mhsen77
10/04/2009, 02:09
انتظر السوريون، تجاراً وصناعيين، وكادحين، شهوراً طويلة، وبشوق، تلك السيناريوهات التي تسرب الكثير عنها، والتي كان من المفترض أن تعالج الحكومة من خلالها الاختلالات الاقتصادية الخطرة التي تفاقمت في بلدنا منذ حملة رفع أسعار حوامل الطاقة في العام الماضي،
الكهرباء أولاً، ومن ثم المازوت والبنزين، ومن ثم أسعار الفيول، ليتلو ذلك تداعيات ملحوظة نتجت عن تطورات الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت اقتصادات مختلف دول العالم.
التطوران السابقان، رفع أسعار حوامل الطاقة، ومن ثم تداعيات الأزمة المالية العالمية، أنتجا واقعين خطرين في الاقتصاد السوري، الأول: انخفاض غير مسبوق في القوة الشرائية المتاحة للمواطن السوري الذي ينتمي إلى الطبقات الوسطى العليا والوسطى الدنيا، عدا عن الفقيرة، وهي الشرائح التي تشكّل الغالبية الكبرى من المجتمع السوري. أما الثاني: فكان ارتفاع تكاليف إنتاج السلع الوطنية المختلفة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، مقابل انخفاض تكاليف إنتاج السلع المستوردة بسبب خطوات الدعم الملحوظة التي تبنتها مختلف دول العالم لحماية صناعاتها الوطنية من تداعيات الأزمة المالية العالمية.
الواقعان السابقان أنتجا حالتين خطرتين للغاية أيضاً، الأولى: انحصار أسواق التصدير وتقلصها أمام السلع والمنتجات السورية المصنعة وطنياً، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها مقارنة بنظيراتها، لارتفاع تكاليف الطاقة، كما سبق وأوضحنا، مضافاً إليه، انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين في مختلف دول العالم بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، فكانت النتيجة عجز المصنعين السوريين عن تصريف منتجاتهم في الأسواق الأجنبية التي كانت مفتوحة لهم سابقاً.
أما النتيجة الثانية: فكان دخول السلع المنتجة عربياً، بموجب اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية، إلى السوق السورية، بأسعار تقل بشكل ملحوظ عن أسعار نظيراتها من السلع السورية، بسبب الفرق في تكاليف الإنتاج والطاقة، وترافق ذلك مع الانخفاض غير المسبوق في القوة الشرائية للمواطن السوري، مما قلّص معدل الاستهلاك في السوق السورية بصورة فارقة للغاية.
وكانت خلاصة العجّة السابقة، حالة مذرية وصل إليها التجار والصناعيون في سوريا الذين تكدست منتجاتهم في المستودعات، وانهارت مصانع وتجارات بعضهم بصورة نهائية، وارتفعت أصوات هؤلاء، وهي في العادة أصوات مسموعة، لتستنجد بالحكومة، قبل فوات الأوان.
ولأن أصوات التجار والصناعيين مسموعة في أوساط حكومتنا، تحركت الأخيرة بخطوات حثيثة لإنقاذهم، واتخذت إجراءات عديدة أعادت إلى الذاكرة حقبة الإجراءات الحمائية التي كانت سورية تتبناها لحماية منتجاتها الوطنية من منافسة نظيراتها الأجنبية، فكان قرار حظر استيراد البضائع الصينية إلا من بلد المنشأ، ومن ثم اللجنة الحكومية التي شكّلت بغية تحديد حد أدنى للسلع المستوردة من الغزول والألبسة والصناعات النسيجية، بغية حماية الصناعة النسيجية السورية، وأخيراً قرار خفض سعر ليتر المازوت الذي سيعود بفائدة ملحوظة على الصناعيين في سوريا، الذين أقرّ بعضهم بأهمية هذه الخطوة، لكنهم لم يعتبروها كافية.
خطوات الحكومة الحثيثة لدعم الصناعة الوطنية وتفهم مطالب التجار السوريين، والاجتماعات الماراتونية التي باتت تعقد بصورة شبه يومية بين أقطاب الحكومة وبين غرف التجارة والصناعة السورية، تظهر مقدار اهتمام الحكومة بدعم المستثمرين السوريين من تجار وصناعيين، حتى لا ينهاروا تحت وطأة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وينهار معهم الجزء الأهم من الاقتصاد السوري، وهو اهتمام يجب وضعه موضع التقدير لوجاهته...ولكن...
ماذا كان نصيب المواطن السوري غير المحسوب لا على التجار ولا على الصناعيين، من خطوات الحكومة واهتماماتها؟
ربما علينا أن نذكّر أقطاب حكومتنا الرشيدة بأن غالبية مجتمعنا العظمى، ليسوا لا تجاراً ولا صناعيين، غالبيتهم العظمى، موظفو دولة، أو موظفو قطاع خاص مهضومي الحقوق، أو عمال مهن يحيون على المواسم، إن انتعشت، وينامون فارغي الجيب في أجواء الركود، أو فلاحين أنهكهم ارتفاع أسعار المازوت والأسمدة وقلة الأمطار، والباقي ممن يلقط رزقه من هنا وهناك حسب التيسير.
تلك هي الغالبية العظمى من مجتمعنا، ما هو مقدار ما حظيت به من اهتمامات الحكومة بعد أن دمّرت إجراءاتها القوة الشرائية لهذه الغالبية...أبناء هذه الغالبية هم الذين دفعوا أثمان ارتفاع أسعار حوامل الطاقة الذي انعكس ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار جميع السلع، مما جعل تجارنا يندبون حظهم في المواسم بسبب الركود وانخفاض معدلات الاستهلاك الذي ساد السوق السورية في المواسم المختلفة، مما يؤكد أن الحالة المعيشية لغالبية مجتمعنا باتت خطرة، وقدراتهم على الاستهلاك باتت متدنية للغاية.
الطامة الكبرى أن نصيب هذه الغالبية العظمى من مجتمعنا من إجراءات الحكومة لمعالجة الوضع، لم يكن أكثر من نصف ليرة، لا نعرف كيف سنحصلها في السرافيس والباصات العامة، فالتاجر أو الصناعي في سورية لن يخفّض أسعار سلعه، لأنه سيعتبر الانخفاض الأخير في سعر المازوت، دعماً حكومياً له، وليس للمواطن، وبما أن الحكومة تتبع نظام اقتصاد السوق "الاجتماعي" فهذا يعني أنها لن تجبر تجارنا وصناعيينا على خفض أسعار منتجاتهم، مما يعني أن خفض سعر المازوت لم يكن إلا خدمة لهؤلاء.
أما المواطن السوري العادي، فقد حصّل "نصف ليرة"، قد يجدها في قسم "العملات الأثرية" في متحف دمشق الوطني، من جراء التخفيض الأخير.
فهل عجزت الحكومة بأقطابها من ذوي الخبرة والتاريخ والممارسة، عن إيجاد سيناريوهات أكثر واقعية، وأكثر "إنسانية"، وأكثر تقديراً، للشريحة الأكبر في هذا المجتمع، لتخفيف ضغوط المعيشة القاتلة عنها، أم أن أصوات هذه الغالبية خافتة للغاية، في حين أصوات تجارنا وصناعيينا هي الأقدر على الوصول إلى مسامع أقطاب حكومتنا الرشيدة.
المصدر سيريا نيوز
الكهرباء أولاً، ومن ثم المازوت والبنزين، ومن ثم أسعار الفيول، ليتلو ذلك تداعيات ملحوظة نتجت عن تطورات الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت اقتصادات مختلف دول العالم.
التطوران السابقان، رفع أسعار حوامل الطاقة، ومن ثم تداعيات الأزمة المالية العالمية، أنتجا واقعين خطرين في الاقتصاد السوري، الأول: انخفاض غير مسبوق في القوة الشرائية المتاحة للمواطن السوري الذي ينتمي إلى الطبقات الوسطى العليا والوسطى الدنيا، عدا عن الفقيرة، وهي الشرائح التي تشكّل الغالبية الكبرى من المجتمع السوري. أما الثاني: فكان ارتفاع تكاليف إنتاج السلع الوطنية المختلفة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، مقابل انخفاض تكاليف إنتاج السلع المستوردة بسبب خطوات الدعم الملحوظة التي تبنتها مختلف دول العالم لحماية صناعاتها الوطنية من تداعيات الأزمة المالية العالمية.
الواقعان السابقان أنتجا حالتين خطرتين للغاية أيضاً، الأولى: انحصار أسواق التصدير وتقلصها أمام السلع والمنتجات السورية المصنعة وطنياً، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها مقارنة بنظيراتها، لارتفاع تكاليف الطاقة، كما سبق وأوضحنا، مضافاً إليه، انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين في مختلف دول العالم بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، فكانت النتيجة عجز المصنعين السوريين عن تصريف منتجاتهم في الأسواق الأجنبية التي كانت مفتوحة لهم سابقاً.
أما النتيجة الثانية: فكان دخول السلع المنتجة عربياً، بموجب اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية، إلى السوق السورية، بأسعار تقل بشكل ملحوظ عن أسعار نظيراتها من السلع السورية، بسبب الفرق في تكاليف الإنتاج والطاقة، وترافق ذلك مع الانخفاض غير المسبوق في القوة الشرائية للمواطن السوري، مما قلّص معدل الاستهلاك في السوق السورية بصورة فارقة للغاية.
وكانت خلاصة العجّة السابقة، حالة مذرية وصل إليها التجار والصناعيون في سوريا الذين تكدست منتجاتهم في المستودعات، وانهارت مصانع وتجارات بعضهم بصورة نهائية، وارتفعت أصوات هؤلاء، وهي في العادة أصوات مسموعة، لتستنجد بالحكومة، قبل فوات الأوان.
ولأن أصوات التجار والصناعيين مسموعة في أوساط حكومتنا، تحركت الأخيرة بخطوات حثيثة لإنقاذهم، واتخذت إجراءات عديدة أعادت إلى الذاكرة حقبة الإجراءات الحمائية التي كانت سورية تتبناها لحماية منتجاتها الوطنية من منافسة نظيراتها الأجنبية، فكان قرار حظر استيراد البضائع الصينية إلا من بلد المنشأ، ومن ثم اللجنة الحكومية التي شكّلت بغية تحديد حد أدنى للسلع المستوردة من الغزول والألبسة والصناعات النسيجية، بغية حماية الصناعة النسيجية السورية، وأخيراً قرار خفض سعر ليتر المازوت الذي سيعود بفائدة ملحوظة على الصناعيين في سوريا، الذين أقرّ بعضهم بأهمية هذه الخطوة، لكنهم لم يعتبروها كافية.
خطوات الحكومة الحثيثة لدعم الصناعة الوطنية وتفهم مطالب التجار السوريين، والاجتماعات الماراتونية التي باتت تعقد بصورة شبه يومية بين أقطاب الحكومة وبين غرف التجارة والصناعة السورية، تظهر مقدار اهتمام الحكومة بدعم المستثمرين السوريين من تجار وصناعيين، حتى لا ينهاروا تحت وطأة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وينهار معهم الجزء الأهم من الاقتصاد السوري، وهو اهتمام يجب وضعه موضع التقدير لوجاهته...ولكن...
ماذا كان نصيب المواطن السوري غير المحسوب لا على التجار ولا على الصناعيين، من خطوات الحكومة واهتماماتها؟
ربما علينا أن نذكّر أقطاب حكومتنا الرشيدة بأن غالبية مجتمعنا العظمى، ليسوا لا تجاراً ولا صناعيين، غالبيتهم العظمى، موظفو دولة، أو موظفو قطاع خاص مهضومي الحقوق، أو عمال مهن يحيون على المواسم، إن انتعشت، وينامون فارغي الجيب في أجواء الركود، أو فلاحين أنهكهم ارتفاع أسعار المازوت والأسمدة وقلة الأمطار، والباقي ممن يلقط رزقه من هنا وهناك حسب التيسير.
تلك هي الغالبية العظمى من مجتمعنا، ما هو مقدار ما حظيت به من اهتمامات الحكومة بعد أن دمّرت إجراءاتها القوة الشرائية لهذه الغالبية...أبناء هذه الغالبية هم الذين دفعوا أثمان ارتفاع أسعار حوامل الطاقة الذي انعكس ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار جميع السلع، مما جعل تجارنا يندبون حظهم في المواسم بسبب الركود وانخفاض معدلات الاستهلاك الذي ساد السوق السورية في المواسم المختلفة، مما يؤكد أن الحالة المعيشية لغالبية مجتمعنا باتت خطرة، وقدراتهم على الاستهلاك باتت متدنية للغاية.
الطامة الكبرى أن نصيب هذه الغالبية العظمى من مجتمعنا من إجراءات الحكومة لمعالجة الوضع، لم يكن أكثر من نصف ليرة، لا نعرف كيف سنحصلها في السرافيس والباصات العامة، فالتاجر أو الصناعي في سورية لن يخفّض أسعار سلعه، لأنه سيعتبر الانخفاض الأخير في سعر المازوت، دعماً حكومياً له، وليس للمواطن، وبما أن الحكومة تتبع نظام اقتصاد السوق "الاجتماعي" فهذا يعني أنها لن تجبر تجارنا وصناعيينا على خفض أسعار منتجاتهم، مما يعني أن خفض سعر المازوت لم يكن إلا خدمة لهؤلاء.
أما المواطن السوري العادي، فقد حصّل "نصف ليرة"، قد يجدها في قسم "العملات الأثرية" في متحف دمشق الوطني، من جراء التخفيض الأخير.
فهل عجزت الحكومة بأقطابها من ذوي الخبرة والتاريخ والممارسة، عن إيجاد سيناريوهات أكثر واقعية، وأكثر "إنسانية"، وأكثر تقديراً، للشريحة الأكبر في هذا المجتمع، لتخفيف ضغوط المعيشة القاتلة عنها، أم أن أصوات هذه الغالبية خافتة للغاية، في حين أصوات تجارنا وصناعيينا هي الأقدر على الوصول إلى مسامع أقطاب حكومتنا الرشيدة.
المصدر سيريا نيوز