-
عرض كامل الموضوع : حول النظرية التفكيكية لدريدا
أوس المبارك
12/08/2009, 07:39
مرحبا يا جماعة .. هي أول مشاركة إلي بالموقع .. بتمنى تنال الاهتمام، وبالطبع هيي بدها تنحفظ عالجهاز وتنقرا بغير وقت القعدة عالنت ..
جاك دريدا ، ونظرية التفكيك
بقلم : س . رافيندران
ترجمة : خالدة حامد
يعد التفكيك deconstruction أهم حركة ما بعد بنيوية في النقد الأدبي فضلاً عن كونها الحركة الأكثر إثارة للجدل أيضاً . وربما لا توجد نظرية في النقدالأدبي قد أثارت موجات من الإعجاب وخلقت حالة من النفور والامتعاض مثلمافعل التفكيك في السنوات الأخيرة . فمن ناحية نجد أن بعض أعمدة النقد ( مثلج. هيليس ميلر وبول دي مان وجيفري هارتمن وهارولد بلوم ) هم رواد التفكيك على الصعيدين النظري والتطبيقي على الرغم من تباين أسلوبهم وحماسهم ، ومنناحية أخرى نجد أن الكثير من النقاد الذين ينضوون في خانة النقد التقليدييبدون سخطهم على التفكيك الذي يعدونه سخيفاً وشريراً ومدمراً . ولم يخل أي مركز فكري في أوروبا وأمريكا من الجدل في قيمة هذه النظرية الجديدة في النقد .فهل أن التفكيك مدمر حقاً ؟ إذا كان الجواب نعم ، كيف يكون ذلك ولماذا ؟وإذا كان الجواب لا ، فلماذا هذا الرعب ؟ لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلةإلا بعد فهم مفاهيم التفكيك الأساسية وتقويمها ، ولعل أفضل موضع ننطلق منه لتحقيق غايتنا هو كتاب " في علم الكتابة " (2) Grammatology Of الذي يعدلسان التفكيك … العمل البارز الذي أنجزه جاك دريدا ، الفيلسوف والناقدالفرنسي .وأناأعتقد أن البحث الذي يتقصى دريدا ونظريته في التفكيك تواجهه عقبتانرئيستان ، الأولى أوجدها أسلوب دريدا نفسه المتسم بإثارة الحيرة فضلاً عنمصطلحاته ومفاهيمه ، أما الأخرى فهي سلسلة الآراء النقدية التي تعد تأويلات interpretations غير وافية أو سوء تأويلات misinterpretations محتملة ، على الرغم من الضوء الذي تسلطه على بعض المفاهيم الصعبة التيشكلها دريدا . وسأعمد إلى توثيق بعض هذه التعليقات النقدية قبل الشروعبوصف وتقويم مفاهيم التفكيك .يؤكد م. هـ. ابرامز M. H. Abrams أن أبرز جزء في نظرية دريدا هو : " 1ـأنه ينقل بحثه من اللغة إلى الكتابة ، النص المكتوب أو المطبوع ، 2ـ أنه يتصور النص بطريقة محددة غير اعتيادية " (3) . ولم يعمد أبرامز إلى تبسيط مكانة دريدا بوصفه تفكيكياً من خلال مساواته مع البنيويين الفرنسيين الآخرين حسب ، بل إنه شوهه إلى حد كبير حينما حاول تعريف بعض الكلمات الأساسية في النقد التفكيكي مثل " الكتابة " ecriture و " النص" text .
وقد بين أن الكتابة عند دريدا هي النص المطبوع أو المكتوب وأن مفهوم النصمحدد على نحو غير اعتيادي .وسأبرهنفي معرض تقييمي لدريدا وتعليقي عليه أن ما جاء به أبرامز لا يتعدى كونهحفنة من سوء التأويلات التي لم يحدثنا فيها عن ماهية التفكيك بل عن أمورلا تمت إلى التفكيك بصلة .أمانيوتن غارفر Newton Garvar فهو معلق آخر على دريدا ، إذ يؤكد أن دريداواحد من فلاسفة اللغة ، وأنه يشدد على أسبقية البلاغة على المنطق :ينضويدريدا تحت لواء الحركة التي تنظر إلى الأثر الذي تلعبه الملفوظات utterances في الخطاب الفعلي على أنه يمثل ماهية اللغة والمعنى ، والذيبسبب ذلك يعد المنطق مستنبطاً من المسوغات البلاغية (4) .وقدحظيت المحاجة التي تقول أن التفكيك حقل معرفي بلاغي ، بدعم هيليس ميلرالذي يقول : " إن التفكيك بحث في الإرث الذي يخلفه المجاز والمفهوم والسردفي أحدهما الآخر ، ولهذا السبب يعد التفكيك حقلاً معرفياً بلاغياً " (5) .
ويعتقد موراي كريغر Murray Krieger أن دريدا " بنيوي نقدي تغلب علىالبنيوية وقهرها ، وربما يكون قد أبطلها أيضاً " وأضاف إن الهجوم الذي شنهدريدا يعد " شكلاً أكثر حداثة لذلك الهجوم القديم الذي شنه أفلاطون علىالشاعر بوصفه خالق أساطير" (6) . ويؤكد فريدريك جيمسون Fredric Jemson أنفكر دريدا ينفي وهم تخطي الميتافيزيقيا والهرب من النموذج القديم لغرضتمحيص الجديد وغير المكتشف (7) .ومنالممكن أن تكون هذه التعليقات مصدر تضليل إذا عددناها بياناً أو تقويماًسليماً لنظرية دريدا ، على الرغم من فائدتها في سيرورة البحث في التفكيك ،فنحن حينما نعد دريدا مع بقية فلاسفة اللغة الذين يعتقدون أن المنطقمستنبط من البلاغة ، فإن هذا يعني سد الطريق أمام إمكان إدراك حداثةأفكاره ، كما إن مساواة دريدا بأفلاطون والتأكيد أن دريدا يكرر النزاعالقديم مع الأسطورة myth يمثل إساءة لمكانة دريدا ، والتأكيد على أن دريدالم يفعل شيئا سوى نقل الاهتمام من " الكلام " إلى "الكتابة " وبذا فإن حصرالنص في حجيرة خاصة ، لهو سوء تأويل حقاً . إذ ينبغي للمرء أن يكون حذراًعند مقاربة المصادر الثانوية الرامية إلى فهم دريدا والتفكيك . وقد انقسمالنقاد على فريقين … فهم أما يخفقون في فهم دريدا أو يسيئون تأويل أفكاره ، ولهذا السبب لا يمكن الاعتداد بالمادة الثانوية ، ولا يمكن أن نعدهاطرقاً سالكة توصل إلى عالم التفكيك ، لكن مع ذلك يوجد نقاد آخرون أمثالهارولد بلوم Harold Bloom وهيليس ميلر وبول دي مان Paul DeMan وجيفريهارتمن Jeoffrey Hartman الذين هم بقدر أصالة دريدا ، إلا أن كل واحد منهميشكل مدرسة تقريباً ونادراً ما يفسر دريدا … المعلم العظيم الأول للتفكيك .
ويعد فهم دريدا الخطوة الأولى على طريق فهم التفكيك ، ومما لا شك فيه أنالخطوة الأولى تستدعي مماحكة أفكار دريدا .يمكن القول إن النظرية التفكيكية بحاجة إلى الكثير من التحليلات الجديدةوإن أية محاولة يقوم بها أي ناقد يحاول تحليل هذه النظرية لا تحتاج إلىالتعريف بالتفكيك بالضرورة لأن مثل هذه النظرية المعقدة والشائكة تستعصيعلى التعريف . وعلى العكس من ذلك بإمكان المرء محاولة تفسير المصطلحاتالأساسية التي شكلها دريدا لتدمير النقد التقليدي وتسهيل فعل التفكيك …وهذه هي الخطوة الأولى التي سأقوم بها هنا ، وسأنوي بعد وصف المصطلحاتوتحليلها التي جاء بها دريدا الإجابة عن السؤال الذي يخص الكيفية التييتمكن بها التفكيك من إعادة توجيه النقد الأدبي ، وسأبين في المراحلالنهائية من تحليلي إن ما وصف بالسخف هو ليس كذلك وإن للتفكيك مضامينروحية .ومنالجدير بالذكر أن " الكتابة " و " الكلام " كلمتان محوريتان يمكن أن يبدأبهما فهمنا . وتتمتع هاتان الكلمتان بدلالة خاصة في المفاهيم التقليديةللغة ، إذ أن هذه المفاهيم تنص على أسبقية الكلام وأولويته على الكتابة ،وإن الكلمة المنطوقة " صوت" phone كلمة غير خارجية ولها القدرة على المحوالذاتي . كما تُعرف الكلمة المنطوقة بأنها صورة صوتية (سمعية) وظيفتها هياستحضار المفهوم الذي تمثله الصورة الصوتية . وتتلاشى الكلمة المنطوقة أوالصورة الصوتية في سيرورة استحضار المفهوم ، ولهذا السبب فإنها بوصفهادالاً تطفئ نفسها في سيرورة التدليل على المدلول الذي يكون هو الأكثرأهمية من أي شيء آخر . ولا يمكن تصور هذا المدلول إلا من خلال الصورةالصوتية التي هي الدال .
ومن الممكن أن نلاحظ هنا أن ثمة شيئا أشبهبالثالوث في هذه العلاقة : الذهن الإنساني ، الدال (الصورة الصوتية ) ،المدلول (المفهوم) .والآن ، ما المكانة التي تحتلها الكلمة المكتوبة في الفهم التقليدي للغة ؟انطلاقاً من المفهوم التقليدي للغة تعرّف الكلمة المكتوبة بأنها التمثيلالكتابي للكلمة المنطوقة : وبهذا الصدد فإنها دال الكلمة المنطوقة … وهكذافإن " الكلمة المكتوبة هي دال الدال وتعد ثانوية بالنسبة إلى الكلمةالمنطوقة " ولا يمكن أن تقوم الكلمة المكتوبة بأي شيء عدا تمثيل الكلمةالمنطوقة في حين أن الكلمة المنطوقة هي الدال . فإذا أردت أنا استحضارمفهوم " زهرة " ينبغي لي عندئذ أن أنطق صوت " زهرة " (زَهْرَ ة) ، والدالهو هذه الصورة الصوتية أو الصورة السمعية . لكني حينما أكتب كلمة " زهرة "فما عليّ سوى تمثيل الصورة الصوتية من خلال بنية كتابية graphic structure . ولا ترتبط هذه الصورة الكتابية بأية صلة بالمفهوم ، بل أن الصورةالكتابية لا تستطيع تمثيل المفهوم لأنها بنية مرئية للصورة الصوتية غيرالمرئية حسب ، أنها شيء أشبه بالطيف . وهي ثانوية بالنسبة إلى الصورةالصوتية ومن الممكن إهمالها ، بل لا بد من إهمالها .وتنبغيالإشارة هنا إلى أن الحجج التقليدية التي نسبت مكانة ثانوية إلى الكلمةالمكتوبة ومكانة رئيسة للكلمة المنطوقة هي حجج ميتافيزيقية ولاهوتية (file:///C:/Users/THEPOE%7E1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif . وكتب دريدا في تعليقه على الأساس الميتافيزيقي الذي يرتكز عليه مفهوم الكلمة المنطوقة قائلاً :
…. إن فهم الله هو الاسم الآخر للوغوس logos بوصفه حضوراً ذاتياً . ومنالممكن أن يكون غير متناه وحاضرٍ ذاتياً ، كما يمكن توليده من خلال الصوتبوصفه صفة ذاتية . إنه ترتيب الدال الذي يمكن للذات من خلاله أن تستعير منخارج ذاتها الدال الذي تبعثه وتؤثر فيه في الوقت نفسه . وكذا الحال معتجربة الصوت ، إذ تحيا هذه التجربة وتعلن عن نفسها بوصفها إقصاءً للكتابة ، بمعنى آخر إقصاءً للدال " الخارجي " ، " المحسوس " ، " المكاني " الذييعيق الحضور الذاتي (9) .ويؤكددريدا أن مفهومي الكلام والكتابة التقليديين " يحيلان إلى خارج المعنى" (10) logocentric ، وهذا مصطلح مهم آخر يستعمله دريدا ليعني به ما هو متجهميتافيزيقياً أو ما هو متجه لاهوتياً (11) . ولكي أكون أكثر دقة أود أنأوضح أن مفهومي الكلام والكتابة قد شكلتهما واشترطتهما وتحكمت بهماالميتافيزيقا . والحق إن هذا " التمركز حول اللوغوس " هو " تمركز حولالصوت " phonocentrism .. ذلك الاعتقاد الذي يرى أن الصوت يقارب الواقعالمتعالي (12) transcendental . ونجد في نظرية دريدا أن التمركز حولاللوغوس والتمركز حول الصوت هما مصطلحان مختلفان يمثلان ظاهرة واحدة :النشوء الميتافيزيقي metaphysical genesis لمفهوم الكلام والفهم .
ويركزالتمركز حول اللوغوس والتمركز حول الصوت على الصوت لأن هذين المفهومينيتولدان من الاعتقاد القائل أن الصوت يتوسط بين العقل الإنساني والواقعالمتعالي . ويمكن القول أن هذه الحجة مقاربة للمفهوم الهندي لسلطة الـ mantras . الذي يمكن تعريفه " بأنه صوت أو سلسلة من الأصوات . ونحن نعتقدأن للصوت سلطة لأننا نرى أن بإمكانه إثارة السلطة المتعالية ؛ إذ تعزىالأهمية إلى نبرة الكلمات التي ننطقها … فكيف يمكن لصوت كلمة معينة نطلقعليها اسم " mantra" أن يكون متمتعاً بالسلطة ؟ إنه يتمتع بهذه الميزةلأننا نرى أن الصوت يعمل وسيطا بين اللوغوس والسلطة المتعالية . وأنا لاأسعى هنا إلى تأكيد أن المفهوم الغربي التقليدي الخاص بالتمركز حولاللوغوس ، التمركز حول الصوت هو المفهوم نفسه الخاص بـ mantra لكني أؤكد وجود أوجه تشابه .
أوس المبارك
12/08/2009, 08:05
ونلاحظفي التفكيك أن ثمة عنصراً آخر هو " التمركز حول الكتابة " graphocentrism ، وهو مصطلح مهم بحاجة إلى التفسير قبل الدخول في صلب نظرية دريدا . ومنالممكن أن نبدأ القول بأن الكتابة writing كتابية graphic ، وأن الجرافيم grapheme هو حرف في الأبجدية أو أنه مجموع الحروف أو المجموعات الحرفيةالتي من الممكن أن تشير إلى الفونيم phoneme ( الذي يمكن تعريفه بأنه أصغروحدة كلام تميز ملفوظا ما أو كلمة ما من ملفوظ آخر أو كلمة أخرى في اللغة) . وإذا علمنا أن الكتابة كتابية لذا يمكن القول أن الجرافيم ، تبعاً إلىما يذكره المفهوم التقليدي ، دال صرف يقصد به أن وحدة الكتابة ليس لها أيةصلة عدا كونها تمثل الصورة الصوتية . ولهذا السبب يمكن القول أن المقصودبالتمركز حول الكتابة هو انتقال الأهمية من الكلام إلى الكتابة ، وهو يمثلقلباً للمفهوم التقليدي القائل بأولوية الكلام أو الكلمة المنطوقة علىالكتابة أو الكلمة المكتوبة .وهناكعدد من النقاد يعتقد أن التفكيك الذي جاء به دريدا يعد انتقالاً منالتمركز حول اللوغوس إلى التمركز حول الكتابة (13) ، وهذه ليست ملاحظةبريئة ولا بد من التعبير عن دلالتها قبل الاسترسال في التفسير ، وأنا أرىأن أفضل طريقة لتوضيح هذه المسألة هي محاولة تبسيط الأمر من خلال القياس .فإذا كان بالإمكان مقارنة الكتابة والكلام والمفهوم الذي يمثلونه بالجسدوالروح والواقع المتعالي فعندئذ يكون التركيز على الكلام هو التركيز علىالروح ( والتركيز على الكلام هو التركيز على التمركز حول الصوت والتمركزحول اللوغوس) . أما التركيز على الكتابة فهو التركيز على الجسد ( والتركيزعلى الكتابة هو التمركز حول الكتابة). فإذا كان التفكيك تمركزاً حولالكتابة ، وإذا كان التمركز حول الكتابة يعني التركيز على الكتابة فعندئذيمكن تعريف التفكيك بأنه رفض لأولوية الروح وسلطة الوسيط ، وإنه تحد لماهو أخلاقي ، إنه الانغمار في الحياة الدنيوية، إنه يعني اختفاء الرب … فهلمن المقنع أن نقول أن التفكيك عدمي nihilistic؟ يمكن القول أن هذهالتوكيدات كلها صحيحة ، والجواب عن الأسئلة أعلاه هو " نعم " عن كل مايقوله دريدا ، وكل ما يقصده التفكيك . سأعود لهذه المشكلة بعد دراسةمصطلحات دريدا التي تعمل بصفة أدوات تفكيكية .فبعدأن عرض دريدا الأساس الميتافيزيقي واللاهوتي لمفهومي الكلام والكتابة ،شرع في فحص مسألة الوصف اللساني للغة والمفاهيم التي يحاول الوصف بناءها .والحق أن دريدا يأتي كرد فعل على نظرية سوسير التي تقول إن العلامة sign اللسانية هي وحدة الدال والمدلول . وتزعم اللسانيات الحديثة ، التي ترتكزعلى مفهوم الدال والمدلول ، والبنيوية ، التي تدين لذلك المفهوم ، أنهماجعلتا من دراسة اللغة وفعل النقد حقلين معرفيين علميين ، وقد بين دريدا أنهذا الزعم هو خداع حسب لأن مفهوم الدال والمدلول في اللغة الذي جاءنا مناللسانيات هو صورة أخرى لمفهوم الكلام والكتابة التقليدي . وقد لاحظ دريدافي أثناء عرضه للعلاقة المتبادلة بين الميتافيزيقا واللاهوت ، ما يأتي :دائماًما يوحي مفهوم العلامة داخل ذاته بالفرق بين الدال والمدلول … حتى إن تمتمييزهما بأنهما وجهان لعملة واحدة ، ولهذا السبب يبقى هذا المفهوم ضمنتراث مفهوم التمركز حول اللوغوس الذي هو في حقيقته تمركزاً حول الصوت :التقارب المطلق بين الصوت واللصوت والكينونة being ، وللصوت ومعنىالكينونة ومثالية المعنى . ( OG, p. 112 )
ولهذاالسبب فإن نسق اللغة الذي يقال أن اللسانيات جعلته علمياً وأن البنيويةاستعارته بحماس بوصفه نموذجاً للنقد ، هو في حقيقته النسق القديم نفسه ،أي نسق " التمركز حول اللوغوس – التمركز حول الصوت " الذي هو نتاجالميتافيزيقا .ومنالواضح أن دريدا حشر الميتافيزيقا واللسانيات في خانة واحدة وهذا يعني أنالميتافيزيقا فسحت المجال أمام اللساني ليتصور ظاهرة اللغة في ضوء القطبيةالثنائية ، بمعنى أن المفاهيم الميتافيزيقية ـ مفهوم الواقعي والمثالي ،مفهوم الجسد والروح ، مفهوم الخير والشر ـ قد فسحت المجال أمام اللسانيومكنته من تصور اللغة في ضوء قطبية ثنائية مشابهة . وتعد الحجة اللسانية ،التي تقول أن الصورة السمعية تستحضر المفهوم ( أي أن الدال يستحضرالمدلول) ، تركيزاً على أولوية الكلمة المنطوقة على الكلمة المكتوبة ،وبهذا الصدد فإن اللسانيات البنيوية هي صورة معدلة عن الإهمال التقليديللكتابة ، ذلك الإهمال الذي نتج عن النفور الفلسفي والميتافيزيقي منالطابع الخارجي والمرئي والمجسد للكلمة المكتوبة ، ويتضح من ذلك أن خلفمفهوم اللغة التقليدي ، وخلف مفهوم العلامة اللسانية عند سوسير كمنتميتافيزيقا على شكل قوة اشتراطية قوية .وقدأطلق دريدا تسمية " المفهوم المبتذل للكتابة " على مفهوم الكتابة الذيأهمله مفهوم اللغة التقليدي واللسانيات الحديثة ، وعدّه مفهوماً ثانوياً ،أي شيئاً ليس له وجود إلا لغرض تمثيل الصوت الذي تجسده الكتابة . ويضيفقائلاً أن الاعتقاد الذي ساد في التراث الغربي بصدد الكتابة هو أنها "الحرف " و " النقش المرئي " و " الجسد والمادة " الخارجية بالنسبة إلىاللوغوس . وهذا هو المفهوم المبتذل تحديداً . وقد نبذ دريدا هذا المفهومالمبتذل الذي كان يوجه فهمنا للغة ، على الرغم من أننا لم نكن واعين بهتماماً ، مثلما وجه أداءنا في ميدان النقد الأدبي من خلال دفعنا إلىالاعتقاد بأن كل شيء يستنبط المعنى ويعطيه فقط حينما يرتبط بفكرة ما ،والتي ينبغي أن ترتبط ، بالمقابل ، بفكرة أخرى وهكذا دواليك بحيث أن هذهالأفكار كلها ستتجمع في فكرتنا عن الكينونة المتعالية ، ولهذا السبب أصبحتفكرتنا عن الكينونة المتعالية تعمل بمثابة فكرة تتحكم في أفكارنا عن اللغة ، وأفكارنا في النقد … وهكذا أصبح نقد قصيدة ما اكتشافاً لمعناها… ذلكالمعنى الذي يعد فكرة أو مفهوماً يمكن ربطه بفكرة أخرى ، وستتجمع عمليةربط الأفكار بعضها بالآخر في فهمنا للكينونة المتعالية. ومن الجديربالإشارة أن جميع شذرات الأفكار التي يمكن نسجها فينسق واحد ، يجمعهامركز واحد تمثله فكرتنا عن الكينونة المتعالية وإن احتمالية النسق توحيبوجود المجموع . ويمكن تعريف المبدأ الجمعي بأنه فكرة الكينونة التي هيإبداع الميتافيزيقيا . وقد تمثلت محاولة دريدا بتحرير فهمنا للغة وفعلالنقد من هذا التأثير الجمعي الذي مارسته الميتافيزيقا ، وتوصل إلى عمليةالتحرير هذه من خلال صياغته لمصطلحين جديدين من الممكن أن يبطلا مفهوماللغة القديم وطريقة النقد القديمة . إلا أن أذهاننا خضعت لاشتراطات الفهمالتقليدي للغة سواء كنا واعين بذلك الفهم أم لا . فنحن حينما نزعم إنناصغنا أفكاراً جديدة فإننا لم نفعل في حقيقة الأمر سوى تحويل الأفكارالقديمة . فعلى سبيل المثال إن المصطلحات اللسانية التي جاء بها سوسير ـالتي يقال أنها أحدثت ثورة في فهمنا للغة ـ هي نتاج آخر للميتافيزيقا ؛فنحن نكرر أنفسنا حينما نقول إن نسق اللغة الجديد علمي . والحق أنبالإمكان أن تتولد أفكار جديدة حينما تكون أذهاننا محايدة . وإن القصد منوراء عرض دريدا للأساس الميتافيزيقي للغة والنقد هو دفع أذهاننا إلىالحيادية لأننا ندرك تماماً أن ظاهرة طبيعية تماماً مثال اللغة تخفي فيداخلها بذور الميتافيزيقا ، بل حتى التفسير العلمي للغة الذي قدمه سوسيرهو في الحقيقة ضحية الميتافيزيقا . وقد شرع دريدا ، بعد عرض الأساسالميتافيزيقي الذي تقف عليه اللغة ، في صياغة مصطلحاته الخاصة التيبإمكانها توليد فهم جديد للغة .. وتشكل هاتان الخطوتان بنية التفكيك .وسأبدأ الآن بوصف المصطلحات التفكيكية وتقويمها .لقد استند مفهوم الكتابة الجديد الذي صاغه دريدا إلى ثلاث كلمات معقدةجداً ، هي : الاختلاف difference والأثر trace والكتابة الأصلية [الأولى] (14) arche - writing. وسأعمل على تفسير كل مصطلح من هذه المصطلحات الثلاثبأوسع قدر ممكن تسمح به محددات هذا المشروع ، وسأبين الكيفية التي تؤديبها هذه المصطلحات إلى فعل التفكيك. فالاختلاف يشير إلى فعلينactions : 1 ـ أن يختلف ، أن لا يكون متشابهاً " differ " 2ـ أن يرجئ ويؤجل (15) (11) " defer" . وينبغي الانتباه إلى إن الأول مكاني spatial والثاني زماني temporal . ويرى دريدا أن كل علامة تؤدي هذه الوظيفة المزدوجة : أيالاختلاف والتأجيل ، ولهذا السبب تكون بنية العلامة مشترطة من قبلالاختلاف والتأجيل ، وليس من خلال الدال والمدلول ، بمعنى إن بنية العلامةهي الاختلاف الذي يعني أن العلامة شيء لا يشبه علامة أخرى ، وشيء غيرموجود في العلامة على الإطلاق . ويمكن توضيح ما ذكرناه بالمثال الآتي :فنحن نميز بين كلمتيthree [وتعني ثلاثة] و tree [تعني شجرة](16) في الكلاموالكتابة ، فهما مختلفتان تماماً وتكشفان عن هويتهما . ويعد هذا الاختلافإحدى القوتين الموجودتين في كل علامة . أما القوة الأخرى في العلامة فهيقدرتها على الإرجاء ، أي قابليتها على التأجيل . فعلى سبيل المثال إن كلمة " وردة " في قصيدة ما لا تبدأ بكشف المعنى إلا حينما ندرك أنها ليست تلكالوردة التي نراها في الواقع ، بل أن لها شيئاً آخر ، ذلك الشيء الذيينبغي اكتشافه . ولهذا السبب فإن العلامة نصفها واف والنصف الآخر غير وافٍ ، وهذه الحقيقة ضرورية لبداية فهمنا إلا إنها غير كافية بسبب نقصها .ومثلما أكد سوسير فإن العلامة هي ليست " الدال + المدلول " بل العلامة هي " الاختلاف + الإرجاء " . ويرى سوسير أن العلامة اتحاد في حين يراها دريدااختلاف .وبماإن العلامة غير وافية وناقصة لذلك ينبغي أن تفهم على إنها " تحت الشطب [المحو] " under erasure وهو مصطلح صاغه دريدا ليشير إلى عدم كفايةالعلامات ونقصها . فهي مكتوبة لكنها مع ذلك مشطوبة ، فنحن نشطبها لنشيرإلى نقصها . ولهذا السبب تحمل كل علامة هذه الإشارة عليها . فعلى سبيلالمثال إن كلمة " مرئي " التي استعملها آنفاً لم تحمل أية إشارة واضحةعليها ، لكنها علامة على الرغم من ذلك . لكن إذا نظرنا اليها من زاويةتفكيكية فإنها ستظهر عندئذ علامة مشطوبة ، على النحو الآتي : " مرئي " .وينبغي ألا نأخذ فكرة تشطيب العلامة على نحو حرفي ، بل على نحو إيحائي فقط . فهذه الشطبة توحي بنقص العلامات وعدم كفايتها ، بل عدم قطعيتها . إذ لاتوجد علامة يمكن أن نقول عنها انها دال لشيء أزلي ، فهي لا تتمتع بأيةقيمة مطلقة ، كما إنها لا تحيل أي شيء متعالٍ .. فالعلامة سياقية contextual ، وهي تخلق سراب المدلول ، وإن جل ما تستطيع القيام به أنهاترسلنا بحثاً عما تحتاج هي إليه وتذكرنا بما هو غير كائن فيها . ولهذاالسبب إن العلامة " أثر " ، فهي ليست التمثيل المرئي أو الكتابي المحسوسللصورة الصوتية بل إنها الأثر الذي يصفه دريدا بأنه ليس طبيعياً ، ( أيإنه ليس الإشارة أو العلامة الطبيعية أو المؤشر index بالمعنى الهوسرلي ) ، أكثر من كونه ثقافياً ، وإنه ليس مادياً أكثر من كونه نفسياً ، وإنه ليسبايولوجياً أكثر منه روحياً .إنما هو كائن في العلامة يحرك الذهن باتجاه ما هو غير كائن فيها ، ولهذاالسبب فإن ما هو موجود في العلامة يحمل أثر ما هو غير موجود فيها ،وتستطيع العلامة أسر الذهن لأن بمقدورها أن تذكرنا بما هو غير موجود فيها ، وتستطيع عبر هذا التذكير تحفيز الذهن ودفعه إلى الحركة . وهكذا نقول أنالعلامة أثر ، وتحمل في أثرها قوتين هما الاختلاف والإرجاء . لذا صار منالضروري أن يتغير مفهوم الكتابة مع ظهور مصطلحي " الاختلاف " و " الأثر"إذ ما عاد بالإمكان الإبقاء على تعريفها بأنها " الحرف " و " النقشالمحسوس " و " الجسد والمادة " الخارجية بالنسبة إلى العقل . وعند محاولةدريدا تعريف الكتابة وضح ذلك قائلاً : "... إنها النقش inscription عموماً ، سواء كان ذلك حرفياً أم غير حرفي حتى وإن كان ما تم توزيعه في الفراغغريباً عن نظام الصوت..."(OG, p. 9) (17) . وبهذا المعنى يمكن أن نعدالتصوير السينمائي والرقص والباليه والموسيقى والنحت جميعها كتابة . وقدلاحظ دريدا عند التوسع بمفهوم الكتابة هذا أن :قديتحدث المرء أيضاً عن الكتابة الرياضية ( أي الرياضة عموماً ) أو الكتابةالعسكرية أو السياسية في ضوء التقنيات التي تتحكم بهذه المجالات حالياً .وهذا لا يصف نسق الدلالة الذي يرتبط ارتباطا ثانوياً بهذه الأنشطة حسب ،بل يصف أيضاً ماهية هذه الأنشطة ذاتها ومضمونها. ( OG, p. 9
عن مجلة "أفق"
أوس المبارك
12/08/2009, 08:07
جاك دريدا ونظرية التفكيك (2)فاللغة بذاتها هي كتابة ضمن ذلك المعنى ( GO, p. 8 ). وقد لاحظ غايتاري سبيفاك Gayatri Spivak أن : " ثمة شيء يحمل في داخله أثر التغير الأزلي ، أي بنية النفس ، بنية العلامة . ويطلق دريدا على هذه البنية اسم " الكتابة" (18). وقد ذكر سبيفاك الملاحظة الآتية في معرض توضيحه لمفهوم الكتابة : " هكذا نجد أن الكتابة هي اسم البنية التي يسكنها الأثر دائماً . وهذا مفهوم أوسع من المفهوم التجريبي للكتابة الذي يشير إلى نسق دلالة تجريبي على جوهر مادي " (OG, p. xxxix) .
وقد أطلق دريدا تسمية " الكتابة الأصلية " على الفرق بين مفهوم الكتابة هذا ومفهوم الكتابة المبتذل الضيق . وتعمل الكتابة الأصلية في التعبيرات الكتابية وغير الكتابية . والكتابة بمعناها الضيق تعد كتابية graphic تعتمد مفهوم الجرافيم الذي هو في حقيقته دال صرف . أما في النظرية التفكيكية التي حدد دريدا أبعادها ، فقد أصبح لصفة الكتابية معنى مختلفاً عن المعنى الذي كان متداولاً في الاستعمال التقليدي . ويمكن القول أن الشكل الكتابي graphe هو " أثر متمأسس (19) institutionalized " ( GO, p. 46) .
وقد أصبح لتوجه النظرية التفكيكية نحو التمركز حول الكتابة دلالة تضمين واسعة بسبب الأثر المتمأسس ، ولهذا السبب فإن التغيير الذي أحدثه دريدا لم يكن تغييرا بالأهمية التي تمتع بها مفهوم الكلام على مفهوم الكتابة ، قدر تعلق الأمر بالفهم التقليدي لهذه المصطلحات . إذ يوحي التمركز حول الكتابة ، بالمعنى الذي حدده دريدا ، بالتوجه الذي يسلكه الفهم على نحو يدفع الذهن إلى تصور وظيفة الأثر في أنواع التعريف كلها التي تسير الوعي أو الإدراك . فالأثر يبدي عمله في صورة البورتريت (الصورة الشخصية) ، والملصق الجداري (البوستر) واسم العَلَم ، والإيماءة والكلمة المنطوقة والكلمة المكتوبة ، وغيرها . ويمثل التمركز حول الكتابة الإدراك الجديد لوظيفة الأثر . فأنا حينما أتصور صورة شخصية يبدأ ذهني أو إدراكي بالعمل رغبة مني في فهم دلالة هذه الصورة ، وتعد عملية اشتعال الذهن غير مادية . فالذهن يتحرك بحثاً عن شيء بعيد عما موجود في الصورة (بمعنى البحث عن شيء خلّف بصماته الشبحية على الصورة) ، وتلك هي وظيفة الاختلاف . في حين أن البصمة الشبحية هي الأثر . لأن الأثر بذاته غير موجود ( GO, p. 167) . ويمكن تعريف التمركز حول الكتابة بأنه هذا الإدراك الحسي الجديد بأن شيئاً ما ، شيئاً غائباً ، قد ترك بصماته ( بصماته الشبحية ) على الموضوعات التي تخلق حركات معينة في الذهن (وتلك البصمات الشبحية هي الأثر) .ويبدأ الأثر بالعمل من خلال الاختلاف والإرجاء (الاختلاف + الإرجاء = الاخـ" ت " لاف) (20) .ويتم عرض مفهوم اللغة التقليدي بوصفه أسطورة .. فقد كان ينطوي بداخله على شيء باطني [صوفي] : مثل قرب الصوت من المدلول ، وغيرها . ونلاحظ أن العنصر الباطني هو العنصر الميتافيزيقي ، فقد كانت الميتافيزيقا تسيطر على مفهومنا للغة . وقد صاغ دريدا مصطلحات جديدة وشكل مفاهيم جديدة حتى يتكون فهم للغة متحرر من مفهوم الميتافيزيقا . ولهذا السبب يعد تحرير فهم اللغة من الميتافيزيقا إزالة للغموض والحيرة ، إذ يتم التخلص من العنصر الغامض تماماً . وإن إزالة الغموض هو في حقيقته إزالة للأسطرة (الطابع الأسطوري) أيضاً (21) . ومن الصواب أن نقول أن التفكيك يبدأ بإزالة ما هو باطني وإزالة الأسطرة في الفهم التقليدي للغة.لقد انطوت دراستنا هذه للتفكيك على ثلاث مراحل ، تمثلت المرحلة الأولى في تسليط الضوء على مفهومي الكلام والكتابة ، واشتملت على مسألتين مركزيتين هما : السبب الذي يكمن وراء الاعتقاد السائد الذي يقول بأسبقية الكلام وأولويته على الكتابة ، وما مدى البعد الذي وصلته الميتافيزيقا في تأثيرها . ودرسنا في المرحلة الثانية الزعم اللساني القائل أن اللسانيات الحديثة أضفت طابعاً علمياً على دراسة اللغة وجعلتها حقلاً علمياً . وتمثلت المسألتان المركزيتان اللتان تناولتهما في هذه المرحلة بتأكيد أن المفهوم اللساني للعلامة هو صورة أخرى للمفهوم التقليدي للكلام والكتابة ، وعلى أن اللسانيات الحديثة هي ضحية الميتافيزيقا ، وتتألف المرحلة الثالثة من وصف مصطلحات دريدا وتقويمها : الاختلاف والأثر والكتابة الأصلية . وقد سلطنا الضوء على دلالة مصطلح التمركز حول الكتابة من منظور دريدا .وبناء على ما سبق ، لقد تغير فهمنا للغة ، فما مصير النقد ؟ يبدأ الجواب عن هذا السؤال بافتراض أن الأدب هو شكل من أشكال الكتابة ، وإن القصيدة أو القصة أو أي عمل أدبي هو بنية آثار.. تلك الآثار التي نعرف أنها بصمات شبحية لا نعرف ماهيتها إلا إننا واثقون من كينونتها ووجودها . أما النقد ، الذي يعرف بالدرجة الأساس بأنه بحث في كلمة ، وسطر ، ونص ، أو أي شيء يحرك الذهن من نقطة إدراك حسي معينة إلى عوالم البحث بمعية دافع قوي للتأويل ، فإنه يبدأ بالشك ، الشك الذي يستند إلى الإقناع . فالناقد يشك في مظهر العلامة (كأن تكون كلمة ، وسطراً ، وقصة وتمثالاً ، صورة وبورتريتاً ، …إلخ ) لأنه يحمل قناعة مؤداها أن ما يظهر له هو ليس كل شيء ، بل هناك شيء آخر ، فنحن لا نكتفي بالأشياء كما هي ، بل نرغب بالبحث فيها والتوغل إلى أبعد من حدودها لاكتشاف أسرارها لأننا نشعر أن ثمة شيئاً مفقوداً أو شيئاً غائباً عما نتصوره نحن وندركه حسياً ، وإن هذا الشعور الأزلي بأن هناك شيئاً مفقوداً أو غائباً هو الكتابة الأصلية . ويعد الأدب واحداً من أنواع التعبير عن الكتابة الأصلية ، بينما يعد الرسم نوعاً آخر ، والموسيقى نوعاً آخر أيضاً ، وتعمل الكتابة الأصلية بصفة آثار في الموضوعات . فالآثار أشبه ما تكون بطبع الأقدام .. فمن هو الذي مشى على الرمال ؟ لقد مشى أحدهم وخلف وراءه آثار أقدامه في كل مكان ، وإن كل تلك البصمات التي تركها خلفه تذكرنا به إلا أنه مفقود وغائب . ويمكن تعريف الكتابة الأصلية بأنها إدراكنا حقيقة أنه مفقود ، وأنه غائب ، والذي يرافقه الشعور بالمعاناة المتولد عن تجربتنا التي نستشف منها عدم القدرة على اكتشاف هذا الغائب على الرغم من صمتنا المطبق أو عنفنا الصارخ ، فكل البصمات التي يخلفها وراءه هي الآثار لأنها هي التي تؤكد حضور هذا الغائب على الرغم من غيابه ، فياله من موقف غريب حقاً ! (وربما كان التشخيص - أي إضفاء الصفات الشخصية على غير العاقل - صيغة من صيغ التبسيط إلا أنه قد يساعد على الفهم ) .
وقد اعتاد النقد التقليدي الظهور مع فكرة ما عبر المواجهة مع العمل الأدبي ، ولهذا السبب يعد نقد القصيدة اكتشافا لمعناها . ولهذا فإن المعنى فكرة أو مفهوماً يمكن أن يلحق بفكرة أخرى أو مفهوماً آخر والاستمرار بهذا الإلحاق حتى تلتحم هذه الأفكار في فكرة الكينونة المتعالية أو الحقيقة المتعالية . لكننا لا نعي حقيقة أن ما نسميه " المعنى" هو في حقيقة الأمر فكرة تتخذ من الميتافيزيقا ملاذاً لها . ولم تنج البنيوية ، التي يقال أنها سيرورة ثورية ، من قبضة الميتافيزيقا ، وإن القول أن البنيوية توحي بالنسق ، يعني أن هناك مركزاً في مكان ما ، وذاك المركز هو المفهوم المركزي الذي من الممكن اكتشافه بوصفه مفهوم الكينونة أو السلطة المتعالية . ويوحي مفهوم النسق أن كل شيء مفهوم على أفضل وجه ، أو أنه قابل للفهم في الأقل ، فحيثما وجد النسق ينعدم الإرباك أو التشويش . وسيؤكد التفكيك أن هذه أوهام حسب إذ كل ما نزعمه بأنه الحقيقة أو الكينونة هي " فبركة " ليس إلا . فهذه الكلمات تمثل فبركات مهولة تشير إلى الفشل في بحثنا عن المعنى ، وهذا يعني في مرحلة ما من مراحل تاريخ البحث عن المعنى أن الباحثين أعلنوا ، لسبب أو لآخر ، أنهم وصلوا إلى آخر نقطة ممكنة من بحثهم وأنه لا ينبغي القيام بأي بحث آخر يتجاوز هذه النقطة ، ولغرض حماية ما أسموه " النقطة النهائية " من الإهانة التي يمكن أن تنسبها إليهم البحوث المستقبلية ، عزوا لتلك النقطة نوعاً من القدسية وأسموها الحقيقة truth أو الكينونة being أو أي شيء آخر . وقد عملت نقطة البحث النهائية أو المفهوم المقدس بصفة مركز للنقد بنوعيه التقليدي والبنيوي . لذلك كان ثمة خداع كبير سار على هداه نشاطنا النقدي وفهمنا للغة .ألا توحي هذه التعليقات بأن كل ما كتب هو محض خيال ؟ أنا أعتقد إن التفكيك يوحي بذلك . وهذا يشمل كتبنا المقدسة أيضاً ! (والحق أن التفكيك لا يعترف بشيء اسمه كتاب ، بل بالنصوص فقط). فماذا عن مفهوم " الرب " إذن ؟ وما مصير المفاهيم الأخرى التي لا تعد ولا تحصى مثل : المصدر origin والحقيقة والكينونة والواقع المتعالي و ... الخ ؟ إن دريدا لا ينكر وجود الرب بل إنه يتساءل ، على نحو غير مباشر ، عن مفهومنا للرب ومدى صلته ، ولعلنا كنا نستخدم مصطلح " الرب " god للإشارة إلى إله معين كنظام دفاعي لحماية مفهوم المصدر والحقيقة والكينونة وما يشبهها من مصطلحات . فما المصدر الحقيقي أو الحقيقة الحقة اللذان ينبغي البحث فيهما . ربما تكون هذه المفاهيم وراء نطاق فهم الإنسان . فقد يكون عالم الحقيقة ، أو الرب ، عالماً محرماً على الإنسان الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً بإزائه سوى تخيله ، أو تكوين معنىً واهٍ عنه في أحسن الأحوال . إنه يشعر بغياب الكينونة الأسمى Supreme ولاشك ، وإن هذا الإحساس بالغياب و التوق للحضور هو الكتابة الأصلية ، أما بصمات ذلك الحضور الغائب الذي ندركه في كل مكان فهو الأثر . ومن خلال سعي دريدا إلى عرض الأساس الميتافيزيقي الذي يرتكز عليه فهمنا للغة ، ومحاولة تحرير فهمنا من الميتافيزيقا ، شرع دريدا في إطاحة الأديان عن عروشها في ممالك اللغة . فقد مثلت الأديان حصانات وفرت الحماية للمفاهيم الميتافيزيقية . ومع ذلك ينبغي أن نقر بأن دريدا يوحي ، على نحو غير مباشر ، بأن الرب وراء جميع المفاهيم الإنسانية والمعالجات اللفظية . وينبغي التأكيد عند هذه النقطة تحديداً أن دريدا لا يوحي بأي شيء مهول ، فهو يتبنى منهج البحث الحر في مجال المعرفة ، ويحاول تحرير الذهن من الضغوط والضوابط التي فرضت عليه باسم الرب أو الأديان . ويدفعنا دريدا ، بقوة ، إلى إعادة التفكير بالمصدر أو الحقيقة من خلال عرض الذهن على الحرية الجديدة في البحث ، ولهذا السبب تنطوي جدالات دريدا وحججه على مضامين روحية.وأخيراً ينبغي لي العودة إلى قضية النقد . فقد كان النقد ، بالمعنى التقليدي ، تطبيقاً لأنموذج يرمي إلى فهم العمل الأدبي ، وربما يكون هذا النموذج فلسفياً أو أخلاقياً أو دينياً أو لسانياً . ومن المحتمل أن الناقد غير واع تماماً بحقيقة أنه يطبق نموذجاً معيناً ، فالذي نطلق عليه أسم " التقويم الذاتي" هو في حقيقته غير ذاتي ، فنحن نلحق ما موجود في العمل الأدبي بشيء ما في سيرورة ذلك الفهم الذي يؤدي إلى التقويم . ومن الممكن أن يكون هذا الـ" شيء ما " هو النسق الأدبي الذي منح الكلمات والأفعال actions والظواهر إمكانية توليد المعنى . فعلى سبيل المثال ، إذا حاولت تفسير قصيدة The Lake Isle of Innisfree ، سأتمكن من ذلك أما من خلال ربط مضمون القصيدة بالمعلومات المتوفرة التي تتعلق بحياة الشاعر … تلك المعلومات التي تخص مزاجه وكآبته وتأملاته في الطبيعة سريعة التغير ، وسرعة زوال الأشياء الجميلة ، ونفوره من المكاسب المادية وعشقه للحياة الحالمة . ثم أبدأ بربط هذه الأفكار الموجودة في القصيدة بهذه الأفكار الخارجية التي تعمل بصفة نسق لربط الأفكار في القصيدة . ولهذا السبب تصبح الأفكار التي تزخر بها القصيدة ذات معنى فقط حينما أشرع أنا بعملية ربط هذه الأفكار بما هو خارج عن القصيدة . وفضلاً عن ذلك فإني قد أبدأ بالبحث في سبب كآبة الشاعر وأسباب عشقه للحياة الحالمة ، وأسباب دفعه إلى كراهية المكاسب المادية . ونلاحظ في هذا النوع من النقد أن التركيز لا يكون على النسق بحد ذاته لأن التركيز على النسق لدراسة النسق ذاته يؤدي بنا إلى البنيوية . فعلى سبيل المثال : ما المغزى الأدبي من ترك الموطن الرئيس والذهاب إلى جزيرة ؟ هل هناك مغزيات أخرى ؟ الجواب : نعم بالتأكيد . ونجد في بعض شخصيات شكسبير الكوميدية مثل مسرحية " كما تحبها " و " حلم ليلة منتصف صيف" أن الشخصيات تغادر المدينة لائذة بالغابات التي يتم فيها حل الصراعات وانتشار الحكمة ، وعلى هذا الغرار هناك عدد من الشخصيات في القصائد والروايات التي تغادر المدن صوب الجزر المعزولة ، ومثال ذلك شخصية " بروسبيرو " في مسرحية " العاصفة " وشخصية " جيليفر " في رواية "رحلات جيليفر " . ولهذا السبب نجد أن رغبة الشاعر ييتس باللجوء إلى جزيرة Innisfree تحاكي رغبة الكتاب السابقين . ونحن نقر بأننا نفهم القصيدة لأننا نألف هذه القناعة ، أي الاقتناع بترك المدينة ومباهجها واللجوء إلى الجزيرة ذات معنى كبير في الشعر ، ذلك لوجود قناعة أدبية أو اتفاق أدبي بأن لهذه الفكرة معنى ما وهكذا نجد أن بإمكان التحليل البنيوي أن يركز على العناصر الأخرى للقصيدة بغية دراسة النسق الشعري . وقد طبقت في المثال الأول ، أي مثال التطبيق غير البنيوي ، نماذج معينة متعارف عليها في الأدب على القصيدة فقط من أجل فهم القصيدة . أما في المثال الثاني ، أي مثال التفسير البنيوي ، فقد استعملت القصيدة وعناصرها لدراسة النسق الشعري أو لدراسة نماذج الأدب المتعارف عليها . وينبغي الإشارة هنا إلى أن التفكيك لا يمثل أي من هاتين الحالتين ، أو نقيضهما .فالتفكيك لا يمنح الناقد أية نماذج ، ولا يطبق أي أنموذج على النصوص الأدبية ، بل أنه يدمر جميع النماذج الموجودة ولا يقدم أي نموذج ، ولهذا تسبب الكتابة التفكيكية حيرة كبيرة . فعلى العكس من النقد البنيوي لا يؤمن النقد التفكيكي بوجود نسق يمكن فهمه . إذ توحي فكرة النسق بأن الأشياء منتظمة أو من الممكن جعلها كذلك ، إلا أن هذه الفكرة مصدر مواساة حقاً ، ونحن نفضل المواساة على الحيرة . وعلى الرغم من أن المواساة قد تنطوي على خداع لكنها أفضل من معاناة الحيرة . وقد أعلن البنيوي ، بعد أن واجهته مشكلة تعقيد الأدب والأذهان التي تكمن وراء الأعمال الأدبية ، أن التعقيد قابل للتحليل ويمكن فهمه ، ويزعم وجود نسق أدبي بإمكانه تفسير التعقيدات . إنه تأكيد الإرادة التي تجعل البنيوي يزعم هذا الزعم . فالبنيوية هي التوكيد لإرادة الإنسان وقدرتها على حل ما هو معقد ، وعلى العكس من ذلك يبحث التفكيك في إمكانية النسق ، ويتساءل عنها وعن الكيفية التي جاءت بها التقاليد والمواصفات الأدبية إلى الوجود . فالمواجهة القائمة بين الوعي الإنساني ونسق العلامة هي من التعقيد بحيث يصعب فهمها . ولهذا السبب ، يؤكد التفكيك ، تبعاً إلى ما يذكره ديفيد اليسون David Allison ، ضرورة إعادة التفكير بمشكلة اللغة كلها (22) . وربما كان من الضروري وجود حقل معرفي جديد يستعمل أصول الكلمات [التأثيل] etymology وعلم النفس معاً بصفة حقل معرفي واحد لأداء هذه المهمة . ونلاحظ هنا أن التفكيك ينبذ الميتافيزيقا والفلسفة بوصفهما من أنماط الإدراك الخادعة ، كما إن اللسانيات التي كانت تخفي الميتافيزيقا في نماذجها الخاصة باللغة ، لا تلائم التفكيك . وكذلك لا يلجأ التفكيك إلى البنيوية التي ترتكز بقوة على اللسانيات .قد يبدو التفكيك حقلاً تحكمه قواعد وأنظمة ولغة خاصة يصعب على المبتدئ فهمها ، إلا أن الحقيقة مختلفة . فنحن لدينا قواعد وأنظمة ولغة خاصة في النظريات النقدية التقليدية أكثر مما في التفكيك . فالمبتدئ يواجه مصطلحات تقنية كثيرة مثل شخصية، حبكة ، ثيمة ، صورة ، رمز، شعر غنائي ، سونيتة ، و ... إلخ ، وقد استعملناها مراراً وتكراراً حدّ أنها أصبحت طبيعية بسبب ذلك . وفضلاً عن ذلك ، فإننا إن لم نفهم المصطلحات التي على شاكلة " اختلاف " ، " أثر" ، " كتابة أصيلة " ، ... إلخ ، فإننا لا نتمكن من فهم واستيعاب أي عمل مكتوب ينضوي تحت هذه النظرية إذ من الصعب فهم أي شيء جديد . إلا أن المرء سيفيد من تعلم هذه النظرية كثيراً إذا ما تحمل الجهد أولاً . وتتمثل هذه الفائدة في أننا نتساءل في صلة فهم الإنسان وعالمه والمعرفة . ويلقي التفكيك ضياءً جديداً على عملياتنا الفكرية . ويخبرنا أن سلطة اللغة ليست متأتية من سلطة الأدب ولا من نسق اللغة لأن سلطة اللغة ، شأنها في ذلك شأن سلطة الموسيقى والرسم والنحت والطقوس ... إلخ ، متأتية من حس بدائي أصيل بشيء مفقود وغائب ، وتوجيه إدراك الإنسان بعد ذلك .
أوس المبارك
12/08/2009, 08:11
الهوامش :
(1) هذه المادة مترجمة عن كتاب ( البنيوية والتفكيك ) تأليف س . رافيندران Structuralism & Deconstruction. By: S. Ravindran. (المترجمة)
(2) يُعرف جاك دريدا هذا المصطلح في كتابه " في الغراماتولوجيا " [في علمالكتابة] بأنه دراسة للأدب ولحروف الهجاء ولمقاطع الكلمات والقراءةوالكتابة " قائلاً إنه يستند في ذلك إلى تعريف ليتريه Littre ، وأنه لميعثر على هذا المصطلح في هذا القرن إلا في كتاب غيلب Gelb الذي يحمل عنوان " درس في الكتابة : أسس الغراماتولوجيا " A Study of Writing: The Foundations of Grammatology (1952) /د. محمد عناني : المصطلحات الأدبيةالحديثة / وسيرمز له المؤلف بالرمز OG . (المترجمة)
(3) م . هـ . ابرامز "الملاك التفكيكي" مجلة البحث النقدي 3(1977)ص 428 .
(4) نيوتن غارفر ، تمهيد لكتاب " الصوت والظاهرة " ( إيفانستون : مطبعة جامعةنورثويسترن ، 1973 ) ص xxii . ويوضح غارفر في معرض تعليقه على مكانةالمنطق والنظرية في فلسفة اللغة ، قائلاً : " نجد في تاريخ الفلسفةالغربية، انفلسفة اللغة – وبضمنها الكثير من الميتافيزيقا – قد اعتمدتالمنطق أكثر من اعتمادها البلاغة " ( التمهيد صxi ) . لكنه وضح في تعليقهعلى الحركتين اللتين حدثتا في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر والجزءالأول من القرن العشرين ، قائلاً : " لقد كانت الحركة الأولى تعزيزاًلفلسفة اللغة التي تعتمد المنطق إلا ان الحركة اللاحقة كانت تدميراً لذلكالتراث ، تدميراً يتحدث عنه دريدا بوصفه ختاماً للميتافيزيقا " ( التمهيد ، ص xii ) .
(5) ج . هيليس ميلر " الناقد مضيفا " مجلة البحث النقد ي 3(1977)ص 41 .
(6) موراي كريغر ، " نظرية النقد " (بلتيمور ولندن : مطبعة جامعة جون هوبكنز، 1972) ص 220 - 243 .
(7) فريدريك جيمسون ،"سجن اللغة"(برنستون:مطبعة جامعة برنستون ، 1972)ص176 .(8)" لقد اقترن نسق اللغة بالكتابة الأبجدية الصوتية ، ذلك النسق الذي تولدتفيه الميتافيزيقا المتمركزة حول اللوغوس ، التي تحدد معنى الكينونة بأنهالحضور . لقد كان هذا التمركز حول اللوغوس مطوقاً دائماً ومضطهداً لأسباببعيدة تماماً عن التأمل في أصل الكتابة والمكانة التي تحتلها .... " ( جاكدريدا ، " في علم الكتابة " ترجمة غياتري تشابرافورتي سبيفاك - بلتيمورولندن : مطبعة جامعة جون هوبكنز ، 1972 ) ص 43 ، وقد كانت الاقتباسات تلحقبالرمز ( OG ) .
(9) لقد أوضح جاك دريدا في تعليقه على الخلفية الميتافيزيقية لمفهوم الدال -المدلول قائلاً : " يعود الاختلاف بين الدال والمدلول إلى الحقبة الأخرىالتي شملت تاريخ الميتافيزيقا ، هذا إذا نظرنا إلى الموضوع من منظور ضيقوضمني ، أما إذا ضيقنا المنظور أكثر فسننظر إلى حقبة الخلق والتناهيالمسيحية التي تلائم المفاهيم الإغريقية "(OG ،ص 13 ) .
(10) يستخدم دريدا مصطلح logocentric (التمركز حول اللوغوس )، أحياناً ،بدلاً من مصطلح phonocentric (التمركز حول الصوت ) للإشارة إلى نظم فكريةأو عادات التفكير التي تستند إلى ما يسميه بميتافيزيقا الحضور ـ وهوالتعبير الذي وجده عند هيدغر ـ ويعني به الاعتقاد بوجود مركز خارج النص أوخارج اللغة يكفل صحة المعنى دون أن يكون قابلاً للطعن فيه أو البحث فيحقيقته( د. محمد عناني : المصطلحات الأدبية الحديثة) . أما جابر عصفورفيذكر ( عصر البنيوية / تأليف أديث كيرزويل / ص274 ) أن اللوغوس لفظيوناني يشير إلى الكلمة التي تعبر عن الفكر الداخلي ، أو الفكر الداخلينفسه . وحينما يشير دريدا إلى التمركز حول اللوغوس ( الذي يترجمه عصفورإلى " مركزية اللوجوس ") فإنه يبغي تدمير تأثيره الطاغي ، وتدمير مبدأالأصل الثابت الواحد ، وما يقترن به من مبدأ الغائية أو العلية ، وتأكيدأهمية الكتابة التي لن تغدو تابعاً بل أصلاً . (المترجمة)
(11) من الممكن أن نعرف على التمركز حول اللوغوس بالميتافيزيقا ، لأن كليهماتعبير عن الرغبة بالمدلول . ويجد التمركز حول اللوغوس المعنى كله في العقلاللوغوس ، تلك الكلمة التي تعكس العقل الإلهي .
(12) يمثل التمركز حول الصوت رفضاً للكتابة بوصفها تقنية حسب . وكذلك توكيدتقارب الكلمة المنطوقة من المدلول . فالكلمة المكتوبة لا تفيد إلا بصفةمدلول للكلام.
(13) " تنطلق هذه الحركة مما يسميه هو " النموذج المغلق " المتمركز حول اللوغوسللآراء التقليدية أو الكلاسية للغة (والتي يؤكد أنها تعتمد وهم الكينونةالمتعالية الأفلاطونية أو المسيحية أو الحضور الذي يضمن المعاني ) وصولاًإلى ما أسميته أنا " نموذجه المتمركز حول الكتابة " الذي يعد الحضور فيهبمثابة " بصمة على البياض " ( م . هـ . إبرامز ، " (الملاك التفكيكي " ص ، 429 ) .
(14) الكتابة الأولى : التعبير مستقى من فرويد ، وقد استعمله للإشارة إلىاللاوعي عندما لاحظ لعبة للأطفال تتضمن ترك اثر الكتابة على الشمع بعد نزعالورقة . وقد استعمل دريدا هذا المفهوم ، مشيراً إلى فرويد مرات عدة فيكتابه " الكتابة والاختلاف " . وهو يقول : " إن الكتابة تعد استكمالاًللإدراك حتى قبل أن يعي الإدراك نفسه . والذاكرة أو الكتابة هي فاتحةعملية وعي الإدراك بذاته . أما " المدرَك " فلا يمكن قراءته إلا في الماضي ، تحت الإدراك وبعده " . (د. محمد عناني / المصطلحات الأدبية الحديثة) . (المترجمة)
(15) يقول موراي كريغر أن مفتاح النقاش حول كلمة difference ( أي الاخـ"ت"لاف)هي اللعب على الكلمة الفرنسية differ التي تعني المعنيين الآتيين : (1) to differ ( أي يختلف ولا يشبه ) (2) to defer ( أي يرجئ أو يؤجل ) اعتماداعلى الفرق بين الكيانات الحاضرة المختلفة ( الاختلاف ) والكياناتالمتشابهة ، إحداهما حاضرة والأخرى غائبة تفصل بينهما فجوة زمنية (الإرجاء ) . وهناك بعض أوجه الخداع في " differance وهي أن (a) غير مسموعة وإنكانت مرئية ، وإن المصطلح لا تقابله أية كلمة ، وبذا فانه يفيد فقط فيالمساعدة على تذكر الكلمة التي يتباين عنها ، ولا تكون موجودة بصفة مفهوملآتها تختلف عن ذاتها.(نظرية النقد،228 –231).
(16) تلفظ الأولي " ثري " وتلفظ الثانية " تري " (المترجمة) .
(17) يوضح دريدا في " الكتابة والاختلاف " قائلاً : " إن الكتابة واحدة منالأشكال التي تمثل الأثر عموماً ، لا الأثر نفسه " ( O G ص 167 ) . " وإنفكرة الأثر هي أنه يمكن أن يخضع لسؤال الماهية الأونطو– ظاهراتي ontophenomenological . فالأثر هو لاشيء ، وهو ليس كياناً ، بل انه يتجاوزالسؤال الذي يقول : ما هو ؟ "(O G ص 65 ) .(18)غياتري سبيفاك ، تمهيد لكتاب " في علم الكتابة " لجاك دريدا (بلتيمور ولندن: مطبعة جامعة جون هوبكنز ، 1974 ) ، ص xxxix .
(19) التأسس : مصطلح يشير إلى العملية التي تتحول بها المعايير والقيم وأنماطالسلوك إلى أنماط ثابتة . ( عصر البنيوية / تأليف اديث كيرزويل / ترجمةجابر عصفور / دار آفاق عربية للطبع والنشر / 1985 / ص 277 ) . (المترجمة)
(20) ينبغي الالتفات إلى أن دريدا اشتق كلمة اختلاف differance من الجمع بينالاختلاف difference ( بمعنى عدم التشابه ) + deference ( بمعنى الإرجاءوتفيد معنى الأثر ) ، أي انه استبدل الحرف( e ) في كلمة الاختلاف بالحرف ( a ) ويبدو الاختلاف واضحاً في هذه الكلمة إلا أن من الصعوبة توضيحه حيننقله إلى العربية لذلك عمد مترجم "الكتابة والاختلاف " كاظم جهاد إلى وضعحرف التاء بين معكوفتين صغيرتين. (المترجمة)
(21) تعكس ملاحظة ج ، هيليس ميلر عن اللغة موقفاً تفكيكياً : " إن اللغة ، منذالبداية، خيالية ووهمية ومنزاحة عن أية إحالة مباشرة إلى الأشياء كما هي .وينبغي احتجاز الظرف الإنساني في شبكة من الكلمات تتشابك عبر القرون وتزخربالأساطير والمفاهيم والقياسات الميتافيزيقية ، أي باختصار نسقالميتافيزيقا الغربية بأكمله " ("التراث والاختلاف " ) في مجلة "داياكرتكس " 2 ، 4 ( 1972 ) ، 11 ) .
(22) ديفيد أليسون، مقدمة كتاب " الصوت والظاهرة " ص xxxvii – vii i
أوس المبارك
12/08/2009, 08:15
عذرا على طول الموضوع لكنها بالفعل مادة مهمة عن النظرية التفكيكية لدريدا .. وشكرا :)
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة