-
عرض كامل الموضوع : تزييف التاريخ - ضرورة إعادة كتابة التاريخ
self directive
21/12/2008, 08:32
بقلم : Self Directive
إن التاريخ إذا كان يسعى إلى إدراك الماضي البشري , فإنّ الإدراك هو غير التوهّم أو التخيّل و التصوّر , سواء أكان هذا أو ذاك عن وعي أم عن غير وعي.فالشعوب في مراحلها البدائيّة حين يغلب الوهم على المنطق العقلاني , و الخيال على النقد , و التصوّر على التحقيق, تتناقل أحداث ماضيها مضخّمة مفعمة بالبطولات – بطولات الآلهة و بطولات البشر , فتروي الخرافات و تنشد الملاحم , و لا تلتزم الواقع كما حدث فعلاً .و لقد بقي هذا العنصر الوهميّ ملتصقاً بالمجهود التأريخي يؤثّر فيه , إلى أن انتظم علم التأريخ الحديث في القرن الأخير فدعا إلى التحرّر من هذا العنصر, و إلى مجابهة الماضي و أخباره بأدوات النقد و التحقيق التي تتميّز بها المعرفة العلميّة.و للأسف فلا تزال الكثرة من الناس تتوهّم ماضيها و ماضي غيرها , و لا تدركهما أو تعيهما حقّاً.إن ما كُتب من التاريخ سواء في القديم أو في الحديث , قد أخذ شكل التركيز على الحكّام و الشخصيّات , أكثر منه على الإنسان العاديّ , فبدلاً من تاريخ الشعب وجدنا ما يسمّى بتاريخ البلاط. فالكثير من جوانب تاريخنا كتبها أناس مأجورون من قبل الملوك.
كما لم نعن في كتابة تاريخنا بتاريخ الإقتصاد و الإجتماع و الفكر , و التي هي محاور رئيسيّة في منهاج المدرسة الحديثة في التاريخ. تلك المدرسة التي تهدف إلى الإفادة من التاريخ في إصلاح شؤون المجتمع , و وضع الحلول المناسبة لمشكلاته , بمعنى توظيف التاريخ في خدمة المستقبل , و ليس دراسته من أجل الماضي كماضٍ فقط.و مع حلول منتصف القرن التاسع عشر بدا للباحث أنّه كانت هنالك محاولات جديّة لتفسير التاريخ بأسلوب علميّ , فقد برزت نظريّات طبيعيّة تؤكّد أنّ الجغرافيا و المناخ و الغذاء هي الأساس الذي يشرح التطوّر الإجتماعي , و إنّه لمن الجدير بالذكر التنويه بأنّ (باكل) و هو رائد هذا الميدان لم يفته اعتبار العقل البشري كعامل من عوامل التقدّم الإجتماعي. و قد برزت في ذلك الحين بعض النظريّات الإقتصاديّة , كتلك التي قال بها كارل ماركس , و التي تحاول أن تردّ التطوّر الإجتماعي إلى أنّه تفسير لعوامل اقتصاديّة كالإنتاج و التوزيع و صراع الطبقات الذي يخلقه الإنتاج و التوزيع. و مع أنّ أساس نظريّة ماركس و إنجلز كان ماديّاً , إلاّ انّهما أدركا حقّاً أهمّيّة العوامل الآنيّة كالعقل و النظم , و اعترفا بأنهّا تلعب دوراً أساسيّاً في التاريخ . و ها هو المنحى الأنثروبولوجي يغدو مهمّاً أكثر فأكثر في مجهوداتنا لفهم المجتمع البشري.
يبدأ التاريخ حين يبدأ الناس في التفكير بانقضاء الزمن ليس بمعايير السياقات الطبيعيّة - دورة الفصول , أمد الحياة البشريّة - و إنّما بوصفه سلسلة من الأحداث المحدّدة التي ينخرط فيها الناس و يؤثّرون فيها , بصورة واعية. إنّ التاريخ بكلمات (بوركهاردت) هو انقطاع مع الطبيعة يحدثه استيقاظ الوعي" فالتاريخ هو النضال المديد للإنسان - عبر استخدامه عقله - لكي يفهم بيئته و يفعل يها. و لكن الفترة الحديثة قد وسّعت هذا المفهوم , فالإنسان الآن يفهم و يفعل ليس في بيئته فحسب , و إنّما في نفسه كذلك. و قد أضاف هذا بعداً جديداً إلى التاريخ.
ضرورة إعادة كتابة التاريخ
إنّ التاريخ المدوّن هو بمثابة سجن للإنسان , فهو يعيقه عن النظر إلى الواقع بتجرّد و موضوعيّة , لأنّه يخلط بين أفق الإنسان الفرد و أفق محيطه , يخلط بين الذّات و الموضوع , بين الأنا و غير الأنا , بين العالم و المعلوم , بين النسبيّ و المطلق. و ممّا يساعد على ذلك و يعزّزه - كما هو نتيجة له - هي سطحيّة التفكير , الناشئة عن تكوّن المفاهيم في العقل بطريقة انطباعيّة تقوم على التأثّر لا على الدراسة و التحليل و النقد . و نقطة الضعف هذه أصبحت ظاهرة عمّت الجموع البشريّة التي لازالت تقبع تحت وطأة القهر , سجينة ظلمات التاريخ , سجن الإنسان الأكبر , و الذي ما فتئنا نجترّ صفحاته الخاوية من أيّ معنىً من معاني الإنسانيّة الإيجابيّة , التي تدفع الجموع لتحقيق العدل و إحقاق الحقّ و نشر الجمال سلوكاً و المنطق مرجعاً و العلميّة منهجاً. إذ أن أغلب الأحداث المدوّنة كانت تُعدُّ في المطابخ السياسيّة بعيدةً عن أعين الجمهور , حيث كان يجري لها من الرتوش و الإخراج ما يخفي دوافعها الحقيقيّة , لتضليل الحشود و لإضفاء الشرعيّة على أفعال سلطات البطش و الجشع.
إنّ ما كتب من التاريخ تنقصه الموضوعيّة , فنجد غياب العقلانيّة و تسليط أساليب النقد على هذا التاريخ , فجزء كبير من التاريخ تغلب عليه النظرة الرومانسيّة العاطفيّة , أكثر من النظرة المتّزنة العقلانيّة , و اتي هي في حقيقتها تعويض عن مجابهة الحقيقة و هروب منها , تماماً كما يفعل المصاب بأحلام اليقظة.إن الأفراد و الأمم عندما تكون سطوة الماضي قويّة نافذة , و صورته مستولية على النفس متحكّمة بالعقل , يتوقّف النشاط لديهم و تخفّ حيويّتهم , اكتفاءً بما حقّق و قناعةً به و استكانةً إليه , فينحصر الجهد و النشاط في محاولة إعادة مجرى التاريخ و رسم الحاضر على صورة الماضي.هذا الجمود يتطلّب أوّلاً ممارسة النقد الذاتي , ليزيل نير السطوة المتحكّمة , بتمييزه بين الصالح و الفاسد , و الزائل و الباقي , والنافع و الضار , فيغدو بذلك مبدأ النقد الذاتيّ عامل نهوضٍ أساسيّ.يقول في هذا الصدد د . قسطنطين زريق : إن للثقافة التأريخيّة المحترمة للماضي , فعل تركيز و توطيد و تأصيل . أمّا عندما نعمد إلى نقد الماضي , فإنّها تغدو أداة إطلاقٍ و تحرير, تحرّرنا من سطوة الجهل و من غرور الوهم و التواكل , و تهيب بنا إلى تحرّي الحقيقة مهما يكن طلبها شاقّاً و تكاليفها عسيرة . إنّها تنمّي في نفوسنا القدرة على مجابهة نتائج هذا التحدّي و استساغتها مهما يكن منظرها مؤذياً و طعمها مرّاً . إنّها تطرد الخوف من قلوبنا و تبعث فينا الجرأة و تكسبنا المتانة العقليّة و الخلقيّة و النفسيّة التي تصمد أمام الواقع و تعلو عليه . إنّها تصفّي أصالتنا ممّا علق بها من أدران , و تعيد الحياة و النشاط إلى جذورها , فتجعلها أصالة ً إيجابيّةً مثمرة , لا أصالة ادّعاءٍ وتيهٍ و ارتداد.
إنّ التركيز و التحرير عملان متناقضان ينفي أحدهما الآخر و يزيل أثره . و إنّ ما ينتجه الأوّل من تثبيتٍ و توطيد , ينقصه ما في الثاني من انطلاقٍ و انعتاق.إنّهما على العكس , عملان متكاملان يقوّي أحدهما الآخر و ينمّيه , و لئن كان بينهما تناقضٌ و اصطراعٌ داخلي , فإنّ هذا الإصطراع ذاته - هذا التجاذب و التنافر - هو عامل من عوامل النمو و الإغتناء و الخصب و الإبداع.فكلٌّ من الإتجاهين يتغلّب بإيجابيّته على سلبيّة الآخر , فتعزّز إيجابيّة كلّ منهما و إيجابيّتهما المشتركة.و بهذا تبلغ الثقافة التأريخيّة الداعية إلى معرفة النفس و نقدها, المركّزة المحرّرة , المؤصّلة المتسامية - تبلغ هذه الثقافة غايتها , و تحدث آثارها المنشودة في الفكر و العمل , في فهم الحياة و في صنعها.
إنّ ما يدفعنا لإعادة كتابة تاريخنا , أنّ التاريخ مقوّم من مقوّمات النهضة , و عمودٌ أساسيٌّ في الهيكل البنائي لشخصيّة الأمّة. فالتاريخ بحسب رأي المؤرّخ الفرنسي (ميشيليه) هو "رؤية من الداخل و عمليّة بثّ كاملة". فالتاريخ هو عاملٌ أساسيّ في تعميق الهويّة , فالتاريخ هو الذاكرة القوميّة للشعوب , و ذاكرة الشعوب كما هي ذاكرة الأفراد , إن أصابها خلل , انسحب هذا الخلل على الكيان العام لهذه الأمة , حتّى إذا استعيدت هذه الذاكرة الجماعيّة , سهل علاج هذه الأمّة.
من هذا القول , و ما يتعلّق منه بإعادة بناء الشخصيّة , ما يجعلنا نحدّد ثلاثة أمور :الأمر الأوّل أنّه لا بدّ من معرفة أبعاد تاريخنا جميعها , الجيّد منها , و غير الجيّد. فترات الإستشراق و التقدّم , و فترات الظلام و التخلّف . تماماً كما نقوم بالتعرّف على أبعاد شخصيّة مريض الذاكرة , و الذي لا بدّ له من تحليلٍ كاملٍ لماضيه , حتّى يعي هذا الماضي وعياً دقيقاً , فتعود إليه ذاكرته و يستردّ عافيته.و الأمر الثاني هو أنّ التاريخ المكتوب بصدق , و الذي يتّصف بصفة الشموليّة , له دور كبير في تطهير الشخصيّة , فمريض الذاكرة يتطهّر من عيوبه و آفاته , إذا أخرجنا ما في لاوعيه إلى ساحة الوعي , و مافي لاشعوره إلى ساحة الشعور , فلا تعود الأمور غير المرتّبة في عقله الباطن تؤثّر تأثيراً سلبيّاً على عقله الواعي و ممارساته الظاهرة.الأمر الثالث أنّه بالدراسة التحليليّة لتاريخنا , نحرّر شعبنا من الكوابح التي تشدّه إى الوراء و تعيقه عن الإنطلاق , فنحقّق له بذلك تفجيراً لطاقاته المبدعة , و نسير به نحو الثورة الحقيقيّة على الذات , هذه الثورة التي تحقّق المعجزات , و تدخل من جرّائها الشعوب التاريخ من أوسع أبوابه.و في ذلك نستطيع من خلال وعي ذاتنا , و معرفة آفاق شخصيّتنا , و الوقوف على معاني الإبداع و القوّة فيها , بعد أن نكون قد تعرّفنا على عوامل الضعف و التخلّف من أجل أن نتجنّبها و نبتعد عنها , نقوم بنهضة حقيقيّة تفعّل وجودنا لصالحنا و صالح عموم الإنسانيّة.
ممّا تقدّم نلخص إلى :إن غاية التاريخ هي إدراك الماضي كما كان , لا كما نتوهّم انّه كان , لهذا لا بدّ من مستوىً عالٍ من المنهجيّة التاريخيّة . فلا تاريخ بدون بحثٍ عميق و استقصاءٍ عريض , كما أنّه لا تاريخ بدون نقد . و هذه المنهجيّة تقتضي مزيداً من العلميّة , بمعنى تسليط منطق العلم على التاريخ, فلا بدّ إذاً من الموضوعيّة , نرى أنّ بعض علماء الحديث قد شرعوا في الإهتمام بالموضوعيّة , و تحرّي الحقيقة فيما يذهبون إليه , كما حرصوا على التأكيد من الأخبار و الروايات , فسلّطوا عليها سيف النقد , و أوجدوا ما عُرِفَ بعلم الجرح و التعديل.من المتطلّبات الأساسيّة في التأريخ , ميّزة التجرّد . حيث أنّها مزيّة مطلوبة في كلّ علم , مفروضة على كلّ باحث, و التجرّد يلزمه الحرّيّة لكتابة التاريخ , هذه الحرّيّة التي تحرّر افنسان من سجن التاريخ , إذ لا بدّ منها حتّى نكتب تاريخنا بموضوعيّة و صدق, و من أجل أن تتلاقح الآراء للوصول من خلال الحوار إلى الحقائق , و إلاّ فسيبقى التاريخ مكبّلاً آسراً لنا و لطاقاتنا , و أسيراً لمغالطاتنا و أوهامنا.الدقّة في النقل , و الدقّة في التفكير و التعبير , شرط أساسيّ صريح من شروط أيّ بحثٍ علميّ , و هي في صميم تقليد العلم المتراكم , و من أهمّ عوامل تقدّمه و رقيّه. و الدقّة تتطلّب تفسير الأحداث التاريخيّة و تحليلها تحليلاً دقيقاً , فلا ينبغي الإكتفاء بذكر الأحداث بدقّة , بل لا بد من تفسيرها. يجدر بي هنا أن أشير إلى مسألة هامّة بالنسبة للدقّة في التفسير لدى المنهجيّة العلميّة للدراسة التاريخيّة , ألا و هي تحليل التغيّر عبر الزمن.على ضوء هذه الإعتبارات يمكن الإحاطة بكيفيّة إعادة كتابة التاريخ , للبدء في عمليّة صقل شخصيّتنا القوميّة بأصالة و وضوح.
self directive
21/12/2008, 08:49
تحريف التاريخ
حقائق التاريخ – المشتملة على جميع نواحي وجود الإنسان – لا تصل إلينا مطلقاً بصورة بحتة , لأنّها لا توجد و لا يمكن أن توجد بصورة بحتة , فالماضي لم يعد موجوداً , و لكن يمكن تتبّعه بفضل الطرق الفنّيّة التي تعطينا أدلّة تمدّنا بها العلوم الطبيعيّة و التقنيّة , عن طريق البحث العلمي في الآثار الماديّة الباقية , و أيضاً نقرأه في المؤلّفات و الوثائق التاريخيّة , و لكن علينا أن نعي أن الحقائق التي وصلت إلينا بشكلٍ مكتوب تنعكس من خلال ذهن من قام بتدوينها , فيترتّب على ذلك أنّنا إذا ما تناولنا في البحث عملاً تاريخيّاً يجب أن لا يكون اهتمامنا الأوّل منصبّاً على الحقائق التي يتضمّنها , و إنّما على المؤرّخ أو المؤلّف الذي كتبها . فغالباً ما يستعين المؤرّخ بخياله في إتمام الوقائع و تأويلها , فهو يصل إلى نتائج كان يرمي إليها منذ البداية متأثّراً بأهواءه , يهديه إيمانه أكثر ممّا يهديه حبّ استطلاعه , فخياله في تأويل الوقائع ليس محايداً.
يرى الباحث المنقّب من خلال ما رواه المؤرّخون المثبتون , و ما ذكرته مؤلّفاتهم , أنّه ليس إلاّ أحاديث خرافة أو أقاصيصٌ مُفتراة , كانوا قد قصدوا منها إلى تمجيد فريقٍ من الناس تمجيداً فيه أطنابٌ و أسراف , و إلى تحقير فريقٍ آخر تحقيراً لا إنصاف فيه . ثمّ تدال الناس هذه المفتريات أجيالاً تلو أجيال , فقرّت في أذهانهم كأنّها حقائق , حتّى قام بعضٌ من علماء و باحثي هذا العصر بالتنقيب عن آثار الماضي و فحص أسانيده , و استعانوا بالعلوم المساعدة كعلم الآثار و الأبيغرافيا و الكرونولوجيا و غيرها , مرتكزين بذلك على أدوات العقل في التفكير المنطقيّ من تحليل و تفكيك و تركيب , إلى مقارنة و قياس و تمحيص , فأماطوا اللثام عن كثيرٍ من تلك الأكاذيب الذائعة , فبيّنوا لنا أن المؤرّخين القدماء قد عظّموا أناساً لا يستأهلون التعظيم , و ظلموا آخرين لم يقترفوا ما نُسِبَ إليهم زوراً.إنّ عدم المصداقيّة التي دوّن بها أولئك المؤرّخين , إنّما تعود على فشلهم في تحرير أنفسهم من العوامل المؤقّتة الدخيلة على الإنسان , و على رأسها الوطن و الدِّين. كما ترجع أيضاً على من قام منهم بتلبية أهواء الملوك و القادة المُغرضة.إنّ المؤرِّخ كغيره من النّاس , يتأثّر بالدّين الذي وَجَدَ نفسه مُلزَماً باعتناقه , كما يتأثّر بمعطيات الوطن الذي ورثه , و أخلاقيّات و سلوكيّات الجماعة التي ينتمي إليها .و لا يجدر بنا أن نصبّ عمليّة البحث التاريخيّ على العنصر الوثائقيّ فقط , إذ من الأحرى بنا أن نولي بالدراسة شخص المؤرّخ أو المؤلّف ذاته , و أهواءه المستمَدّة من بيئته , مراعين بذلك الطبيعة الظرفيّة الزمكانيّة آنذاك . و بما أنّه لم يحدث تغييرٌ جليلٌ في طبيعة الأمزجة الإجتماعيّة في الفترات التي عاشها من عاصر و نقل ما وصل إلينا من وثائق و أخبار , حتّى يومنا هذا , فإنّه من السهل القيام بالمقارنات و تحليل الماضي الُمنصرم على ضوء الحاضر المُعاش .
إنّ ما يدفع المؤرّخين عادةً إلى التحريف و الكذب (مؤلّفي الوثائق – مدوّني الوقائع) هو :
1- أن يحاول المؤلِّف أن يجتلب لنفسه منفعةً عمليّة , و يريد أن يخدع القارئ للوثيقة لدفعه إلى القيام بعمل أو صرفه عنه . و لتحديد الأقوال المتّهمة ينبغي أن نتساءل عن المصلحة التي اعتقد المؤلِّف نفسه أنّها له , و ذلك عن طريق البخث في ميوله الفرديّة التي اكتسبها من ميول الجماعة التي ينتمي إليها , كالأسرة , الإقليم , الوطن , الطبقة الإجتماعيّة , الدين السائد , الحزب السياسيّ . و لكنّ هذه الإنتماءات قد تتعارض مصالحها أحياناً , فيجب علينا أن نميّز الجماعة التي يتشيّع إليها أكثر من غيرها , و التي كان يعمل لها .
2- أن يكون المؤلَّف في موقفٍ أرغمه على الكذب , و هذا ينطبق على جميع الحالات التي يكون فيها في حاجةٍ إلى كتابة ما يتوافق مع القواعد و العادات الشائعة .
3- أن يكون المؤلِّف يستشعر عطفاً أو كراهيةً لجماعةٍ من الناس (أمّة , أسرة , فرقة , مدينة , إقليم , حزب) أو لمجموعٍ من المذاهب و المؤسّسات (دين , فلسفة , فرقة سياسيّة) , ما دفعه إلى تشويه الوقائع ابتغاءَ أن يُعطي فكرةً حسنةً عن أصدقائه , و سيّئةً عن خصومه في الإنتماء أو التوجُّه .
4- أن يكون المؤلّف قد انساق وراء غرورٍ فرديٍّ أو جماعيّ , فكذب ابتغاء تمجيد شخصه أو الجماعة التي ينتمي إليها , و قال ما اعتقد أن يُحدِث في القارئ تأثيراً ينطوي على ما يؤكّد أنّه هو أو بني جماعته كانوا ذوي مناقب جليلة . و هنا لا يصحّ , عند البحث في هذه النقطة , القيام بعمليّة قياس الغايات إن قمنا بتقمّص دوره , فلعلّه إنّما كذب ابتغاء أن ينسب لنفسه و لقومه أفعالاً تبدو لنا ذميمةً شائنة , بينما كانت هي بالنسبة إليه و لقومه أفعالاً محمودة , و الأمثلة في هذا كثيرةٌ سواء في التاريخ القديم أم الحديث منه .
5- أن يكون المؤلّف أراد تملُّق الجمهور , أو على الأقل أراد أن يتجنّب الصدام معه . فتراه يُعّبِّر عن العواطف و الأفكار المتّفقة مع أخلاق جمهوره و البدع السائدة عنده . حتّى و إن كان هو ذا عواطف و أفكارٍ مخالفة , فإنّه يشوّه الوقائع و يلائم النصّ ابتغاء التكيّف مع أهواء جمهوره .6- أن يكون المؤلّف قد حاول تملُّق الجمهور بميولٍ أدبيّةٍ , فشوّه الوقائع لجعلها أجمل حسب تصوّره للجمال و بحسب الذائقة العامّة المعاصرة لمؤلّفاته .و لدينا في تاريخنا في هذا الشأن مثالٌ بارزٌ صَبَغَ التاريخ من بعده بلون ما شوّه للأسباب التي ذكرناها .
و من الأنواع المعتادة في التشويه الأدبي :
- التشويه الخطابيّ : و هو أن ننسب إلى الأشخاص مواقفاً و أعمالاً و عواطفاً , بكلماتٍ تنمُّ عن النُبل , و هذا ميلٌ معهودٌ لدى مبتدئي فنّ المتابة و التأليف .
- التشويه الملحمتيّ : هو أن يُجمِّل الحكايا بإضافة تفاصيلٍ جذّابةٍ مشوّقةٍ , و خِطَبٍ يدّعي أنّ أناساً ألقوها , و أسماء أشخاصٍ و ختّى أرقاماً , و ذلك أنّ ذِكر تفاصيل دقيقة توهم الصدق .
- التشويه الدرامي : و هو أخطر أنواع التشويه , حيث يحشد المؤلّف الوقائع ابتغاء زيادة قوّتها الحبكويّة , و ذلك بأن يركّز على لحظةٍ واحدةٍ أو شخصٍ واحدٍ أو جماعةٍ واحدةٍ , وقائع مشتّتة .
و هنا ندرج بعضاً من الأمثلة التي نالت قسطاً كبيراً من التزييف , و تناقلتها الأجيال بالتواتر و بالتسليم بما قد كُتِب :
يقول المؤرّخون أنّ الإسكندر المقدوني بكى حين دخلت جيوشه أرض الهند , لأنّه بذلك كان قد أخضع كلّ أرضٍ معمورةٍ في أيّامه , فلم تعد ثمّة أقاليمٍ يغزوها و يسودها . و لكن يوجد من الأدلّة ما يُثبِت أنّ جيوشه كانت قد هُزِمت أمام الجيوش الهنديّة , و أنّه اضطرّ إلى أن يرجع القهقرى مهزوماً .
كما أراد المؤرّخون الإشادة بشجاعة الإغريق و بسالتهم , فيؤكّدون أنّه حين احتشدت جيوش الفُرس الزاحفة تحت أمرة (اكزرسيس) عند ممرّ (ترموبيلي) , تصدّى لها ثلاثمائة إغريقيّ فقط ! فانهالوا على كتائب الفُرس تقتيلاً حتّى كادوا يردّونها على أعقابها . و لكن البحث التاريخيّ يُثبت أنّ جنود الإغريق لم يكونوا ثلاثمائة , بل كانوا اثني عشر ألف جندي على الأقل . و أنّهم لم يصمدوا لقوّات الفرس التي أودت بهم جميعاً .
و بالغوا في الحطّ من تاريخ (نيرون) حتّى صار مضرب المثل في البغيّ و العسف . فاتّهموه بأنّه أمر بقتل أمّه , مع أنّها قُتلت دون أن يدري , اتّهموه بأنّه أمر بإحراق روما ليشاهد النيران تلتهم معالمها و تفتك بأهلها , بينما هو ينشد الأغاني و يعزف على (الكمان) لاهياً . و الحقّ أنّ النار التي أحرقت روما شبّت قضاءاً و قدراً , و أمّا (الكمان) فلم يُخترَع إلاّ بعد عهده بمئات السنين!
و أضفى المؤرّخون على (قسطنطين الأوّل) صفات القداسة , فلم يعد اسمه يُنطق إلاّ مسبوقاً بلقب قدّيس ..... لماذا ؟ ألأنّه قتل زوجته , و ولدين من أولاده , و نفراً جمّاً من أهله ؟
كما قام المؤرّخون بتقديم مفهومٍ سطحيّ للحروب الصليبيّة , حيث اختزلوه إلى بُعدٍ دينيٍّ فقط , و دوّنوها على أنّها الحروب التي وقعت في سورية في نهاية القرن الحادي عشر . بينما هي بمفهومها العلميّ الحروب التي ارتكزت على أسسٍ اقتصاديّة سلطويّة توسّعيّة كما هي دينيّة . تعود إلى القرن الثامن , بدأت معاركها الأولى في سهل (اللوار) و (الرين) , وُجّهت نحو الوثنيّة بادئ الأمر , ثمّ إلى إلى الإسلام و الوثنيّة معاً , ثمّ إلى الإسلام وحده بعد انحلال الوثنيّة , و لم تكن المعارك المتوالية التي وقعت في سورية و مصر بين المسلمين و الفرنج منذ وجود (فروادى بويون) إلى (لويس التاسع) إلاّ طوراً من أطوار ذلك الصراع العامّ . ففي الوقت الذي انهارت فيه صروح العالم الرومانيّ الشامخة لأسبابٍ عدّة , انقضّ الإسلام على أنقاضها في آسيا ة أفريقيا و شادوا منها دولاً جديدة . ثمّ حاول أن ينفذ إلى سويداء النصرانيّة من المشرق و المغرب معاً , فلاقى خيبته الحاسمة في المشرق أمام أسوار القسطنطينيّة , و لاقى ذات الهزيمة في الغرب فوق ضفاف (اللوار) , و ارتدّت الوثنيّة في نفس الوقت على ضفاف (الرين) أمام نفس أولئك الفرنج الذين وقفوا فلإسلام سدّاً .فوق هذه البسائط و في مهاد تلك المعارك الحاسمة , معارك الحياة و الموت , قدّرت النثرانيّة فداحة الخطر الذي يهدّد كيانها من تدفّق الإسلام و الوثنيّة , لتنشأ في المجتمع النصرانيّ فكرة صراعٍ غامضة استحالت إلى فكرة الحروب الصليبيّة.
self directive
21/12/2008, 08:58
تزوير الوثائق التاريخيّة
من الحوادث الهامّة و الشهيرة في تزييف الوثائق , ما أقدم عليه (لوكاس فرين) في فرنسا , حيث قام بتزييف وثائقٍ عدّة و باعها إلى المؤرّخين ذوي الشأن آنذاك في فرنسا و العالم الحديث و على رأسهم العلاّمة (ميشيل شال) على أنّها قديمة و بخطّ كاتبيها و منها : كتاب من الإسكندر المقدونيّ إلى أرساطاطاليس , و أيضاً خطاب من جان دارك إلى الشعب الفرنسي , و باقي الوثائق كانت قد بلغت 27320 خطاباً منسوبة إلى 660 شخصاً من مشاهير التاريخ , و قد تمّ فكّ ملابسات تلك الوثائقو البتّ بقضيّة التزييف هذه فلاقى صانعها مصير السجنلا شكّ أنّ وثائق (لوكاس فرين) تمّ معرفة زيفها بتعيين المعنى الخاص للكلمات في الوثيقة , إذ لم يكن متوفّر في ذاك العهد أدوات قياس عمر المواد كالإستعانة بالمواد المشعّة .
يقوم الكشف اللغوي في الوثيقة على مبادئ بسيطةٍ جدّاً و أهمّها :
(1) إنّ اللغة في تطوّر مستمر من شأنه أن يفسدها. و لكلّ عصر لغته الخاصّة , ينبغي النظر إليها على أنّها نظام خاص من الرموز و العلامات . و على هذا فإنّه لفهم وثيقةٍ ما , يتوجّب معرفة لغة العصر , أعني معنى الألفاظ و الصيغ في العصر الذي كتبت فيه الوثيقة - و معنى اللفظ يتعيّن بجمع المواضع التي استعمل فيها , و سنجد غالباً موضعاً فيه باقي الجملة لا يدع شكّاً في المعنى المقصود.
(2) الإستعمال اللغوي يمكن أن يختلف من إقليم إلى آخر , و لهذا يجب معرفة لغة الإقليم الذي كتبت فيه الوثيقة , أي المعاني الخاصّة المستعملة بها الألفاظ في الأقاليم المختلفة
(3 ) لكلّ! مؤلّف طريقته الخاصّة في الكتابة , و لهذا يجب أن ندرس لغة المؤلّف , و المعنى الخاص الذي استعمل به الكلمات.
(4) التعبير يختلف معناه بحسب الموضوع الذي يوجد فيه , و لهذا ينبغي أن تفسّر كل كلمة و كل جملة لا مفردة , بل بحسب المعنى العام للفقرة (السياق) و قاعدة السياق هذه : ينبغي ألاّ نفصل كلمتين عن سياقهما , و إلاّ فهذه الوسيلة للغلط في معنييهما , و هذه قاعدة أساسيّة في التفسير , و تقتضي بأنّه قبل أن نستعمل جملة من نص أن نقرأ النص كلّه أوّلاً , و يحظر التقاط الإقتباسات و إدراجها في عمل حديث , أي التقاط شذرات من جمل منتزعة من فقرة لا ندري ما المعنى الخاص الذي لها فيها .
و من المؤلَّفات و الوثائق التاريخيّة التي تمّ تزويرها أو تعديلها نذكر :
مذكّرات هتلرالمنشورة في مجلّة شتيرن عام 1983في العشرين من نيسان 1945 كانت برلين تحترق و في ذاك الوقت أمر هتلر بأن تحرق كلّ أوراقه الشخصيّة و الرسميّة و قد أقرّ خبراءالحكومة الألمانيّة فيما بعد بالتزييف الصارخ الذي أرجحوا أنّه تمّ في عام 1964
البعض من مسرحيّات شكسبير كما اكتشف البروفيسور (دوفر ويلسون 9 و البروفيسور (بولارد) قد كانت موجودة فعلاً قبل عام 1953 بأقلام غير شكسبيريّة كمثل مسرحيّة (هنري الخامس) و (روميو و جولييت) و (هاملت), و أنّ ما فعله شكسبير هو أنّه قوّمها و أصلحها , حيث جعلها على الشاكلة الموجودة لدينا الآن.
تدفعنا هذه الأمثلة للتساؤل عمّا بحوزتنا من وثائق تدّعي القِدّم و الأسبقيّة , فحريٌّ بنا ,قبل أن نهزأ بباقي المؤلّفات المزوَّرة , أن ننظر إلى ما في جعبتنا , و نباشر بالفحص و التدقيق و التمحيص .
self directive
21/12/2008, 09:00
تمحيص التاريخ
في الفترة التي أعقبت الحرب العالميّة الأولى و إلى قيام الحرب العالميّة الثانية , أدركت بعض الأمم أنّ كتابة التاريخ يجب أن يكون تحت إشراف عصبة الأمم و معهد التعاون الفكري , ثمّ بعد الحرب الثانية توبع العمل تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة و منظّمة الأونيسكو , و لكن ظهر أن التواريخ المدوّنة لم تكن تضمن الغاية المنشودة من المصداقيّة , لأنّها لم تكن تكتب بإخلاص بل بتحيّز و اتّجاه معيّن ألا و هو تمجيد أعمال الوطن و تبرير أخطائه , و نقد أعمال و سياسة سائر البلدان و لا سيّما عندما لا تتماشى و مصالحه . و بذلك أصبح التاريخ وسيلة للتضليل لا للتعريف بالحقائق و تكوين مجتمع صالح. و مثال ذلك أنّ كلّ شخصٍ يقرأ في تاريخ بلاده أنّها كانت عُرضةً للمظالم و المطامع , و ضحيّةً بريئة للغاصبين , و قلّما يجد ذِكراً للأخطاء التي ارتكبتها , و الحروب التي يجب أن تتحمّل مسؤوليّتها , و الفظائع التي لم تبالِ بارتكابها , و لئن جاء ذِكر شيءٍ من هذا فإنّما يكون في مقام المُدافِع لا المُعتدي.
و هكذا تتكوّن لدى القارئ الذي تعوزه عناصر المقارنة و روح النقد , هذه الأفكار المضلِّلة و تنطبع في ذهنه, فيعتقد أنّ مواطنيه كانوا عِبر التاريخ و العصور عنوان الفضيلة, و أنّ الأمم الأخرى أممٌ معتدية ظالمة , و بذلك يُصبح هذا الإنسان شذِراً إلى غيره ’ متأثّراً بهذه الأفكار.
و بهذا الصدد قال البروفيسور (بيتر هيل) : إنّ التاريخ الذي يُدرَّس في اتّجاهٍ معيّن يصنع المتطرّفين و المتعصّبين , و التاريخ الذي يُدرَّس على وجهيه يشحذ روح النقد و يجعل المرء أكثر إنسانيّةً و إنصافاً.من هنا تتّضح ضرورة مراجعة الكتب المدرسيّة و كتابتها من جديد بتلك الروح , لأنّ أكثر ما يعانيه العالم اليوم من خلافاتٍ و بغضٍ للآخر المختلف , إنّما يرجع في أصله إلى الفكرة الأولى التي انطبعت في أذهان التلاميذ عن الشعوب الأخرى.
إنّ اكتشاف الباحث المؤرِّخ لما هو (تحت التاريخ) يساعد بالتدريج على إيجاد عالم يقدّر كلّ أصالةٍ في الفكر , و لا يقتصر على الأنواع التي كانت تقدّرها الطبقات الأرستقراطيّة فيما مضى . و في هذا العصر الذي كثُر فيه الخوف من التغيّرات متزايدة السرعة , كثيراً ما يؤدّي هذا الخوف إلى حالة من الجمود نحسبه خطأً علامة الإستقرار , لذا فإنّ تعمّق الباحث في العقل غير الواعي للأجيال الماضية , و كيف كانت عقائدهم و نزعاتهم في تعارضٍ مع اعترافاتهم , يمكن أن يفرغ علينا تواضعاً شافياً حين ننظر إلى ذاتنا . تكوّن عمليّة الإستنباط هذه , مع الإستعانة بباقي أدوات الفكر , ما يُدعى بفلسفة التاريخ .
إنّ مجرى التاريخ متّصل غير منفصل , برغم ما يبدو لمن يقلّب صفحاته متنقّلاً بين عصوره و حوادثه , إذ يجد حروباً غيّرت وجه الأرض فأقامت ممالكَ على أنقاض ممالكٍ أخرى , و يجد ثوراتٍ هدّت معالم الإجتماع , فجعلت العالي سافلاً و السافل عالياً , و يجد طائفةً من العباقرة في السياسة و العلم و الأدب برزوا على معاصريهم , و صبغوا الحضارة بصبغٍ جديدة هي صبغتهم الخاصّة.
من المعروف أنّ غريزة التملّك كانت كبيرة الأثر في جمع الثروة المادّيّة التي اقتضاها سير الحضارة و انتقالها من أدوارها الأولى. و لا تزال ثمّة شعوب و جماعاتٍ لا تسدّ رمقها و لا تصيب مساك عيشها , إلاّ من الصيد و جمع الثمار البرّيّة , كقبائل (البونان) في (بورنيو) و هم سكّان الغابات , و من الملاحظ أنّهم امتازوابالرقّة و لطف المعشر , فلا تجد حروباً نشبت مع غيرهم و لا نزاعاتٍ بينهم . ذلك أنّ غريزة التملّك لم تلعب دوراً كبيراً في مسالك حياتهم . فعندما بدأ الإنسان بانتقالٍ مرحليّ في ممارسة الزراعة , أخذت هذه الغريزة تُحدِث أكبر الأثر في الجماعة , و ذلك لكون الحبوب و الغلال تصلح للإختزان كضربٍ من الثورة , و أكثر الحضارات التي نمت و تطوّرت كثيراً ما قامت على أساس جمع الحبوب و اختزان الغلال . فكانت الحبوب من أهمّ رؤوس الأموال و أكبر السلع التجاريّة شأناً , و لا يخفى ما كان لتجارة من أثرٍ بالغٍ في التطوّر الإجتماعيّ . و كان من أثر تلك الغريزة قيام الجماعات البشريّة بتحرّكاتٍ رسمت مناحٍ عدّة في وجه المعمورة , و لعلّ أكثر صفحات التاريخ البشريّ مستغرقة في وصف قصّة انتشار الإنسان و هجرته و غزوه و فتوحاته و استعماره .الإنتشار , وعلى خلاف الهجرة, هو انتقال الجماعات إلى أصقاعٍ غير مأهولة للإستيطان فيها . أمّا الغزو فكان دخول أقوامٍ عنوةً أرض أقوامٍ أخرى أوفر منهم ثروةً و أكثر ثقافةً ز و كان الفتح إغارة قُبيلٍ من النّاس استقرّ!وا و أثّروا كالرومان على بلاد قومٍ آخرين دونهم في الثقافة و الرخاء كالغال لسيادتهم و حُكمهم و الظفر بسلطان المجد و ابتزاز مواردهم أيضاً . و يقتضي الغزو ذهاب شطرٍ من القوم الغازين أو انتقالهم جميعاً إلى الأرض الجديدة للإستقرار فيها , أمّا الفتح فإنّ الفاتحين لا يغيّرون مقامهم إلاّ على القدر الكافي للإشراف على البلد المفتوح و استغلال موارده.
إنّ كثرة التزاوج بين الغزاة و المغزوّين أحدثت آثارها البيولوجيّة و معقّباتها الإجتماعيّة , حتّى لم تترك جنساً من الأجناس على أصله , و لم تدع أرضاً يمكن أن يدّعي أهلها أنّهم مواطنوها الأوّلون , باستثناء بعض المناطق التي لم تكن عرضةً للمطامع , او التي يتعذّر الوصول إليها.
و جاء عهد الإستعمار بانتقال أقوامٍ من أوطانهم إلى أقاليمٍ أُخضِعت لها من الوجهة السياسيّة , وكانت بداية هذه الحركات في القرن السابع عشر , و ظلّت قائمة إلى القرن الماضي , و قد جعلت أهدافها أمريكا و أفريقيا و أستراليا , و ليس من شكّ في أنّ الدول الكبيرة إنّما تلتمس الظفر بمستعمراتٍ لأسبابٍ اقتصاديّةٍ أوّلاً , و للسيطرة و المجد ثانياً , فإنّ المستعمرات كانت كفيلة لها بالمواد الأوّليّة , و هي أيضاً أسواق نافقة لتصريف منتجاتها , و منفذٌ لتخفيف عن زحمة السكّان في بلادها . يقودنا بحثنا في العقل غير الواعي للعصور الماضية إلى تفاصيل وافية و نتائج ثابتة , حتّى نحصل على أدلّة بالمعنى المألوف في الوثائق التاريخيّة , و الواقع أنّ طريقة البحث هذه تمثّل وجهة جديدة تماماً , و انقلاباً في التفكير المعهود . إنّنا بذلك نضع الماضي على سرير التحليل النفسيّ .
و معرفة الحاضر تزيد من فهمنا للماضي , و التعرّف على المفهومات التي استحدثها علماء الإجتماعيّات لتحليل العمليّات الإجتماعيّة المعاصرة , بسهّل التحرّي عن العمليّات المشابهة التي تواجهنا في المدوّنات التاريخيّة . و يحدث العكس أيضاً لأنّ معرفة تاريخ الماضي تنير فهمنا للحاضر , و تقوم في الوقت ذاته بشحذ أدوات التحليل و توسيع نطاق الشواهد التي تستخدمها العلوم الإجتماعيّة غير التاريخيّة .
إنّ المؤرّخين , على غرار النّاس العاديّين , يقعون أحياناً في استخدام لغة البلاغة , و يتحدّثون عن حدثٍ ما بوصفه (حتميّاً) , في حين أن كلّ ما يقصدونه هو أنّ تضافر العنصر الذي يدفع المرء إلى توقّع ذلك الحدث كان قويّاً للغاية .
يرى ابن خلدون أنّ الحضارات تتعاقب عليها أطوار ثلاثة : هي طور البداوة , و طور التحضّر , و طور التدهور . ففي طور البداوة تجمع النّاس رابطة العصبيّة على ما هو ضروريّ , ثمّ تطلب الغلبة على القبائل الأخرى حتّى تستتبعها و تلتحم بها . و لا تظفر الجماعة باللإنتصار و السيادة إلاّ إذا اعتمدت على مبدأ دينيّ أو سياسيّ , حيث تتشكّل الدولة , بعد أنّ تمّ لها فتح الأمصار و أصبحت تنعم ببحبوحةٍ و عيشٍ كريم . على أنّ تقدّم الحضارات يتوقّف على ثلاثة أشياء , هي مزايا الأرض و مزايا الحكومة , و مزايا السكّان . بعد ذلك يأتي طور التدهور حيث يرى ابن خلدون أنّ عوامل تحضُّر الدولة هي ذاتها عوامل تدهورها . و أوّل هذه العوامل هي العصبيّة , و محاولة الملك التفرُّد بالحكم و التخلّي عن أبناء قبيلته , و بالتالي الإستعانة بالموالي . و العامل الحاسم في تدهور الدولة هو الترف الذي يفسّره ابن خلدون بأسبابٍ اقتصاديّة و أخلاقيّة و نفسيّة .
إنّ التقدّم في التاريخ – و على عكس التطوّر في الطبيعة – يستند إلى تناول الموارد المكتسَبة . و تشمل هذه الموارد الممتلكات المادّيّة و كذلك القدرة على التحكّم بالبيئة و تحويلها و استخدامها . و بالفعل فإنّ هذين العنصرين مترابطان بشدّة و يؤثّر الواحد منهما في الآخر . إنّ كارل ماركس ينظر إلى العمل الإنسانيّ بوصفه أساس الصرح الإجتماعيّ بأسره , و تبدو هذه الصيغة مقبولة إذا ما أُعطيت كلمة (العِلم) معنىً واسعاً بما فيه الكفاية .إذ أنّ مجرّد مراكمة الموارد لن تجدي إلاّ إذا ترافقت ليس مع تزايد المعرفة و الخبرة الفنّيّة و الإجتماعيّة فحسب , بل و مع تزايد الحكّم ببيئة الإنسان بالمعنى الأوسع .
ولا يجوز أن يبدأ التاريخ من مرحلة معينة دون أخرى أو أبراز فكرة محددة على حساب أخرى . إنّ الأفكار و الوقائع تجري في نسق معيّن , فكلّ واقعة مرتبطة بأخرى , و أخريات .و تتضمّن الوقائع علاقات , و الملاحظة توجّه إلى كلّ من الوقائع , و علاقتها بالوقائع الأخرى في آنٍ واحد.و على هذا فلا ينبغي أن يتعدّى كون المؤرّخ أكثر من جامع للأخبار , و إنّما يكون كمحقّق و باحث و مجرّب أيضاُ .
إن التوق إلى تعليل التاريخ عميق الجذور إلى حدّ أنّنا مُعرَّضون , إذا لم نمتلك وجهة نظر بناءه في الماضي , للإنزلاق إلى أحد أمرين : الغيبيّة أو الشكّيّة .
self directive
21/12/2008, 09:03
أهواء المؤرّخين
ينطلق المؤرخين من مقدّمات واحدة و لكنّهم يصلون إلى غاياتٍ مختلة , و كلٌّ منهم يفترض أن الغاية التي بلغها هي الصحيحة المنشودة. فالإقتناع يمكن نعتبره نتيجة يعتقد صاحبها أنّها صحيحة عن إحساسٍ شخصيّ , إمّا لأسباب عاطفيّة أو ذهنيّة , قد يضمرها أو يعلنها , ممّا يجعل كلّ اختصام حالة قائمة بذاتها , تتوقّف على طبيعة الموقف و التفسير أو التأويل أو السياسة التي تكمن وراء القضيّة. و هذا على خلاف ما في المسائل الرياضيّة , فلا يمكن أن يكون هناك اختصام في النتيجة لأنّ المقدّمات محدّّّّدة , و قواعد الإستدلال ثابتة , فيكون الجواب محتوماً. و لهذا لا يقوم خلاف بشأن المسائل الرياضيّة. فالفرق بين الأمرين هو مسألة تحديد عناصر القضيّة المختلف عليها , فهي لا توضع في الغالب وضعاً محدّداً دقيقاً , كمثل أن يقوم فريقين بقياس ارتفاع قمّة جبل بأجهزة المساحة , فقد يحدث بينهما اتّفاقٌ كامل , أو يقع بينهما اختلافٌ هيّن . أمّا إذا كان الإختلاف كبيراً في النتيجتين , فيكون أحد الفريقين قد أخطأ في الملاحظة أو الحساب , و متى صُحّح الخطأ عاد الإتّفاق بينهما. ذلك أن مسألة القياس هذه خارجة عن نطاق الإختصام , لأنّها تقاس بوسائل متّفق عليها , فنحن هنا لسنا بصدد نظريّة أو تأويل , بل بصدد واقع لا خلاف عليه. و لو أنّ جميع ما يتعلّق بالإهتمام البشريّ كان من هذا القبيل , لاختفت الخصومات و أصبحت أنواع الإقتناع واحدة , لحصول الإقتناع دائماً على أشياء واحدة.
إنّ اختلاف المقاصد و العقبات التي تحول دون توافقها و تجانسها من أهمّ موانع الإتّفاق على نتائج واحدة . و الحقيقة أنّ الإختلاف في تأويل عناصر القضيّة الفكريّة أخطر بكثير من الإختلاف على العناصر نفسها . فقد يتّفق الناس على العناصر من حيث هي , و لكن تأويلهم لكلّ منها هو سبب الإختلاف الذي لا يرجى معه اتّفاق. فالتأويل هو الذي يدخل العنصر الذاتيّ في القضيّة . لأنّ لكلٍّ من المتخاصمين هدفه الخاص من القضيّة و مقصده الشخصيّ . فليس الهدف بين المتخاصمين على الدوام واضحاً مثل قياس ارتفاع جبل . و ليست أدوات الحكم دائماً ممّا يركن إليه كأجهزة المساحة.
إنّ التحليل و التركيب يتمّ بهما تجزئة المواقف أو المفهومات , ثمّ إعادة إنشائها في صيغة جديدة , و هذا ما يتمثّل في الإتجاه العلمي في التاريخ , حيث يقوم المؤرّخ بباستخدام أدوات التفكير و يستعين بالملاحظة و الذاكرة و المخيّلة , و في هذه العمليّات جميعاً لا بدّ من خيوطٍ رابطة , يسمّيها علماء النفس عمليّة التداعي أو الترابط. و لا توجد قواعد ثابتة للتداعي السديد , الذي نقوم بالإستناد على نتائجه بالحكم على المعطيات .
و الحكم هوعبارة عن تمييز تضاف له قيمة معنويّة , مثل الصواب و الخطأ , و الجودة و الخسّة .و لكن كثيراً ما يقوم النّاس بالحكم بأحكامٍ متباينةٍ على ذات الأشياء , و هذا مرجعه الدوافع التي توجّهنا لإطلاق الأحكام انطلاقاً من ذواتنا , و ليس ارتكازاً على ماهيّة الشيء أو الموقف أو الفعل الذي نقوم بالحكم عليه . الأفعال الإنسانيّة علّتها ليس في نفسها بل لها دوافع . و هذه الكلمة الغامضة تدلّ في وقتٍ واحد على الحافز الذي يحفّز على إنجاز فعل و على الإمتثال الواعي الذي لدينا عن الفعل في لحظة إنجازه . و لا نستطيع أن نتخيّل دوافع إلاّ في ذهن إنسان على شكل امتثالات ٍ باطنة غامضة , مماثلة لتلك التي لدينا عن أحوالنا الداخليّة الخاصّة , و لا نستطيع أن نعبّر عنها إلاّ بكلمات , في العادة مجازيّة .
و تلك هي الوقائع النفسيّة التي تٌسمّى باللغة العامّة : العواطف و الأفكار.
و في الوثائق نستشفّ ثلاثة أنواع من الدوافع:
(1) دوافع و تصوّرات المؤلّفين الذين عبّروا عنها
(2) الدوافع و الأفكار التي نسبها المؤلّفون إلى معاصريهم الذين عاينوا أفعالهم
(3) دوافع يمكن أن نفترضها لأفعالٍ واردة في الوثائق و نتمثلها نحن لأنفسنا على غرار أفعالنا.
في القضايا التاريخيّة كثيراً ما نصل إلى نتائج غير دقيقة إمّا عن إهمال أو قصور في كفايتنا الفكريّة .
و عين الحبّ عن الأخطاء عمياء بالمزايا و المحاسن حديدة البصر . أمّا عين السخط و الكراهيّة فعمياء عن المحاسن , حديدةٌ في الكشف عن العيوب و المثالب. و نحن حريّون أن نعزو صفاتٍ و مزايا مستحبّة إلى ذوات الجمال و ربّات الحسن , و هنّ عاطلاتٌ من ذلك . و من العسير علينا أيضاً أن نتبيّن مزايا حقيقيّة موجودة فعلاً في ذوات القبح.
فالعلاقات الإنسانيّة عاطفيّة إلى درجة كبيرة . و لهذا تكون الأحكام الخاصّة بهذه العلاقات ميداناً خصيباً بنشاط الأهواءو لكن مرادنا أن نعامل المشكلات العامّة بأسلوبٍ عقليّ منزّه عن الأهواء , و ما يحدث عادةُ على الرغم من صدق نيّتنا في العدل أنّّنا نمزج المنطق بالهوى أو المعتقدات السابقة التي تٌسمّى بالسبقيّات . و في النهاية نجد سنداً سليماً بعض الشيء لنتائج أحكامنا , يسانده خليطٌ متباينٌ من الميول العاطفيّة التي تجنح بنا إلى القبول بتلك النتائج.
إنّ من أسباب الهوى في التفكير التاريخيّ أننا نفكّر جميعاً , على حسب ما يتراءى لنا , و الأهواء تتشرّب بها عقولنا . كما نتشرّب بالمعتقدات العامّة عن طريق الإيحاء و التقليد لمن نجعلهم قدوة لنا في سلوكنا و اعتقاداتنا ,و بتأثير الآراء و العواطف التي نتعرّض لها . فتفكيرنا متأثّر بصورة معقّدة و خفيّة بمشاعرنا الشخصيّة و الإجتماعيّة . و الآراء و العواطف تنتقل بالعدوى . و الهوى يسري بسهولة و من العسير اقتلاعه ما دامت العواطف غالبة على العقل كما هي الحال غالباُ.
ما أردنا قوله في هذا الفصل أنّ الأهواء - فيما يخصّ كتابة التاريخ - إذا ما تلاشت في فترة من الفترات لا تلبث أن تنشأ في مكانها أهواءٌ جديدة . فنحن أفراداُ و جماعاتٍ , معرّضون للهوى , بتأثير عواطفنا . و هذا الهوى تختلف درجة شدّته و تشويهه لعدالتنا و موضوعيّة نظرتنا إلى الأمور. و قد يصل تأثيره إلى حدّ المرض لدى المصابين بالبرانويا و ما إلى ذلك من الأمراض العقليّة التي يتصوّر امصابون بها أنّ الواقع مشكّل على غرار أوهامهم و تصوّراتهم.
و مع ذلك فالإصابات الخفيفة بهذا الشأن مألوفة لدى المؤرّخين بل حتّى بين رجال العلم حين يتعصّبون لفروضهم و نظريّاتهم مدفوعين برغباتهم و تصوّ!راتهم على حساب الموضوعيّة فيبيتون أقلّ موضوعيّة ممّا يبدون في الظاهر.
إن معظم المؤرّخين حين يقعوا في هذا الخطأ يكونوا مخدوعين . إذ يبدأون نسيج الحقيقة بلحمة من الواقع و سداةٍ منه . و لكن بينما هم يمدّون الخيوط في عمليّة النسيج يتدخّل خيطٌ من رغباتهم أو ذاتيّتهم من حيث لا يدرون. فإذا بالنسيج يأخذ اتجاهاً و لوناً خاصّاً يميل لإعتقادهم الشخصيّ , لا للموضوعيّة الخالصة .فالمؤرّخ الذي يستخدم خياله في تأويل الوقائع و إتمامها , يهديه إيمانه أكثر ممّا يهديه حبّ استطلاعه , و خياله في تأويل الوقائع ليس محايداً , فغرضه ليس تحقيق الفروض تحقيقاً نزيهاً بل غرضه إثباتها جهد الإثبات.
و قد دفع أمر انزلاق المؤرّخين كما غيرهم من الأناس و العقول العاديّة , الدكتور (ديفيد جوردان) إلى تسجيل اتجاهات هذا النوع من التفكير الذي يصدر عن عقولٍ ذات مخيّلة خصبة و منطق محدود , و أطلق على ذلك التفكير اسم (البلاهة العُليا أو الراقية) .
__________________________________________________ ______
المراجع:
نحن و التاريخ - د . قسطنطين زريق
النقد التاريخي - عبد الرحمن بدوي
التفكير السديد - جوزيف جاسترو - تعريب نظمي لوقا
فلسفة التاريخ - جون إيلون بودين - ترجمة عمر ديراوي
الصمت الناطق
22/12/2008, 14:11
هناك قراءات اسطورية للتاريخ
ففي الزمن القديم كانت الغاية من قراءة التاريخ تبرير الظواهر الاجتماعية والطبيعية التي لا يعرف الجيل الحاضر تفسيراً لها ولهذا اتخذت القراءة سمة " اسطورية "
لكي تبرر للناس حياتهم الحاضرة ولكي تبرر خضوعهم للنظام السياسي ومنظومة القيم والعادات والأخلاق السائدة في مجتمعهم .
ثم جاءت القراءة الدينية للماضي محاولة للتفسير وللتلقين الأخلاقي والديني من خلال استخدام الماضي استخداماً عملياً وتعليمياً وهو مايفسر لنا وجود المادة التاريخية في الكتب المقدسة للديانات الإنسانية الكبرى .
ومن ناحية أخرى كانت القراءة الدينية للتاريخ محاولة لصياغة رؤية الجماعة الدينية لذاتها وللآخر .
فالقراءة اليهودية ركزت على فكرة الاختيار والأرض الموعودة .
على حين ركزت القراءة المسيحية على فكرة الخلاص .
أما القراءة الإسلامية فقد ركزت على أخوة بني الإنسان من ناحية وفكرة خلافة الإنسان في الكون لإعماره من ناحية أخرى .
وهناك " قراءات " أخرى للتاريخ تجلّت في " تاريخ التاريخ " منها القراءة العنصرية التي بررت التحركات الاستعمارية ( رسالة الرجل الأبيض ) وبررت دعاوي التفوق العرقي وقد ازدهرت في ظل النازية والفاشية .
ومنها القراءة الاشتراكية التي بررت القبضة الشيوعية على التجمعات التي خضعت لهذا النمط من الحكم .
وفي ظل التطورات الديمقراطية ظهرت قراءات أخرى للتاريخ أبرزها يتمثل في القراءة الشعبية التي تبرز دور لاناس العاديين في صنع التاريخ .
وقد أفرز هذا الواقع حقائق جديدة على مستوى الدراسات التاريخية إذ أن قراءة التاريخ قد اختلفت من عصر لآخر ومن مجتمع إلى مجتمع غيره وليس معنى هذا أن التاريخ بوقائعه وأحداثه يخضع لإعادة صياغة دائمة لأن ذلك يعد نوعاً من " تأليف التاريخ الذي هو في التحليل الأخير (( تزييف للتاريخ )) وإنما يعني أن كل عصر وكل جيل في المجتمع يبحث عن العناصر التاريخية التي تفيد في توضيح الحاضر واستشراق أفاق المستقبل .
self directive
22/12/2008, 15:31
كما ذكرت عزيزي فكلّ جماعة في حقبةٍ ما كانت قد حاكت التاريخ بما يتلاءم و مصالح استمرار بقائها.
و تعقيباً على كلامك يتناسب الزيف في تأليف التاريخ طرداً مع ازدياد المركزيّة في المرجعيّة (السلطة و التشريع) .
لم يتبقّى أمام الإنسان المعاصر (ولحسن الحظ) إلاّ الكشف العلميّ بواسطة التقنيّة الدقيقة بالتجانب مع المحاكمات العقليّة العليا , في إعادة قراءة - كتابة التاريخ ... و لكن هذه المرّة , ستكون قراءةً هي الحقيقة ذاتها بالإعتماد على البراهين المادّيّة القاطعة... لا على تصوّراتٍ مؤدلجةٍ تحاكي الحقيقة... أو تشطح عنها....... فالآن عصر التقدّم العلميّ و تثبيت الحقائق.... و لم يعد الآن مكان للخيالات مدّعية امتلاك الحقائق... و لا للارتباكات اللا أدريّة.. و لا هم يحزنون....... و لكن للأسف أكثرهم سيحزنون , على فراقِ فتراتٍ ماضويّة مُختَلقة تزخر بشخصيّاتٍ أُلبِسَت حُللاً لا تقلّ زيفاً عن مرتديها , شكّلت بالنسبة لهم حضن الأم و قسوة الأب المحمودة و الفردوس المفقود.... أفلا يعلم أولئك أنّ الضرع (رضاعة الموروث الأبوي) مآله الجفاف (الإفلاس المعرفيّ).... و هذا جلّ ما يخشاه أفراد القطيع الطفليّين...... الفطااااااااااام (الفراغ المعرفي عن طريق هجر المعارف الملقّنة)... فلا يقدر على تحمّل مشاقّ مواجهة الحقائق إلاّ الأشخاص اللذين يتمتّعون بقدرٍ كبيرٍ من السواء النفسيّ و النشاط الذهنيّ التفاعليّ .... إذاً هيّاااااا.... سارعوا إلى الفطاااااام يا أهل الفصام..... فلكم متاعٌ خيرٌ و أبقى من أولي العلم القويم... الذي لا جبّارعنده و لا عظيم..... قد تبجّح السلف بحجّة من يحيي العظام و هي رميم... و ها هو العلم من بعد سحر الخلايا الجذعيّة و النعجة "دولّي" في الطريق إلى ذلك بنهجٍ قويم .
بقى خلصونا كبّو هلزبايل الملتعن أسلاف اللي خلقها.. يلّي عم تلعن ديك رفّ اللي حلقكون
و لا تنسو تديرو حالكون على بالكون
self directive
22/12/2008, 15:53
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
self directive
22/12/2008, 16:59
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
لا وقت لدينا للتاريخ فنصف حوادثه تزوير
نزار قباني
دائما التاريخ يحمل حقائق مطموسة يخبأها البعض لغايات في نفوسهم الله أعلم بها
لكن هذه الحقائق لو انكشفت لغيرت الكثير من مجريات حياتنا فما كنا نؤمن به على انه الحقيقة قد يكون كذبة كبيرة والامثلة على ذلك اكثر من ان تعد
فلا بأس من نبش التاريخ خصوصا إذا عرفنا ان التاريخ تكتبه السلطة لكن يجب ان لا يكون همنا نبشه لأخذ حساباتنا من الآخرين بل يجب ان يكون نقطة انطلاقنا للامام على اسس صحيحة
سيف القرصان
01/06/2009, 07:37
شكرااا لك ... وبارك الله فيك
موضوع جميل ومفيد ...
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة