self directive
25/12/2008, 09:52
بقلم : self directive
لا يخفى على عاقل الأزمة التي تعاني منها شعوب منطقة الشرق, بالأخص ما كان الإسلام دينها و العروبة قوميّتها.
هذه الأزمة بجوانبها المتعددة "سياسية , اقتصادية , اجتماعية , فكرية , أخلاقية , دينية" إنّما تعبّر عن أزمةً للذّات… الذات غير القادرة على الإمساك بزمام مصيرها و الوعي بأهمّيتها لتمضي قدماً في تجسيد إمكاناتها خيراً يعمّ أفرادها المعاصرين , و أملاً لأبنائها المقبلين , كما تمثّل عرفاناً لأسلافها المناضلين.
إنّ الذات الضعيفة تبقى ميّالة دائماً إلى التشكيك بنفسها من جهة , و خائفة على نفسها من جهة ثانية.
فهي تتردّد بين نفي نفسها للتماهي مع الحضارة و المشاركة الوهميّة فيها (وهذا هو أصل التحديثيّة العدميّة) و بين رفض حضارة العصر للتماهي مع ماضيها و مع التراث (و هو أصل الأصوليّة النامية)
من هنا نلخص إلى مفهوميّ الذّاتيّة و المعاصرة ,
المفهوم الأوّل "الذّاتيّة" ينبغي أن نعيه بمعنى تطوير الذات بما يبقيها على صلة مستمرّة مع الماضي و التراث , و يجعل لها جذوراً عميقة و قويّة في التاريخ , و يفترض تحويل كل ما يدخل فيها إلى جزء منها لتحفظ وحدتها و توازنها.
و يعني المفهوم الثاني "المعاصرة" استيعاب الحضارة و معطيات العصر بما يتطلبه ذلك من تبادل و أخذ عن الآخر و تلقّف للإبداعات و الإكتشافات البشريّة, الماديّة منها و الفكريّة.
إلى هنا يتبيّن لنا أهمّيّة الوعي بالذات كخطوة أولى لتحقيق النهضة التي تعني استمرار الذات و استملاك الحضارة في الوقت نفسه.
يفترض مفهوم النهضة عدم تعارض مطلب الهويّة الذاتيّة و المعاصرة العالميّة, و لكنّها لا تتحقّق إلاّ باستمرار وجودهما معاً كقطبيّ جذب دائمين.
فالنهضة إذاً هي مشروع تحقيق الذات بما هي هويّة حضاريّة و حضارة ذاتيّة.
هذا يعني أنّ حركتي البحث عن الهويّة و اكتشافها , و الإندفاع وراء الحضارة و تأهليلها , هما حركتان أصيلتان تكمّل واحدتهما الأخرى. و أنّ استمرار تعارضهما نفسه هو مظهر من مظاهر عجز كلّ منهما وحده عن تحقيق المدنيّة و تأكيد الذات.
فمبدأ الحضارة و التعلّق بها يصون الجماعة من خطر التحوّل إلى ركام قديم, لا صلة لها و لمؤسساتها بالتاريخ و بالحركة الإبداعيّة العالميّة.
و مبدأ الهويّة يصون الجماعة من الإنحلال و الإندماج في الآخر , و من ثمّ الإندثار كجماعة مميّزة و مستقلّة.
و في صراعهما و منه تنبع إمكانيّات تحوّل الحضارة إلى مدنيّة , أي يتحقق تأسيسها في الثقافة الذاتيّة , و يتحوّل التراث إلى هويّة ديناميكيّة حيّة و متجدّدة , و بالتالي إلى ذات فاعلة إيجابيّة.
يتّضح هنا ضرورة الدعوة إلى إحياء التراث و الإنغراز أكثر ما يمكن في العمق التاريخي من جهة , و إلى استيعاب الحضارة و الإرتماء أكثر ما يمكن في حركة التاريخ الكونيّة العامّة من جهة ثانية.
نأخذ من الحضارة و لا نُؤخذ بها
و نحيي التراث و لا نحيا به
فالمدنيّة المنشودة هي ثمرة الجهد الخلاّق الذي يوحد بين التراث و الحضارة و يتجاوزهما في الوقت نفسه.
و لكن الحداثة أو تأهيل الحضارة ليست حلّاً جاهزاً , و لا مسألة محسومة , بل هي مشكلة بحد ذاتها. فهي تحتاج إلى بحث و تدقيق و نقد و تفكيك و إعادة تركيب.
وكذلك الهويّة ليست حلّاً معطى قابعاً في التراث , إذا أحييناه حصلنا على هويّة شخصيّة, و إنّما هي الأخرى مشكلة معقّدة تستدعي تجديد التراث و إعادة تركيبه و صياغته في ضوء مشكلات العصر , دون أن يعني ذلك نفيه أو تشويهه, فالتراث ليس أفكاراً و قيماً شكليّة يعاد تأويلها أو تفسيرها أو إلباسها فتصبح شيئاً آخر.
إنّ حلّ مسألة الهويّة غير موجود في التراث ذاته , و إنّما في علاقتنا مع التراث و مع العالم أيضاً. فلا ينبغي أن نوظّف كلّ مسألة الهويّة في التراث أو في الدّين فهذه رؤية انهزاميّة انطوائيّة تعبّر عن حالة نكوصيّة.
الهويّة غير ذلك و أوسع من ذلك. إنها إعادة تنظيم الحياة الشعورية و العقليّة و الأخلاقيّة معاً على ضوء معطيات العصر , و إلاّ تحوّلت إلى استلاب من نوع آخر.
الذاتيّة تستدعي تطوير التراث , لا الإنحباس فيه , فالتراث يجب أن يكون أداة لتحرير الذات و إطلاق إمكاناتها.
و مسألة الحداثة ليست مشروعاً اجتماعيّاً , إنّما هي تحدٍّ. إذ يجب علينا أوّلاً أن نبيّن ماذا نريد من الحداثة , و لماذا و كيف نستطيع أن نحقق ذلك. فلا يمكن أن يكون مشروعنا هو استيعاب كل تراث الغرب منذ عشرة قرون, تراث العلوم و الآداب و الفنون. بل يجب أن يقوم المشروع على اساس تحديد المشاكل و الأهداف و الغايات و الوسائل.
و بقدر ما ننجح في تطوير ثقافتنا و إغنائها و تفجير قيمها الإنسانيّة , نزيد الثقة بها و نعمّق الشعور بالهويّة , و هذا هو السبيل الوحيد للنجاح في تنظيم الدافع إلى مجاراة الحضارة, و منعه من التحوّل إلى مسايرة كلّيّة و انقياد , أي تنكّر للذات.
و يتطلّب هذا التضحية بأمور و قيم شكليّة و جزئيّة لصالح تأكيد القيم الأساسيّة , و تمييز الأساسيّات من الثانويّات. و هذه وجهة كل إصلاح دينيّ أو أخلاقيّ يهدف إلى صيانة الإعتقاد من خطر الإقتلاع مع العاصفة.
حريٌ بناأن نعلم أنّ التوفيق بين القيم و الأفكار القديمة و الحديثة لا يحلّ المشكلة, بل يطمسها , لأنّه يُلغي الشعور بضرورة الإبداع و التجديد.
فالإزدواجيّة في الثقافة (العربيّة كمثال) ليست مرضاً يجب التخلّص منه, بل هي محرّك هذه الثقافة , و مصدر ديناميّتها.
فلو كانت الحلول التي نحتاجها موجودة في التراث أو في الحداثة كما هما , لكانت المشكلة قد حُسمت منذ وقت طويل , و لو كانت الحلول موجودة في إلغاء التراث أو إلغاء الحداثة لما بقينا صرعى التناقض و الصراع فيما بينهما. و لو كانت الحلول موجودة في إمكانيّة التوفيق بينهما لما انتظر هذا التوفيق طويلاً حتّى يتحقق أو يفرض نفسه.
إذاً فالحلول ليست كائنة هنا أو هناك , و إنّما علينا نحن أن نستخلصها بعقلنا.
إذاً, موقفنا هو القبول بهذا التناقض , و من هذا التناقض المُثري, أو الإثراء المتناقض, سوف تنبُع حلول حقيقيّة , أعني بها حركات و قوى و مذاهب عقليّة , تختلف كلّيّاً عن الحلول اللفظيّة و الإيديولوجيّة الفقيرة التي تقدّمها لنا أي تركيبة توفيقيّة يائسة.
و من نقد الأصولية المفقرة و التحديثيّة المدمّرة يخرج موقف نقدي يشكّل مرحليّاً قاعدة اتّزان.
إذ ليس التوازن من الأمور الثابتة , إنّما هو استقرار مؤقّت يميّز علاقة محدّدة بين عناصر متناقضة. و كلّما تغيّرت قوة العناصر و موقعها, اقتضى الحفاظ على التوازن تبدّلاً في الموقف من هذا و ذاك.
بهذا نحوّل انقسامنا الفكري إلى مصدر لتطوير ذاتيتنا , أي توازننا الإجتماعيّ و التاريخيّ , و لإغناء ثقافتنا , بدل أن يكون مصدراً للإستلاب و القطيعة.
و أخيراً أقول : إنّ غاية التغيير الثقافي لا يمكن أن تكون إقصاء العلم أو إقصاء التراث , و إنّما تحرير العقل , و إطلاقه من كلّ قيد , و توسيع دائرة النقاش و الحوار العقليّ.
و أيّ سياسة ثقافيّة تقوم على فرض إيديولوجيّة على العقل , حداثيّة كانت أو تراثيّة , تقتل الحوار , و تُفضي بالضرورة إلى إلغاء الوعي و اغتيال العقل و إلغاء الثقافة كنبع فلإبداعات و التجديدات الذاتيّة , و تُغلق بالتالي أفق أي تغيير فعليّ.
إنّ السياسة الوحيدة المنتجة في الثقافة لا يمكن أن تكون إلاّ حريّة الثقافة.... حريّة العقل.
***
المراجع
"اغتيال العقل" - برهان غليون
"الأصالة و المعاصرة" - محمد عابد الجابري
"المرض بالغرب - التحليل النفسيّ لعصاب جماعيّ عربيّ" - جورج طرابيشيّ
لا يخفى على عاقل الأزمة التي تعاني منها شعوب منطقة الشرق, بالأخص ما كان الإسلام دينها و العروبة قوميّتها.
هذه الأزمة بجوانبها المتعددة "سياسية , اقتصادية , اجتماعية , فكرية , أخلاقية , دينية" إنّما تعبّر عن أزمةً للذّات… الذات غير القادرة على الإمساك بزمام مصيرها و الوعي بأهمّيتها لتمضي قدماً في تجسيد إمكاناتها خيراً يعمّ أفرادها المعاصرين , و أملاً لأبنائها المقبلين , كما تمثّل عرفاناً لأسلافها المناضلين.
إنّ الذات الضعيفة تبقى ميّالة دائماً إلى التشكيك بنفسها من جهة , و خائفة على نفسها من جهة ثانية.
فهي تتردّد بين نفي نفسها للتماهي مع الحضارة و المشاركة الوهميّة فيها (وهذا هو أصل التحديثيّة العدميّة) و بين رفض حضارة العصر للتماهي مع ماضيها و مع التراث (و هو أصل الأصوليّة النامية)
من هنا نلخص إلى مفهوميّ الذّاتيّة و المعاصرة ,
المفهوم الأوّل "الذّاتيّة" ينبغي أن نعيه بمعنى تطوير الذات بما يبقيها على صلة مستمرّة مع الماضي و التراث , و يجعل لها جذوراً عميقة و قويّة في التاريخ , و يفترض تحويل كل ما يدخل فيها إلى جزء منها لتحفظ وحدتها و توازنها.
و يعني المفهوم الثاني "المعاصرة" استيعاب الحضارة و معطيات العصر بما يتطلبه ذلك من تبادل و أخذ عن الآخر و تلقّف للإبداعات و الإكتشافات البشريّة, الماديّة منها و الفكريّة.
إلى هنا يتبيّن لنا أهمّيّة الوعي بالذات كخطوة أولى لتحقيق النهضة التي تعني استمرار الذات و استملاك الحضارة في الوقت نفسه.
يفترض مفهوم النهضة عدم تعارض مطلب الهويّة الذاتيّة و المعاصرة العالميّة, و لكنّها لا تتحقّق إلاّ باستمرار وجودهما معاً كقطبيّ جذب دائمين.
فالنهضة إذاً هي مشروع تحقيق الذات بما هي هويّة حضاريّة و حضارة ذاتيّة.
هذا يعني أنّ حركتي البحث عن الهويّة و اكتشافها , و الإندفاع وراء الحضارة و تأهليلها , هما حركتان أصيلتان تكمّل واحدتهما الأخرى. و أنّ استمرار تعارضهما نفسه هو مظهر من مظاهر عجز كلّ منهما وحده عن تحقيق المدنيّة و تأكيد الذات.
فمبدأ الحضارة و التعلّق بها يصون الجماعة من خطر التحوّل إلى ركام قديم, لا صلة لها و لمؤسساتها بالتاريخ و بالحركة الإبداعيّة العالميّة.
و مبدأ الهويّة يصون الجماعة من الإنحلال و الإندماج في الآخر , و من ثمّ الإندثار كجماعة مميّزة و مستقلّة.
و في صراعهما و منه تنبع إمكانيّات تحوّل الحضارة إلى مدنيّة , أي يتحقق تأسيسها في الثقافة الذاتيّة , و يتحوّل التراث إلى هويّة ديناميكيّة حيّة و متجدّدة , و بالتالي إلى ذات فاعلة إيجابيّة.
يتّضح هنا ضرورة الدعوة إلى إحياء التراث و الإنغراز أكثر ما يمكن في العمق التاريخي من جهة , و إلى استيعاب الحضارة و الإرتماء أكثر ما يمكن في حركة التاريخ الكونيّة العامّة من جهة ثانية.
نأخذ من الحضارة و لا نُؤخذ بها
و نحيي التراث و لا نحيا به
فالمدنيّة المنشودة هي ثمرة الجهد الخلاّق الذي يوحد بين التراث و الحضارة و يتجاوزهما في الوقت نفسه.
و لكن الحداثة أو تأهيل الحضارة ليست حلّاً جاهزاً , و لا مسألة محسومة , بل هي مشكلة بحد ذاتها. فهي تحتاج إلى بحث و تدقيق و نقد و تفكيك و إعادة تركيب.
وكذلك الهويّة ليست حلّاً معطى قابعاً في التراث , إذا أحييناه حصلنا على هويّة شخصيّة, و إنّما هي الأخرى مشكلة معقّدة تستدعي تجديد التراث و إعادة تركيبه و صياغته في ضوء مشكلات العصر , دون أن يعني ذلك نفيه أو تشويهه, فالتراث ليس أفكاراً و قيماً شكليّة يعاد تأويلها أو تفسيرها أو إلباسها فتصبح شيئاً آخر.
إنّ حلّ مسألة الهويّة غير موجود في التراث ذاته , و إنّما في علاقتنا مع التراث و مع العالم أيضاً. فلا ينبغي أن نوظّف كلّ مسألة الهويّة في التراث أو في الدّين فهذه رؤية انهزاميّة انطوائيّة تعبّر عن حالة نكوصيّة.
الهويّة غير ذلك و أوسع من ذلك. إنها إعادة تنظيم الحياة الشعورية و العقليّة و الأخلاقيّة معاً على ضوء معطيات العصر , و إلاّ تحوّلت إلى استلاب من نوع آخر.
الذاتيّة تستدعي تطوير التراث , لا الإنحباس فيه , فالتراث يجب أن يكون أداة لتحرير الذات و إطلاق إمكاناتها.
و مسألة الحداثة ليست مشروعاً اجتماعيّاً , إنّما هي تحدٍّ. إذ يجب علينا أوّلاً أن نبيّن ماذا نريد من الحداثة , و لماذا و كيف نستطيع أن نحقق ذلك. فلا يمكن أن يكون مشروعنا هو استيعاب كل تراث الغرب منذ عشرة قرون, تراث العلوم و الآداب و الفنون. بل يجب أن يقوم المشروع على اساس تحديد المشاكل و الأهداف و الغايات و الوسائل.
و بقدر ما ننجح في تطوير ثقافتنا و إغنائها و تفجير قيمها الإنسانيّة , نزيد الثقة بها و نعمّق الشعور بالهويّة , و هذا هو السبيل الوحيد للنجاح في تنظيم الدافع إلى مجاراة الحضارة, و منعه من التحوّل إلى مسايرة كلّيّة و انقياد , أي تنكّر للذات.
و يتطلّب هذا التضحية بأمور و قيم شكليّة و جزئيّة لصالح تأكيد القيم الأساسيّة , و تمييز الأساسيّات من الثانويّات. و هذه وجهة كل إصلاح دينيّ أو أخلاقيّ يهدف إلى صيانة الإعتقاد من خطر الإقتلاع مع العاصفة.
حريٌ بناأن نعلم أنّ التوفيق بين القيم و الأفكار القديمة و الحديثة لا يحلّ المشكلة, بل يطمسها , لأنّه يُلغي الشعور بضرورة الإبداع و التجديد.
فالإزدواجيّة في الثقافة (العربيّة كمثال) ليست مرضاً يجب التخلّص منه, بل هي محرّك هذه الثقافة , و مصدر ديناميّتها.
فلو كانت الحلول التي نحتاجها موجودة في التراث أو في الحداثة كما هما , لكانت المشكلة قد حُسمت منذ وقت طويل , و لو كانت الحلول موجودة في إلغاء التراث أو إلغاء الحداثة لما بقينا صرعى التناقض و الصراع فيما بينهما. و لو كانت الحلول موجودة في إمكانيّة التوفيق بينهما لما انتظر هذا التوفيق طويلاً حتّى يتحقق أو يفرض نفسه.
إذاً فالحلول ليست كائنة هنا أو هناك , و إنّما علينا نحن أن نستخلصها بعقلنا.
إذاً, موقفنا هو القبول بهذا التناقض , و من هذا التناقض المُثري, أو الإثراء المتناقض, سوف تنبُع حلول حقيقيّة , أعني بها حركات و قوى و مذاهب عقليّة , تختلف كلّيّاً عن الحلول اللفظيّة و الإيديولوجيّة الفقيرة التي تقدّمها لنا أي تركيبة توفيقيّة يائسة.
و من نقد الأصولية المفقرة و التحديثيّة المدمّرة يخرج موقف نقدي يشكّل مرحليّاً قاعدة اتّزان.
إذ ليس التوازن من الأمور الثابتة , إنّما هو استقرار مؤقّت يميّز علاقة محدّدة بين عناصر متناقضة. و كلّما تغيّرت قوة العناصر و موقعها, اقتضى الحفاظ على التوازن تبدّلاً في الموقف من هذا و ذاك.
بهذا نحوّل انقسامنا الفكري إلى مصدر لتطوير ذاتيتنا , أي توازننا الإجتماعيّ و التاريخيّ , و لإغناء ثقافتنا , بدل أن يكون مصدراً للإستلاب و القطيعة.
و أخيراً أقول : إنّ غاية التغيير الثقافي لا يمكن أن تكون إقصاء العلم أو إقصاء التراث , و إنّما تحرير العقل , و إطلاقه من كلّ قيد , و توسيع دائرة النقاش و الحوار العقليّ.
و أيّ سياسة ثقافيّة تقوم على فرض إيديولوجيّة على العقل , حداثيّة كانت أو تراثيّة , تقتل الحوار , و تُفضي بالضرورة إلى إلغاء الوعي و اغتيال العقل و إلغاء الثقافة كنبع فلإبداعات و التجديدات الذاتيّة , و تُغلق بالتالي أفق أي تغيير فعليّ.
إنّ السياسة الوحيدة المنتجة في الثقافة لا يمكن أن تكون إلاّ حريّة الثقافة.... حريّة العقل.
***
المراجع
"اغتيال العقل" - برهان غليون
"الأصالة و المعاصرة" - محمد عابد الجابري
"المرض بالغرب - التحليل النفسيّ لعصاب جماعيّ عربيّ" - جورج طرابيشيّ