلم عن مدينتي .. وتصفها بشكل لم اعرفه من قبل

هذه المناظر والأماكن التي تقولها .. أراها يوميا .. ولكن لم اكن اعلم بانها جميلة لهذا الحد ....



شكرا لك اخي العزيز على وصفك الرائع ..


وانشالله تجي تعملك زيارة الخ عدنا بالموصل .. بس خبرني قبل ما تجي
(( هذه الجملة باللهجة الموصلية الأصلية .. ههههه ))


متابع معك .. وأي معلومة بدك اياها .. حاكيني

قرصان الأدرياتيك
02/08/2009, 16:13
رائع أنت كالعادة يا طيرنا المسافر...
لا بأس أن تتعطل آلة التصوير، فها أنت تصوّر لنا الأماكن أكثر دقةً من أية آلة، وبطعمٍ آخر.
سمعت كثيراً عن المنطقة التي وصفتها لنا في مذكّرتك الأخيرة. هل هذه القرى التي ذكرتها قريبة من نوهدرا؟
يقال أن الطبيعة هناك فريدة بجمالها، هل هذا صحيح؟
بانتظار التتمّة...
:D

عزيزي جان
قلبي يشكرُ لطفَك واهتمامَك وكلماتك المشجّعة، أمّا بعد
إنَّ نوهدرا أو بيث نوهدرا كانت الحدود الشماليّة لنينوى وعاصمتها مَعَلْثا... وهذه القرى التي مررنا بها هي في قلبِها! فأمّا عن الطّبيعة فحدّث ولا حَرَج... جبال عملاقة ووديان مهيبة واخضرار وشلالات وأنهار... هي جنّة عدن الكرديّة اليوم!
مرحباً بك :D.

Sun Shine Art
02/08/2009, 18:58
روعه ...مبدع كا العاده الصراحه مابعرف كيف شو احكي :D...

قرصان الأدرياتيك
02/08/2009, 21:29
روعه ...مبدع كا العاده الصراحه مابعرف كيف شو احكي :D...
أن تأتيَك "الرّوعة" من رائعة فهذا ما يُسمّى بالتناغم، كأنّ الجمالَ يبوحُ بإيقاعٍ لا ندَّ له!
حضورُك ينوبُ عن الكلام في أيِّ مكان :D.

sona78
03/08/2009, 12:33
شتمتُها شتيمةً سوريّةً ثقيلة من قاموس مفردات ممّا تحت الزنّار،

يلي بيكتب مذكرات بيتجاهل بالعادة هيك ذكريات :o

جميل دائما يا قرصان

Sarita
05/08/2009, 18:40
فاقت مذكراتك الحقيقة
اضافت الي قلبي حنينا وشوقا لزيارة بغداد
حيث انني اشتقت الى كركوك والموصل وبغداد وكربلاء والبصرة وبابل ....
اشتقت الى العراق بالرغم من عدم زيارتي لها

الا اني انتظر هذه الفرصة تحت طيف ذكرياتك

شاكرة لك قرصان

Grazie per la creatività :D

قرصان الأدرياتيك
05/08/2009, 21:25
غريب ..
أنا من الموصل .. أتحدث إليك من أرضها الآن ..
ولكنك تتكلم عن مدينتي .. وتصفها بشكل لم اعرفه من قبل
هذه المناظر والأماكن التي تقولها .. أراها يوميا .. ولكن لم اكن اعلم بانها جميلة لهذا الحد ....
شكرا لك اخي العزيز على وصفك الرائع ..
وانشالله تجي تعملك زيارة الخ عدنا بالموصل .. بس خبرني قبل ما تجي
(( هذه الجملة باللهجة الموصلية الأصلية .. ههههه ))
متابع معك .. وأي معلومة بدك اياها .. حاكيني
حينَ يعتادُ المرءُ أمراً يراه ولا يراه... يُصبح منه وفيه لكأنّه قطعةٌ من جسده!
لكلّ منّا عينان، إلا أنَّ عيونَنا مختلفة فخلفَ كلٍّ منها فرادة تميّزُ الواحدَ عن الآخر...
شكراً لحضورِك في هذه الذّاكرة :D.

قرصان الأدرياتيك
17/10/2009, 15:12
يلي بيكتب مذكرات بيتجاهل بالعادة هيك ذكريات :o
جميل دائما يا قرصان
بالعكس... هدول أهمّ شي، بيعكسوا ثقافة كل بلد تماماً.
ليتك ترجعي وما تغيبي كل هالقد :D.

فاقت مذكراتك الحقيقة
اضافت الي قلبي حنينا وشوقا لزيارة بغداد
حيث انني اشتقت الى كركوك والموصل وبغداد وكربلاء والبصرة وبابل ....
اشتقت الى العراق بالرغم من عدم زيارتي لها
الا اني انتظر هذه الفرصة تحت طيف ذكرياتك
شاكرة لك قرصان
Grazie per la creatività :D
كلٌّ منّا يا صديقتي يرى جانباً أو جزءاً من الحقيقة فيعكسها في اختبارِه وفي ما يكتب.
اليومَ يا عزيزتي نزورُ مكاناً جديداً فيه من سحرِ الطّبيعة ما لم أرَ مثلَه من قبل.
أهلاً بك متى شئتِ :D.

قرصان الأدرياتيك
17/10/2009, 15:18
عندَ نهر الزّاب توقّفنا قليلاً وأخذنا بضع صورٍ بين حناياه الصخريّة، ثمَّ أكملنا الطّريقَ إلى "شيلادزّه" متخوّفين من نفاد الوقود، إلا أنَّ اللهَ منَّ علينا بمحطّةِ وقودٍ أشبعت السيّارة وأشبعتنا من الغبطة والارتياح. ومن عمّال المحطّة حصلنا على خريطة الطّريق إلى موضع التقاء الزّاب بأرضِ العراق. في الرّابعة والرّبع وصلنا المدينة المنشودة واجتزناها نحوَ الشّمال، لكنَّ اقترابَنا من الحدود التركيّة، وخلوّ المنطقة من البشر بعثا القلقَ في قلبِ مرافقي، فقال لي: سنعودُ أدراجَنا، ولم ينتظرْ جواباً مني بل أدارَ مقودَ السيّارة وعادَ من حيثُ أتينا!

على ضفاف الزّابِ الأكبر جلسنا في مطعمٍ صغيرٍ تلامسُ مياهُ النّهرِ صخورَه، وأوصى أبو بشّار على "التكّة" وهي "الشّقف" السّوريّة، أي قطع لحمِ الخروفِ المشويّة! وفي الفترة التي أمضاها الشّاوي في إعدادِها نزلَ أبو بشّار إلى ضفّةِ النّهرِ الصّاخبة بهديرِ المياه المندفعة اندفاعَ سيلٍ عرمرم من جبلٍ عالٍ، فتبعتُه حذراً من الانزلاقِ على الأرضِ المنحدرة المبلّلة بالرذاذ المتطاير، وهناكَ جلستُ على صخرةٍ نابتة في قلبِ التّراب أرقبُ قريبي بقلبٍ واجفٍ، فما كانَ منه إلا أن خلعَ نعلَيه ثمَّ جوربَيه وبدأ يغتسلُ في المياه الباردة المُنعشة. تاقتْ نفسي إلى ملامسة المياه ولكأنّها تبغي ملامسةَ الماضي والحاضرَ وكلَّ أمجاد هذه الأرض الخالدة، فخلعتُ أنا أيضاً حذائي ثمَّ جوربيَّ وقرّبتُ قدمي اليُمنى برجفةٍ من النّهرِ المليء بالأسرار والألغاز، وما إن احتضن التيّارُ الهادرُ القدمَ حتّى شعرتُ بأنّ النّهرَ قطعةٌ من الثّلجِ تذوبُ شيئاً فشيئاً، كانت باردةً إلى حدٍّ رفعتُ فيها قدمي مرّات قبلَ إعادتها من جديد إلى المياه، وبدأتُ طقسَ الاغتسالِ بنشوةٍ لم أعهد لها مثيلاً من قبل. المفارقةُ جعلتني أغيبُ عن المكان بفكري وبصيرتي، فالشّمسُ من علا السّماء تكوي الأرضَ بلهيبِ أشعّتها، والنّهر من قاعِ هذه الأرض يبرّدُ ما احترقَ ويُنعشُ ما ذبل.

كانَ الغداءُ لذيذاً فلم يبقَ في الأطباق شيءٌ، واللذّةُ المجبولة بجوعِ السّفر أتت أيضاً على الفتات الباقي، وكانَ شرابُنا من ماءِ النّهرِ إمعاناً منّا في اقتبالِ هبة الخالق كما خرجتْ من بين كفّيه!

لم أنسَ قبلَ الرّحيل تصويرَ المكان، فإن خانت الذّاكرةُ يوماً ولم تسعف في الإبقاء على ذاك السّحر والجمال، فالصّورةُ أوفى عهداً ولا خوفَ عليها من فواجع النسيان.

عُدنا أدراجَنا قبلَ أن تُسدلَ الشّمسُ السّتارَ وتفسحُ بغيابِها مكاناً لكوكبِ الليلِ المتلألئ وسط نسيج السّماء الأسود. وفي طريقِ العودة مررنا بمدينة العمّاديّة، وتجوّلنا فيها بسيّارتنا، وعندما وصلنا مكاناً فسيحاً فوجئ أبو بشّار بدبّابتين جديدتين وحاملة جنود يلمعُ حديدُها تحت ما تبقّى من نورِ النّهار، علمنا أنّها تعودُ إلى جيشِ الأتراك القادمين لمحاربة "البَكَكَة". وهكذا بدأت شمسُ يومِنا ذاك تنفخُ في البوقِ معلنةً انسحاب جيوش أنوارِها إلى ما وراء الجبال، وأعدنا عبورَ الطّريقِ مرّةً أخرى فمررنا ببحيرةٍ من صنعِ قائدِ العراق الرّاحل ابن تكريت، واسترحنا قليلاً في بلدة "سواراتوكا" في مَقْصَفٍ يعود إلى العهدِ الذي سبقَ استقلال دولة العراق الحديث، ثُمَّ أكملنا الطّريقَ نحوَ الجنوب.

وصلنا دهوكَ في الثّامنة وقمنا بزيارةِ رجلٍ عجوز مُقعَد من عائلة النجّار يعرفه أبو بشّار منذ زمنٍ بعيد، وما إن رآنا حتّى أخذَ يبكي كطفلٍ رضيع. ومن تلك الزّيارة التي فطرت فؤادي توجّهنا إلى دارِ الأسقفيّة حيثُ قابَلَنا صاحبُ عرشِ الكاثدرا بابتسامةٍ وطيبةٍ لم أعتدْها من أحدٍ في مثلِ هذا المنصب. عُدنا إلى نزلنا حيثُ حضرَ العشاءُ فأكلتُ والتّعبُ يأكلُ من جسدي كلَّ موضع، والوسنُ يثقل جفنيَّ ورأسي. وعندَ منتصفِ الليلِ استلقيتُ على الفراش متدثّراً بالعتمات ورحتُ في نومٍ عميقٍ أنهيتُ بهِ يوميَ الثّاني في أرضِ العراق.