-
عرض كامل الموضوع : حـــنان الأغــا
The morning
28/05/2009, 08:21
حنـان الآغـا من مواليد 1948 .. فنـانه و كـاتبه و شـاعره فلسطينيه الأصـل .. اشـتهرت في مجـال الرسم و القصـّه و القيت بعض اشعارها في الاذاعات العربيه .. حاصله على بكالوريوس فنون و تربيه من جامعه القاهره للخبرات العملية ..
متـزوجه من الأردني مبارك السـيوف و لها منـه ابنـتها الممـثله الأردنيـه صـبا مبـارك ..
توفيـت الآغا في 19 نـيسان 2008 ..
للأطـلاع على أعمالها في مجـال الرسم يـُرجى الضغط هنا
بتـصريف :D
The morning
28/05/2009, 08:26
و قـالت الشـجره
غمست فرشاةألوانها للمرة الثالثة في كوب القهوة الخزفيّ ، وصاحت بنزق وبصوت متباك كأنها طفلةتحس بالذنب . ماذا أفعل الآن؟ هل أعد القهوة للمرة الرابعة؟؟ خلال أقل من ساعة؟؟وفكرت.. لم لا تخطىء بالاتجاه الآخر؟ إن كانت تخطىء بوضع الفرشاة في القهوة بدلا منالنفط فلماذا لا ( تخطىء ) وتضعها في الكوب الصحيح؟!!
حملت كوبها بيدها اليمنىوسارت باتجاه المطبخ الصغير الذي يفصله عن صومعتها ، عفوا ، مرسمها قاطع بخزائنخشبية صغيرة تستخدم سطحها لوضع الأطباق والفناجين والفاكهة ، وأحيانا ( لفرْش ) أدواتها وخاماتها اللونية ،وفي حالات خاصة تتربع فوقه وهي ترسم عندما تتعب من طولالوقوف.
ولكي تنفي عن الخزائن صفة المطبخ ها هي قد ثبتت عليها من جهة الصومعةلوحات قديمة من بقايا أيام الدراسة فأضافت بذلك لمسة عفوية جميلة للمكان .
تناولت علبة البن ، وأغمضت عينيها تشتمّ عبير البن الطازج الذي تقيم له طقسايوميا قصيرا بشغف يضاهي رسم لوحة .. تحمص بنفسها حبات البن الخضراء بعناية وتحرقهاقليلا ، ثم تنتقي مطحنة بن من العديد من المطاحن التي تحب اقتناءها ،بعضها خشبيوالآخر نحاسي… بمتعة شديدة تفرغ البن في علبته وتعد قهوتها من بن وماء فقط. لاإضافات .
ها هي الآن تهز العلبة بيدها اليسرى ولا بن ! لا بن تعني لا قهوة لماتبقّى من ليل !!
اقتربت من النافذة التي تطل على الحديقة وكادت أغصان من شجرةالصنوبر السامقةتلامس وجهها ، ورائحتها المنعشة تتخلل رئتيها ولكنها لم تبتسمكعادتها.نظرت أمامها ، ثم ألقت علبة البن إلى الحديقة ، ونظرت إلى الكوب الخزفي الذيتراقصت فوق سطح القهوة فيه دوائر طافية شكلها النفط الآتي من الفرشاة ، وهمت بإلقائهمن النافذة إلا أن يدها الأخرى استطاعت أن تتلقفه قبل أن يهبط على بلاط الأرضيةويتكسر ، فتناثرت قطرات القهوة الملوثة بالنفط على شعرهاو وجهها وثوبها ويديها وكلشيء .تنفست بعمق . الحمد لله أني لم أفعلها .. قالتها وهي تمسح عينيها بظاهر يدها .. لا بأس ، علبة البن معدنية وأحضرها في الصباح .أما أنت؟؟ لا لا وضمته كطفل إلىصدرها .. لقد صنعته بيدها منذ كان تربة جافة وحولته إلى طين شكلته وزخرفته و(خبزته) .زاغت عيناها عن المشهد كله وشردت بعيدا عن الزمان والمكان ، لقد انسحبتإلى لا زمان ولا مكان.. هي الآن غير موجودة . ربما هي كينونة أثيرية لا ملمس لها .. هي هناك فقط . لم يستطع جفناها حبس دفقة من الدمع انهمرت وامتزجت ببقايا القهوةورائحة النفط على خديها ، وشرقت بضحكة لا تفسير لها . قلبت الكوب الخزفي بيد وتحسستقاعدته الخارجية بإصبعي يدها الأخرى السبابة والوسطى وتلمست الحرفين المحفورينعميقا هناك. وما زالت نظراتها خارج النافذة بعيدا في منطقة غير موجودة .هناك . هذهال(هناك)تخلط كل الأمور ، ولكنها قبضت على الكوب بيديها وسارت به إلى حوض الأطباقفغسلته وجففته بعناية وهي تتحسس ملمسه الحي .. إنه طين ، والطين تراب ، وأنامنتراب .. وكلنا إليه..هناك رابط في التكوين الأولي وهذا يكفي.
هو عمر انفلت منعمرها !
هو عنصر مفقود في عناصر تكوينها !
هي أشبه ما تكون بحبة دواء تشفيومصنوعة حسب الوصفة الأصلية ولكن ينقصها مادة ما غير متوفرة محليا ، هي ليست إذنمسألة حياة أو موت .. ذات الشكل وذات الفائدة ولكن التركيب مختلف بما هو غيرملحوظ.
هي كذلك الآن . ترسم ما زالت، تلون الأرض والسماء ولكن ألوانها ليستبدرجة التشبع ذاتها ، ولن يميز أحد هذا سواها .. الحمد لله .
مزيد من دموع غسلتما تبقى من بقع القهوة إلا أنها تحس بلسع في وجهها من أثر النفط.حملت الكوب وصعدتفوق كرسي قريب ووسدته خزانة معلقة في أعلى مكان في صومعتها .. ثم نزلت وسارت باتجاهالماء ، غسلت وجهها واستدارت إلى النافذةوأغمضت عينيها وهي تستنشق عبيرالأغصان الحرجية وتخرج زفيرا متقطعا بحركة كأنها الصفير لتخرج ما تبقى مختزنا منذدهور .. بينما قطرات الماء تقطر من وجهها ، ثم فتحت عينيها تستقطب ما قبل بزوغالفجر من مسحات ضوء لا يبين ، وقالت للشجرة.. سأرسمك الآن . .
حـنان الأغـا
achelious
30/05/2009, 16:40
متابع معك ..:D
The morning
31/05/2009, 23:44
رسـاله من سـمكه كنـعانيه
هي رسالتي الأولى إليك ، بعد مرور كل هذه السنوات بكل ما احتفَظَتْ به من صور الأمكنة فهذا هو جلقدرتها ، فهي تفشل في حمل المكان لكنها تستطيع حمل الصور. ستصلك رسالتي هذه وأدري ،رغم المسافة ، ورغم الجدران وأعلَمُ ، أنْ لا جدران تقوى على منعها من الوصول إليك،إلى حبك وثورتك العارمة ، إلى هدوئك وعتوِك ، إلى جبروتك وانكساراتك .
هذا ماكنت أردده طيلة الوقت وها أنا أقوله الآن ، فهل تعرف ماذا كان يسألني عندما يسمعأصداء الهدير في أعماقي؟ كان يقول مستغربا :_ كيف لمذاق الملح أن يسكنك وأنت ماتذوقته أبدا؟!وكان يقول :_ كيف لتلك الروائح أن تعشش في ذاكرتك وهي لمتعيها ؟ !كنت أرد بأن ذاكرتي هي بعض منه ،و هي أنا أخرى تنطبق على مقاساتي ،فيكونني وأكونه .وهي بذرة غرسها أسلافي فأنبتت طلوعا ، أما الجذور فقد امتدتوامتدت وطالت واستدقت حتى لامست جلدي، فاخترقت مسامه وصولا إلى روحي فصارت عشقا .
كانت كلماتي تسقط على روحه حجارة ، ولم أكن أغضب ، بل كنت أرثي له . كيف لمثلهأن يفهم؟كيف لمثله أن يعي ذاكرة هي ذرات رمال حملت كل منها خليطا من الأمكنةوالأزمنة والماء والملح والروائح ، ثم حملتها الرياح إليّ وحدي هنا.أنظر إليهطويلا فيرتبك ، ثم كمن يدافع عن نفسه ينبري بلسانه المثقف يحلل التاريخ ويشرحالجغرافيا ويقول : _ لقد جاء الفلسطينيون من . . .
تقاطعه الذاكرة وتكمل: أما آن لك أن تفهم ؟ أنا سمكة كنعانية قذفها إعصار ما ، فعلقت في شباك ما في حيز خارجالأمكنة والأزمنة ،فلا هي قادرة على العودة إلى بحرها ، ولا هي ترضى ببحار الدنياعنه بديلا .ها أنا ما زلت عالقة منذ بدء التكوين ، تكويني الذي ينتمي إلى مكانلا يشبه الأمكنة ، وزمان انتُزِع من شريط الأزمنة .عالقة أنا هنا يا صديقي ولاأعرف كيف أفسر لك ذلك . أعرفك ذكيا ، وأدرك اهتمامك بي ، واهتمامي بك أيضا ، وأعرفأنك ستعذرني ، فقلبي هناك ، وأنفاسي تغوص عميقا ترقب ميلاد الموجات الهادرة وهيتقبل على الشاطىء بعنفوان الجياد الأصيلة تخب خببا ، هي تعتقد أنها ستنازل هذهالبيوت البيضاء ذات الجدران (لرخصة)ف نهارها وليلها تغازل الماء ، لكن هذهالموجات ما أن تصل إلى جدراننا الرقيقة حتى تتكسر عند أقدامها حبا وتحنانا._ كيف وماذا؟ لا تسلني أيها الصديق فالأشياءلا تفسر نفسها . اقبلها كما هي.
رمقهاالرجل مبتسما للمرة الأولى :_ كي أفهمك ، يجب أن أكونك . ابتسمت المرأةابتسامة غريبة وهي تنظر إلى الزرقة الممتدة تحتها . وأكمل :_لكي أكونك لابد منالقيام بأشياء تحلمين بها وتحول ضباب الكلمات إلى سطوع الحقيقة ._نعم . نعم . قالتها بصوت بدا له متهدجا للمرة الأولى منذ عرفها .
فتحت حقيبتها الصغيرةوتناولت منها قارورة عطر أفرغت محتوياتها في الفضاء من عل حيث تجلس ، ثم طوتالرسالة طيات متعددة ودفعتها داخل القارورة ، ثم أغلقتها بإحكام. قبلتها ، ورفعتذراعها تهم بإلقائها لكنه كان أسرع منها ، فقد مد ذراعه وأمسك يدها والقارورة ،وبحركة دائرية قوية انفلتت القارورة بعيدا لتتلقفها أمواج بحرها رغم اختلاف المكان .
حنــان الآغا
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة