Nihal Atsiz
11/04/2009, 19:17
تركمان الجولان
الجولان كلمة أطلقت كاسمٍ لمنطقة تقع في الجهة الجنوبية الغربية من الجمهورية العربية السورية وهي عبارة عن هضبة تغطيها الغابات والأعشاب بحلة خضراء جميلة، تربتها خصبة جداً، والأشجار الحراجية تغطي 16% من مساحتها وأمطارها غزيرة .
يعتمد سكان الجولان على الزراعة وتربية الحيوان ومدينة القنيطرة هي مركز الجولان وتبعد عن دمشق 67 كم، يحدها من الشرق سهول حوران في محافظتي دمشق ودرعا ومن الشمال جبل حرمون (جبل الشيخ) ومن الغرب بحيرة طبريا والحولة ونهر الشريعة ومن الجنوب نهر اليرموك أي يحدها ثلاث دول عربية هي لبنان من الشمال وفلسطين من الغرب والأردن من الجنوب، تبلغ مساحته (1860) كيلو متر مربع أحتلت إسرائيل معظم أراضي الجولان في عدوانها عام 1967م وبمساحة (1250) كيلو متر مربع بما فيها من 240 قرية ومزرعة ومدينة وأرغمت سكانها بالنزوح عنها وطردهم قسراً .
هجرة التركمان إلى الجولان وتواجدهم فيه .
وكما هو معلوم أن التركمان هاجروا إلى بلاد الشام على عدة مراحل أكبرها انطلقت في القرن الخامس الهجري والحادي عشر الميلادي تحت أسم السلاجقة التركمان بعد انتصارهم على الغزنويون في معركة داندنقان في خراسان بقيادة الأمير التركماني طغرل بك واتجاههم نحو الغرب إلى العراق و دخولهم بغداد عام 1040 م لإنهاء حكم البويهيين والتخلص من البساسيري وإعادة الخليفة القائم بأمر الله إلى عرشه في بغداد، فأصبح قادة السلاجقة التركمان بدأ من طغرل بك التركماني سلاطين الشرق والغرب، بنوا إمبراطورية كبيرة، امتدت حدودها في عهد ألب أرسلان وابنه ملك شاه من الصين شرقاً إلى إفريقيا غربا بما فيها بلاد الشام وتعتبر معركة ملاذكرد بقيادة القائد السلجوقي التركماني ألب أرسلان من المعارك المهمة في التاريخ الإسلامي، أنتصر فيها السلاجقة التركمان على جيوش الامبراطور الروماني أرنانوس ديجينيوس وتم أسر الامبراطور نفسه في تلك المعركة .
وعندما ترك السلطان ألب أرسلان مدينة حلب لقتال الروم استخلف ورائه القائد السلجوقي التركماني أتسز ابن أوق أحد قواد السلاجقة التركمان البارزين ليحرر الشام وينهي الحكم الفاطمي فيها .
توجه هذا القائد نحو دمشق وحاصرها فلم يستطع دخولها لحصانتها فجمع قبائل التركمان في منطقة الجولان وسار بهم إلى فلسطين فحرر معظم مناطقها وانتزع الرملة وطبريا وبيت المقدس من الفاطميين وأتخذ مدينة القدس مركزا لغاراته على دمشق حتى تم فتحها وحررها واستلمها دون قتال عام 1076 م وأصبح أتسز سيد بلاد الشام وأصبحت دمشق مقر إقامته .
في هذه الفترة توضعت بعض القبائل التركمانية في الجولان وفلسطين، ولم تتوقف هجرات القبائل التركمانية إلى منطقة الجولان وأخذت تتواصل بين المد والجزر وكانت آخر هذه الهجرات هجرة قبائل اليورك في أواخر العهد العثماني إذ هاجرت من الأناضول وتوضعت في قرية عين عيشة، وسكن قسم منهم مع الشركس في قرى جويزة – عين زيوان – الفحام – الغسانية – القنيطرة، فكانت منطقة الجولان عبارةً عن خزانٍ يستقطب الهجرات التركمانية من الأناضول وآذربيجان .
استقرار التركمان في الجولان
أن فعاليات تنقل التركمان في الجولان كانت تشمل حتى مناطق صفد وعكا ومرج ابن عامر في فلسطين غرباً وجبل حرمون (جبل الشيخ) شمالاً وسهول حوران شرقاً ووادي اليرموك جنوبا، حيث كان لهم نظام خاص في التنقل السنوي يسمى (يايلاق وقيشلاق) ويايلاق تعني المصيف فيما تعني قيشلاق المشتى، وكان من عادة تركمان الجولان أن يسكنوا في بيوت متنقلة دائرية مصنوعة من اللباد تسمى (أوتاغ) ثم استبدلت هذه البيوت إلى بيوت من شعر الماعز سميت بـ (قيل أوي) وذلك في فترة اليايلاق، فيما سكنوا بيوتهم المصنوعة من الحجارة ذات السقوف القرميدية الحمراء والتي تسمى (چاتيلي أو) في فترة القيشلاق.
اختار التركمان أراضي منطقة القطاع الأوسط من الجولان وهي في الوقت عينه منطقة قريبة من الحدود السورية الفلسطينية وذلك لوفرة المياه والينابيع وكونها من أخصب مناطق الجولان ووقوعها على طريق دمشق – القنيطرة – فلسطين، وعلى ضوء تطويب الأراضي والتملك الذي تم في الجولان تملك التركمان أراضي قراهم وذلك بشكلٍ رسمي وهذه القرى هي القادرية التي تتوسط قرى التركمان وكانت مركز رئاسة العشائر التركمانية ثم سنديانة – عين القرة – رزانية – ضبية – أحمدية – عين السمسم وتقع هذه القرى إلى الجنوب من طريق دمشق - القنيطرة المؤدي إلى فلسطين أما القرى التي تقع في شمالها هي كفر نفاخ – المغير – حفر- حسينية التركمان – عين العلق ـ عليقه، وأما قرية عين عيشة فسكانها من قبائل اليورك هاجروا من الأناضول عام 1860 ، وتقع هذه القرية إلى الجانب الأيمن من الطريق المؤدي من القنيطرة إلى الحمة فالأردن، ويقدر عدد سكان التركمان في الجولان بحدود 40 ألف يقطنون اليوم بعد نزوحهم من قراهم واحتلال أراضيهم بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 في أحياء مدينة دمشق مثل المزة – برزة – عش الورور - الحجر الأسود – التضامن ـ جوبر – القدم – جديدة عرطوز - والذيابية ضمن أحياء سميت بأسمائهم وقليل منهم سكنوا في حمص وحلب.
الدور الوطني للتركمان في الجولان
خاض التركمان معارك مصيرية عديدة، ومن هذه المعارك معركة ملاذكرد بقيادة السلطان السلجوقي التركماني آلب أرسلان ومعركة ساحة الدم في منطقة عفرين في بلاد الشام بقيادة الغازي آرتق التركماني ومعركة عين جالوت الشهيرة ضد المغول بقيادة السلطان المظفر قطز والسلطان بيبرس القبجاقي البندقداري وقلاوون وأحفادهم الذين طردوا الصليبيين من سواحل بلاد الشام.
والسلطان نور الدين محمود الزنكي الذي قضى كل حياته وهو يقارع الفرنجة حتى آخر قطرة دم في عروقه، ومن قبله والده السلطان التركماني عماد الدين الزنكي وجده قسيم الدولة آق سنقر ومن ثم البطل التركماني مظفر الدين كوكبوري قائد جيش صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وما استشهاد يوسف العظمة التركماني على أرض الوطن في معركة ميسلون إلا برهاناً لهذا الهدف العظيم الذي لا يعلو عليه أي هدف آخر إلا الشهادة في سبيله وهذا ما كان يدركه أبطال التركمان تماماً.
وتركمان الجولان من هذه الشريحة التي آمنت بحبها لدينها وانتمائها لوطنها والتفاني بأرواحهم ضد من يدنس تربتها منذ وجودهم تحت سمائها.
لقد جبلت أجسادهم من أديم هذه التربة، فاعلة متفاعلة بأعماق نفوسهم وأرواحهم لا وجود لهم إلا بها ولا حياة لهم إلا عليها.
لم يخطر على بالهم يوماً من الأيام بهجرانها أو هجرتها وحتى في أحلك الظروف وذلك بعد عدوان عام 1967 كما هاجر الكثيرون غيرهم إلى بلاد بعيدة عن هذا الوطن الأبي مع أن الفرص لهم بالمهاجرة سانحة أكثر من غيرهم إلى بلاد الترك عامة أو التركمان خاصة أو حتى إلى بلاد أخرى، لكن حب الوطن لديهم لا يعلو عليه أي حب آخر، فهو من بديهيات حياتهم ومن ضروريات وجودهم كالماء والهواء تماماً.
قاتلوا الصليبيين في هذه المنطقة، وضحوا من أجلها وقدموا الشهداء على أرضها ثم أصبحوا رديفاً للقوات النظامية واحتياطاً للجيش المقاتل في زمن السلاجقة والزنكيين والأيوبيين والمماليك ولعبوا أدواراً كبيرة وهامه في معاركهم مع العدو كما أنهم حافظوا على وطنهم في عهد الامبراطورية العثمانية والإستعمار الفرنسي ومن ثم في العهد الوطني منذ الاستقلال 1946
شارك تركمان الجولان في معارك حاصبيا ومرج عيون ضد القوات الفرنسية المحتلة واستشهد منهم العديد، كما شاركوا في المظاهرات الإحتجاجية ضد المحتل الفرنسي في مدينة القنيطرة كغيرهم من القوميات في الجولان، وكانت المشاركات التركمانية متميزة في تنظيمها وترتيبها وقوة فاعليتها على قوات العدو ورفع الروح الوطنية بين الجماهير وتأجيج حماسهم الوطني
وشارك زعماؤهم في حضور الإجتماعات الوطنية التي كانت تعقد في مدينة القنيطرة وفي دمشق من أجل النضال الوطني واستقلال البلاد ولم يكونوا أقل من غيرهم في سلوكهم ومشاركاتهم الوطنية في سبيل الاستقلال وتحرير البلاد من الاستعمار الأوربي وعلى رأسهم فرنسا، وعندما دخل جيش الإنقاذ العربي إلى فلسطين عام 1948 م شكل تركمان الجولان مجموعة من الخيالة المسلحين بقيادة زعيمهم فائز عيد آغا، إذ كانت تذهب يومياً إلى مواقع متقدمة من الحدود الفلسطينية كراديفٍ لجيش الإنقاذ، ثم للجيش السوري بعد احتدام وتطور المعارك مع الصهاينة لرصد المواقع ومراقبة العدو كما شاركوا في المعارك بنقل الجرحى وإخلائهم من أرض المعارك إلى المواقع الخلفية والمشافي الميدانية وقد عاصر كبار السن جميعهم تلك المواقف وهم يعونها بشكل جيد وشاهدوها بأم أعينهم ورووها لمن لم يعش تلك المأساة، وفي بداية موسم الشتاء عينه آثر معظم سكان قرى التركمان في الجولان على أنفسهم في إيواء العديد من القطعات العسكرية المتواجدة على الحدود مع فلسطين في قراهم وقاسموهم بيوتهم السكنية البسيطة لتقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف إيماناً منهم بأن هذه القوات حماة الوطن ودرعها القوي وحارسها الأمين، وساهم الكثير من التركمان وبشكل فعّال في هذه الفترة بشق العديد من الطرق العسكرية وبناء التحصينات والخنادق القتالية على طول الجبهة القتالية مع العدو لتدعيم القدرة العسكرية لجيشنا الباسل في بداية حروبه مع القوات الإسرائيلية حتى عام 1963 وقدموا لقواتنا كل المساعدات المطلوبة والتي من الممكن تقديمها.
وفي عدوان حزيران عام 1967 واحتلال الجولان من قبل العدو الإسرائيلي كان العديد من شباب قرى التركمان التي تواجدت فيها ثكنات عسكرية يقومون بالمساهمة ومد يد العون لقواتنا المسلحة في تحميل الذخائر وحرق وإتلاف كل ما يمكن أن يستفيد منه العدو الصهيوني، فكان ذلك سبباً في تعرضهم إلى القصف الجوي من قبل الطائرات المعادية، فجرح واستشهد العديد منهم لكنهم لم يبالوا ما دام العمل في سبيل الوطن.
آثر معظم سكان قرى التركمان في الجولان البقاء في قراهم وعدم النزوح منها بعد الإحتلال الإسرائيلي لمنطقة الجولان على الرغم من شتى وسائل التهديد والوعيد التي مورست عليهم، لكن العدو لم يستطع تحقييق ما أراد، فلجأ للأساليب اللا إنسانية التي استعملها العدو الصهيوني في طردهم وترك كل ما يملكونه في بيوتهم لأن هدف العدو هو احتلال الأرض وطرد السكان وهذا ما حققه كما قام العدو باعتقال شباب التركمان وأقنعوا أهاليهم بأنهم سيعدمونهم ما لم يغادروا وهذه من جملة الأساليب التي اتبعواها في التخويف والترهيب.
فالتركمان في الجولان هم قومية حافظت على سمعتها الطيبة ووطنيتها المتميزة منذ تواجدها فوق هذه التربة المعطائة، لم يكونوا في يوم من الايام إلا مواطنين طيبين يتفانون في خدمة وطنهم بحب وإخلاص ولم يكونوا مدافعين عنها إلا دفاع الأبطال في ساحات الوغى، حياتهم وفاء للوطن وموتهم جهاد في سبيله فهم آخر من ترك قراهم وبيوتهم تحت حراب العدو الظالمة، وآخر من ودع قبور آبائهم وأجدادهم وآخر من شاهد العدو وهو يدنس طهر تربتها وصفاء سمائها ونقاء مياهها وشموخ مرتفعاتها وهضابها وبعيون تدمع بالأسى وقلوبٍ تقطر بالدماء وعقول أذهلتها بشاعة تلك الجريمة.
لكن إيمانهم لم يتزعزع رغم مرارة المأساة، مأساة الطرد والتهجير والبعد عن الدار والديار، لكنهم على العهد في حب الوطن، وعلى دروب النصر والتحرير سائرون في إعادة الحق وعودة الأرض المغتصبة وطرد الأعداء من غير رجعة.
لم يبخل تركمان الجولان بالنفس والنفيس في سبيل الوطن وحماية أرضه واستقلاله والحفاظ على كرامة وعزة أبنائه بل قدم التركمان العديد من الشهداء في معارك الاستقلال ومعارك فلسطين والعدوان الصهيوني عام 1967 وحرب 1973 وغيرها من المعارك إلى جانب مساهماتهم اللوجستية العديدة لقواتنا في الخطوط الأمامية من الجبهة مع العدو الصهيوني.
الجولان كلمة أطلقت كاسمٍ لمنطقة تقع في الجهة الجنوبية الغربية من الجمهورية العربية السورية وهي عبارة عن هضبة تغطيها الغابات والأعشاب بحلة خضراء جميلة، تربتها خصبة جداً، والأشجار الحراجية تغطي 16% من مساحتها وأمطارها غزيرة .
يعتمد سكان الجولان على الزراعة وتربية الحيوان ومدينة القنيطرة هي مركز الجولان وتبعد عن دمشق 67 كم، يحدها من الشرق سهول حوران في محافظتي دمشق ودرعا ومن الشمال جبل حرمون (جبل الشيخ) ومن الغرب بحيرة طبريا والحولة ونهر الشريعة ومن الجنوب نهر اليرموك أي يحدها ثلاث دول عربية هي لبنان من الشمال وفلسطين من الغرب والأردن من الجنوب، تبلغ مساحته (1860) كيلو متر مربع أحتلت إسرائيل معظم أراضي الجولان في عدوانها عام 1967م وبمساحة (1250) كيلو متر مربع بما فيها من 240 قرية ومزرعة ومدينة وأرغمت سكانها بالنزوح عنها وطردهم قسراً .
هجرة التركمان إلى الجولان وتواجدهم فيه .
وكما هو معلوم أن التركمان هاجروا إلى بلاد الشام على عدة مراحل أكبرها انطلقت في القرن الخامس الهجري والحادي عشر الميلادي تحت أسم السلاجقة التركمان بعد انتصارهم على الغزنويون في معركة داندنقان في خراسان بقيادة الأمير التركماني طغرل بك واتجاههم نحو الغرب إلى العراق و دخولهم بغداد عام 1040 م لإنهاء حكم البويهيين والتخلص من البساسيري وإعادة الخليفة القائم بأمر الله إلى عرشه في بغداد، فأصبح قادة السلاجقة التركمان بدأ من طغرل بك التركماني سلاطين الشرق والغرب، بنوا إمبراطورية كبيرة، امتدت حدودها في عهد ألب أرسلان وابنه ملك شاه من الصين شرقاً إلى إفريقيا غربا بما فيها بلاد الشام وتعتبر معركة ملاذكرد بقيادة القائد السلجوقي التركماني ألب أرسلان من المعارك المهمة في التاريخ الإسلامي، أنتصر فيها السلاجقة التركمان على جيوش الامبراطور الروماني أرنانوس ديجينيوس وتم أسر الامبراطور نفسه في تلك المعركة .
وعندما ترك السلطان ألب أرسلان مدينة حلب لقتال الروم استخلف ورائه القائد السلجوقي التركماني أتسز ابن أوق أحد قواد السلاجقة التركمان البارزين ليحرر الشام وينهي الحكم الفاطمي فيها .
توجه هذا القائد نحو دمشق وحاصرها فلم يستطع دخولها لحصانتها فجمع قبائل التركمان في منطقة الجولان وسار بهم إلى فلسطين فحرر معظم مناطقها وانتزع الرملة وطبريا وبيت المقدس من الفاطميين وأتخذ مدينة القدس مركزا لغاراته على دمشق حتى تم فتحها وحررها واستلمها دون قتال عام 1076 م وأصبح أتسز سيد بلاد الشام وأصبحت دمشق مقر إقامته .
في هذه الفترة توضعت بعض القبائل التركمانية في الجولان وفلسطين، ولم تتوقف هجرات القبائل التركمانية إلى منطقة الجولان وأخذت تتواصل بين المد والجزر وكانت آخر هذه الهجرات هجرة قبائل اليورك في أواخر العهد العثماني إذ هاجرت من الأناضول وتوضعت في قرية عين عيشة، وسكن قسم منهم مع الشركس في قرى جويزة – عين زيوان – الفحام – الغسانية – القنيطرة، فكانت منطقة الجولان عبارةً عن خزانٍ يستقطب الهجرات التركمانية من الأناضول وآذربيجان .
استقرار التركمان في الجولان
أن فعاليات تنقل التركمان في الجولان كانت تشمل حتى مناطق صفد وعكا ومرج ابن عامر في فلسطين غرباً وجبل حرمون (جبل الشيخ) شمالاً وسهول حوران شرقاً ووادي اليرموك جنوبا، حيث كان لهم نظام خاص في التنقل السنوي يسمى (يايلاق وقيشلاق) ويايلاق تعني المصيف فيما تعني قيشلاق المشتى، وكان من عادة تركمان الجولان أن يسكنوا في بيوت متنقلة دائرية مصنوعة من اللباد تسمى (أوتاغ) ثم استبدلت هذه البيوت إلى بيوت من شعر الماعز سميت بـ (قيل أوي) وذلك في فترة اليايلاق، فيما سكنوا بيوتهم المصنوعة من الحجارة ذات السقوف القرميدية الحمراء والتي تسمى (چاتيلي أو) في فترة القيشلاق.
اختار التركمان أراضي منطقة القطاع الأوسط من الجولان وهي في الوقت عينه منطقة قريبة من الحدود السورية الفلسطينية وذلك لوفرة المياه والينابيع وكونها من أخصب مناطق الجولان ووقوعها على طريق دمشق – القنيطرة – فلسطين، وعلى ضوء تطويب الأراضي والتملك الذي تم في الجولان تملك التركمان أراضي قراهم وذلك بشكلٍ رسمي وهذه القرى هي القادرية التي تتوسط قرى التركمان وكانت مركز رئاسة العشائر التركمانية ثم سنديانة – عين القرة – رزانية – ضبية – أحمدية – عين السمسم وتقع هذه القرى إلى الجنوب من طريق دمشق - القنيطرة المؤدي إلى فلسطين أما القرى التي تقع في شمالها هي كفر نفاخ – المغير – حفر- حسينية التركمان – عين العلق ـ عليقه، وأما قرية عين عيشة فسكانها من قبائل اليورك هاجروا من الأناضول عام 1860 ، وتقع هذه القرية إلى الجانب الأيمن من الطريق المؤدي من القنيطرة إلى الحمة فالأردن، ويقدر عدد سكان التركمان في الجولان بحدود 40 ألف يقطنون اليوم بعد نزوحهم من قراهم واحتلال أراضيهم بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 في أحياء مدينة دمشق مثل المزة – برزة – عش الورور - الحجر الأسود – التضامن ـ جوبر – القدم – جديدة عرطوز - والذيابية ضمن أحياء سميت بأسمائهم وقليل منهم سكنوا في حمص وحلب.
الدور الوطني للتركمان في الجولان
خاض التركمان معارك مصيرية عديدة، ومن هذه المعارك معركة ملاذكرد بقيادة السلطان السلجوقي التركماني آلب أرسلان ومعركة ساحة الدم في منطقة عفرين في بلاد الشام بقيادة الغازي آرتق التركماني ومعركة عين جالوت الشهيرة ضد المغول بقيادة السلطان المظفر قطز والسلطان بيبرس القبجاقي البندقداري وقلاوون وأحفادهم الذين طردوا الصليبيين من سواحل بلاد الشام.
والسلطان نور الدين محمود الزنكي الذي قضى كل حياته وهو يقارع الفرنجة حتى آخر قطرة دم في عروقه، ومن قبله والده السلطان التركماني عماد الدين الزنكي وجده قسيم الدولة آق سنقر ومن ثم البطل التركماني مظفر الدين كوكبوري قائد جيش صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وما استشهاد يوسف العظمة التركماني على أرض الوطن في معركة ميسلون إلا برهاناً لهذا الهدف العظيم الذي لا يعلو عليه أي هدف آخر إلا الشهادة في سبيله وهذا ما كان يدركه أبطال التركمان تماماً.
وتركمان الجولان من هذه الشريحة التي آمنت بحبها لدينها وانتمائها لوطنها والتفاني بأرواحهم ضد من يدنس تربتها منذ وجودهم تحت سمائها.
لقد جبلت أجسادهم من أديم هذه التربة، فاعلة متفاعلة بأعماق نفوسهم وأرواحهم لا وجود لهم إلا بها ولا حياة لهم إلا عليها.
لم يخطر على بالهم يوماً من الأيام بهجرانها أو هجرتها وحتى في أحلك الظروف وذلك بعد عدوان عام 1967 كما هاجر الكثيرون غيرهم إلى بلاد بعيدة عن هذا الوطن الأبي مع أن الفرص لهم بالمهاجرة سانحة أكثر من غيرهم إلى بلاد الترك عامة أو التركمان خاصة أو حتى إلى بلاد أخرى، لكن حب الوطن لديهم لا يعلو عليه أي حب آخر، فهو من بديهيات حياتهم ومن ضروريات وجودهم كالماء والهواء تماماً.
قاتلوا الصليبيين في هذه المنطقة، وضحوا من أجلها وقدموا الشهداء على أرضها ثم أصبحوا رديفاً للقوات النظامية واحتياطاً للجيش المقاتل في زمن السلاجقة والزنكيين والأيوبيين والمماليك ولعبوا أدواراً كبيرة وهامه في معاركهم مع العدو كما أنهم حافظوا على وطنهم في عهد الامبراطورية العثمانية والإستعمار الفرنسي ومن ثم في العهد الوطني منذ الاستقلال 1946
شارك تركمان الجولان في معارك حاصبيا ومرج عيون ضد القوات الفرنسية المحتلة واستشهد منهم العديد، كما شاركوا في المظاهرات الإحتجاجية ضد المحتل الفرنسي في مدينة القنيطرة كغيرهم من القوميات في الجولان، وكانت المشاركات التركمانية متميزة في تنظيمها وترتيبها وقوة فاعليتها على قوات العدو ورفع الروح الوطنية بين الجماهير وتأجيج حماسهم الوطني
وشارك زعماؤهم في حضور الإجتماعات الوطنية التي كانت تعقد في مدينة القنيطرة وفي دمشق من أجل النضال الوطني واستقلال البلاد ولم يكونوا أقل من غيرهم في سلوكهم ومشاركاتهم الوطنية في سبيل الاستقلال وتحرير البلاد من الاستعمار الأوربي وعلى رأسهم فرنسا، وعندما دخل جيش الإنقاذ العربي إلى فلسطين عام 1948 م شكل تركمان الجولان مجموعة من الخيالة المسلحين بقيادة زعيمهم فائز عيد آغا، إذ كانت تذهب يومياً إلى مواقع متقدمة من الحدود الفلسطينية كراديفٍ لجيش الإنقاذ، ثم للجيش السوري بعد احتدام وتطور المعارك مع الصهاينة لرصد المواقع ومراقبة العدو كما شاركوا في المعارك بنقل الجرحى وإخلائهم من أرض المعارك إلى المواقع الخلفية والمشافي الميدانية وقد عاصر كبار السن جميعهم تلك المواقف وهم يعونها بشكل جيد وشاهدوها بأم أعينهم ورووها لمن لم يعش تلك المأساة، وفي بداية موسم الشتاء عينه آثر معظم سكان قرى التركمان في الجولان على أنفسهم في إيواء العديد من القطعات العسكرية المتواجدة على الحدود مع فلسطين في قراهم وقاسموهم بيوتهم السكنية البسيطة لتقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف إيماناً منهم بأن هذه القوات حماة الوطن ودرعها القوي وحارسها الأمين، وساهم الكثير من التركمان وبشكل فعّال في هذه الفترة بشق العديد من الطرق العسكرية وبناء التحصينات والخنادق القتالية على طول الجبهة القتالية مع العدو لتدعيم القدرة العسكرية لجيشنا الباسل في بداية حروبه مع القوات الإسرائيلية حتى عام 1963 وقدموا لقواتنا كل المساعدات المطلوبة والتي من الممكن تقديمها.
وفي عدوان حزيران عام 1967 واحتلال الجولان من قبل العدو الإسرائيلي كان العديد من شباب قرى التركمان التي تواجدت فيها ثكنات عسكرية يقومون بالمساهمة ومد يد العون لقواتنا المسلحة في تحميل الذخائر وحرق وإتلاف كل ما يمكن أن يستفيد منه العدو الصهيوني، فكان ذلك سبباً في تعرضهم إلى القصف الجوي من قبل الطائرات المعادية، فجرح واستشهد العديد منهم لكنهم لم يبالوا ما دام العمل في سبيل الوطن.
آثر معظم سكان قرى التركمان في الجولان البقاء في قراهم وعدم النزوح منها بعد الإحتلال الإسرائيلي لمنطقة الجولان على الرغم من شتى وسائل التهديد والوعيد التي مورست عليهم، لكن العدو لم يستطع تحقييق ما أراد، فلجأ للأساليب اللا إنسانية التي استعملها العدو الصهيوني في طردهم وترك كل ما يملكونه في بيوتهم لأن هدف العدو هو احتلال الأرض وطرد السكان وهذا ما حققه كما قام العدو باعتقال شباب التركمان وأقنعوا أهاليهم بأنهم سيعدمونهم ما لم يغادروا وهذه من جملة الأساليب التي اتبعواها في التخويف والترهيب.
فالتركمان في الجولان هم قومية حافظت على سمعتها الطيبة ووطنيتها المتميزة منذ تواجدها فوق هذه التربة المعطائة، لم يكونوا في يوم من الايام إلا مواطنين طيبين يتفانون في خدمة وطنهم بحب وإخلاص ولم يكونوا مدافعين عنها إلا دفاع الأبطال في ساحات الوغى، حياتهم وفاء للوطن وموتهم جهاد في سبيله فهم آخر من ترك قراهم وبيوتهم تحت حراب العدو الظالمة، وآخر من ودع قبور آبائهم وأجدادهم وآخر من شاهد العدو وهو يدنس طهر تربتها وصفاء سمائها ونقاء مياهها وشموخ مرتفعاتها وهضابها وبعيون تدمع بالأسى وقلوبٍ تقطر بالدماء وعقول أذهلتها بشاعة تلك الجريمة.
لكن إيمانهم لم يتزعزع رغم مرارة المأساة، مأساة الطرد والتهجير والبعد عن الدار والديار، لكنهم على العهد في حب الوطن، وعلى دروب النصر والتحرير سائرون في إعادة الحق وعودة الأرض المغتصبة وطرد الأعداء من غير رجعة.
لم يبخل تركمان الجولان بالنفس والنفيس في سبيل الوطن وحماية أرضه واستقلاله والحفاظ على كرامة وعزة أبنائه بل قدم التركمان العديد من الشهداء في معارك الاستقلال ومعارك فلسطين والعدوان الصهيوني عام 1967 وحرب 1973 وغيرها من المعارك إلى جانب مساهماتهم اللوجستية العديدة لقواتنا في الخطوط الأمامية من الجبهة مع العدو الصهيوني.