-
دخول

عرض كامل الموضوع : ولدبي أيضاً.. مجلتها الثقافية


أوس المبارك
12/08/2009, 11:20
ماً بعد عام، تستقطب مجلة «دبي الثقافية» عدداً متزايداً من «كبار الكتاب العرب» ككتاب زوايا ثابتة. ومن أبرز هؤلاء، كما تقول المجلة التي تزهو بصورهم في فهرسها، أدونيس وأحمد عبد المعطي حجازي وجابر عصفور وصلاح فضل وكمال أبو ديب وإبراهيم الكوني وعبد السلام المسدي... إلخ.
وتصدر المجلة عن دار الصدى التي أنشأها حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، إلى جانب شقيقات لها هن مجلات: «الصدى» و«جواهر» و«شهرزاد» و«بنت الخليج» و«الخليج موتورز» و«شباب 20».
وبين يدي القارئ الآن العدد الرابع والأربعون من هذه المجلة، الصادر في أول شهر يناير/ كانون الثاني 2009، بغلاف يحتفي بالعام الجديد بابتذالٍ لوني وشبهٍ بعيدٍ بعلبة الشوكولا...

* * *


ونفتح الصفحات الأولى من هدية العام الجديد لنقرأ افتتاحية رئيس التحرير، سيف بن محمد المري. وللذين لا يعرفون عنه شيئاَ سوى صداقته الجديدة لأدونيس، كما كتب هذا الأخير في صحيفة «الحياة» اللندنية، نقول إن المري شاعر وكاتب إماراتي، له ديوانا «الأغاريد» و«العناقيد»، و«مجموعة قصصية من الواقع الافتراضي»، كما كتب على غلافها. وقد جاءت كلمة رئيس التحرير، الذي جمع في مجلته عقد أعلام الثقافة العربية المعاصرين، بعنوان «حاجة العرب إلى التفكير الجمعي». إذ يرى أن هذا النوع من التفكير هو الوسيلة الوحيدة للخلاص من حالة التشرذم العربي، وأن خلق شخصية موحدة للأمة عبر تفكير واحد هو «دور المثقفين العرب، وإحدى أكبر مسؤولياتهم». أما المقصود بالتفكير الجمعي الذي يجب أن يعمل على بنائه هؤلاء، بالاستعانة بأدوات من مثل «الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية»، فهو «ذلك النمط من التفكير الذي يجعلنا كلنا نحس بنفس الإحساس في ذات اللحظة، ونتخذ نفس الخطوات لنفس الموقف».
أما ناصر عراق، مدير تحرير المجلة، فلا يدع مجالاً للبس فيما يتصل بعلاقته «الإبداعية» بالمكان. إذ يذكر أنه قد أجاب «قبل أسابيع» عن سؤال «الإعلامية المرموقة» بروين حبيب بخصوص علاقته بدبي التي يسكنها فقال إنه يعتبر نفسه قد ولد مرتين، الأولى في مصر حيث مسقط رأسه، والمرة الأخرى في دبي. ويقر بأن ما «منحته» له هذه المدينة الاستثنائية، منذ أن اختاره رئيس التحرير للعمل في المجلة «وأرسل لي عقداً إلى القاهرة»، لم يكن من السهل «اكتسابه» في أي مدينة أخرى. فقد «ألهمته» هذه المدينة التي «لم يخلق مثلها في البلاد»، وهو عنوان موفق لمقاله، أحداث روايته «من فرط الغرام». وفي عودة إلى إطلالة تاريخية على تأسيس دبي، منذ أن استقر فيها حوالي 800 شخص عام 1833، وما زالت تكبر حتى صارت «ميناء شهيراً» عدد سكانه «يقترب من 20000 نسمة» مطلع القرن العشرين. واستمرت تتطور وتزهو حتى صارت «مصغراً كونياً»، كما قال الشاعر ـ العابر للجنسيات ـ أدونيس «باندهاش» لمدير التحرير المصري، وهما يتناولان الطعام في أحد فنادق دبي..
والحق أن المرشح العربي الدائم لجائزة نوبل كاتب فوق العادة في المجلة (وفي شبيهة لها تصدر من قطر) فلا يكاد يخلو عدد منها من صورة له ككاتب غلاف، ومن أخبار نشاطاته ومشاركاته، فضلاً عن الزاوية الثابتة التي تناول فيها هذه المرة «الحضور الإبداعي» للعمارة في الإمارات. هذا الحضور الذي يمكن القول عنه «دون تردد» بأنه «فريد، ومتميز، وخلاق». مما يغري الشاعر العربي الشهير بكونه أحد مؤسسي مجلة «شعر»، ومؤسس مجلة «مواقف» فيما بعد، بالقول بأن الهندسة في حاضر الجزيرة العربية كادت أن «تحل محل شعرها في الماضي» حيث «يتآخى العمران مع الرمل، متنقلاً على سجاد الموج». فالزمن هنا كأنما «يستخرج من لب الرمل إكسير الفصول». وفي هذا المكان تتم الوحدة «الكاملة» بين «لحم العمل وشحم النظر». ولا تتضح في هذه المقالة أيهما يعتبره الشاعر الآن «الثابت»، وأيهما «المتحول»، حسبما قال عنوان كتاب له... قديم.

* * *

وفي باب التحقيقات، الذي يأتي تحت مسمى «في الصميم»، نقرأ تحقيقاً جديداً تقول المجلة إنها تضيفه إلى ما سبق أن قدمته في سلسلة القبائل وعاداتها وطقوسها، فتتناول هذه المرة قبائل السينفو في جنوب مالي. ويذكر كاتب التحقيق المصور أن هذه القبيلة تحترف تربية قطعان الكلاب بدل المواشي! وأن من عاداتها في الطعام أن ليس عندها وقت محدد لتناوله، بل «تؤكل الوجبة متى تم الانتهاء من تحضيرها»!! كما أن أفراد هذه القبيلة يتنافسون على خطب ود المرأة التي يريدون الزواج منها «بالنفيس والغالي»! ويكرهون المرأة العقيم لأنهم «يحبون إنجاب الأبناء».
وفي تحقيق آخر، تقول معدته إنها أجرته على «نخبة من مثقفي الوطن العربي» عن أحلامهم في العام الجديد، تتمنى «الشاعرة جميلة الرويحي» أن تعمل المؤسسات الثقافية «على إبراز دور المثقفين في الإمارات، وإبراز التقدم والتطور الفكري فهم ليسوا أقل من مثقفي العالم»، كما تحلم بإيجاد حل للزحام المروري في الشارع الإماراتي، «وهو ما تعانيه كافة الأسر الموجودة في الدولة». أما «الشاعر عبد الرزاق درباس» الذي ينبئنا بأن العام المنصرم حمل تحقيق بعض أمنياته، كترقيته في العمل، فيأمل في العام الجديد أن تتبنى إحدى الجمعيات الأدبية نشر إصدار له في أحد البلاد العربية التي يتمنى زيارتها، مثل مصر، ليتسنى له «التعرف إلى حضارتها عن قرب». كما تحلم «الروائية والشاعرة عائشة الشيخ» بتحويل إحدى قصص الأطفال التي كتبتها إلى فيلم كرتون. أما «الشاعر مؤيد الشيباني» فلا يريد أن يحلم، لأنه يشعر بالإحباط نتيجة الأوضاع السائدة في الوطن العربي، ولاسيما بلده العراق.
وعلى هذا يلتقي الشاعر العراقي مع الناقد الأردني فخري صالح، الذي خصص زاويته الثابتة في هذا العدد للحديث عن أمنياته في العام الجديد. إذ يتمنى في العام 2009 أن «يصنع العرب وحدتهم القائمة على تنوعهم الثقافي والإثني والعقائدي وحاجاتهم الاقتصادية، حتى لا يظلوا ضعفاء تتداعى الأكلة على قصعتهم، فيكونوا موضعاً للنهش وتظل أرضهم مسرحاً لتقاتل الإمبراطوريات الحاضرة والطامحة. ويتبع ذلك أن تكون للعرب رسالة حضارية تجعلهم ينهضون من سباتهم الطويل الطويل»...

* * *


ولنخرج من هذه الحال العربية البائسة إلى رحاب دبي «مصنع السعادة»، كما أسماها مدير التحرير المصري، ولننقب في «منجم الإبداع»، وهو عنوان التغطية التي قام بها كاتب سوري غير معروف لمهرجانها السينمائي. الذي لم يتزامن مع أعياد الإمارات الوطنية والأعياد الإسلامية والمسيحية فحسب، بل قد استقطب ضيوفاً فيهم أناس «تتشهى أن تقبل الأرض التي يمشون عليها»، فصار «عيداً» بدوره، رغم أن أغلب عروضه لم تقم «على هلاهيل البشرية» وإنما على الكثير من «ولاويلها وويلاتها»، بما في ذلك العروض العربية التي لم تخرج عن «منظومة الظلم العالمية»، ولكنها «في الإجماع» احترمت جمهورها ولم تسترخصه...
أما في الزاوية الثابتة للروائي الليبي ـ الخاص فعلاً ـ إبراهيم الكوني، فنقرأ بالتفصيل عن ذكريات اللقاء الأول له بالقسم الألماني من سويسرا، حيث يقيم. حين تاه عن الوصول إلى فندقه مما اضطره إلى «الاستعانة بالسابلة» الذين دله أولهم على «السبيل» للوصول إلى الميدان، ثم تولى آخر منهم (أي «السابلة» إياهم) إيصاله إلى باب الفندق «المنشود»، ليلحظ الكاتب أن اللافتة الألمانية التي تحمل اسم الفندق تعني بالعربية «بلاط الضيافة»..
وفي الزاوية الثابتة للناقد اليمني الشهير عبد العزيز المقالح يستحضر موضوعاً لا يبدو قابلاً للاستنفاذ بعد، على كثرة الإنشاء، فيعنون «إدوارد سعيد.. حضور يقاوم النسيان»، لينبئنا بأن الحظ العاثر لم يسعفه بلقاء الراحل الكبير، وإن كان قد أسعده بالحديث إليه هاتفياً «وسماع صوته الذي يقطر معرفة ودفئاً» عندما دعا الناقد اليمني زميله الفلسطيني إلى المشاركة في «ندوة الفكر والفن والأدب» التي نظمها في صنعاء أواخر الثمانينات، وحضرها «أكثر من مئة مفكر وأديب وفنان»... لم يكن سعيد من بينهم على كل حال.

* * *


وإذا كان المرء قد تساءل عن جدوى الجائزة التي تعلن عنها الصفحات الأولى للمجلة لشخصية العام الإماراتية في الثقافة والإبداع، والتي ستمنح «لمثقف ومبدع إماراتي أثرى الحياة الثقافية في الإمارات والعالم العربي بإبداعاته المتميزة»، فعليه أن يطلع على جانب من هذه الثقافة بقراءة الزاوية الثابتة للكاتب الإماراتي محمد الحربي، وتتناول مسألة الترجمة. ففي البداية يرفض الكاتب العبارة الشائعة بأن الترجمة خيانة، بل يرى أن التوصيف الدقيق لها هو أنها «حلقة وصل بين ثقافتين، وعملية تجسير بين حضارتين». غير أن لها مشكلاتها، ومنها تلك التي أطل عليها الكاتب عندما اطلع على ترجمة ديوان من الشعر النبطي لمحمد بن مسعود الحبابي، وهو «صديق وأديب وشاعر، له صيته ومؤلفاته» إلى الإنكليزية. وقد قام بالترجمة شهاب غانم، وهو الآخر «صديق وأديب وشاعر، وكاتب ومترجم، له عدة مؤلفات، وهو يتحدر من عائلة كريمة أغلب أفرادها شعراء ومثقفون». إذ تطرح هذه الترجمة على قارئها التساؤل: هل يكفي نقل هذا الديوان «لشاعر نبطي قوي لديه مشروعه الخاص» بالمعنى فقط، كما فعل غانم، أم يجب على المترجم صوغ النص شعراً بالإنكليزية؟ وهنا ينحاز الحربي إلى ضرورة الترجمة شعراً كذلك، لئلا تكون الترجمة عند من يسمعها خالية من الإيقاع، فلا تقدم الصورة الحقيقية لابن مسعود «كشاعر مبدع يتميز شعره بالبناء المحكم». كما أن ذلك يساعد القارئ ـ بالإنكليزية ـ على حفظ بعض هذا الشعر، والاستشهاد به «كلما دعت الحاجة إلى ذلك».
و في مقام الشعر نبقى، فنقرأ في باب «أجنحة الخيال»، وهو القسم «الإبداعي» في المجلة، قصيدة لمن تقدمه على أنه «شاعر من سوريا»، فنرى عبد الكريم يونس يخاطب المحبوبة بقوله:
أنا يا حلوتي مهما سكبت على دمي الجمرا

سأبقى فيك مجنوناً أرى لجحودك العذرا

وترفق القصيدة بصورة ملونة للكاتب، يسند فيها ذقنه إلى كفه، وبإصبع مرفوع إلى أعلى، على هيئة الصورة الشهيرة لأمير الشعراء شوقي. وأيضاً، بعنوان البريد الإلكتروني الشخصي للشاعر، لمن شاء مراسلته.

* * *


وفي قسم «نسيم من هناك» المختص بالترجمة نقرأ قصيدة يابانية ترجمها شهاب غانم، مترجم النبطية إلى الإنكليزية نثراً غير موزون. وقصة كردية بعنوان «عصا الداية العجوز». وقصيدة شعر فارسية ترجمها يوسف عبد الفتاح الذي تقدمه المجلة على أنه «أستاذ العربية بجامعة هانكوك في كوريا الجنوبية».
أما في ملف الثقافة في شهر فنقرأ خبراً عن ملتقى الحوار العربي الألماني، الذي رعاه محمد بن راشد أيضاً وحضره أدونيس (أيضاً، وبالطبع) وحسن حنفي ومطاع صفدي وآخرون. وخبر العرض الملحمي «زايد والحلم» الذي يروي «قصة العمران ونهضة الإنسان». وخبراً عن الحوار «الشامل» الذي أجرته جريدة «الخليج» مع رئيس تحرير المجلة «بحضور مدير التحرير».
وفي دنيا الكتب نلتقي مع تعريف بكتاب مناسب لواقع الحال، وهو كتاب «العمالة الوافدة وأثرها في الأدب الإماراتي». ونقرأ تقريظاً لرواية «سيرقوني» للإعلامية والروائية السورية مانيا سويد(؟)، والتي تحكي «قصة صحافي أحب الناس البسطاء وتكلم عنهم وتشاجر من أجلهم» في أربعمائة صفحة صادرة مؤخراً عن «وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع» في الإمارات العربية المتحدة.
* * *


ولا يقف «غنى» المجلة عند حد، غير أن المرء يحتاج إلى مقالة «من طابقين» ليفي كل مبدعيها حقهم. فكيف يستطيع أن يهمل زاوية الروائية السورية «هيفاء بيطار» بعنوان «ثقوب في الضمير»، ليعرف «كيف تغيرت قيم الإنسان». وكيف أصبحت له «أذن من طين.. وأخرى من عجين» على حد عنوان مقال زميلتها ومواطنتها الفنانة المتمصرة رغدة.
وكيف يترك مقالة أحمد عبد المعطي حجازي التي تبين أن الكاتب لا يستطيع «أن يكون تابعاً، لا لأحد، ولا لجماعة». أو مقال جابر عصفور الأزلي الذي يبين، للمرة الواحدة بعد الألف، كيف «انبجست» قصيدة النثر في المشهد الإبداعي العربي. وذلك على الرغم من أن الناقد والمترجم الشهير كمال أبو ديب يعنون مقاله مطالباً بـ «فياغرا جديدة لمعالجة العقم الإبداعي العربي في العام الجديد»، إذ يرى أن العقم قد أصاب رحم هذا الإبداع في العصور الأخيرة، حتى أصبحت ذروة ما يمكن أن يأتي به العرب هو «التلفيق والترقيع».
وكيف للمرء ألا يختم بمقال الناقد المغربي محمد برادة، الذي تزف المجلة إلى قرائها بشرى انضمامه إلى كتابها الثابتين، والذي خصصه للحديث عن «حسن الختام» الذي يطلبه الناس لأنفسهم عند تقدمهم في العمر...

حسام جزماتي