Nasserm
09/09/2009, 18:15
أربعينية النظام الليبي: في الهدر والهذر
فواز طرابلسي - جريدة السفير
ما سر استمرارية الأنظمة العربية؟ بل ما أسرارها؟
يستحق الموضوع وقفة تأمل. خصوصاً أن منطقتنا مشهورة، ولا فخر، بديمومة حكّامها، أفراداً وسلالات، عقوداً وراء عقود من الزمن، وممارستهم توريث السلطة، في الجمهوريات قبل الممالك، ناهيكم عن تسمية البلدان على أسماء الأسر الحاكمة.
وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن الموضوع يثير كبير اهتمام. فمنذ أن أغدقت علينا نعمة تعليمنا الديموقراطية، يكاد ينحصر الهمّ في تفسير أسباب «غياب» الديموقراطية في العالم العربي. وبالقدر ذاته تتقلص الجهود المبذولة للبحث في وصف وتشخيص الـ«موجود»: أي الأنظمة الاستبدادية، بمنوعاتها كافة، وآليات تشغيلها وعوامل استمراريتها.
ولما كان الجواب الجاهز على «الغياب» هو طبعاً ضرورة «الحضور» فليس صدفة أن يتحوّل الجهد الأكبر في عملية «نشر الديموقراطية» إلى جهد تبشيري وتعليمي. فمن ذا يخطر في باله البحث في «طبائع الاستبداد» وتناقضات أنظمتها وسبل تجاوزها وتعيين قوى عملية التغيير الديموقراطي ومسارات الانتقال التي تستوجبها؟ بل أي منظمة من «المنظمات غير الحكومية»، وأي هيئة من هيئات المجتمع الأهلي، الدولية منها والمحلية، وكلها ديموقراطية طبعاً، مستعدة لتمويل دراسات في هذه المواضيع؟
بل نستطيع القول إن عملية الاستبدال للحضور بالغياب، صارت بذاتها سبباً من أسباب التواطؤ على استمرارية الأنظمة لعدم بذل الجهد المطلوب لمعرفتها من أجل تغييرها. إليها يضاف استسهال التعميم على الأنظمة العربية قاطبة بعبارة «النظام العربي الواحد». وهو تعميم قد تحوّل إلى تعمية تسمح لمطلقيها أن يتفلّتوا من تحمّل أي مسؤولية عن تخصيص هذا النظام أو ذاك بالنقد والمساءلة والمحاسبة.
تشكّل أربعينية الجماهيرية الليبية مناسبة لتناول عيّنة واحدة على استمرارية نظام عربي وقائده خلال أربعة عقود من الزمن. بعيداً عن الادعاء بإمكانية استيفاء الموضوع حقه، يكفي إجراء تمرين في تلمّس بعض «طبائع الاستبداد» وعوامل ديمومتها وتعيين ضخامة جهلنا لتلك الأنظمة.
ينفرد حكم «الأخ العقيد» الفردي بخاصة تكاد تنحصر فيه، هي شعور سائد بأن «العقيد» لا يؤخذ على محمل الجد. فهو، في أفعاله الكثيرة وأقواله ناهيك عن ألقابه وأزيائه وخِيَمه (المكيّفة) ونوقه وجماله وجياده المطهمة (يتبختر فيها في يوغوسلافيا مثلاً)، يوحي بأنه رجل فكاهي واستعراضي. حقيقة الأمر أن زعيم ليبيا الأوحد يستغل هذا الشعور ويبني عليه، ويحوّله لصالحه. بل أن الجرأة التي بها يمارس مزاجيته وتعاليه واستهتاره بأي عُرف وبالرأي العام والقانون والحقوق تسمح له بالتفلت من أية محاسبة وبممارسة التدجين المستدام ضد النقد والمعارضة.
لكن الهزل ينتهي هنا ليبدأ الجد.
يسيطر «الأخ العقيد» على واحدة من أكبر الثروات النفطية العربية (والأفريقية). فالدخل الأهلي للفرد في بلاده يوازي نظيره في العربية السعودية. ويتميّز النفط الليبي إلى ذلك بميزات إضافية من حيث الخفة والقرب من مصادر الاستهلاك. كذلك يسيطر العقيد، مثله مثل زملائه الرؤساء والملوك والأمراء والشيوخ والسلاطين العرب، على أرصدة مالية مليارية موظفة في معظمها في الحواضر الأوروبية.
ومع أن هذه السيطرة أداة فتاكة للسيطرة السياسية والاجتماعية من خلال التوزيع الاجتماعي، فإن المنظومة الاقتصادية الاجتماعية التي بناها العقيد آخذة بالانهيار. فمن جهة، لا يزال يعيش مليون من الخمسة ملايين ليبي تحت خط الفقر.
ومن جهة ثانية، ها هو «الأخ القائد» يعلن بنفسه فشل كافة مشاريعه التنموية إذ قرّر أن يوزع حصصاً من العائدات النفطية مباشرة على الليبيين بمعدل 23 ألف دولار للفرد سنوياً، على أمل أن يجري توظيف المبالغ في القطاع الخاص.
لا يوجد في تصرفنا احتساب لمبالغ الهدر التي تكبدتها الثروة الوطنية الليبية جراء مغامرات العقيد القذافي العربية والأفريقية والدولية. ولكن الإنصاف يقتضي أن نقول إن البعض من إنفاقه لعب دوراً في دعم حركات التحرر الوطنية، إلا أن هذا لا يقاس إطلاقاً بحجم الإنفاق الذي يقع في خانة الهدر والضرر.
وإذا كان لنا أن نستقرب، فهذه عيّنة عن الهدر خلال احتفالات الفاتح الأخيرة. حيث نُصبت أكبر خيمة في العالم جرى تحتها استعراض راقص شارك فيه 800 راقص وراقصة من سائر أنحاء العالم، كلّف 30 مليون جنيه استرليني لليلة واحدة.
وللمناسبة ذاتها، أعلن العقيد القذافي عن اختراع... سيارة، مثلما فعل هتلر في آخر أيامه. مع فارق أن سيارة فولكسفاغن (سيارة الشعب) التي صمّمها الزعيم النازي كانت مائة في المائة من صنع ألماني من حيث المواد الأولية والتقنية والعمالة. أما «الصاروخ»، وهو اسم سيارة العقيد، فلا شيء ليبياً فيها إلا المال. أما عن المركوب الشعبي، فاعلم أن ثمن كل نموذج من النموذجين اللذين صنعتهما شركة سيارات إيطالية هو مليونا يورو! وهذا يقول الكثير عن التنمية في ظل «الجماهيرية الاشتراكية»!
المؤكد أن استخدام الثروة النفطية سمح للعقيد ليس فقط بالتأثير على جمهوره من خلال أدواره الخارجية، ولكنه خوّله حماية نظامه من السقوط والإسقاط. فالإنفاق النفطي سمح بدفع مليار دولار وأزود على سبيل التعويضات لـ270 أسرة من ضحايا تفجير الطائرة فوق لوكربي باسكوتلاندا ومكّن من التغطية على مطاردة المعارضين عبر أوروبا مروراً بالتعمية على اختفاء الإمام موسى الصدر. هذا دون أن نتحدث عن التغطية على الانقلاب السياسي البهلواني الأخير الذي أعلن بواسطته القذافي المصالحة مع الولايات المتحدة وإلغاء برنامجه النووي والكيماوي (مَن يتذكّر شعار «طظ طظ في أمريكا»؟).
والإنفاق النفطي قد مكّن «القائد» من ممارسة أشكال من الابتزاز الخارجي لا نظير لها. فبالمال النفطي، انتزع مؤخراً الإفراج عن محمد المقرحي المحكوم في قضية لوكربي. وقد اعترف ابنه، سيف الإسلام القذافي، بأن وراء عملية إطلاق سراح السجين قبل الأوان، عقدا قيمته 900 مليون دولار يمنح شركة «بي. بي» البريطانية، التي أمّمها العقيد ذاته لثلاث وثلاثين سنة خلت، امتياز التنقيب على النفط والغاز في حقول شاسعة.
وبالمال النفطي، عاقب «ملك ملوك أفريقيا» سويسرا التي اعتقلت شرطتها ابنه هانيبعل وزوجته بتهمة التعرض بالضرب لعامل عربي مغربي وزوجته. فسحب أرصدة ليبيا البالغة قيمتها 4 مليارات دولار من المصارف السويسرية. وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وطرد الدبلوماسيين السويسريين واحتجز اثنين منهم وأوقف تصدير النفط، ما استدعى أن يزور الرئيس السويسري طرابلس ويعلن الاعتذار العلني على «الحادثة» دون أن تنتهي الأزمة فصولاً.
في السياسة، لا بد من الاعتراف للعقيد بأنه ابتكر صيغة أكثر حذاقة للحكم من أنظم حكم الحزب الواحد الطليعية. فتحت شعار «مَن تحزّب خان»، وتسليم الحكم للجماهير، فتّت كل مراكز القوة والقرار إلى عشرات بل مئات من «المؤتمرات الشعبية» و«اللجان الثورية». هكذا يتوارى «الأخ القائد» وراء حجاب سلطة «جماهيرية» ليمارس حكماً فردياً مطلق السلطات والصلاحيات يعتمد بالدرجة الأولى على أجهزة الأمن والمخابرات. وهكذا يبقى الرجل الذي ينفرد في العالم بأنه الحاكم الذي لا منصب رسمياً له، خارج نطاق المسؤولية والمساءلة أو المحاسبة ناهيك عن تداول السلطة.
آخر ابتكارات صاحب «الكتاب الأخضر» طلب رسمي تقدمت به ليبيا إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتقسيم سويسرا وإعادة أجزائها إلى البلدان المجاورة.
لعل أفضل رد وحدوي عربي على فكرة القذافي التقسيمية هو اقتراح توحيد ليبيا مع مصر لعلها تساعد بعض الشيء في التخفيف من الأعباء التي يتكبدها أكثر من 80 مليون مصري من جوع وفقر ومرض وبطالة وأميّة ومن انهيار مقوّمات الدولة وبؤس الحياة اليومية ناهيك عن معاناة الشعب المصري من حكم فردي مماثل، يثير الأسئلة حول عوامل استمراريته، وهو يستعد للتوريث هو أيضاً.
ولا يردع المرء عن تقديم مثل هذا الاقتراح سوى ما يكنّه من احترام للشعب الليبي وحقه في تقرير مصيره بنفسه.
فواز طرابلسي - جريدة السفير
ما سر استمرارية الأنظمة العربية؟ بل ما أسرارها؟
يستحق الموضوع وقفة تأمل. خصوصاً أن منطقتنا مشهورة، ولا فخر، بديمومة حكّامها، أفراداً وسلالات، عقوداً وراء عقود من الزمن، وممارستهم توريث السلطة، في الجمهوريات قبل الممالك، ناهيكم عن تسمية البلدان على أسماء الأسر الحاكمة.
وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن الموضوع يثير كبير اهتمام. فمنذ أن أغدقت علينا نعمة تعليمنا الديموقراطية، يكاد ينحصر الهمّ في تفسير أسباب «غياب» الديموقراطية في العالم العربي. وبالقدر ذاته تتقلص الجهود المبذولة للبحث في وصف وتشخيص الـ«موجود»: أي الأنظمة الاستبدادية، بمنوعاتها كافة، وآليات تشغيلها وعوامل استمراريتها.
ولما كان الجواب الجاهز على «الغياب» هو طبعاً ضرورة «الحضور» فليس صدفة أن يتحوّل الجهد الأكبر في عملية «نشر الديموقراطية» إلى جهد تبشيري وتعليمي. فمن ذا يخطر في باله البحث في «طبائع الاستبداد» وتناقضات أنظمتها وسبل تجاوزها وتعيين قوى عملية التغيير الديموقراطي ومسارات الانتقال التي تستوجبها؟ بل أي منظمة من «المنظمات غير الحكومية»، وأي هيئة من هيئات المجتمع الأهلي، الدولية منها والمحلية، وكلها ديموقراطية طبعاً، مستعدة لتمويل دراسات في هذه المواضيع؟
بل نستطيع القول إن عملية الاستبدال للحضور بالغياب، صارت بذاتها سبباً من أسباب التواطؤ على استمرارية الأنظمة لعدم بذل الجهد المطلوب لمعرفتها من أجل تغييرها. إليها يضاف استسهال التعميم على الأنظمة العربية قاطبة بعبارة «النظام العربي الواحد». وهو تعميم قد تحوّل إلى تعمية تسمح لمطلقيها أن يتفلّتوا من تحمّل أي مسؤولية عن تخصيص هذا النظام أو ذاك بالنقد والمساءلة والمحاسبة.
تشكّل أربعينية الجماهيرية الليبية مناسبة لتناول عيّنة واحدة على استمرارية نظام عربي وقائده خلال أربعة عقود من الزمن. بعيداً عن الادعاء بإمكانية استيفاء الموضوع حقه، يكفي إجراء تمرين في تلمّس بعض «طبائع الاستبداد» وعوامل ديمومتها وتعيين ضخامة جهلنا لتلك الأنظمة.
ينفرد حكم «الأخ العقيد» الفردي بخاصة تكاد تنحصر فيه، هي شعور سائد بأن «العقيد» لا يؤخذ على محمل الجد. فهو، في أفعاله الكثيرة وأقواله ناهيك عن ألقابه وأزيائه وخِيَمه (المكيّفة) ونوقه وجماله وجياده المطهمة (يتبختر فيها في يوغوسلافيا مثلاً)، يوحي بأنه رجل فكاهي واستعراضي. حقيقة الأمر أن زعيم ليبيا الأوحد يستغل هذا الشعور ويبني عليه، ويحوّله لصالحه. بل أن الجرأة التي بها يمارس مزاجيته وتعاليه واستهتاره بأي عُرف وبالرأي العام والقانون والحقوق تسمح له بالتفلت من أية محاسبة وبممارسة التدجين المستدام ضد النقد والمعارضة.
لكن الهزل ينتهي هنا ليبدأ الجد.
يسيطر «الأخ العقيد» على واحدة من أكبر الثروات النفطية العربية (والأفريقية). فالدخل الأهلي للفرد في بلاده يوازي نظيره في العربية السعودية. ويتميّز النفط الليبي إلى ذلك بميزات إضافية من حيث الخفة والقرب من مصادر الاستهلاك. كذلك يسيطر العقيد، مثله مثل زملائه الرؤساء والملوك والأمراء والشيوخ والسلاطين العرب، على أرصدة مالية مليارية موظفة في معظمها في الحواضر الأوروبية.
ومع أن هذه السيطرة أداة فتاكة للسيطرة السياسية والاجتماعية من خلال التوزيع الاجتماعي، فإن المنظومة الاقتصادية الاجتماعية التي بناها العقيد آخذة بالانهيار. فمن جهة، لا يزال يعيش مليون من الخمسة ملايين ليبي تحت خط الفقر.
ومن جهة ثانية، ها هو «الأخ القائد» يعلن بنفسه فشل كافة مشاريعه التنموية إذ قرّر أن يوزع حصصاً من العائدات النفطية مباشرة على الليبيين بمعدل 23 ألف دولار للفرد سنوياً، على أمل أن يجري توظيف المبالغ في القطاع الخاص.
لا يوجد في تصرفنا احتساب لمبالغ الهدر التي تكبدتها الثروة الوطنية الليبية جراء مغامرات العقيد القذافي العربية والأفريقية والدولية. ولكن الإنصاف يقتضي أن نقول إن البعض من إنفاقه لعب دوراً في دعم حركات التحرر الوطنية، إلا أن هذا لا يقاس إطلاقاً بحجم الإنفاق الذي يقع في خانة الهدر والضرر.
وإذا كان لنا أن نستقرب، فهذه عيّنة عن الهدر خلال احتفالات الفاتح الأخيرة. حيث نُصبت أكبر خيمة في العالم جرى تحتها استعراض راقص شارك فيه 800 راقص وراقصة من سائر أنحاء العالم، كلّف 30 مليون جنيه استرليني لليلة واحدة.
وللمناسبة ذاتها، أعلن العقيد القذافي عن اختراع... سيارة، مثلما فعل هتلر في آخر أيامه. مع فارق أن سيارة فولكسفاغن (سيارة الشعب) التي صمّمها الزعيم النازي كانت مائة في المائة من صنع ألماني من حيث المواد الأولية والتقنية والعمالة. أما «الصاروخ»، وهو اسم سيارة العقيد، فلا شيء ليبياً فيها إلا المال. أما عن المركوب الشعبي، فاعلم أن ثمن كل نموذج من النموذجين اللذين صنعتهما شركة سيارات إيطالية هو مليونا يورو! وهذا يقول الكثير عن التنمية في ظل «الجماهيرية الاشتراكية»!
المؤكد أن استخدام الثروة النفطية سمح للعقيد ليس فقط بالتأثير على جمهوره من خلال أدواره الخارجية، ولكنه خوّله حماية نظامه من السقوط والإسقاط. فالإنفاق النفطي سمح بدفع مليار دولار وأزود على سبيل التعويضات لـ270 أسرة من ضحايا تفجير الطائرة فوق لوكربي باسكوتلاندا ومكّن من التغطية على مطاردة المعارضين عبر أوروبا مروراً بالتعمية على اختفاء الإمام موسى الصدر. هذا دون أن نتحدث عن التغطية على الانقلاب السياسي البهلواني الأخير الذي أعلن بواسطته القذافي المصالحة مع الولايات المتحدة وإلغاء برنامجه النووي والكيماوي (مَن يتذكّر شعار «طظ طظ في أمريكا»؟).
والإنفاق النفطي قد مكّن «القائد» من ممارسة أشكال من الابتزاز الخارجي لا نظير لها. فبالمال النفطي، انتزع مؤخراً الإفراج عن محمد المقرحي المحكوم في قضية لوكربي. وقد اعترف ابنه، سيف الإسلام القذافي، بأن وراء عملية إطلاق سراح السجين قبل الأوان، عقدا قيمته 900 مليون دولار يمنح شركة «بي. بي» البريطانية، التي أمّمها العقيد ذاته لثلاث وثلاثين سنة خلت، امتياز التنقيب على النفط والغاز في حقول شاسعة.
وبالمال النفطي، عاقب «ملك ملوك أفريقيا» سويسرا التي اعتقلت شرطتها ابنه هانيبعل وزوجته بتهمة التعرض بالضرب لعامل عربي مغربي وزوجته. فسحب أرصدة ليبيا البالغة قيمتها 4 مليارات دولار من المصارف السويسرية. وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وطرد الدبلوماسيين السويسريين واحتجز اثنين منهم وأوقف تصدير النفط، ما استدعى أن يزور الرئيس السويسري طرابلس ويعلن الاعتذار العلني على «الحادثة» دون أن تنتهي الأزمة فصولاً.
في السياسة، لا بد من الاعتراف للعقيد بأنه ابتكر صيغة أكثر حذاقة للحكم من أنظم حكم الحزب الواحد الطليعية. فتحت شعار «مَن تحزّب خان»، وتسليم الحكم للجماهير، فتّت كل مراكز القوة والقرار إلى عشرات بل مئات من «المؤتمرات الشعبية» و«اللجان الثورية». هكذا يتوارى «الأخ القائد» وراء حجاب سلطة «جماهيرية» ليمارس حكماً فردياً مطلق السلطات والصلاحيات يعتمد بالدرجة الأولى على أجهزة الأمن والمخابرات. وهكذا يبقى الرجل الذي ينفرد في العالم بأنه الحاكم الذي لا منصب رسمياً له، خارج نطاق المسؤولية والمساءلة أو المحاسبة ناهيك عن تداول السلطة.
آخر ابتكارات صاحب «الكتاب الأخضر» طلب رسمي تقدمت به ليبيا إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتقسيم سويسرا وإعادة أجزائها إلى البلدان المجاورة.
لعل أفضل رد وحدوي عربي على فكرة القذافي التقسيمية هو اقتراح توحيد ليبيا مع مصر لعلها تساعد بعض الشيء في التخفيف من الأعباء التي يتكبدها أكثر من 80 مليون مصري من جوع وفقر ومرض وبطالة وأميّة ومن انهيار مقوّمات الدولة وبؤس الحياة اليومية ناهيك عن معاناة الشعب المصري من حكم فردي مماثل، يثير الأسئلة حول عوامل استمراريته، وهو يستعد للتوريث هو أيضاً.
ولا يردع المرء عن تقديم مثل هذا الاقتراح سوى ما يكنّه من احترام للشعب الليبي وحقه في تقرير مصيره بنفسه.