ارسلان
29/08/2009, 19:09
هل يحق لأحد أن يرهبنا بشعاره ليُعمي أبصارنا ويغلق أفواهنا عما يرتكبه من استباحة للمحرمات والمقدسات تحت عباءة الشعار المقدس؟
حينما عالج المسيح المرضى من بني إسرائيل أيام السبت احتج عليه حاخامات زمانه، رافعين شعار "الدفاع عن الشريعة"، وفي وجه من ؟ في وجه عيسى عليه السلام أجابهم المعلم عليه السلام قائلا: ويحكم لو كان لأحدكم خروف ووقع في حفرة في يوم السبت، ألا يخرجه منها؟ قالوا بلا يخرجه منها، فقال عليه السلام مقولته العظيمة:هل جُعل السبت من اجل الإنسان أم جُعل الإنسان من اجل السبت؟
انطلاقا من هذا المنطلق الإنساني العظيم، واستنادا لما شرح الله صدورنا له من فهم للقرآن الكريم ولسنه المعلم الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم، نؤكد أن الدين جاء لخدمة الإنسان وان الكون خُلق مسخرا للإنسان، وان أعظم من استحق التكريم إلى حد سجود الملائكة له سجود تكريم لا عبادة هو الإنسان، ولذلك لا غرابه أن يبدأ القرآن الكريم سُورَه بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يختم سُورَه بسورة الناس، ويختم كلامه ومفرداته بكلمة الناس، مما يعني فيما نفهم أن "مشروع القران الكريم"
إنما يهدف في نهاية المطاف لتحصين وترقيه وإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم، وهذا ينسجم مع كلام المسيح عليه السلام المذكور أعلاه. لذلك من الخلاصات التي توصلنا إليها أن ما هو إنساني يجب أن يكون حاكما على ما سواه من شعارات، على اعتبار أن رفع الشعار أمر يسير وطنيا كان أم دينيا، ولكن الأهم ترجمه الشعار، بمعنى هل الشعار في النتيجة أذل الإنسان أم أعزه؟
هل الشعار أشقى الإنسان أم أسعده؟ هل الشعار يسّر حياه الناس أم عقّدها؟ هل الشعار أخذنا من مكان إلى مكان أرقى وأجمل وأكثر تطورا أم أن الشعار سحبنا إلى أسفل في كل شيء معنويا وماديا؟، هل الشعار قوّى جهاز المناعة لدى الشعب أم أن خوض المعركة تحت هذا الشعار أو ذلك اضعف مناعتنا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ومعنويا ؟ ثم بوضوح أكثر: هل من الضرورة أن من يرفع شعار الصدق أن يكون صادقا؟ وان من يرفع شعار الأمانة يكون أمينا؟ وان من يرفع شعار الإسلام يكون مسلما لله كما أراد الله؟!
هل يحق لأحد أن يرهبنا بشعاره ليُعمي أبصارنا ويغلق أفواهنا عما يرتكبه من استباحة للمحرمات والمقدسات تحت عباءة الشعار المقدس؟
ولذلك أردت أمام الانهيار والانحدار الرهيب في فلسطين أن استعين بعد الله بالإمام حسن البنا رحمه الله والشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله لمواجهة منطق ارتجالي يحكم الشأن الفلسطيني اليوم، يهددنا ويهدد نفسه و يهدد الأجيال اللاحقة بنا بخسارة كل شيء، نعم كل شيء، إذا كان الارتجال فيما هو شخصي مرفوضاً، لان المرء بفطرته لا يحب الخسارة فكيف إذا كان الارتجال متعلقا بالشأن العام، لا بل متعلقا بقضية أمة بأكملها، وذات مرة قلت: لماذا حينما نشتم رائحة الخسارة في تجارة شخصية نستنفر كي نوقف الخسارة؟ أما إذا كانت التجارة عامة أو المصلحة مصلحة وطن وأمة ورائحة الخسارة تفوح من كل زوايا المكان، لماذا لا نستنفر على الأقل بمقدار ما نستنفر في الشأن الخاص؟
سؤال برسم الإجابة من كل صاحب ضمير.
سأعرض هنا موقف الإمام البنا والشيخ القرضاوي من نقاط ثلاث هي صلب السياسة ولا سياسة بدونها وهي تثبت أن "العملية السياسية عملية بشرية محضة لا يجوز إضفاء القداسة عليها" ومن ثم نخوض السياسة ونحن نرهب الناس بادعاء قدسية ما نقوم به ونفعله، لأنه لا يكفي أن يكون المبدأ مقدسا والهدف مقدسا لندعي بعد ذلك أن كل وسائلنا مقدسة.
الموقف الأول/ موقف الإمام البنا من الدستور أو النظام الدستوري.
يقول الشيخ القرضاوي * "إن الإمام البنا رحمه الله كان يؤيد النظام الدستوري والنيابي بصراحة ويرحب به، ويراه اقرب الأنظمة إلى الإسلام"
ويقول الشيخ القرضاوي: "كل ما يعترض عليه الأستاذ والإخوان :أن يعتبر بعضُ الناس الدستور –وهو عمل بشري أولا وأخيرا- نصا مقدسا لا يقبل التغيير ولا التعديل" ثم يُردف الشيخ "ولا ينبغي الوصول بنص بشري مهما بلغت قيمته ودقته إلى هذه الرتبة من التقديس".
إذن نحن أمام موقف قمة في الرقي وهو اعتبار أهم ما في العمل السياسي وهو وجود دستور ينطلق منه أي حكم ويعود إليه-اعتباره عملا بشريا لا يجوز تقديسه، وهذا ما يقره الإمام البنا والشيخ القرضاوي والحمد لله.
الموقف الثاني / موقف الإمام البنا من الحزبية والتعددية الحزبية
يقول الشيخ القرضاوي عن الإمام البنا "كان هذا هو رأي الإمام البنا وخلاصة فكره في قضية الأحزاب والحزبية، فهو لا يرى التعددية الحزبية، بل يرى النظام الحزبي في أساسه يتعارض مع التعاليم الإسلامية، لأنه يقوم على التفرّق والاختلاف، والإسلام يدعو إلى التوحد والائتلاف ولم يكن عنده –أي البنا- مانع من قبول نظام الحزب الواحد".
أما موقف القرضاوي من التعددية الحزبية ومن رأي الإمام البنا فيها فيقول: "هو اجتهاد منه رضي الهب عنه يُؤجر عليه ولكن الأيام أثبتت خطأه وان الخير كل الخير في التعددية ولا غرو أن خالفت أستاذي وإمامي حسن البنا كما خالف تلاميذ أئمتنا الكبار"أبو يوسف، محمد، وزفر" إمامهم الأعظم أبا حنيفة وانتهيت إلى أن التعدد مشروع.
ويضيف الشيخ القرضاوي "تعدد الأحزاب في السياسة أشبه بتعدد المذاهب في الفقه، فالأحزاب إنما هي مذاهب في السياسة، والمذاهب إنما هي أحزاب في الفقه"
ثم يعقب الشيخ القرضاوي قائلا: "كانت هذه الأفكار في المجتمع الاخواني – إلا قليلا منهم- في أول الأمر مرفوضة، لما رسخ في أذهانهم من قبل، من جرّاء التربية السياسية التي توارثوها عن إمامهم البنا رضي الله عنه".
فنحن هنا أمام موقفين متعارضين تماما للإمام والشيخ من القضية الواحدة وهي قضية التعددية الحزبية.
الموقف الأخير / موقف الإمام البنا من التجنس بجنسية أجنبية.
يقول الأستاذ "مجرد تجنس المسلم بأيه جنسية أخرى لدولة غير إسلامية كبيرة من الكبائر، توجب مقت الله وشديد عقابه"
ثم يضيف "فإن رضى المتجنس بالدخول في جنس الكفار، ورأى ذلك أفضل من القومية الإسلامية فهو كفر صُراح وخروج عن الدين، وان لم يرض بذلك ولكن قبله –وهو يستطيع الخلاص منه- فهي كبيرة من أفظع الكبائر"
أما موقف الشيخ القرضاوي فيقول"فحمل الجنسية ليس في ذاته شرا ولا خيرا وإنما تأخذ الحكم حسب ما يترتب على اخذ هذه الجنسية من النفع للمسلمين أو الإضرار بهم".
إذن نحن أمام موقف واحد راق من مسألة الدستور وعدم جواز تقديس أي نص بشري ولو كان من الدستور نفسه لان البشر هم الذين وضعوه، وأمام موقفين متعارضين بشدة بل متناقضين تماما من مسألة التعددية الحزبية، وأمام موقف ثالث وأخير من مسألة الجنسية أو المواطنة –وهي قضية حساسة ومهمة جدا في النظام السياسي المعاصر، اختلف فيها الإمام والشيخ بين التجويز والتكفير.
خلاصة استحضار الإمام البنا والشيخ القرضاوي هو للتأكيد على ما نشرناه سابقا** بأنه "لا يحق لأحد الادّعاء بأن مراده هو مراد الله، وان فعله السياسي هو عين ما يريد الله، وبالتالي نضفي على ما هو بشري قاصر –خاضع للتجربة والخطأ- قداسة ما ينبغي أن تكون إلا لله المقدس سبحانه وتعالى، وبالتالي يحق لي أن اصرخ بصوت عال ليسمعه الشيخ القرضاوي وكل العلماء والمفكرون وأصحاب القلم والرأي والخبرة من أبناء الأمة الذين يريدون الخير للإسلام ولفلسطين وللإنسانية بدون أدنى شك.
أقول لهم جميعا: إن ما يحدث في فلسطين عموما وغزة على وجه الخصوص إنما هو إساءة كبيرة للإسلام ولفلسطين وللأمة .
وان ما يحدث في فلسطين عموما وغزة على وجه الخصوص هو كسر لظهر الشعب الفلسطيني وإذلاله، وان ما فشلت إسرائيل و من وراءها في تحقيقه على مدار عقود، استطعنا جميعا ان نحققه لإسرائيل .
فالانقسام سرطان خبيث لا يجوز الدفاع عنه أو شرعنته، الانقسام لا يمكن أن يأتي لفلسطين أو لشعبها بخير .
ومن ثم هذا الاصطفاف- الذي قد نقدر دوافعه لدى البعض- أبدا لا يخدم الإسلام ولا يخدم فلسطين فكفوا عن هذا الاصطفاف، وكفوا عن تكريس الانقسام، إياكم و الأوهام السياسية الكاذبة، شعب فلسطين جزء عضوي من محيطه العربي والإسلامي، والحالة العربية والإسلامية لا نُحسد عليها، فلماذا تريدون كسر ظهورنا كفلسطينيين؟ وانتم جميعا تتفرجون على خيبتنا وخيمتنا.
إن التسليم بالوضع الشاذ في فلسطين يعني الدعوة لتكراره في عواصمكم لان حكامكم –في الأغلب- ليسوا أفضل من حكامنا، وإمكانياتكم ليست اقل من إمكانياتنا، والشباب المجاهد و التواق للانفتاح تعج به كل العواصم، فهل ترغبون في نقل تجربة غزة إلى عواصمكم ؟ إن غزة اليوم بلا سياسة وبلا مقاومة وبلا دعوة إلى الله واختم باستشهاد للإمام البنا يشرح حالة غزة حيث يقول الشيخ القرضاوي:
"وكان الأستاذ البنا يفرّق جيدا بين السياسة والحزبية فيقول:أما أننا سياسيون فنعم، ولا نتحرّج من ذلك، وأما أننا حزبيون فلا " رحم الله الإمام البنا لو جاء إلى غزة اليوم لوجد مقولته مقلوبة كالتالي:" أما أننا حزبيون فنعم ولا نتحرّج من ذلك، وأما أننا سياسيون فلا".
والحزبيون ذوو الأفق الضيق لا يمكن أن تتسع عقولهم أو رؤاهم أو صدورهم للسماح بتجارب إنسانية حقيقة تليق بالإسلام العظيم وتليق بفلسطين المنكوبة .
لذلك مرة أخرى نصرخ في وجه كل صاحب ضمير :
- أوقفوا هذا الارتجال في كل شئ فشعبنا يختنق ويموت.
- عجلوا بصيغة تخرجكم من الورطة .
- عجلوا بصيغة تعيدنا إلى الوحدة مهما كانت مساوئها .
- عجلوا بالوحدة وأنجحوا الحوار قبل أن تكتشفوا أنكم كنتم مطية لأهم إستراتيجية إسرائيلية تهدف الى قيام كيان فلسطيني في غزة فقط ولا يهم أن نسميه إمارة بعد ذلك أو سجن أو حتى إمبراطورية .
وأخيرا أقول:تواضعوا لله وتواضعوا لشعبكم، واعترفوا بالحقيقة المرة، حقيقة أنكم لا تقيمون إسلاما في فلسطين ولا تحررون أرضا من فلسطين وكل ما تفعلونه هو التضحية بالشعب بعدما ضحى العرب بالقضية.
* الاقتباسات من كتاب / التربية السياسية عند الإمام حسن البنا....الشيخ يوسف القرضاوي.
* الاقتباس من كتاب / لا تسقطوا غزة .... منشورات مركز الأمة لدراسات الحضارة.
السيد بركة كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
حينما عالج المسيح المرضى من بني إسرائيل أيام السبت احتج عليه حاخامات زمانه، رافعين شعار "الدفاع عن الشريعة"، وفي وجه من ؟ في وجه عيسى عليه السلام أجابهم المعلم عليه السلام قائلا: ويحكم لو كان لأحدكم خروف ووقع في حفرة في يوم السبت، ألا يخرجه منها؟ قالوا بلا يخرجه منها، فقال عليه السلام مقولته العظيمة:هل جُعل السبت من اجل الإنسان أم جُعل الإنسان من اجل السبت؟
انطلاقا من هذا المنطلق الإنساني العظيم، واستنادا لما شرح الله صدورنا له من فهم للقرآن الكريم ولسنه المعلم الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم، نؤكد أن الدين جاء لخدمة الإنسان وان الكون خُلق مسخرا للإنسان، وان أعظم من استحق التكريم إلى حد سجود الملائكة له سجود تكريم لا عبادة هو الإنسان، ولذلك لا غرابه أن يبدأ القرآن الكريم سُورَه بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يختم سُورَه بسورة الناس، ويختم كلامه ومفرداته بكلمة الناس، مما يعني فيما نفهم أن "مشروع القران الكريم"
إنما يهدف في نهاية المطاف لتحصين وترقيه وإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم، وهذا ينسجم مع كلام المسيح عليه السلام المذكور أعلاه. لذلك من الخلاصات التي توصلنا إليها أن ما هو إنساني يجب أن يكون حاكما على ما سواه من شعارات، على اعتبار أن رفع الشعار أمر يسير وطنيا كان أم دينيا، ولكن الأهم ترجمه الشعار، بمعنى هل الشعار في النتيجة أذل الإنسان أم أعزه؟
هل الشعار أشقى الإنسان أم أسعده؟ هل الشعار يسّر حياه الناس أم عقّدها؟ هل الشعار أخذنا من مكان إلى مكان أرقى وأجمل وأكثر تطورا أم أن الشعار سحبنا إلى أسفل في كل شيء معنويا وماديا؟، هل الشعار قوّى جهاز المناعة لدى الشعب أم أن خوض المعركة تحت هذا الشعار أو ذلك اضعف مناعتنا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ومعنويا ؟ ثم بوضوح أكثر: هل من الضرورة أن من يرفع شعار الصدق أن يكون صادقا؟ وان من يرفع شعار الأمانة يكون أمينا؟ وان من يرفع شعار الإسلام يكون مسلما لله كما أراد الله؟!
هل يحق لأحد أن يرهبنا بشعاره ليُعمي أبصارنا ويغلق أفواهنا عما يرتكبه من استباحة للمحرمات والمقدسات تحت عباءة الشعار المقدس؟
ولذلك أردت أمام الانهيار والانحدار الرهيب في فلسطين أن استعين بعد الله بالإمام حسن البنا رحمه الله والشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله لمواجهة منطق ارتجالي يحكم الشأن الفلسطيني اليوم، يهددنا ويهدد نفسه و يهدد الأجيال اللاحقة بنا بخسارة كل شيء، نعم كل شيء، إذا كان الارتجال فيما هو شخصي مرفوضاً، لان المرء بفطرته لا يحب الخسارة فكيف إذا كان الارتجال متعلقا بالشأن العام، لا بل متعلقا بقضية أمة بأكملها، وذات مرة قلت: لماذا حينما نشتم رائحة الخسارة في تجارة شخصية نستنفر كي نوقف الخسارة؟ أما إذا كانت التجارة عامة أو المصلحة مصلحة وطن وأمة ورائحة الخسارة تفوح من كل زوايا المكان، لماذا لا نستنفر على الأقل بمقدار ما نستنفر في الشأن الخاص؟
سؤال برسم الإجابة من كل صاحب ضمير.
سأعرض هنا موقف الإمام البنا والشيخ القرضاوي من نقاط ثلاث هي صلب السياسة ولا سياسة بدونها وهي تثبت أن "العملية السياسية عملية بشرية محضة لا يجوز إضفاء القداسة عليها" ومن ثم نخوض السياسة ونحن نرهب الناس بادعاء قدسية ما نقوم به ونفعله، لأنه لا يكفي أن يكون المبدأ مقدسا والهدف مقدسا لندعي بعد ذلك أن كل وسائلنا مقدسة.
الموقف الأول/ موقف الإمام البنا من الدستور أو النظام الدستوري.
يقول الشيخ القرضاوي * "إن الإمام البنا رحمه الله كان يؤيد النظام الدستوري والنيابي بصراحة ويرحب به، ويراه اقرب الأنظمة إلى الإسلام"
ويقول الشيخ القرضاوي: "كل ما يعترض عليه الأستاذ والإخوان :أن يعتبر بعضُ الناس الدستور –وهو عمل بشري أولا وأخيرا- نصا مقدسا لا يقبل التغيير ولا التعديل" ثم يُردف الشيخ "ولا ينبغي الوصول بنص بشري مهما بلغت قيمته ودقته إلى هذه الرتبة من التقديس".
إذن نحن أمام موقف قمة في الرقي وهو اعتبار أهم ما في العمل السياسي وهو وجود دستور ينطلق منه أي حكم ويعود إليه-اعتباره عملا بشريا لا يجوز تقديسه، وهذا ما يقره الإمام البنا والشيخ القرضاوي والحمد لله.
الموقف الثاني / موقف الإمام البنا من الحزبية والتعددية الحزبية
يقول الشيخ القرضاوي عن الإمام البنا "كان هذا هو رأي الإمام البنا وخلاصة فكره في قضية الأحزاب والحزبية، فهو لا يرى التعددية الحزبية، بل يرى النظام الحزبي في أساسه يتعارض مع التعاليم الإسلامية، لأنه يقوم على التفرّق والاختلاف، والإسلام يدعو إلى التوحد والائتلاف ولم يكن عنده –أي البنا- مانع من قبول نظام الحزب الواحد".
أما موقف القرضاوي من التعددية الحزبية ومن رأي الإمام البنا فيها فيقول: "هو اجتهاد منه رضي الهب عنه يُؤجر عليه ولكن الأيام أثبتت خطأه وان الخير كل الخير في التعددية ولا غرو أن خالفت أستاذي وإمامي حسن البنا كما خالف تلاميذ أئمتنا الكبار"أبو يوسف، محمد، وزفر" إمامهم الأعظم أبا حنيفة وانتهيت إلى أن التعدد مشروع.
ويضيف الشيخ القرضاوي "تعدد الأحزاب في السياسة أشبه بتعدد المذاهب في الفقه، فالأحزاب إنما هي مذاهب في السياسة، والمذاهب إنما هي أحزاب في الفقه"
ثم يعقب الشيخ القرضاوي قائلا: "كانت هذه الأفكار في المجتمع الاخواني – إلا قليلا منهم- في أول الأمر مرفوضة، لما رسخ في أذهانهم من قبل، من جرّاء التربية السياسية التي توارثوها عن إمامهم البنا رضي الله عنه".
فنحن هنا أمام موقفين متعارضين تماما للإمام والشيخ من القضية الواحدة وهي قضية التعددية الحزبية.
الموقف الأخير / موقف الإمام البنا من التجنس بجنسية أجنبية.
يقول الأستاذ "مجرد تجنس المسلم بأيه جنسية أخرى لدولة غير إسلامية كبيرة من الكبائر، توجب مقت الله وشديد عقابه"
ثم يضيف "فإن رضى المتجنس بالدخول في جنس الكفار، ورأى ذلك أفضل من القومية الإسلامية فهو كفر صُراح وخروج عن الدين، وان لم يرض بذلك ولكن قبله –وهو يستطيع الخلاص منه- فهي كبيرة من أفظع الكبائر"
أما موقف الشيخ القرضاوي فيقول"فحمل الجنسية ليس في ذاته شرا ولا خيرا وإنما تأخذ الحكم حسب ما يترتب على اخذ هذه الجنسية من النفع للمسلمين أو الإضرار بهم".
إذن نحن أمام موقف واحد راق من مسألة الدستور وعدم جواز تقديس أي نص بشري ولو كان من الدستور نفسه لان البشر هم الذين وضعوه، وأمام موقفين متعارضين بشدة بل متناقضين تماما من مسألة التعددية الحزبية، وأمام موقف ثالث وأخير من مسألة الجنسية أو المواطنة –وهي قضية حساسة ومهمة جدا في النظام السياسي المعاصر، اختلف فيها الإمام والشيخ بين التجويز والتكفير.
خلاصة استحضار الإمام البنا والشيخ القرضاوي هو للتأكيد على ما نشرناه سابقا** بأنه "لا يحق لأحد الادّعاء بأن مراده هو مراد الله، وان فعله السياسي هو عين ما يريد الله، وبالتالي نضفي على ما هو بشري قاصر –خاضع للتجربة والخطأ- قداسة ما ينبغي أن تكون إلا لله المقدس سبحانه وتعالى، وبالتالي يحق لي أن اصرخ بصوت عال ليسمعه الشيخ القرضاوي وكل العلماء والمفكرون وأصحاب القلم والرأي والخبرة من أبناء الأمة الذين يريدون الخير للإسلام ولفلسطين وللإنسانية بدون أدنى شك.
أقول لهم جميعا: إن ما يحدث في فلسطين عموما وغزة على وجه الخصوص إنما هو إساءة كبيرة للإسلام ولفلسطين وللأمة .
وان ما يحدث في فلسطين عموما وغزة على وجه الخصوص هو كسر لظهر الشعب الفلسطيني وإذلاله، وان ما فشلت إسرائيل و من وراءها في تحقيقه على مدار عقود، استطعنا جميعا ان نحققه لإسرائيل .
فالانقسام سرطان خبيث لا يجوز الدفاع عنه أو شرعنته، الانقسام لا يمكن أن يأتي لفلسطين أو لشعبها بخير .
ومن ثم هذا الاصطفاف- الذي قد نقدر دوافعه لدى البعض- أبدا لا يخدم الإسلام ولا يخدم فلسطين فكفوا عن هذا الاصطفاف، وكفوا عن تكريس الانقسام، إياكم و الأوهام السياسية الكاذبة، شعب فلسطين جزء عضوي من محيطه العربي والإسلامي، والحالة العربية والإسلامية لا نُحسد عليها، فلماذا تريدون كسر ظهورنا كفلسطينيين؟ وانتم جميعا تتفرجون على خيبتنا وخيمتنا.
إن التسليم بالوضع الشاذ في فلسطين يعني الدعوة لتكراره في عواصمكم لان حكامكم –في الأغلب- ليسوا أفضل من حكامنا، وإمكانياتكم ليست اقل من إمكانياتنا، والشباب المجاهد و التواق للانفتاح تعج به كل العواصم، فهل ترغبون في نقل تجربة غزة إلى عواصمكم ؟ إن غزة اليوم بلا سياسة وبلا مقاومة وبلا دعوة إلى الله واختم باستشهاد للإمام البنا يشرح حالة غزة حيث يقول الشيخ القرضاوي:
"وكان الأستاذ البنا يفرّق جيدا بين السياسة والحزبية فيقول:أما أننا سياسيون فنعم، ولا نتحرّج من ذلك، وأما أننا حزبيون فلا " رحم الله الإمام البنا لو جاء إلى غزة اليوم لوجد مقولته مقلوبة كالتالي:" أما أننا حزبيون فنعم ولا نتحرّج من ذلك، وأما أننا سياسيون فلا".
والحزبيون ذوو الأفق الضيق لا يمكن أن تتسع عقولهم أو رؤاهم أو صدورهم للسماح بتجارب إنسانية حقيقة تليق بالإسلام العظيم وتليق بفلسطين المنكوبة .
لذلك مرة أخرى نصرخ في وجه كل صاحب ضمير :
- أوقفوا هذا الارتجال في كل شئ فشعبنا يختنق ويموت.
- عجلوا بصيغة تخرجكم من الورطة .
- عجلوا بصيغة تعيدنا إلى الوحدة مهما كانت مساوئها .
- عجلوا بالوحدة وأنجحوا الحوار قبل أن تكتشفوا أنكم كنتم مطية لأهم إستراتيجية إسرائيلية تهدف الى قيام كيان فلسطيني في غزة فقط ولا يهم أن نسميه إمارة بعد ذلك أو سجن أو حتى إمبراطورية .
وأخيرا أقول:تواضعوا لله وتواضعوا لشعبكم، واعترفوا بالحقيقة المرة، حقيقة أنكم لا تقيمون إسلاما في فلسطين ولا تحررون أرضا من فلسطين وكل ما تفعلونه هو التضحية بالشعب بعدما ضحى العرب بالقضية.
* الاقتباسات من كتاب / التربية السياسية عند الإمام حسن البنا....الشيخ يوسف القرضاوي.
* الاقتباس من كتاب / لا تسقطوا غزة .... منشورات مركز الأمة لدراسات الحضارة.
السيد بركة كاتب ومحلل سياسي فلسطيني