روان الصوراني
18/03/2009, 23:41
ملخص الرواية:
إن من يقرأ "ذاكرة الجسد"، يتملكه شعوران شعور بالمتعة فهو يقف أمام نص فيه من الشاعرية كثير، وشعور آخر بالحيرة والتساؤل. ماذا قصد الكاتب ولم تهدف تلك الرواية؟
فذاكرة الجسد رواية تحمل أبعاد عدة؛ ففيها بعد تاريخي من خلاله استعرضت الكاتبة تاريخ الجزائر وعرضت لأحداث في الوطن العربي، كذلك تضمنت الرواية بعداً مجتمعياً وعقائدياً انتقدت فيه الكاتبة معظم المظاهر المجتمعية الشكلية وكذلك العقائد الدينية المزيفة في الأوطان العربية عموماً وفي الجزائر تحديداً. الرواية لا تقف عند هذا القدر فهي كذلك تعكس بعداً أيديولوجياً توضح فيه زيف الطبقات "الرأسمالية" في المجتمعات العربية وهشاشتها وعلاقات النفاق والتلفيق التي تحكم أصحاب تلك الطبقة، معرجة إلى أولئك الذين انبطحوا بمبادئهم بعد الثورة وأخذوا يعقدون صفقات مع الدول الأجنبية تعود بالضرر على بلادهم ذلك كله بهدف إرباء ثرواتهم.
كل ذلك تتعرض له أحلام بشكل روائي تتضافر فيه روعة السرد مع إتقان محكم لمصطلحات اللغة، سواء المباشرة أو الرمزية منها. وأن كل هذه الأبعاد التي حملتها الرواية تمر كي تتمحور جميعها حول تعلق البطل "خالد" لوطنه الجزائر، فهو ثوري شارك في ثورة الجزائر وبترت يده اليسرى أثناء الثورة، ولكنه بعد الاستقلال وتغير صورة الأوطان لم يعد يرى بلاده كما حلم بها بل بدأ يشعر باغتراب أطبق على صدره فجزائره التي حلم بها دائماً لم تعد تتسع لمثله من أصحاب المبادئ الثورية الذين لم تتبدل جلودهم بعد الثورة؛ ما دفعه إلى ترك بلاده قاصداً فرنسا.
في فرنسا تجمعه الأقدار بها، تلك الأنثى التي تحيرنا الكاتبة في إشارتها إليها، فهل هي تمثل صورة الوطن أم أنها المحبوبة الحقيقية لخالد.
والمفارقة في تلك العلاقة تكمن في أن، محبوبة خالد هي ابنة قائده في الثورة "سي الطاهر"، وهي التي أوصاه سي الطاهر على أن يحمل اسمها ليسجلها في الدفاتر الرسمية -هي لا يتجاوز عمرها عدة سنوات- أثناء الثورة.
في فرنسا تجمعهما الصدفة في معرض للرسم ولحظتها ينتابه شعور عارم بالحب تجاه تلك الفتاة التي تصغره بخمسة وعشرين عاماً، تبادله مشاعر، هو نفسه لا يدري إن كانت مشاعر حب، أم مشاعر ارتياح، أم أنها وجدت فيه أباً يعوضها عما فقدته باستشهاد والدها سي الطاهر.
أحبها خالد لدرجة العشق الجنوني وكانت في لحظات تمنحه أمل أنها تبادله نفس الحب، واستمر على ذلك الأمل حتى جاءته دعوة من عمها "سي الشريف" ليحضر حفل زفافها، ويومها انتابه شعور غريب بالألم ممزوج بشعور آخر بالدهشة، فحلمه الذي عاش على أمل أن يتحقق في يوم ما يضيع منه في لحظة، بل وفي ظل هذا الضياع يُطلب منه حضور ضياع حلمه بنفسه.
يذهب خالد إلى قسنطينة، تلك المدينة التي وجد فيها صورة محبوبته، ووجد في محبوبته صورة مدينته، ها هي تضيع منه كما ضاعت حبيبته، يعود إلى قسنطينة ليشعر بغربة أكثر مرارة مما كان قد شعر بها من قبل؛ فبلاده لم تعد تمنحه ذلك الدفء الذي كان يشعر به من قبل، فكل شي قد تغير، والقيم والعادات قد تغيرت، والناس زُيفوا، ولم يعد أحداً يُذكره بتلك المدينة التي طالما رسمها في لوحاته ورأى فيها صورة المحبوبة "أحلام" كما كان يرى قسنطينة ممثلة بها.
فاليوم يوم زفاف أحلام، يوم ضاعت فيه كل أحلامه وشعر بحزن عميق، وقبل رجوعه إلى فرنسا تتصل به المحبوبة لتشكره على لوحته التي أهداها إياها بعد زفافها بيوم، وعلى الهاتف تصرح له أحلام بحبها، يومها يقرر خالد أن يقتل ذلك الحلم، ويقرر أن يهديها كتاباً كي يشعرها بقليل من الألم الذي أحدثته في نفسه.
يعود خالد قافلاً إلى فرنسا، محاولاً أن ينسى أحلام وذكراها إلى أن يصله نبأ وفاة أخيه حسان فيعود مرة ثانية إلى قسنطينة، ومن هناك يبدأ يحدثنا عن رحلته؛ فالرواية بدأتها مستغانمي حيث انتهت، فقد بدأت الرواية بعرض للزمن الحاضر حيث مكان وجود خالد في قسنطينة، ثم رجعت بنا إلى الوراء من خلال قيام خالد أثناء مكوثه في قسنطينة باسترجاع الأحداث التي رافقته مذ كان مشاركاً في الثورة مع الأبطال ضد الاحتلال الفرنسي إلى أن عاد –عودته الأخيرة- من فرنسا إلى قأهسنطينة ليقيم مع زوجة أخيه بعد وفاة أخيه حسان وكان ذلك عام 1988.
علاقة العنوان بمتن النص:
لقد كان العنوان حاضراً في معظم أجزاء النص؛ فالرواية بأكملها تمثل ذاكرة للبطل "خالد"، فهو يقوم من بداية الرواية بعملية استرجاع للذاكرة ليسرد لنا مسيرة حياته بكل تفاصيلها وما فيها من آمال وآلام وبكل ما حملته من نكسات تسبب بها الوطن أو تسببت بها المحبوبة.
أما عن كلمة الجسد، فقد كان حضورها في النص دائماً؛ فقد شكل انبتار يد خالد اليسرى نقطة تحول مهمة في حياته، لذا يمكننا القول بأن العنوان جاء مصداقاً لكل أجزاء النص، وتركز ذلك الانعكاس في آخر صفحة من صفحات الرواية في حوار دار بين خالد وبين جمركي في المطار، وذلك عند عودة خالد من فرنسا إلى الجزائر، حيث قال خالد أثناء حواره مع الجمركي: "كان جسدي ينتصب ذاكرة أمامه.. ولكنه لم يقرأني، يحدث للوطن أن يصبح أمياً".§ (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn1)
شخصيات الرواية:
الشخصيات الرئيسية:
خالد: البطل في الرواية "متمثلاً في الراوي"، وقد كانت شخصية خالد شخصية نامية على طول أحداث الرواية، حيث تغيرت معه كثير من الأحداث على مدار الرواية.
أحلام: محبوبة خالد التي مثلت صورة الوطن بكل تبدلاته، بحلوه ومره، بغربته ودفئه، وقد كشفت لنا الكاتبة عن شخصيتها من خلال طريقة الكشف عن تصرفاتها ومواقفها وطريقة تفكيرها، ذلك الكشف تبين من خلال حوار أحلام سواء مع خالد أو مع زياد "الشاعر الفلسطيني" الذي لا ندري إن كانت أحبته أحلام أم لا.
الشخصيات الثانوية:
سي الطاهر: القائد في ثورة الجزائر والذي استشهد في تلك الثورة قبل أن يرى ابنته أحلام.
سي الشريف: عم أحلام الذي يمثل شخصية البرجوازي الانتهازي، فهو من يقوم بصفقة تزويج أحلام برجل أعمال مشبوه وذلك كي يرتقي بمستواه الاجتماعي.
حسان: أخ خالد، مثل شخصية الموظف البسيط الذي تقف أ؛لامه عند حد زيادة في الراتبأ أو وظيفة إدارية أو إعلامية تمكنه من الذهاب للحج أو شراء ثلاجة لزوجته. وشخصية حسان في ذاكرة الجسد شخصية ثابتة وسطحية فحسان يموت وهو لا يزال مدرساً بسيطاً أقصى أمانيه شراء ثلاجة أو الذهاب للحج، ويموت حسان دون أن يحقق كلتا الأمنيتين.
زياد: شاعر فلسطيني برز كومضة في النص ليمثل لنا صورة الشاعر الثوري الملتزم بقضايا وطنه، والذي يموت ويحمل سراً يتمثل في إن كان أحب أحلام وأحبته من خلال الرسائل التي كانا يتبادلانها أم أن ما كان بينهما هو تخاطر أدبي لا غير؟.
أما عن الحبكة، فالرواية التي بين أيدينا ليست رواية تقصد إلى تتابع درامي يوصلنا إلى عقدة ومنها إلى حل، وإنما هي رواية حداثية تحمل رمزية رائعة لصورة الثوري المغترب عن وطنه، ولصورة الوطن الذي يتآمر عليه مدعو الوطنية ورأسماليي العصر الحاضر، تعكس الرواية أيضاً صورة الجزائر بعاداتها التي قيدت الإنسان بداخلها، وبزيف عقائدها الدينية المفرغة من أية مضامين إيمانية-حالها كحال معظم دولنا العربية- ، والرواية فيها من الرمزية الكثير، وفي نفس الوقت فيها أيضاً من الواقعية الكثير.
واللغة في الرواية هي العلامة التي ميزت كل تفاصيلها؛ فالكاتبة هنا لم تجعلنا نندمج مع الأحداث بل تدفعنا لا إرادياً إلى قراءة النص إلى نهايته، ونحن متيقظون لكل حادث ولكل قول يأتي على لسان الراوي متمثلاً في البطل "خالد".
وكما أسلفنا، فالرواية تحمل أبعاداً تاريخية، دينية، أيديولوجية، وأخلاقية وهذا هو هدف الرواية؛ فليس هدفها تشكيل حبكة قصصية وإنما هي رواية يغلب مضمونها الفكري على شكلها الدرامي، والنص يحمل العديد من المحاور التي تدلل على قولنا هذا:
· محور نقد الأنظمة العربية¨ (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn2)
"فأحسد المآذن، وأحسد الأطفال الرضع، لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عليه، قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية، وتعلمهم الصمت.
لا أذكر من قال "يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلم النطق، وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت!"
"على يد الفرنسيين مات سي الطاهر.. وعلى يد الإسرائيليين مات زياد.. وها هو حسان يموت على يد الجزائريين اليوم.
فهل هناك درجات في الاستشهاد؟ وماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهيد معاً؟"
"وما اسم الموت عندما يكون بخنجر عربي!."
· محور نقد الطبقة الرأسماليةª (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn3)
"كنت أشعر أنه محاط بالذباب وبقذارة المرحلة. وكنت أخاف أن يتسلل إليه العفن حتى العمق ذات يوم.
أخاف عليه، وقد أخاف على ذلك الاسم الكبير الذي يحمله إرثاً من سي الطاهر من التدنيس.
ترى أكان شعوري ذلك حدساً، أم استنتاجاً منطقياً لذلك الواقع الموجع الذي كنت أراه محاطاً به؟
فهل سينجو سي الشريف من هذه العدوى؟ وماذا عساه أن يختار في أي بخيرة سيسبح ... مع أي تيار وضد أي تيار... ولا حياة للأسماك الصغيرة المعزولة في هذه المياه العكرة التي تحكمها أسماك القرش".
"كانت سهرة في فرنسا.. نتحدث فيها بالفرنسية.. عن مشاريع سيتم معظمها عن طريق جهات أجنبية.. بتمويل من الجزائر.. فهل حصلنا على استقلالنا حقاً؟!"
"تُرى هذه الجرائد التي تحمل لنا أكياساً من الوعود بغد أفضل، ليست سوى رباط عينين، يخفي عنا صدمة الواقع وفجيعة الفقر والبؤس الحتميّ الذي أصبح لأول مرة يتربص بنصف هذا الشعب؟"
· محور نقد مبدأ اللجوء إلى الدين كوسيلة للهروب من الواقع· (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn4)
"لا تصدق المظاهر أبداً في هذه القضايا. الإيمان كالحب عاطفة سرية نعيشها وحدنا في خلوتنا الدائمة إلى أنفسنا. إنها طمأنينتنا السرية، درعنا السرية.. وهروبنا السري إلى العمق لتجديد بطرياتنا عند الحاجة.
"أما الذين يبدو عليهم فائض الإيمان، فهم غالباً ما يكونون قد أفرغوا أنفسهم من الداخل ليعرضوا كل إيمانهم في الواجهة، لأسباب لا علاقة لها بالله!"
طبعا.. ولم لا.. ألست مسلماً؟ لقد عدت إلى الصلاة منذ ستين ولولا إيماني لأصبحت مجنوناً. كيف يمكن أن تصمد أمام كل هذا المنكر وهذا الظلم دون إيمان؟ وحدها التقوى تعطيك القدرة على الصمود.. انظر حولك: لقد توصل جميع الناس إلى هذه النتيجة وربما الشباب أكثر من غيرهم لأنهم الضحية الأولى في هذا الوطن".. تلك العبارة تحيلنا إلى فلسفة نيتشا "كن وفياً للأرض ولا تصغ لمن يعدك بحياة أفضل في العالم الآخر"
· محور نقد العادات البالية في المجتمعات العربية§ (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn5)
"قسنطينة مدينة منافقة، لا تعترف بالشهوة ولا تجيز الشوق؛ إنما تأخذ خلسة كل شيء، حرصاً على صيتها، كما تفعل المدن العريقة. ولذا فهي تبارك مع أوليائها الصالحين.. الزانين أيضا.. والسراق!
ولم أكن سارقاً، ولا كنت ولياً، ولا شيخاً يدعي البركات، لتباركني قسنطينة."
"ولأن الكلمات ليست محايدة، فقد كنت ممتلئاً كذلك بالمثل والقيم، ورغبة في تغير العقليات والقيام بثورة داخل العقل الجزائري الذي لم تغير فيه الهزات التاريخية شيئاً.
كانت هناك أخطاء كبرى ترتكب عن حسن نية. فلقد بدأت التغيرات بالمصانع، والقرى الفلّاحية والمباني والمنشآت الضخمة، وترك الإنسان إلى الأخير.
فكيف يمكن لإنسان بائس فارغ، وغارق في مشكلات يومية تافهة، ذي عقلية متخلفة عن العالم بعشرات السنين، أن يبني وطناً، أو يقوم بأية ثورة صناعية أو زراعية، أو أية ثورة أخرى؟"
"الثورة عندما لا نكون في حاجة إلى أن نستورد حتى أكلنا من الخارج.. الثورة عندما يصل المواطن إلى مستوى الآلة التي يسيرها".
والمحور الأخير اللافت في النص هو:
· محور حضور المحبوبة في الوطن، وحضور الوطن في المحبوبة· (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn6):
"كهذه أنت لست امرأة فقط، أنت وطن، أفلا يهمك ما سيكتبه التاريخ يوماً؟"
"كنت فقط كهذا الوطن.. يحمل مع كل شيء ضده"
"احملي هذا الاسم بكبرياء أكبر.. ليس بالضرورة بغرور، ولكن بوعي عميق أنك أكثر من امرأة. أنت وطن بأكمله"
الزمان والمكان:
· الزمن القصصي:
يتمثل الزمن القصصي بذاكرة البطل "خالد"، وسرده لقصته مع محبوبته ومع وطنه مذ كان في سن الخامسة والعشرين إلى أن جاوز الستين. وهذا الزمن تعرضه الكاتبة بشكل مقلوب إذ تبدأ بعرض الأحداث الحاضرة "الآنية" ثم تعود بنا إلى الزمن الماضي.
· الزمن التاريخي:
وفيه تعرضت الكاتبة لعرض لتاريخ الجزائر منذ الثورة التي قامت منذ 1954 حتى استقلال الجزائر وما تلا مرحلة الاستقلال، وكذلك عرضت لأحداث بيروت عام 1982 وكان طرحها لتلك الحقبة التاريخية في الجزائر يتميز ببراعة حيث تمكنت من تأريخ تلك الفترات بطريقة رائعة ومشوقة هادفة بذلك إلى عكس صورة المجتمع الجزائري بكل ما فيه من مثالب، بإشارة منها إلى أوضاع الوطن العربي عموماً وما تعتريه تلك الأوطان من زيف عام وتقاليد اجتماعية متخلفة.
أما عن المكانفي الرواية فقد تركز في كل من الجزائر، وفرنسا، فقد لعب المكان دوراً محورياً في النص وكان أداة الكاتبة للتعبير عن مضامينها، فالجزائر بكل تفصيلاتها كانت الملهم للكاتبة ولعبت -إن صح لنا القول- دور البطولة في النص حيث كانت هي المحرك لكل أفعال البطل وتوجهاته وكان لها تأثيراً واضحاً أيضاً على نفسية البطل خالد.
أما عن فرنسا فقد كانت ملاذ البطل ووسيلته للهروب من مواجعه التي وجدها في وطنه الأم الجزائر، ولكن ما يجدر الإشارة إليه أن الكاتبة في النهاية لم تجعل ذلك الملاذ ملاذاً يحمل صفة الديمومة وإنما كان ملاذاً مؤقتاً، فخالد عاد إلى وطنه الجزائر في النهاية.
السرد:
لقد جاء السرد في النص على لسان الراوي، الذي هو البطل في هذا العمل، وقد جاء بصيغة "الأنا" على طول أجزاء النص، فالبطل خالد من بداية النص إلى نهايته يقوم بعملية سرد لمسيرة حياته منذ الثورة وحتى عودته إلى قسنطينة، وتخلل ذلك السرد مقاطع حوارية كانت جزءا من عملية الاستذكار التي يقوم بها الراوي.
إن من يقرأ "ذاكرة الجسد"، يتملكه شعوران شعور بالمتعة فهو يقف أمام نص فيه من الشاعرية كثير، وشعور آخر بالحيرة والتساؤل. ماذا قصد الكاتب ولم تهدف تلك الرواية؟
فذاكرة الجسد رواية تحمل أبعاد عدة؛ ففيها بعد تاريخي من خلاله استعرضت الكاتبة تاريخ الجزائر وعرضت لأحداث في الوطن العربي، كذلك تضمنت الرواية بعداً مجتمعياً وعقائدياً انتقدت فيه الكاتبة معظم المظاهر المجتمعية الشكلية وكذلك العقائد الدينية المزيفة في الأوطان العربية عموماً وفي الجزائر تحديداً. الرواية لا تقف عند هذا القدر فهي كذلك تعكس بعداً أيديولوجياً توضح فيه زيف الطبقات "الرأسمالية" في المجتمعات العربية وهشاشتها وعلاقات النفاق والتلفيق التي تحكم أصحاب تلك الطبقة، معرجة إلى أولئك الذين انبطحوا بمبادئهم بعد الثورة وأخذوا يعقدون صفقات مع الدول الأجنبية تعود بالضرر على بلادهم ذلك كله بهدف إرباء ثرواتهم.
كل ذلك تتعرض له أحلام بشكل روائي تتضافر فيه روعة السرد مع إتقان محكم لمصطلحات اللغة، سواء المباشرة أو الرمزية منها. وأن كل هذه الأبعاد التي حملتها الرواية تمر كي تتمحور جميعها حول تعلق البطل "خالد" لوطنه الجزائر، فهو ثوري شارك في ثورة الجزائر وبترت يده اليسرى أثناء الثورة، ولكنه بعد الاستقلال وتغير صورة الأوطان لم يعد يرى بلاده كما حلم بها بل بدأ يشعر باغتراب أطبق على صدره فجزائره التي حلم بها دائماً لم تعد تتسع لمثله من أصحاب المبادئ الثورية الذين لم تتبدل جلودهم بعد الثورة؛ ما دفعه إلى ترك بلاده قاصداً فرنسا.
في فرنسا تجمعه الأقدار بها، تلك الأنثى التي تحيرنا الكاتبة في إشارتها إليها، فهل هي تمثل صورة الوطن أم أنها المحبوبة الحقيقية لخالد.
والمفارقة في تلك العلاقة تكمن في أن، محبوبة خالد هي ابنة قائده في الثورة "سي الطاهر"، وهي التي أوصاه سي الطاهر على أن يحمل اسمها ليسجلها في الدفاتر الرسمية -هي لا يتجاوز عمرها عدة سنوات- أثناء الثورة.
في فرنسا تجمعهما الصدفة في معرض للرسم ولحظتها ينتابه شعور عارم بالحب تجاه تلك الفتاة التي تصغره بخمسة وعشرين عاماً، تبادله مشاعر، هو نفسه لا يدري إن كانت مشاعر حب، أم مشاعر ارتياح، أم أنها وجدت فيه أباً يعوضها عما فقدته باستشهاد والدها سي الطاهر.
أحبها خالد لدرجة العشق الجنوني وكانت في لحظات تمنحه أمل أنها تبادله نفس الحب، واستمر على ذلك الأمل حتى جاءته دعوة من عمها "سي الشريف" ليحضر حفل زفافها، ويومها انتابه شعور غريب بالألم ممزوج بشعور آخر بالدهشة، فحلمه الذي عاش على أمل أن يتحقق في يوم ما يضيع منه في لحظة، بل وفي ظل هذا الضياع يُطلب منه حضور ضياع حلمه بنفسه.
يذهب خالد إلى قسنطينة، تلك المدينة التي وجد فيها صورة محبوبته، ووجد في محبوبته صورة مدينته، ها هي تضيع منه كما ضاعت حبيبته، يعود إلى قسنطينة ليشعر بغربة أكثر مرارة مما كان قد شعر بها من قبل؛ فبلاده لم تعد تمنحه ذلك الدفء الذي كان يشعر به من قبل، فكل شي قد تغير، والقيم والعادات قد تغيرت، والناس زُيفوا، ولم يعد أحداً يُذكره بتلك المدينة التي طالما رسمها في لوحاته ورأى فيها صورة المحبوبة "أحلام" كما كان يرى قسنطينة ممثلة بها.
فاليوم يوم زفاف أحلام، يوم ضاعت فيه كل أحلامه وشعر بحزن عميق، وقبل رجوعه إلى فرنسا تتصل به المحبوبة لتشكره على لوحته التي أهداها إياها بعد زفافها بيوم، وعلى الهاتف تصرح له أحلام بحبها، يومها يقرر خالد أن يقتل ذلك الحلم، ويقرر أن يهديها كتاباً كي يشعرها بقليل من الألم الذي أحدثته في نفسه.
يعود خالد قافلاً إلى فرنسا، محاولاً أن ينسى أحلام وذكراها إلى أن يصله نبأ وفاة أخيه حسان فيعود مرة ثانية إلى قسنطينة، ومن هناك يبدأ يحدثنا عن رحلته؛ فالرواية بدأتها مستغانمي حيث انتهت، فقد بدأت الرواية بعرض للزمن الحاضر حيث مكان وجود خالد في قسنطينة، ثم رجعت بنا إلى الوراء من خلال قيام خالد أثناء مكوثه في قسنطينة باسترجاع الأحداث التي رافقته مذ كان مشاركاً في الثورة مع الأبطال ضد الاحتلال الفرنسي إلى أن عاد –عودته الأخيرة- من فرنسا إلى قأهسنطينة ليقيم مع زوجة أخيه بعد وفاة أخيه حسان وكان ذلك عام 1988.
علاقة العنوان بمتن النص:
لقد كان العنوان حاضراً في معظم أجزاء النص؛ فالرواية بأكملها تمثل ذاكرة للبطل "خالد"، فهو يقوم من بداية الرواية بعملية استرجاع للذاكرة ليسرد لنا مسيرة حياته بكل تفاصيلها وما فيها من آمال وآلام وبكل ما حملته من نكسات تسبب بها الوطن أو تسببت بها المحبوبة.
أما عن كلمة الجسد، فقد كان حضورها في النص دائماً؛ فقد شكل انبتار يد خالد اليسرى نقطة تحول مهمة في حياته، لذا يمكننا القول بأن العنوان جاء مصداقاً لكل أجزاء النص، وتركز ذلك الانعكاس في آخر صفحة من صفحات الرواية في حوار دار بين خالد وبين جمركي في المطار، وذلك عند عودة خالد من فرنسا إلى الجزائر، حيث قال خالد أثناء حواره مع الجمركي: "كان جسدي ينتصب ذاكرة أمامه.. ولكنه لم يقرأني، يحدث للوطن أن يصبح أمياً".§ (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn1)
شخصيات الرواية:
الشخصيات الرئيسية:
خالد: البطل في الرواية "متمثلاً في الراوي"، وقد كانت شخصية خالد شخصية نامية على طول أحداث الرواية، حيث تغيرت معه كثير من الأحداث على مدار الرواية.
أحلام: محبوبة خالد التي مثلت صورة الوطن بكل تبدلاته، بحلوه ومره، بغربته ودفئه، وقد كشفت لنا الكاتبة عن شخصيتها من خلال طريقة الكشف عن تصرفاتها ومواقفها وطريقة تفكيرها، ذلك الكشف تبين من خلال حوار أحلام سواء مع خالد أو مع زياد "الشاعر الفلسطيني" الذي لا ندري إن كانت أحبته أحلام أم لا.
الشخصيات الثانوية:
سي الطاهر: القائد في ثورة الجزائر والذي استشهد في تلك الثورة قبل أن يرى ابنته أحلام.
سي الشريف: عم أحلام الذي يمثل شخصية البرجوازي الانتهازي، فهو من يقوم بصفقة تزويج أحلام برجل أعمال مشبوه وذلك كي يرتقي بمستواه الاجتماعي.
حسان: أخ خالد، مثل شخصية الموظف البسيط الذي تقف أ؛لامه عند حد زيادة في الراتبأ أو وظيفة إدارية أو إعلامية تمكنه من الذهاب للحج أو شراء ثلاجة لزوجته. وشخصية حسان في ذاكرة الجسد شخصية ثابتة وسطحية فحسان يموت وهو لا يزال مدرساً بسيطاً أقصى أمانيه شراء ثلاجة أو الذهاب للحج، ويموت حسان دون أن يحقق كلتا الأمنيتين.
زياد: شاعر فلسطيني برز كومضة في النص ليمثل لنا صورة الشاعر الثوري الملتزم بقضايا وطنه، والذي يموت ويحمل سراً يتمثل في إن كان أحب أحلام وأحبته من خلال الرسائل التي كانا يتبادلانها أم أن ما كان بينهما هو تخاطر أدبي لا غير؟.
أما عن الحبكة، فالرواية التي بين أيدينا ليست رواية تقصد إلى تتابع درامي يوصلنا إلى عقدة ومنها إلى حل، وإنما هي رواية حداثية تحمل رمزية رائعة لصورة الثوري المغترب عن وطنه، ولصورة الوطن الذي يتآمر عليه مدعو الوطنية ورأسماليي العصر الحاضر، تعكس الرواية أيضاً صورة الجزائر بعاداتها التي قيدت الإنسان بداخلها، وبزيف عقائدها الدينية المفرغة من أية مضامين إيمانية-حالها كحال معظم دولنا العربية- ، والرواية فيها من الرمزية الكثير، وفي نفس الوقت فيها أيضاً من الواقعية الكثير.
واللغة في الرواية هي العلامة التي ميزت كل تفاصيلها؛ فالكاتبة هنا لم تجعلنا نندمج مع الأحداث بل تدفعنا لا إرادياً إلى قراءة النص إلى نهايته، ونحن متيقظون لكل حادث ولكل قول يأتي على لسان الراوي متمثلاً في البطل "خالد".
وكما أسلفنا، فالرواية تحمل أبعاداً تاريخية، دينية، أيديولوجية، وأخلاقية وهذا هو هدف الرواية؛ فليس هدفها تشكيل حبكة قصصية وإنما هي رواية يغلب مضمونها الفكري على شكلها الدرامي، والنص يحمل العديد من المحاور التي تدلل على قولنا هذا:
· محور نقد الأنظمة العربية¨ (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn2)
"فأحسد المآذن، وأحسد الأطفال الرضع، لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عليه، قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية، وتعلمهم الصمت.
لا أذكر من قال "يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلم النطق، وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت!"
"على يد الفرنسيين مات سي الطاهر.. وعلى يد الإسرائيليين مات زياد.. وها هو حسان يموت على يد الجزائريين اليوم.
فهل هناك درجات في الاستشهاد؟ وماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهيد معاً؟"
"وما اسم الموت عندما يكون بخنجر عربي!."
· محور نقد الطبقة الرأسماليةª (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn3)
"كنت أشعر أنه محاط بالذباب وبقذارة المرحلة. وكنت أخاف أن يتسلل إليه العفن حتى العمق ذات يوم.
أخاف عليه، وقد أخاف على ذلك الاسم الكبير الذي يحمله إرثاً من سي الطاهر من التدنيس.
ترى أكان شعوري ذلك حدساً، أم استنتاجاً منطقياً لذلك الواقع الموجع الذي كنت أراه محاطاً به؟
فهل سينجو سي الشريف من هذه العدوى؟ وماذا عساه أن يختار في أي بخيرة سيسبح ... مع أي تيار وضد أي تيار... ولا حياة للأسماك الصغيرة المعزولة في هذه المياه العكرة التي تحكمها أسماك القرش".
"كانت سهرة في فرنسا.. نتحدث فيها بالفرنسية.. عن مشاريع سيتم معظمها عن طريق جهات أجنبية.. بتمويل من الجزائر.. فهل حصلنا على استقلالنا حقاً؟!"
"تُرى هذه الجرائد التي تحمل لنا أكياساً من الوعود بغد أفضل، ليست سوى رباط عينين، يخفي عنا صدمة الواقع وفجيعة الفقر والبؤس الحتميّ الذي أصبح لأول مرة يتربص بنصف هذا الشعب؟"
· محور نقد مبدأ اللجوء إلى الدين كوسيلة للهروب من الواقع· (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn4)
"لا تصدق المظاهر أبداً في هذه القضايا. الإيمان كالحب عاطفة سرية نعيشها وحدنا في خلوتنا الدائمة إلى أنفسنا. إنها طمأنينتنا السرية، درعنا السرية.. وهروبنا السري إلى العمق لتجديد بطرياتنا عند الحاجة.
"أما الذين يبدو عليهم فائض الإيمان، فهم غالباً ما يكونون قد أفرغوا أنفسهم من الداخل ليعرضوا كل إيمانهم في الواجهة، لأسباب لا علاقة لها بالله!"
طبعا.. ولم لا.. ألست مسلماً؟ لقد عدت إلى الصلاة منذ ستين ولولا إيماني لأصبحت مجنوناً. كيف يمكن أن تصمد أمام كل هذا المنكر وهذا الظلم دون إيمان؟ وحدها التقوى تعطيك القدرة على الصمود.. انظر حولك: لقد توصل جميع الناس إلى هذه النتيجة وربما الشباب أكثر من غيرهم لأنهم الضحية الأولى في هذا الوطن".. تلك العبارة تحيلنا إلى فلسفة نيتشا "كن وفياً للأرض ولا تصغ لمن يعدك بحياة أفضل في العالم الآخر"
· محور نقد العادات البالية في المجتمعات العربية§ (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn5)
"قسنطينة مدينة منافقة، لا تعترف بالشهوة ولا تجيز الشوق؛ إنما تأخذ خلسة كل شيء، حرصاً على صيتها، كما تفعل المدن العريقة. ولذا فهي تبارك مع أوليائها الصالحين.. الزانين أيضا.. والسراق!
ولم أكن سارقاً، ولا كنت ولياً، ولا شيخاً يدعي البركات، لتباركني قسنطينة."
"ولأن الكلمات ليست محايدة، فقد كنت ممتلئاً كذلك بالمثل والقيم، ورغبة في تغير العقليات والقيام بثورة داخل العقل الجزائري الذي لم تغير فيه الهزات التاريخية شيئاً.
كانت هناك أخطاء كبرى ترتكب عن حسن نية. فلقد بدأت التغيرات بالمصانع، والقرى الفلّاحية والمباني والمنشآت الضخمة، وترك الإنسان إلى الأخير.
فكيف يمكن لإنسان بائس فارغ، وغارق في مشكلات يومية تافهة، ذي عقلية متخلفة عن العالم بعشرات السنين، أن يبني وطناً، أو يقوم بأية ثورة صناعية أو زراعية، أو أية ثورة أخرى؟"
"الثورة عندما لا نكون في حاجة إلى أن نستورد حتى أكلنا من الخارج.. الثورة عندما يصل المواطن إلى مستوى الآلة التي يسيرها".
والمحور الأخير اللافت في النص هو:
· محور حضور المحبوبة في الوطن، وحضور الوطن في المحبوبة· (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////_ftn6):
"كهذه أنت لست امرأة فقط، أنت وطن، أفلا يهمك ما سيكتبه التاريخ يوماً؟"
"كنت فقط كهذا الوطن.. يحمل مع كل شيء ضده"
"احملي هذا الاسم بكبرياء أكبر.. ليس بالضرورة بغرور، ولكن بوعي عميق أنك أكثر من امرأة. أنت وطن بأكمله"
الزمان والمكان:
· الزمن القصصي:
يتمثل الزمن القصصي بذاكرة البطل "خالد"، وسرده لقصته مع محبوبته ومع وطنه مذ كان في سن الخامسة والعشرين إلى أن جاوز الستين. وهذا الزمن تعرضه الكاتبة بشكل مقلوب إذ تبدأ بعرض الأحداث الحاضرة "الآنية" ثم تعود بنا إلى الزمن الماضي.
· الزمن التاريخي:
وفيه تعرضت الكاتبة لعرض لتاريخ الجزائر منذ الثورة التي قامت منذ 1954 حتى استقلال الجزائر وما تلا مرحلة الاستقلال، وكذلك عرضت لأحداث بيروت عام 1982 وكان طرحها لتلك الحقبة التاريخية في الجزائر يتميز ببراعة حيث تمكنت من تأريخ تلك الفترات بطريقة رائعة ومشوقة هادفة بذلك إلى عكس صورة المجتمع الجزائري بكل ما فيه من مثالب، بإشارة منها إلى أوضاع الوطن العربي عموماً وما تعتريه تلك الأوطان من زيف عام وتقاليد اجتماعية متخلفة.
أما عن المكانفي الرواية فقد تركز في كل من الجزائر، وفرنسا، فقد لعب المكان دوراً محورياً في النص وكان أداة الكاتبة للتعبير عن مضامينها، فالجزائر بكل تفصيلاتها كانت الملهم للكاتبة ولعبت -إن صح لنا القول- دور البطولة في النص حيث كانت هي المحرك لكل أفعال البطل وتوجهاته وكان لها تأثيراً واضحاً أيضاً على نفسية البطل خالد.
أما عن فرنسا فقد كانت ملاذ البطل ووسيلته للهروب من مواجعه التي وجدها في وطنه الأم الجزائر، ولكن ما يجدر الإشارة إليه أن الكاتبة في النهاية لم تجعل ذلك الملاذ ملاذاً يحمل صفة الديمومة وإنما كان ملاذاً مؤقتاً، فخالد عاد إلى وطنه الجزائر في النهاية.
السرد:
لقد جاء السرد في النص على لسان الراوي، الذي هو البطل في هذا العمل، وقد جاء بصيغة "الأنا" على طول أجزاء النص، فالبطل خالد من بداية النص إلى نهايته يقوم بعملية سرد لمسيرة حياته منذ الثورة وحتى عودته إلى قسنطينة، وتخلل ذلك السرد مقاطع حوارية كانت جزءا من عملية الاستذكار التي يقوم بها الراوي.