رجل من ورق
12/12/2008, 17:20
صبحت دراما السيرة الذاتية من البضائع التلفزيونية الرائجة، وخصوصاً إذا كانت تتناول حياة شخصيات تتمتّع بمكانة كبيرة في الوجدان العام، وتحفل سيرتها بالعديد من الأحداث المثيرة والمؤثرة أو الغامضة. وبعد أم كلثوم ونزار قباني وأسمهان... ها هو الدور يصل إلى محمود درويش. ذلك أن الشاعر الفلسطيني الذي لم يمضِ على رحيله أكثر من أربعة أشهر، ستكون حياته محور مسلسل تلفزيوني جديد بعنوان «في حضرة الغياب» (اسم كتاب لدرويش) يكتبه السيناريست السوري حسن. م. يوسف، وينتجه الفنان فراس إبراهيم بالتعاون مع منتجين عرب آخرين، فيما لم يكشف بعد عن هوية المخرج الذي ستسند إليه مهمة إخراج العمل. إبراهيم، وفي اتصال مع «الأخبار»، قال إن المسلسل سيبدأ تصويره في آذار (مارس) 2009، بين عدد من الدول التي عاش فيها درويش. ويشارك فيه ممثلون سوريون وعرب وأجانب. وأشار إلى أن العمل سيتناول المحطات الهامة في حياة الشاعر الكبير، ولا يلجأ إلى السيرة الذاتية الخطية. كما يقترح معادلات بصرية لعدد من قصائد درويش.
أما الكاتب حسن. م. يوسف، فأوضح أن فكرة العمل بدأت بعد وفاة درويش بفترة قصيرة. ومنذ ذلك الحين، وهو يقوم بالدراسة والبحث للإعداد للمسلسل المستمرّ وكتابته في الوقت نفسه. إلا أن يوسف نفى أن يكون قد التقى الأشخاص المقربين من درويش في سياق بحثه، ولفت إلى أنه اعتمد على عدد كبير من المواد المكتوبة. ولدى سؤالنا له عن الكيفية التي سيقارب فيها مناطق حساسة في سيرة الشاعر، كالعلاقة المميزة التي جمعته بالزعيم ياسر عرفات، وعضوية درويش في الحزب الشيوعي الإسرائيلي خلال الستينيات، أو حتى علاقة درويش بالنساء، وهو الذي تزوّج مرتين... أجاب يوسف: «بطريقة الظلال، كما في الفن التشكيلي»! وصاحب مسلسلات كـ«إخوة التراب» و«سقف العالم» قد لا يكون الأقدر على تناول شخصية كدرويش. ربما إلا إذا شاركت معه ورشة من الكتّاب والباحثين، وهذا هو المطلوب لإنقاذ العمل وفق منظور جدّي. وإلا ستكون النتيجة مثل مسلسل «نزار قباني» لقمر الزمان علوش وباسل الخطيب. إلا أن الفرق أن ردود الفعل ستكون أكثر غضباً، نظراً لما يمثله درويش من رمزية.
فراس إبراهيم الذي ألمَحَ إلى إمكان تجسيده دور محمود درويش في المسلسل، لا نعلم إذا كان سيترك الباب مفتوحاً لترشيحات أخرى. ذلك أن الأفضلية التي يعطيها إياه وضعه كمنتج، لا تكفي للمغامرة بسمعته الفنية. والأهم القدرة على تقديم الشاعر الكبير بالشكل اللائق، فالممثل السوري الشاب الذي قدّم واحداً من أفضل أدوراه في «أسمهان» (وكان أحد منتجيه)، لا يملك من التاريخ الفني ما يؤهله لمقاربة شخصية بغنى درويش وتعقيدها. وبما أن المسألة ليست مسألة شبهٍ فيزيائي فحسب، بل مزاج وقدرة تمثيلية وثقافية على الاقتراب من عالم بأسره... فإن الدور قد يبدو مناسباً لفنانين آخرين مثل بسام كوسا، وتيم حسن لدرويش الشاب، أو الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري، والممثل الأردني الشاب إياد نصار. والأخيران قريبان وجدانياً من الموضوع، ولديهما ميزة اللهجة.
وتبقى مسألة النص، وهي الأكثر خطورة: فنص مفلتر أو مبسط، كما تشي تصريحات الكاتب، ونص لم يأخذ الوقت الكافي من الإعداد... كيف سيكون شكله؟ هل يمكن إعداد سيرة لدرويش من دون مقابلة سميح القاسم وعبد الرحمن الأبنودي والياس خوري وسليم بركات وصبحي حديدي وكاظم جهاد ومحمد شاهين، وصديقه وجاره لسنوات طويلة في عمان غانم زريقات. إضافة إلى زوجتيه رنا قباني وحياة الهيني، وعائلته، وخصوصاً شقيقه أحمد.
الدخول في هذه المغامرة كيفما اتفق لإنجاز عمل لرمضان المقبل، قبل أن «يسرق» أحد آخر الفكرة، هو تسليع لقيمة الشاعر وإرثه. وكما انتظر مسلسل «أسمهان» سنوات حتى خرج بالشكل الراقي الذي رأيناه ـــ وقد وفّر له فراس إبراهيم كل شروط النجاح ـــ يستطيع مسلسل «في حضرة الغياب» عن محمود درويش أن ينتظر. والشاعر الفلسطيني الذي كان أميل إلى العزلة وحياته الشخصية تكاد تكون مجهولة، لا يمكن بسهولة بناء سيرة تلفزيونية عنه، تحتاج إلى وقائع وأحداث وحوارات... وإلا سيكون البديل عملاً شعاراتياً، يلصق درويش بفلسطين على نحو لن يكون مفيداً حتى للقضية.
أما الكاتب حسن. م. يوسف، فأوضح أن فكرة العمل بدأت بعد وفاة درويش بفترة قصيرة. ومنذ ذلك الحين، وهو يقوم بالدراسة والبحث للإعداد للمسلسل المستمرّ وكتابته في الوقت نفسه. إلا أن يوسف نفى أن يكون قد التقى الأشخاص المقربين من درويش في سياق بحثه، ولفت إلى أنه اعتمد على عدد كبير من المواد المكتوبة. ولدى سؤالنا له عن الكيفية التي سيقارب فيها مناطق حساسة في سيرة الشاعر، كالعلاقة المميزة التي جمعته بالزعيم ياسر عرفات، وعضوية درويش في الحزب الشيوعي الإسرائيلي خلال الستينيات، أو حتى علاقة درويش بالنساء، وهو الذي تزوّج مرتين... أجاب يوسف: «بطريقة الظلال، كما في الفن التشكيلي»! وصاحب مسلسلات كـ«إخوة التراب» و«سقف العالم» قد لا يكون الأقدر على تناول شخصية كدرويش. ربما إلا إذا شاركت معه ورشة من الكتّاب والباحثين، وهذا هو المطلوب لإنقاذ العمل وفق منظور جدّي. وإلا ستكون النتيجة مثل مسلسل «نزار قباني» لقمر الزمان علوش وباسل الخطيب. إلا أن الفرق أن ردود الفعل ستكون أكثر غضباً، نظراً لما يمثله درويش من رمزية.
فراس إبراهيم الذي ألمَحَ إلى إمكان تجسيده دور محمود درويش في المسلسل، لا نعلم إذا كان سيترك الباب مفتوحاً لترشيحات أخرى. ذلك أن الأفضلية التي يعطيها إياه وضعه كمنتج، لا تكفي للمغامرة بسمعته الفنية. والأهم القدرة على تقديم الشاعر الكبير بالشكل اللائق، فالممثل السوري الشاب الذي قدّم واحداً من أفضل أدوراه في «أسمهان» (وكان أحد منتجيه)، لا يملك من التاريخ الفني ما يؤهله لمقاربة شخصية بغنى درويش وتعقيدها. وبما أن المسألة ليست مسألة شبهٍ فيزيائي فحسب، بل مزاج وقدرة تمثيلية وثقافية على الاقتراب من عالم بأسره... فإن الدور قد يبدو مناسباً لفنانين آخرين مثل بسام كوسا، وتيم حسن لدرويش الشاب، أو الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري، والممثل الأردني الشاب إياد نصار. والأخيران قريبان وجدانياً من الموضوع، ولديهما ميزة اللهجة.
وتبقى مسألة النص، وهي الأكثر خطورة: فنص مفلتر أو مبسط، كما تشي تصريحات الكاتب، ونص لم يأخذ الوقت الكافي من الإعداد... كيف سيكون شكله؟ هل يمكن إعداد سيرة لدرويش من دون مقابلة سميح القاسم وعبد الرحمن الأبنودي والياس خوري وسليم بركات وصبحي حديدي وكاظم جهاد ومحمد شاهين، وصديقه وجاره لسنوات طويلة في عمان غانم زريقات. إضافة إلى زوجتيه رنا قباني وحياة الهيني، وعائلته، وخصوصاً شقيقه أحمد.
الدخول في هذه المغامرة كيفما اتفق لإنجاز عمل لرمضان المقبل، قبل أن «يسرق» أحد آخر الفكرة، هو تسليع لقيمة الشاعر وإرثه. وكما انتظر مسلسل «أسمهان» سنوات حتى خرج بالشكل الراقي الذي رأيناه ـــ وقد وفّر له فراس إبراهيم كل شروط النجاح ـــ يستطيع مسلسل «في حضرة الغياب» عن محمود درويش أن ينتظر. والشاعر الفلسطيني الذي كان أميل إلى العزلة وحياته الشخصية تكاد تكون مجهولة، لا يمكن بسهولة بناء سيرة تلفزيونية عنه، تحتاج إلى وقائع وأحداث وحوارات... وإلا سيكون البديل عملاً شعاراتياً، يلصق درويش بفلسطين على نحو لن يكون مفيداً حتى للقضية.