stygnuut
01/04/2009, 15:53
دياسبورا
جزائر النسيان والتخلي
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// جزائر أخرى تنشأ اليوم، هي جزائر النسيان والتخلي. على الرغم من شيوع هذه الظاهرة في الوطن العربي إلا أن الجزائر تتفرد بخصوصية لا تضاهيها فيها أية دولة عربية أخرى. ماذا نفعل برموزنا الثقافية الذين سخروا كل حياتهم يركضون وراء تحقيق مشاريع ثقافية، أفقرتهم ومرَّضتهم، ولكنهم صدقوا حتى النهاية أنها ستجد يوما من يحتضنها ويسير بها نحو أفقها المطلوب. نعيش حالة نسيان معمّمة وكأننا خرجنا كليا من دورة الزمن. لا نستيقظ إلا عندما تعلن نشرات الأخبار اليومية موت أحد المثقفين وانطفائه نهائيا. ولا غرابة. نهتز للخبر بصدق.
نحزن لربع ساعة ثم ندخل دوامة الحياة وننسى أننا فقدنا رمزا لن يعوض أبدا وأن خسارته ليست مؤقتة، ولكن أبدية، وأننا فقدنا ذاكرة حية لن يمكن تعويضها أو تمريرها للأجيال القادمة التي هي في أمس الحاجة لهذه البدائل لمواجهة عالم لا يرحم. هناك شيء في ثقافتنا متأصل في عدوانيته للثقافة. حتى عندما تكون الإرادات الرسمية نفسها، طيبة وتريد أن تشتغل، توضع في مسالكها كل الضوابط الكاسرة، من داخل المؤسسة البيروقراطية. هناك قوة ما تشبه الجينة، غامضة وحاضرة دوما، مدفونة في عمق الفعل الثقافي نفسه عندنا، معادية له وتعمل على قتله. قد يكون السبب تاريخيا ولكن هناك تفسيرات تحتاج إلى أكثر من التاريخ، إلى أداة يتكاتف فيها التاريخ والأزمات النفسية المتراكمة التي أدت إلى هذه العدوانية تجاه الثقافة والمثقف. لقد أدرك المثقف الجزائري، في وقت مبكر، أن عليه أن يواجه معضلات العصر لوحده في غياب المؤسسة المساندة لجهده ولعمله الثقافي والفكري. على العكس مما يحدث هنا وهناك. لا يمكن تصور إنجاز عمل كبير وجاد يتعلق بمصير أمة لا تشترك فيه فرق بحث يديرها أشخاص هم مسؤولون عنها قانونيا وأخلاقيا.
الفعل الجماعي والمؤسساتي يعطي استمرارية وديمومة للمشروع ويضعه في منأى عن الانكسارات وعن المؤقت والطارئ. الصورة عندنا قاتمة ومؤلمة وتدفع إلى التأمل والحيرة والخوف على المآل النهائي، ليس فقط للجهود الكبيرة التي يصطدم أصحابها بحائط الخيبة والاستحالة بعد سنوات التفاني والعمل، ولكن للمثقفين أنفسهم. المؤسسة عندنا ترى نجاحها في ترديد صورتها وليس في فعل الإنجاز الثقافي والعلمي في فرادته وتمايزه. يدور المثقف الحامل للانشغال الثقافي، داخل هذه الطاحونة البيروقراطية وكأن المسألة شخصية وليست وطنية أو قومية. كذلك فعل مصطفى الأشرف وهو يبحث عن معضلات الثقافة الوطنية. واليوم لم يبق الشيء الكثير من جهده، إلا كتب لا نعرف قيمتها الفعلية. كان سؤاله المركزي هو سؤال الذاكرة التي تموت كل يوم قليلا، وكيفية إخراج الجزائر من ضلال اليقين وظلماته والدخول في الأسئلة التي تضمن تطورها وتقدمها وخروجها من دائرة التخلف. ظلت أبواب أسئلته مشرعة عن آخرها على تأملات لم يتم حسمها في وطن يفاجئنا كل يوم بإشكالية جديدة ومحرجة. الدكتور عبد الله الركيبي، أطال الله في عمره، الذي قدم جهدا عظيما في التأسيس لثقافة وطنية نقدية تتوخى العقل والجهد الفاعل. وتندرج ضمن مشروع كبير مرتبط بالتأسيس لمؤسسة نقدية قادرة على فرض تمايزها عربيا. هل تعمل اليوم المؤسسة الثقافية على المحافظة على جهده وتمريره للأجيال الجديدة التي لم تعد تملك رموزا مرجعية؟ أبو العيد دودو الذي جعل رهانه كله في خلق مدرسة جزائرية للترجمة. أسئلته الكبيرة كلها كانت تفضي نحو هذه الحاجة الضرورية لتقدم البلاد، فالترجمة مرآتها الحقيقية. للأسف، ذهب دودو وفي قلبه شيء من غصة هذا المشروع الذي لم يتم. غياب هذه المؤسسة يربك مشروعنا ويضعنا في حالة الفوضى الترجمية، نترجم كل شيء ولا شيء.
مشروع مصطفى كاتب من أجل مسرح وطني ماذا بقي منه اليوم؟ انطلق مصطفى كاتب في مشروع ضخم لبناء وتكوين مسارح جديدة والدفع بأجيال جديدة نحو المسرح وتحويل ذلك إلى حاجة فنية تنبني على احترافية حقيقية. وجد هذا المشروع من يحمله في جيل ثم انطفأ، علولة، بوقرموح، ابن قطاف، سليمان بن عيسى، وغيرهم، ماذا بقي اليوم من مشروع كبير كهذا؟ حسرة قاسية وخيبات لا توصف. لقد انتفت هذه الجهود وكأنه علينا دائما مثل سيزيف، أن نبدأ من الصفر. بقيت المشاريع والأسئلة الكثيرة معلقة وكأنها تقع خارج الزمن وفعل الاستمرارية. حظ كبير أن يكون بعض هؤلاء أحياء بيننا. المحافظة عليهم أكثر من واجب. لماذا نتخلى عنهم عندما يصبحون فاعلين ومفيدين وترتسم بشكل واضح مؤديات جهودهم الثقافية والعلمية لتكوين جيل آخر يمكن أن يضمن الاستمرارية والحفاظ على جوهر الأسئلة في عالم أصبح اليوم أكثر تعقيدا وغير رحيم، في سياق عولمة لا تحتفي كثيرا بالخصوصية في سياق النموذجية الأمريكية الطاغية؟ المفكرون طاقة فعالة حتى النهاية وليسوا زوائد داخلية، توضع في الركن المظلم، لكي لا تنغص علينا راحتنا الكاذبة.
دياسبورا
1 نجمة، نص العشق المستحيل
هناك نصوص لا تصنع فقط مجدها ومجد أصحابها، ولكنها تصنع أيضا تاريخها واستمراريتها وربما أبديتها. نجمة لكاتب ياسين هو واحد من هذه النصوص الاستثنائية. لقد مر على صدوره أكثر من نصف قرن (1956) وما يزال نصا حيا، لم تزحزحه لا السنوات ولا مئات النصوص التي صدرت بعد ذلك التاريخ ولا عشرات الكتاب الذين احتلوا المشهد الثقافي الجزائري، بعد انسحاب كاتب ياسين إثر مرض عضال (1989) التهم بقايا جسده النحيف، لم تترك العزلة والاضطهاد المؤسساتي، فيه الشيء الكثير. لقد كانت خياراته الحياتية صعبة ولكنه تبناها حتى النهاية وظلت التربة التي عجن فيها هي رهانه الأبدي. مات فقيرا كما انطفأ أبو ذر الغفاري، في أرض قفر، بلا بيت ولا محيط رحيم. مات وهو لا يملك إلا معطفه الرمادي وبيتا في المركز العائلي، لم يكن له، وصديقة فرنسية ثمينة، جاكلين آرنو، استقبلته في الأيام الأشد قبل أن تموت هي كذلك أياما قليلة بعد وصوله، في رحلته الأخيرة إلى فرنسا، وكأن القدر صنع لهما نهاية حميمية مشتركة على الرغم من تراجيديتها. من يقرأ اليوم نجمة كاتب ياسين، يقرأ تاريخا مرتبكا، ووطنا مجروحا في عمقه، ممزقا في أجزائه الحميمية تستحيل لملمتها. فجأة يصاب النص بعدوى وطن. يجتهد بعناء غير مسبوق لابتداع هوية جامعة، هي في طور التكوين. هوية يريدها كاتب ياسين قادرة على تحمل مسؤولية تعدديتها والاعتراف بها، بدل اختزالها وتحويلها إلى هوية قاتلة، كما يقول الروائي أمين معلوف. نجمة رواية تقول ذلك كله، من خلال وسائطها الأدبية، واضعة حدا بينها وبين كل السبل السهلة للخطاب السياسي الجاهز الذي يستند إلى وسائل اختزالية ميالة نحو التنضيد والسهولة، على الرغم من تعقدها الموضوعي. هذا بالضبط ما جعل النص يتجدد من حيث القراءة بديمومة واستمرارية ليصبح مادة يرتبط بها كل جيل بأسئلته الخاصة والحيوية. لم يقطع كاتب ياسين، مع التقاليد الكتابية فقط، التي سار عليها أغلب مجايليه من أمثال مولود فرعون، محمد ديب، ومولود معمري وحتى المتجزئرين كـ: إيمانويل روبليس، وروبير راندو والبير كامي، الذين شكلوا جزءا مهما من ذاكرته، ولكن أيضا مع الأدب الفرنسي نفسه، الذي اخترقه بتجربة خارجية تأثر بها عميقا، وهي تجربة فولكنير، الذي ساعده على قلب كل المعايير الروائية، وجعل من النص المستقر، نصا قابلا للاختراق وتجميع أجزائه مثلما نجمع أجزاء وطن ممزق. قد تكون نجمة التي لملمها كاتب ياسين من شعره هي تعبيره الكبير عن هذه الاستحالة. فقبل أن تكون رواية، كانت عبارة عن قصيدة: نجمة والسكين أو قصائد أخرى موزعة على شخصيات مثل مصطفى ولخضر ونجمة، قبل أن تنتهي إلى نص متكامل، ملحمي وواسع، كان على الناشر الفرنسي أن يخلصه من جزء كبير من تفاصيله الحكائية والشعرية التي أدمجها ياسين في رواية كان يريدها أن تقول كل شيء عن حميميات وطن مخترق بالأسئلة المستعصية، يرفض أن يعترف الأعداء بوجوده التاريخي، ويرفض هو أن يرى نفسه في المرايا. من هنا تصبح دلالة هذا النص في غاية التعقيد والالتباس. قد تكون نجمة هي الحب الطفولي المستحيل الذي تتخفى وراءه تجربة حب انكسرت في منتصفها، زوليخا التي عشقها من أول هزة كانت لغيره، امرأة متزوجة وتكبره سنا. لغزه الصعب. قد تكون نجمة هي الجزائر في معركتها من أجل الوجود والاستمرار. قد تكون هي البحث المستميت عن المعنى الغائب والضائع، الحاضر والماضي والمستقبل مجتمعين في عدم انتظامهم وتعقدهم. قد تكون أيضا هذا وذاك، المرأة-الوطن التي تلتصق بالجلد حتى عندما نريد التخلص منه. ولكنها في النهاية أكثر من ذلك كله، حالة عشق مسروق لم يكن ممكنا توصيله في ظل مؤسسة كل ما تلمسه تقتله بانتشاء. نجمة كانت هي وسيلة ياسين للاستمرار في الحياة في ظل الحرب القاسية، والمستحيلات المنهكة
دْيَاسْبُورَا
2 - نجمة.. جزائر الهوية المستعصية
صدرت نجمة في أتون الحرب الطاحنة المعمية للعقل والمنطق، وبدل أن تغرق في الأحقاد والنزعات الاختزالية السهلة والمبررة، حولت قضية التحرر إلى حالة وجودية تهم شعبا بكامله، فاستحقت بذلك تسمية رواية الجزائر. كتب ياسين لألبير كامي في هذا الصدد يقول: أخي في الوطن. كلانا منفي من المملكة نفسها، نقف وجها لوجه كأخوين عدوين، نتخفى وراء حجاب الكبرياء والتملك، بعدما سلَّمنا في الإرث المشترك لكي نتفادى تقسيمه، وها هو هذا الإرث نفسه يتحول اليوم إلى مكان محموم يسكنه الاغتيال وترتاده أشباح القبيلة. وكل منا على الحافة اللغوية التي يقف عليها، رغم أن اللغة التي تجمعنا واحدة. كان ياسين يعلن بذلك عن ناقوس الخطر الذي دفع بالكاتبين كل نحو خندقه. موقف مثل هذا يضع الرواية على حافة الأسئلة الأكثـر تعقيدا. ولأن ''نجمة'' رواية حداثية بامتياز، فهي لا تهرب من الشطط الذي تثيره حولها. تترصد اللامرئي بقوة وإبداعية خلاقة مما يجعلها صعبة الفهم والتناول. بنيتها المجزأة، وربما الممزقة، تعطيها تفرّدها الخاص. ياسين لا يسعى من وراء ذلك إلى تقديم درس في السياسة والأدبية. ولكنه يضعنا وجها لوجه أمام جزئنا المتخفي الذي نرفض رؤيته، مظهرا صورة عميقة متوغلة في التاريخ، لا يريد الاستعماري المنغلق رؤيتها، ولا الوطني المحصور في دائرة اليقين فهمها، ولا حتى المتنور نسبيا كـ:ألبير كامي استيعابها. رؤية هذا الأخير، كانت ضيقة أيضا، الأمر الذي دفع به إلى القول في البداية إنه يفضل الفوضى على العدالة
injustice Préférer le désordre à l قبل أن يندرج ضمن المنظومة الكولونيالية الواسعة عندما اختار أمه بدل اللا عدالة Choisir ma mère à la justice. كاتب ياسين لا يُجَمِّل التاريخ، حتى ولو كان مجروحا في الصميم، ولكن يعرضه في تمزقه وتعقده الكبيرين. جزائر متعددة، معقدة متناقضة، عنيفة، قديمة، وثنية، يهودية، مسيحية، رومانية، إسلامية، مسالمة ومتوحشة، مثلما هي لا مثلما تريدها الاختزالات السياسية الاستعمارية أو الوطنية. جزائر كلية وليست جزائر منتقاة. صحيح أن ''نجمة'' كُتبت بصفاء لغوي عال وأنيق، ولكن لغتها أيضا لقيطة أو خلاسية، تجتمع فيها الفرنسية العالية والأنيقة إلى درجة الانغلاق، والعربية الشعبية، اللغة التي تقول السمو والعلو والانحطاط والشتيمة بدون ضوابط أخلاقية مسبقة. مثلها في ذلك مثل بقية الموضوعات التي تؤثث النص. كلها مخترقة بما يناقضها ويجعلها مثار أسئلة معقدة وكثيرة. وليست ''نجمة'' المرأة الخلاسية التي تتداخل فيها الأعراق والديانات والأصول، هي البطلة التقليدية كما في النصوص الروائية الكلاسيكية، كـ:آنا كارنين أو مدام بوفاري وغيرهما، ولكنها مساحة من النور المتمادي الذي يظلل الجميع ويظهر طفولتهم وقسوتهم ورقتهم الخفية وتظل هي متخفية. مساحة متناقضة يتداخل فيها الشرف والقبلية واللقاطة، والكذب والصدق القاتل. نجمة هي ابنه القبيلة من أب مجهول، كبلوتية حقيقية، ولكنها تنزلق من أي تعريف لتتماهى في كل شيء، في التربة والتاريخ والبشر. ولدت من علاقة تداخلت فيها جينات كثيرة وغير معلنة، مما يجعلها تنتصر بجمالها المخيف وحسها العميق على كل شيء. تزوج بالقوة من رجل ملتبس، ربما كان أخاها. ابنة امرأة غريبة يهودية من مرسيليا، عشقها سي مختار وغيره من المنافسين الأشداء له. الشخصيات الأربعة: لخضر، مراد، مصطفى ورشيد، ليست إلا هي أو وجهها المتخفي. هي ظلال لها، كل واحد يملك جزءا من تاريخها ولكنه لا يملكها أبدا. المرأة اللعنة La femme fatale التي لا ضامن لمصير من يقربها. الأبطال الأربعة ينتهون نهايات مأساوية: السجن، العمل الشاق عند المعمر، الضياع في دوامة الكحول والحشيش، والمنفى. جزائر كاتب ياسين ليست جزائر الجنة المرجوة. بل هي جزائر نجمة بكل التباساتها وتراجيديتها. وإذن، مَنْ مِنْ مترجمي رواية نجمة (ملك العيسى، قوبعة، بوطاجين) إلى اللغة العربية فكَّ لغز اللغة التي كتب بها ياسين، والتاريخ المبهم والهوية المرتبكة ليتمكن من تأويلها، وترجمتها كما يجب، تلك قصة أعقد، سأعود لها يوما.
دياسبورا
نجمة، عودة النص المؤجلة
ما معنى أن نترجم نصا معينا من لغة إلى أخرى، العديد من المرات؟ هناك احتمالات كثيرة، أهمها أن الترجمة الأولى لم تكن جيدة، ولم توصل النص الأصلي إلى القراء بالشكل المطلوب. لنأخذ أمثلة عالمية. دون كيشوت، ترجمت العديد من المرات بسبب نقائص في الترجمات السابقة. ولكن النص ترجم من جديد قبل سنوات قليلة على يد آلين شولمان، مترجمة خوان غوتيسولو، الكاتب الإسباني المعاصر. كان رهانها لغويا واضحا بحتا: فكل الذين ترجموا دون كيشوت، سابقا تدخلوا في لغة سرفانتس لتقويمها؟ أرجعت شولمان النص إلى لغته الشعبية الأولى، فأعادت له شعبيته المفقودة، مما تطلب جهدا كبيرا دام سنوات عديدة. عوليس Ulysse لجيمس جويس ترجمت مؤخرا من جديد، في دار غاليمار، وكان الرهان هو العودة إلى نص كبير كانت فيه نقائص التأويل مذهلة. فأعادت الترجمة النص إلى ألقه اللغوي ورتبت معانيه الهاربة في الترجمات السابقة. النصوص العظيمة تفرض عودة مستمرة نحوها لوضعها في أفق جديد يربطها بقرائها المعاصرين وتصحيح ما ارتكب من أخطاء سابقة. رواية نجمة لكاتب ياسين، واحدة من هذه النصوص، وإعادة ترجمتها إلى اللغة العربية مبررة. لنتأمل إذن هذه الترجمات عن قرب. الترجمة الأولى كانت لملك أبيض العيسى التي نشرت النص في وزارة الثقافة السورية قبل أن تنشره المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الستينات. لم تكن الترجمة عظيمة، ولكنها كانت جهدا كبيرا عبر كاتب ياسين من خلاله إلى القارئ العربي. بفضل هذه الترجمة وصل النص إلى قارئه الحقيقي الذي كان في حاجة إلى معرفة نجمة التي أثارت سجالا عالميا كبيرا. يمكننا أن نقول اليوم، إن النص عرف كيف يصل إلى قارئ الخمسينات والستينات وحتى بداية السبعينات. الترجمة الثانية قام بها محمد قوبعة في الثمانينيات، في ديوان المطبوعات الجامعية والمؤسسة الجزائرية للطباعة. كانت ترجمة جديدة لم تدّع أي هدف لها. فهي خالية من أية مقدمة توضيحية. لم تفترض أي شيء، ولم تنتقد الجهد الذي سبقها. فقد بنيت الترجمة على معرفة جيدة باللغة الفرنسية والعربية، وخبرة ترجمية مهمة. أدت هذه الطبعة غرضا جامعيا مهما ومفيدا. لقد قرأها الكثير من الطلاب الذين تعرفوا على كاتب ياسين في غياب شبه كلي للترجمة الأولى. ابتعدت الرواية كثيرا عن تدخلات ملك أبيض العيسى اللغوية، واكتفت بما يقوله النص في أصله ولو أربك ذلك القارئ من حيث المعنى. الترجمة الثالثة التي تقع عليها مسؤوليتة استعادة نص جزائري إلى حقله الوطني، كانت للصديق، السعيد بوطاجين. صدرت في 2007 عن الاختلاف والدار العربية ببيروت. فقد وضع المترجم مقدمة لكتابه يعترف فيها بتمزق نص نجمة، مما يعقد ترجمته. ويعيد بوطاجين النظر في النقد الذي لم يفهم النص، ولم يتحدث عن جدوى ترجمة جديدة، تنبهنا لمواطن ضعف الترجمات السابقة. الترجمة الجديدة ما تزال تبحث عن قارئها المفترض وهو الكفيل بتقييمها. الملاحظ أنها لم تختلف كثيرا عما أُنجِز سابقا على الرغم من الجهد المبذول فيها. أتساءل عن جدوى الترجمات الجديدة إذا لم يكن ذلك ضرورة قصوى مثلما حدث في المثالين اللذين ذكرتهما؟ الملاحظ في الترجمات الثلاث غياب كلي لشعرية ياسين التي جعلت من نجمة مزيجا من الشعر والتراجيدية. ألم يكن من الأجدى البحث عن كاتب ياسين في نصوصه السابقة نفسها لترجمة نجمة بشكل جديد قريب من نصوصه؟ كاتب ياسين لم يكتب إلا نصا واحدا ظل يعيشه بتمزق بين مختلف الأجناس. قصيدة نجمة والسكين، التي تظهر فيها نجمة بقوة، أو مسرحية الجثة المطوقة التي تحتل فيها نجمة ولخضر ومصطفى حيزا مهما، والأجداد يزدادون ضراوة التي تتحوّل فيها نجمة إلى السيدة المتوحّشة. التقرب من هذه النصوص يسهل الترجمة الجديدة ويضيف لها الكثير، لأنها تكشف عن تمزقات النص العميقة وعن التراجيدية اليونانية التي يستحيل استعادة كاتب ياسين إلى اللغة العربية من دونها. طوبى لكل الجهود التي بذلت، وطوبى لليد الشعرية الناعمة التي ستعيد لنا نجمة الضائعة والمستحيلة؟
جزائر النسيان والتخلي
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// جزائر أخرى تنشأ اليوم، هي جزائر النسيان والتخلي. على الرغم من شيوع هذه الظاهرة في الوطن العربي إلا أن الجزائر تتفرد بخصوصية لا تضاهيها فيها أية دولة عربية أخرى. ماذا نفعل برموزنا الثقافية الذين سخروا كل حياتهم يركضون وراء تحقيق مشاريع ثقافية، أفقرتهم ومرَّضتهم، ولكنهم صدقوا حتى النهاية أنها ستجد يوما من يحتضنها ويسير بها نحو أفقها المطلوب. نعيش حالة نسيان معمّمة وكأننا خرجنا كليا من دورة الزمن. لا نستيقظ إلا عندما تعلن نشرات الأخبار اليومية موت أحد المثقفين وانطفائه نهائيا. ولا غرابة. نهتز للخبر بصدق.
نحزن لربع ساعة ثم ندخل دوامة الحياة وننسى أننا فقدنا رمزا لن يعوض أبدا وأن خسارته ليست مؤقتة، ولكن أبدية، وأننا فقدنا ذاكرة حية لن يمكن تعويضها أو تمريرها للأجيال القادمة التي هي في أمس الحاجة لهذه البدائل لمواجهة عالم لا يرحم. هناك شيء في ثقافتنا متأصل في عدوانيته للثقافة. حتى عندما تكون الإرادات الرسمية نفسها، طيبة وتريد أن تشتغل، توضع في مسالكها كل الضوابط الكاسرة، من داخل المؤسسة البيروقراطية. هناك قوة ما تشبه الجينة، غامضة وحاضرة دوما، مدفونة في عمق الفعل الثقافي نفسه عندنا، معادية له وتعمل على قتله. قد يكون السبب تاريخيا ولكن هناك تفسيرات تحتاج إلى أكثر من التاريخ، إلى أداة يتكاتف فيها التاريخ والأزمات النفسية المتراكمة التي أدت إلى هذه العدوانية تجاه الثقافة والمثقف. لقد أدرك المثقف الجزائري، في وقت مبكر، أن عليه أن يواجه معضلات العصر لوحده في غياب المؤسسة المساندة لجهده ولعمله الثقافي والفكري. على العكس مما يحدث هنا وهناك. لا يمكن تصور إنجاز عمل كبير وجاد يتعلق بمصير أمة لا تشترك فيه فرق بحث يديرها أشخاص هم مسؤولون عنها قانونيا وأخلاقيا.
الفعل الجماعي والمؤسساتي يعطي استمرارية وديمومة للمشروع ويضعه في منأى عن الانكسارات وعن المؤقت والطارئ. الصورة عندنا قاتمة ومؤلمة وتدفع إلى التأمل والحيرة والخوف على المآل النهائي، ليس فقط للجهود الكبيرة التي يصطدم أصحابها بحائط الخيبة والاستحالة بعد سنوات التفاني والعمل، ولكن للمثقفين أنفسهم. المؤسسة عندنا ترى نجاحها في ترديد صورتها وليس في فعل الإنجاز الثقافي والعلمي في فرادته وتمايزه. يدور المثقف الحامل للانشغال الثقافي، داخل هذه الطاحونة البيروقراطية وكأن المسألة شخصية وليست وطنية أو قومية. كذلك فعل مصطفى الأشرف وهو يبحث عن معضلات الثقافة الوطنية. واليوم لم يبق الشيء الكثير من جهده، إلا كتب لا نعرف قيمتها الفعلية. كان سؤاله المركزي هو سؤال الذاكرة التي تموت كل يوم قليلا، وكيفية إخراج الجزائر من ضلال اليقين وظلماته والدخول في الأسئلة التي تضمن تطورها وتقدمها وخروجها من دائرة التخلف. ظلت أبواب أسئلته مشرعة عن آخرها على تأملات لم يتم حسمها في وطن يفاجئنا كل يوم بإشكالية جديدة ومحرجة. الدكتور عبد الله الركيبي، أطال الله في عمره، الذي قدم جهدا عظيما في التأسيس لثقافة وطنية نقدية تتوخى العقل والجهد الفاعل. وتندرج ضمن مشروع كبير مرتبط بالتأسيس لمؤسسة نقدية قادرة على فرض تمايزها عربيا. هل تعمل اليوم المؤسسة الثقافية على المحافظة على جهده وتمريره للأجيال الجديدة التي لم تعد تملك رموزا مرجعية؟ أبو العيد دودو الذي جعل رهانه كله في خلق مدرسة جزائرية للترجمة. أسئلته الكبيرة كلها كانت تفضي نحو هذه الحاجة الضرورية لتقدم البلاد، فالترجمة مرآتها الحقيقية. للأسف، ذهب دودو وفي قلبه شيء من غصة هذا المشروع الذي لم يتم. غياب هذه المؤسسة يربك مشروعنا ويضعنا في حالة الفوضى الترجمية، نترجم كل شيء ولا شيء.
مشروع مصطفى كاتب من أجل مسرح وطني ماذا بقي منه اليوم؟ انطلق مصطفى كاتب في مشروع ضخم لبناء وتكوين مسارح جديدة والدفع بأجيال جديدة نحو المسرح وتحويل ذلك إلى حاجة فنية تنبني على احترافية حقيقية. وجد هذا المشروع من يحمله في جيل ثم انطفأ، علولة، بوقرموح، ابن قطاف، سليمان بن عيسى، وغيرهم، ماذا بقي اليوم من مشروع كبير كهذا؟ حسرة قاسية وخيبات لا توصف. لقد انتفت هذه الجهود وكأنه علينا دائما مثل سيزيف، أن نبدأ من الصفر. بقيت المشاريع والأسئلة الكثيرة معلقة وكأنها تقع خارج الزمن وفعل الاستمرارية. حظ كبير أن يكون بعض هؤلاء أحياء بيننا. المحافظة عليهم أكثر من واجب. لماذا نتخلى عنهم عندما يصبحون فاعلين ومفيدين وترتسم بشكل واضح مؤديات جهودهم الثقافية والعلمية لتكوين جيل آخر يمكن أن يضمن الاستمرارية والحفاظ على جوهر الأسئلة في عالم أصبح اليوم أكثر تعقيدا وغير رحيم، في سياق عولمة لا تحتفي كثيرا بالخصوصية في سياق النموذجية الأمريكية الطاغية؟ المفكرون طاقة فعالة حتى النهاية وليسوا زوائد داخلية، توضع في الركن المظلم، لكي لا تنغص علينا راحتنا الكاذبة.
دياسبورا
1 نجمة، نص العشق المستحيل
هناك نصوص لا تصنع فقط مجدها ومجد أصحابها، ولكنها تصنع أيضا تاريخها واستمراريتها وربما أبديتها. نجمة لكاتب ياسين هو واحد من هذه النصوص الاستثنائية. لقد مر على صدوره أكثر من نصف قرن (1956) وما يزال نصا حيا، لم تزحزحه لا السنوات ولا مئات النصوص التي صدرت بعد ذلك التاريخ ولا عشرات الكتاب الذين احتلوا المشهد الثقافي الجزائري، بعد انسحاب كاتب ياسين إثر مرض عضال (1989) التهم بقايا جسده النحيف، لم تترك العزلة والاضطهاد المؤسساتي، فيه الشيء الكثير. لقد كانت خياراته الحياتية صعبة ولكنه تبناها حتى النهاية وظلت التربة التي عجن فيها هي رهانه الأبدي. مات فقيرا كما انطفأ أبو ذر الغفاري، في أرض قفر، بلا بيت ولا محيط رحيم. مات وهو لا يملك إلا معطفه الرمادي وبيتا في المركز العائلي، لم يكن له، وصديقة فرنسية ثمينة، جاكلين آرنو، استقبلته في الأيام الأشد قبل أن تموت هي كذلك أياما قليلة بعد وصوله، في رحلته الأخيرة إلى فرنسا، وكأن القدر صنع لهما نهاية حميمية مشتركة على الرغم من تراجيديتها. من يقرأ اليوم نجمة كاتب ياسين، يقرأ تاريخا مرتبكا، ووطنا مجروحا في عمقه، ممزقا في أجزائه الحميمية تستحيل لملمتها. فجأة يصاب النص بعدوى وطن. يجتهد بعناء غير مسبوق لابتداع هوية جامعة، هي في طور التكوين. هوية يريدها كاتب ياسين قادرة على تحمل مسؤولية تعدديتها والاعتراف بها، بدل اختزالها وتحويلها إلى هوية قاتلة، كما يقول الروائي أمين معلوف. نجمة رواية تقول ذلك كله، من خلال وسائطها الأدبية، واضعة حدا بينها وبين كل السبل السهلة للخطاب السياسي الجاهز الذي يستند إلى وسائل اختزالية ميالة نحو التنضيد والسهولة، على الرغم من تعقدها الموضوعي. هذا بالضبط ما جعل النص يتجدد من حيث القراءة بديمومة واستمرارية ليصبح مادة يرتبط بها كل جيل بأسئلته الخاصة والحيوية. لم يقطع كاتب ياسين، مع التقاليد الكتابية فقط، التي سار عليها أغلب مجايليه من أمثال مولود فرعون، محمد ديب، ومولود معمري وحتى المتجزئرين كـ: إيمانويل روبليس، وروبير راندو والبير كامي، الذين شكلوا جزءا مهما من ذاكرته، ولكن أيضا مع الأدب الفرنسي نفسه، الذي اخترقه بتجربة خارجية تأثر بها عميقا، وهي تجربة فولكنير، الذي ساعده على قلب كل المعايير الروائية، وجعل من النص المستقر، نصا قابلا للاختراق وتجميع أجزائه مثلما نجمع أجزاء وطن ممزق. قد تكون نجمة التي لملمها كاتب ياسين من شعره هي تعبيره الكبير عن هذه الاستحالة. فقبل أن تكون رواية، كانت عبارة عن قصيدة: نجمة والسكين أو قصائد أخرى موزعة على شخصيات مثل مصطفى ولخضر ونجمة، قبل أن تنتهي إلى نص متكامل، ملحمي وواسع، كان على الناشر الفرنسي أن يخلصه من جزء كبير من تفاصيله الحكائية والشعرية التي أدمجها ياسين في رواية كان يريدها أن تقول كل شيء عن حميميات وطن مخترق بالأسئلة المستعصية، يرفض أن يعترف الأعداء بوجوده التاريخي، ويرفض هو أن يرى نفسه في المرايا. من هنا تصبح دلالة هذا النص في غاية التعقيد والالتباس. قد تكون نجمة هي الحب الطفولي المستحيل الذي تتخفى وراءه تجربة حب انكسرت في منتصفها، زوليخا التي عشقها من أول هزة كانت لغيره، امرأة متزوجة وتكبره سنا. لغزه الصعب. قد تكون نجمة هي الجزائر في معركتها من أجل الوجود والاستمرار. قد تكون هي البحث المستميت عن المعنى الغائب والضائع، الحاضر والماضي والمستقبل مجتمعين في عدم انتظامهم وتعقدهم. قد تكون أيضا هذا وذاك، المرأة-الوطن التي تلتصق بالجلد حتى عندما نريد التخلص منه. ولكنها في النهاية أكثر من ذلك كله، حالة عشق مسروق لم يكن ممكنا توصيله في ظل مؤسسة كل ما تلمسه تقتله بانتشاء. نجمة كانت هي وسيلة ياسين للاستمرار في الحياة في ظل الحرب القاسية، والمستحيلات المنهكة
دْيَاسْبُورَا
2 - نجمة.. جزائر الهوية المستعصية
صدرت نجمة في أتون الحرب الطاحنة المعمية للعقل والمنطق، وبدل أن تغرق في الأحقاد والنزعات الاختزالية السهلة والمبررة، حولت قضية التحرر إلى حالة وجودية تهم شعبا بكامله، فاستحقت بذلك تسمية رواية الجزائر. كتب ياسين لألبير كامي في هذا الصدد يقول: أخي في الوطن. كلانا منفي من المملكة نفسها، نقف وجها لوجه كأخوين عدوين، نتخفى وراء حجاب الكبرياء والتملك، بعدما سلَّمنا في الإرث المشترك لكي نتفادى تقسيمه، وها هو هذا الإرث نفسه يتحول اليوم إلى مكان محموم يسكنه الاغتيال وترتاده أشباح القبيلة. وكل منا على الحافة اللغوية التي يقف عليها، رغم أن اللغة التي تجمعنا واحدة. كان ياسين يعلن بذلك عن ناقوس الخطر الذي دفع بالكاتبين كل نحو خندقه. موقف مثل هذا يضع الرواية على حافة الأسئلة الأكثـر تعقيدا. ولأن ''نجمة'' رواية حداثية بامتياز، فهي لا تهرب من الشطط الذي تثيره حولها. تترصد اللامرئي بقوة وإبداعية خلاقة مما يجعلها صعبة الفهم والتناول. بنيتها المجزأة، وربما الممزقة، تعطيها تفرّدها الخاص. ياسين لا يسعى من وراء ذلك إلى تقديم درس في السياسة والأدبية. ولكنه يضعنا وجها لوجه أمام جزئنا المتخفي الذي نرفض رؤيته، مظهرا صورة عميقة متوغلة في التاريخ، لا يريد الاستعماري المنغلق رؤيتها، ولا الوطني المحصور في دائرة اليقين فهمها، ولا حتى المتنور نسبيا كـ:ألبير كامي استيعابها. رؤية هذا الأخير، كانت ضيقة أيضا، الأمر الذي دفع به إلى القول في البداية إنه يفضل الفوضى على العدالة
injustice Préférer le désordre à l قبل أن يندرج ضمن المنظومة الكولونيالية الواسعة عندما اختار أمه بدل اللا عدالة Choisir ma mère à la justice. كاتب ياسين لا يُجَمِّل التاريخ، حتى ولو كان مجروحا في الصميم، ولكن يعرضه في تمزقه وتعقده الكبيرين. جزائر متعددة، معقدة متناقضة، عنيفة، قديمة، وثنية، يهودية، مسيحية، رومانية، إسلامية، مسالمة ومتوحشة، مثلما هي لا مثلما تريدها الاختزالات السياسية الاستعمارية أو الوطنية. جزائر كلية وليست جزائر منتقاة. صحيح أن ''نجمة'' كُتبت بصفاء لغوي عال وأنيق، ولكن لغتها أيضا لقيطة أو خلاسية، تجتمع فيها الفرنسية العالية والأنيقة إلى درجة الانغلاق، والعربية الشعبية، اللغة التي تقول السمو والعلو والانحطاط والشتيمة بدون ضوابط أخلاقية مسبقة. مثلها في ذلك مثل بقية الموضوعات التي تؤثث النص. كلها مخترقة بما يناقضها ويجعلها مثار أسئلة معقدة وكثيرة. وليست ''نجمة'' المرأة الخلاسية التي تتداخل فيها الأعراق والديانات والأصول، هي البطلة التقليدية كما في النصوص الروائية الكلاسيكية، كـ:آنا كارنين أو مدام بوفاري وغيرهما، ولكنها مساحة من النور المتمادي الذي يظلل الجميع ويظهر طفولتهم وقسوتهم ورقتهم الخفية وتظل هي متخفية. مساحة متناقضة يتداخل فيها الشرف والقبلية واللقاطة، والكذب والصدق القاتل. نجمة هي ابنه القبيلة من أب مجهول، كبلوتية حقيقية، ولكنها تنزلق من أي تعريف لتتماهى في كل شيء، في التربة والتاريخ والبشر. ولدت من علاقة تداخلت فيها جينات كثيرة وغير معلنة، مما يجعلها تنتصر بجمالها المخيف وحسها العميق على كل شيء. تزوج بالقوة من رجل ملتبس، ربما كان أخاها. ابنة امرأة غريبة يهودية من مرسيليا، عشقها سي مختار وغيره من المنافسين الأشداء له. الشخصيات الأربعة: لخضر، مراد، مصطفى ورشيد، ليست إلا هي أو وجهها المتخفي. هي ظلال لها، كل واحد يملك جزءا من تاريخها ولكنه لا يملكها أبدا. المرأة اللعنة La femme fatale التي لا ضامن لمصير من يقربها. الأبطال الأربعة ينتهون نهايات مأساوية: السجن، العمل الشاق عند المعمر، الضياع في دوامة الكحول والحشيش، والمنفى. جزائر كاتب ياسين ليست جزائر الجنة المرجوة. بل هي جزائر نجمة بكل التباساتها وتراجيديتها. وإذن، مَنْ مِنْ مترجمي رواية نجمة (ملك العيسى، قوبعة، بوطاجين) إلى اللغة العربية فكَّ لغز اللغة التي كتب بها ياسين، والتاريخ المبهم والهوية المرتبكة ليتمكن من تأويلها، وترجمتها كما يجب، تلك قصة أعقد، سأعود لها يوما.
دياسبورا
نجمة، عودة النص المؤجلة
ما معنى أن نترجم نصا معينا من لغة إلى أخرى، العديد من المرات؟ هناك احتمالات كثيرة، أهمها أن الترجمة الأولى لم تكن جيدة، ولم توصل النص الأصلي إلى القراء بالشكل المطلوب. لنأخذ أمثلة عالمية. دون كيشوت، ترجمت العديد من المرات بسبب نقائص في الترجمات السابقة. ولكن النص ترجم من جديد قبل سنوات قليلة على يد آلين شولمان، مترجمة خوان غوتيسولو، الكاتب الإسباني المعاصر. كان رهانها لغويا واضحا بحتا: فكل الذين ترجموا دون كيشوت، سابقا تدخلوا في لغة سرفانتس لتقويمها؟ أرجعت شولمان النص إلى لغته الشعبية الأولى، فأعادت له شعبيته المفقودة، مما تطلب جهدا كبيرا دام سنوات عديدة. عوليس Ulysse لجيمس جويس ترجمت مؤخرا من جديد، في دار غاليمار، وكان الرهان هو العودة إلى نص كبير كانت فيه نقائص التأويل مذهلة. فأعادت الترجمة النص إلى ألقه اللغوي ورتبت معانيه الهاربة في الترجمات السابقة. النصوص العظيمة تفرض عودة مستمرة نحوها لوضعها في أفق جديد يربطها بقرائها المعاصرين وتصحيح ما ارتكب من أخطاء سابقة. رواية نجمة لكاتب ياسين، واحدة من هذه النصوص، وإعادة ترجمتها إلى اللغة العربية مبررة. لنتأمل إذن هذه الترجمات عن قرب. الترجمة الأولى كانت لملك أبيض العيسى التي نشرت النص في وزارة الثقافة السورية قبل أن تنشره المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الستينات. لم تكن الترجمة عظيمة، ولكنها كانت جهدا كبيرا عبر كاتب ياسين من خلاله إلى القارئ العربي. بفضل هذه الترجمة وصل النص إلى قارئه الحقيقي الذي كان في حاجة إلى معرفة نجمة التي أثارت سجالا عالميا كبيرا. يمكننا أن نقول اليوم، إن النص عرف كيف يصل إلى قارئ الخمسينات والستينات وحتى بداية السبعينات. الترجمة الثانية قام بها محمد قوبعة في الثمانينيات، في ديوان المطبوعات الجامعية والمؤسسة الجزائرية للطباعة. كانت ترجمة جديدة لم تدّع أي هدف لها. فهي خالية من أية مقدمة توضيحية. لم تفترض أي شيء، ولم تنتقد الجهد الذي سبقها. فقد بنيت الترجمة على معرفة جيدة باللغة الفرنسية والعربية، وخبرة ترجمية مهمة. أدت هذه الطبعة غرضا جامعيا مهما ومفيدا. لقد قرأها الكثير من الطلاب الذين تعرفوا على كاتب ياسين في غياب شبه كلي للترجمة الأولى. ابتعدت الرواية كثيرا عن تدخلات ملك أبيض العيسى اللغوية، واكتفت بما يقوله النص في أصله ولو أربك ذلك القارئ من حيث المعنى. الترجمة الثالثة التي تقع عليها مسؤوليتة استعادة نص جزائري إلى حقله الوطني، كانت للصديق، السعيد بوطاجين. صدرت في 2007 عن الاختلاف والدار العربية ببيروت. فقد وضع المترجم مقدمة لكتابه يعترف فيها بتمزق نص نجمة، مما يعقد ترجمته. ويعيد بوطاجين النظر في النقد الذي لم يفهم النص، ولم يتحدث عن جدوى ترجمة جديدة، تنبهنا لمواطن ضعف الترجمات السابقة. الترجمة الجديدة ما تزال تبحث عن قارئها المفترض وهو الكفيل بتقييمها. الملاحظ أنها لم تختلف كثيرا عما أُنجِز سابقا على الرغم من الجهد المبذول فيها. أتساءل عن جدوى الترجمات الجديدة إذا لم يكن ذلك ضرورة قصوى مثلما حدث في المثالين اللذين ذكرتهما؟ الملاحظ في الترجمات الثلاث غياب كلي لشعرية ياسين التي جعلت من نجمة مزيجا من الشعر والتراجيدية. ألم يكن من الأجدى البحث عن كاتب ياسين في نصوصه السابقة نفسها لترجمة نجمة بشكل جديد قريب من نصوصه؟ كاتب ياسين لم يكتب إلا نصا واحدا ظل يعيشه بتمزق بين مختلف الأجناس. قصيدة نجمة والسكين، التي تظهر فيها نجمة بقوة، أو مسرحية الجثة المطوقة التي تحتل فيها نجمة ولخضر ومصطفى حيزا مهما، والأجداد يزدادون ضراوة التي تتحوّل فيها نجمة إلى السيدة المتوحّشة. التقرب من هذه النصوص يسهل الترجمة الجديدة ويضيف لها الكثير، لأنها تكشف عن تمزقات النص العميقة وعن التراجيدية اليونانية التي يستحيل استعادة كاتب ياسين إلى اللغة العربية من دونها. طوبى لكل الجهود التي بذلت، وطوبى لليد الشعرية الناعمة التي ستعيد لنا نجمة الضائعة والمستحيلة؟