sheldi
13/09/2009, 17:51
حينما أعلنت مجلة التايم الأميركية عن رجل العام 2006، لاحظ جمهور عريض أن تغيراً كبيراً كان يحصل. ففي السنوات السابقة كان "رجل العام" شخصية بارزة مثل جورج دبليو بوش وجون كندي أو المهاتما غاندي وكذلك أيضاَ بل غيتس على سبيل المثال أو تشارلز ليندبرغ.
لكن في العام 2006 هذا الشخص "رجل العام" كان "نحن"... نحن، المستهلكين الخلاقين، نحن من نبث في وسائل الإعلام الخاصة بنا على اليوتيوب، نحن الذين نجهز أحذيتنا الرياضية لتلائم نموذج الركض الذي نفضله، نحن المشاركون في تصميم منتجاتنا الشخصية... ومجلة تايم لم تكن لوحدها.
مع ظهور تطبيقات الويب من الجيل الثاني مع تطبيقات التجارة الالكترونية عبر الانترنت، اختبرنا انفجاراً في اهتمامات الشركات والمستهلكين على السواء للمشاركة في الإبداع التصنيع وفقاً لطلب الجمهور وابتكارات المستهلكين الموجهة.
التصنيع وفق طلب المستهلك، أساس لتمركز العملاء حول خلق القيمة
استراتيجية الأعمال الاقتصادية التي تركز على ابتكار المستهلك، هي أول توضيح لمفهوم التصنيع وفق طلب الجمهور منذ أكثر من عقدين (أطلق المصطلح لأول مرة عام 1987 من قبل ديفيس ستان) واليوم يبدو أنها ستصبح معياراً من معايير القرن الواحد والعشرين.
والمصطلح يشير إلى عروض تلبي طلبات كل عميل أو مستهلك على صعيد فردي، رغم قابليتها للانتاج بذات معايير كفاءة الانتاج الصناعي الضخم (mass production). وللوصول إلى متطلبات هذه الكفاءة، تم تحديد نظام تصنيع وفق حاجات الجمهور يتسم بهيكلية مرنة لكنها مستقرة في آن.
وكنتيجة لذلك على تكاليف الانتاج ألا تسمح لمستوى الأسعار أن يرتفع ليناسب شريحة السوق العليا فقط. وتكمن الحلول بإشراك وإدماج المستهلك في إعطاء قيمة المنتج عبر إسهامه في تشكيل وتحديد هذا المنتج ويأتي ذلك بإتاحة خيارات متعددة للمستهلكين. وبدون هذا الإشراك العميق للمستهلك لن يكون الصانع قادراً على تلبية كافة الطلبات الفردية.
وكمثال مهم عن "التصنيع وفق طلب الجمهور" هو شركة APC الأميركية التي تصمم وتنتج وتبيع أنظمة معقدة لمراكز المعطيات والبيانات، تستخدم في تكوين المنتج وتجهيز الطلبات ونهيئتها للمبيع، فضلاً عن تطبيق مفهوم التصنيع الذي يجمع بين الانتاج الضخم في مصانع الشرق الأقصى وبين طلبات الزبائن في مختلف أنحاء العالم.
ونتائج تطبيق مبادئ "التصنيع وفق متطلبات الجمهور" شملت تخفيض وقت الإنجاز للنظام المتكامل من 400 إلى 16 يوماً. كما خفضت كلف الانتاج لحد كبير. وفي ذات الوقت، قابلية الشركات في تقديم منتجات جديدة ازدادت كثيراً.
التصنيع وفق طلبات الجمهور تجلى كنتيجة لأنظمة تصنيع مرنة، لكن الدوافع الحقيقية هي أن المستهلك لم يعد مستعداً لتقديم تنازلات أو الوصول إلى حلول وسط حول رغباته، إضافة لتوفر وسائل حديثة تتيح له تصميم اقتراحاته الخاصة. وفي الواقع لا يكاد الآن يمر شهر دون حدوث قفزة ما أو مبادرة جديدة في مجال التصنيع وفق طلب الجمهور.
ومن بعض الأمثلة التي أطلقت حديثاً MyMuesli وهي خلطة بقول يختاره المستهلك بنفسه، وأيضاً هناك خلطة الأصدقاء Blends For Friends التي تمكن المستهلك من إنشاء مزيج الشاي الذي يفضله، وكذلك Conde Nast’s TasteBook ويمثل إمكانية اختيار وصفات الطعام التي يرغب المستهلك أن تجمع في كتاب يشتريه وبالتالي المستهلك هنا يختار محتويات الكتاب. طبعاً فضلاً عن نهج مشابه في كثير من المنتجات حيث يختار المشتري مثلاً الصور التي تطبع على قمصانه وأكواب القهوة والشاي ومساند فأرة الكومبيوتر التي يرغب بشرائه والتي تطبع خصيصاً له. جميع هذه الشركات ضاعفت بهذه الطريقة أرقام مبيعاتها في السنوات القليلة الأخيرة.
وهناك نهج آخر مثير للاهتمام بدأته كل من شكرتي Zapfab و Fabidoo اللذان يجمعان بين إبداع المستهلك الذي يقدم المحتوى بنفسه وبين الإمكانيات الهائلة والمتطورة للطباعة ثلاثية الأبعاد. فالطباعة ثلاثية الأبعاد تقدمت بشكل سريع كطريقة لخلق مواد فيزيائية حقيقية مجسمة مأخوذة من بيانات رقمية لتصميم ثلاثي الأبعاد. فشركة Zapfab توفر طريقة سهلة للحصول على هذه التكنولوجيا، فالمستهلك هنا يعمل على إنشاء تصميم ثلاثي الأبعاد يرغب بامتلاكه على الكومبيوتر ويرسله للشركة التي تقوم بدورها بإنتاجه عبر تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد وترسله للمستهلك بشكله النهائي. أما شركة Fabidoo فتحول أي شكل أو تصميم ثلاثي يرغبه المستهلك إلى ذواكر حاسوبية (فلاش ميموري) وترسله للمستهلك أيضاً.
"الانتاج وفق طلب الجمهور" قدم للشركات المرونة اللازمة لتخفيض مخاطر تطوير منتجات جديدة، لكن هذه المرونة لا تأتي بلا ثمن، إذ تتطلب إعادة تصميم عمليات الانتاج كاملة وغالباً ما تحتاج استثمارات كبيرة في المعدات والآلات. ولتتم عملية الإنتاج يتم الحصول على تفضيلات كل زبون بشكل شخصي (نظام الحصول على تفضيلات العميل) ونقلها بشكل دقيق للمنتج.
الاستراتيجية البديلة للتصنيع وفق طلب الجمهور: التلزيم الخارجي للجمهور
اعتبرت مجلة أي إن سي (Inc) مؤخراً أن شركة Threadless هي "أكثر الشركات الاميركية الصغيرة ابتكاراً" إذ تشرك زبائنها بشكل عميق في عملية ابتكار المنتج رغم أنها لا تزال تبيع إنتاجاً ضخماً.
والشركة التي تأسست عام 2000 في شيكاغو بأميركا والتي تبيع منتجات بسيطة كقمصان مطبوعة، تبيع أكثر من خمسين ألف قميص شهرياً بربح يفوق المئة ألف دولار رغم أن عدد موظفيها لا يتعدى العشرين موظفاً فقط. ووصلت الشركة إلى ذلك عبر نقل كافة مهمات الإنتاج الأساسية إلى زبائنها الذين قاموا بأدوارهم بحماس كبير.
فزبائن الشركة هم من يصممون القمصان الخاصة بهم وهم من يساعدون على تطوير منتجات الشركة مع أقرانهم وهم من يعرضون التصاميم ومن ثم يصوتون على التصاميم التي ستدخل عملية الإنتاج. وبما أن الزبون في هذه الحالة يلتزم، أخلاقياً على الأقل، بشراء المنتج حتى قبل دخوله مرحلة التصنيع فإنه بذلك يشارك أيضاً في تحمل "مخاطر السوق" وفيما يحمل الزبائن عبء الإعلان عن المنتج ابتداء من تصوير المنتجات لتستخدم في كاتالوغات العرض (يلعبون أيضاً دور العارضين لتلك القمصان) وانتهاء بإغواء عملاء جدد لشراء قمصان وفق ذات الآلية.
ومما يدعو للاستغراب أن الزبائن لا يشعرون بأنه يتم استغلالهم، بل على العكس هم يظهرون حماساً كبيراً للشركة التي أتاحت لهم إمكانية المشاركة. وفي المقابل قامت الشركة بتطوير منصة حوار للتواصل مع الزبائن عبر موقع الكتروني ليتم تبادل الأفكار معهم. وبذلك تمكنت تلك الشركة الصغيرة من توليد آلاف التصاميم الجديدة وفي الغالب بدون أي أجور لفريق العمل.
الابتكار المفتوح: إدماج المحيط الخارجي للشركة بعمليات البحث والتطوير
استخدم البرفيسور في جامعلة بيركلي، هنري تشيزبرو، مصطلح (الابتكار المفتوح) عام 2003 ليصف منظومة إدماج المدخلات الخارجية في بعض أو كل مراحل عملية الابتكار. ويعني هذا المفهوم أن يساهم الجمهور في عمليات البحث والتطوير لمنتجات جديدة تماماً.
وكمثال جيد على ذلك شركة InnoCentive التي أطلقت عام 2001 من قبل إيلي ليلي، وتعد نفسها اليوم نموذج حديث لتوزيع الأبحاث، إذ توفر الشركة وسيلة للبحث عن حلول للمشاكل التقنية خارج آليات الأبحاث التقليدية وبنى التطوير الثابتة، فترسل لعملائها (التي تسميهم الباحثين عن الحلول) المشاكل عبر موقع انترنت إلى جانب مكافأة مالية لأفضل حل يمكن أن يقدم خلال وقت معين.
أما عن زبائن تلك الشركة التي يشترون هذه الحلول فهم في الغالب شركات ضخمة مثل Procter&Gamble, BASF الذين يلجأون إلى شركة InnoCentive حينما يبحثون عن علامة تجارية جديدة أو أفكار جديدة لمنتجاتهم.
توفر شركة InnoCentive إمكانية الوصول إلى موقعها على الانترنت لأكثر من 100 ألف عالم الذين يقدمون الحلول بأمل الفوز بالمكافأة. فتسهل الشركة نشر وصياغة هذه المشكلة وتعرضها على موقعها في إطار من الخصوصية يراعي اتفاقات حماية الملكية الفكرية وتحصل بالتالي على أبحاث من قبل مواهب عشرات آلاف العلماء دون زيادة التكاليف الثابتة للشركة.
البحث الحالي الذي قام به كريم لاخاني من مدرسة هارفرد للأعمال، والذي يحلل 166 مشكلة نشرها موقع InnoCentive.com من قبل شركات ضخمة في مجال الصناعات الكيميائية والدوائية يظهر أن نموذج InnoCentive ليس فقط مجرد نموذج مختلف، بل أيضاً ذو كفاءة عالية. فالباحثون كانوا سابقاً يقضون حوالي ستة أشهر إلى سنتين في محاولة حل المشاكل داخلياً، وبدون نجاح.
لكن من بين 166 مشكلة دراسية نشرت على الموقع تم حل 49 مشكلة من قبل جمهور InnoCentive. وهذا بحد ذاته نجاح باهر لأفراد نافسوا مختبرات بحثية كبيرة، لكن الأهم من ذلك تبين أنه في المتوسط قضى صاحب الحل (الذي يفوز بالحل الأفضل للمشكلة) 74 ساعة فقط للوصول إلى حل وهو رقم ضئيل جداً مقارنة مع فترة 6 إلى 24 شهراً غير مجدية كانت تستغرقها حلول الشركات الكبيرة للأبحاث.
والسبب في تلك التنتيجة التي تكاد لا تصدق بسيط نوعاً ما وهو أن صاحب الحل يعرف الحل مسبقاً، إذ أن InnoCentive تساعد الباحثين عن طريق معلومات موجودة مسبقاً وموزعة على جمهورها العريض البالغ مئة ألف عالم. وفي 72.5% من مجمل الحالات فإن الذي يحظى بالحل يقوم فقط بإعادة استخدام حل موجود موسبقاً في مهمة سابقة تم حلها في سياق مختلف وفي معظم الحالات فإن الحل يكون من خارج مجال خبرة من يجده ما يعني أن الباحثين لم يكونو قريبين من إيجاد حلول خاصة بهم .
ويمكن اعتبار تلك الطريقة مصادر مفيدة للأفكار الخلاقة والحلول ونموذج نشر المشاكل هذا ربما كان أكثر فعالية من طريقة (التجربة والخطأ). ويمكننا أن نتوقع أن فعالية نشر المشاكل تكمن فقط في البحث عن حلول المشاكل الصعبة والمستعصية، إلا أن كفاءة تلك الطريقة التي تعتمد "الابداع المفتوح" تنطبق على فئة واسعة جداً من المشاكل ومن المنتجات ومن العمليات.
تقدم تقانة المعلومات يفتح الباب لإشراك عقول المستخدمين كافة، لكن ماذا لو تساءلنا عن نقل وتطبيق تلك المبادئ بالاستفادة من تقانة المعلومات في المجالات الأخرى كالمجالات السياسية والاجتماعية؟ كيف وأين وماهو "التلزيم الخارجي للجمهور" في السياسة مثلاً؟ قد تكون الديمقراطية الالكترونية المعتمدة على شبكة الانترت أكثر عدالة في الانتخابات المقبلة مثلاً!
في جميع الحالات الثلاث التي تطرقنا لها أعلاه، (التصنيع وفق حاجات الجمهور، التلزيم الخارجي للجمهور، الابتكار المفتوح) تتيح للشركات الحصول على فائدة كبيرة عبر إدماج وإشراك فاعلين من محيطها الخارجي، وربما تثمر هذه العملية على بعض الفوائد الهامة جداً لكن في النهاية نحن لا نتوقع أن تصبح تلك هي الاستراتجية السائدة الوحيدة في مجتمعنا، بدلاً من نظام الانتاج والتطوير الموجود اليوم.
فبالنسبة لمعظم المواضيع، لا نزال نريد تسوق منتجات الانتاج الضخم، لا نزال نريد مجرد الاستهلاك وليس ابتكار المنتج، نريد أن ندهش بأفكار وتصاميم المصمم لا أن نصمم نحن. لكن بالنسبة لبعض المواضيع الأخرى التي تهمنا حقيقة نريد المزيد من المشاركة بها.
الكثير من أذكى الناس سيعملون دائماً لأجل شخص آخر. عبر التلزيم الجماهيري لمهمات التطوير الداخلي، خبراء خارجيون يكملون مهارات الشركة. وشركة InnoCentive ربما تكون واحدة من وسائل مواجهة الأزمات الديموغرافية في عوز المهندسرين والمطورين الموهوبين والمؤهلين في العديد من الدول.
لكن في العام 2006 هذا الشخص "رجل العام" كان "نحن"... نحن، المستهلكين الخلاقين، نحن من نبث في وسائل الإعلام الخاصة بنا على اليوتيوب، نحن الذين نجهز أحذيتنا الرياضية لتلائم نموذج الركض الذي نفضله، نحن المشاركون في تصميم منتجاتنا الشخصية... ومجلة تايم لم تكن لوحدها.
مع ظهور تطبيقات الويب من الجيل الثاني مع تطبيقات التجارة الالكترونية عبر الانترنت، اختبرنا انفجاراً في اهتمامات الشركات والمستهلكين على السواء للمشاركة في الإبداع التصنيع وفقاً لطلب الجمهور وابتكارات المستهلكين الموجهة.
التصنيع وفق طلب المستهلك، أساس لتمركز العملاء حول خلق القيمة
استراتيجية الأعمال الاقتصادية التي تركز على ابتكار المستهلك، هي أول توضيح لمفهوم التصنيع وفق طلب الجمهور منذ أكثر من عقدين (أطلق المصطلح لأول مرة عام 1987 من قبل ديفيس ستان) واليوم يبدو أنها ستصبح معياراً من معايير القرن الواحد والعشرين.
والمصطلح يشير إلى عروض تلبي طلبات كل عميل أو مستهلك على صعيد فردي، رغم قابليتها للانتاج بذات معايير كفاءة الانتاج الصناعي الضخم (mass production). وللوصول إلى متطلبات هذه الكفاءة، تم تحديد نظام تصنيع وفق حاجات الجمهور يتسم بهيكلية مرنة لكنها مستقرة في آن.
وكنتيجة لذلك على تكاليف الانتاج ألا تسمح لمستوى الأسعار أن يرتفع ليناسب شريحة السوق العليا فقط. وتكمن الحلول بإشراك وإدماج المستهلك في إعطاء قيمة المنتج عبر إسهامه في تشكيل وتحديد هذا المنتج ويأتي ذلك بإتاحة خيارات متعددة للمستهلكين. وبدون هذا الإشراك العميق للمستهلك لن يكون الصانع قادراً على تلبية كافة الطلبات الفردية.
وكمثال مهم عن "التصنيع وفق طلب الجمهور" هو شركة APC الأميركية التي تصمم وتنتج وتبيع أنظمة معقدة لمراكز المعطيات والبيانات، تستخدم في تكوين المنتج وتجهيز الطلبات ونهيئتها للمبيع، فضلاً عن تطبيق مفهوم التصنيع الذي يجمع بين الانتاج الضخم في مصانع الشرق الأقصى وبين طلبات الزبائن في مختلف أنحاء العالم.
ونتائج تطبيق مبادئ "التصنيع وفق متطلبات الجمهور" شملت تخفيض وقت الإنجاز للنظام المتكامل من 400 إلى 16 يوماً. كما خفضت كلف الانتاج لحد كبير. وفي ذات الوقت، قابلية الشركات في تقديم منتجات جديدة ازدادت كثيراً.
التصنيع وفق طلبات الجمهور تجلى كنتيجة لأنظمة تصنيع مرنة، لكن الدوافع الحقيقية هي أن المستهلك لم يعد مستعداً لتقديم تنازلات أو الوصول إلى حلول وسط حول رغباته، إضافة لتوفر وسائل حديثة تتيح له تصميم اقتراحاته الخاصة. وفي الواقع لا يكاد الآن يمر شهر دون حدوث قفزة ما أو مبادرة جديدة في مجال التصنيع وفق طلب الجمهور.
ومن بعض الأمثلة التي أطلقت حديثاً MyMuesli وهي خلطة بقول يختاره المستهلك بنفسه، وأيضاً هناك خلطة الأصدقاء Blends For Friends التي تمكن المستهلك من إنشاء مزيج الشاي الذي يفضله، وكذلك Conde Nast’s TasteBook ويمثل إمكانية اختيار وصفات الطعام التي يرغب المستهلك أن تجمع في كتاب يشتريه وبالتالي المستهلك هنا يختار محتويات الكتاب. طبعاً فضلاً عن نهج مشابه في كثير من المنتجات حيث يختار المشتري مثلاً الصور التي تطبع على قمصانه وأكواب القهوة والشاي ومساند فأرة الكومبيوتر التي يرغب بشرائه والتي تطبع خصيصاً له. جميع هذه الشركات ضاعفت بهذه الطريقة أرقام مبيعاتها في السنوات القليلة الأخيرة.
وهناك نهج آخر مثير للاهتمام بدأته كل من شكرتي Zapfab و Fabidoo اللذان يجمعان بين إبداع المستهلك الذي يقدم المحتوى بنفسه وبين الإمكانيات الهائلة والمتطورة للطباعة ثلاثية الأبعاد. فالطباعة ثلاثية الأبعاد تقدمت بشكل سريع كطريقة لخلق مواد فيزيائية حقيقية مجسمة مأخوذة من بيانات رقمية لتصميم ثلاثي الأبعاد. فشركة Zapfab توفر طريقة سهلة للحصول على هذه التكنولوجيا، فالمستهلك هنا يعمل على إنشاء تصميم ثلاثي الأبعاد يرغب بامتلاكه على الكومبيوتر ويرسله للشركة التي تقوم بدورها بإنتاجه عبر تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد وترسله للمستهلك بشكله النهائي. أما شركة Fabidoo فتحول أي شكل أو تصميم ثلاثي يرغبه المستهلك إلى ذواكر حاسوبية (فلاش ميموري) وترسله للمستهلك أيضاً.
"الانتاج وفق طلب الجمهور" قدم للشركات المرونة اللازمة لتخفيض مخاطر تطوير منتجات جديدة، لكن هذه المرونة لا تأتي بلا ثمن، إذ تتطلب إعادة تصميم عمليات الانتاج كاملة وغالباً ما تحتاج استثمارات كبيرة في المعدات والآلات. ولتتم عملية الإنتاج يتم الحصول على تفضيلات كل زبون بشكل شخصي (نظام الحصول على تفضيلات العميل) ونقلها بشكل دقيق للمنتج.
الاستراتيجية البديلة للتصنيع وفق طلب الجمهور: التلزيم الخارجي للجمهور
اعتبرت مجلة أي إن سي (Inc) مؤخراً أن شركة Threadless هي "أكثر الشركات الاميركية الصغيرة ابتكاراً" إذ تشرك زبائنها بشكل عميق في عملية ابتكار المنتج رغم أنها لا تزال تبيع إنتاجاً ضخماً.
والشركة التي تأسست عام 2000 في شيكاغو بأميركا والتي تبيع منتجات بسيطة كقمصان مطبوعة، تبيع أكثر من خمسين ألف قميص شهرياً بربح يفوق المئة ألف دولار رغم أن عدد موظفيها لا يتعدى العشرين موظفاً فقط. ووصلت الشركة إلى ذلك عبر نقل كافة مهمات الإنتاج الأساسية إلى زبائنها الذين قاموا بأدوارهم بحماس كبير.
فزبائن الشركة هم من يصممون القمصان الخاصة بهم وهم من يساعدون على تطوير منتجات الشركة مع أقرانهم وهم من يعرضون التصاميم ومن ثم يصوتون على التصاميم التي ستدخل عملية الإنتاج. وبما أن الزبون في هذه الحالة يلتزم، أخلاقياً على الأقل، بشراء المنتج حتى قبل دخوله مرحلة التصنيع فإنه بذلك يشارك أيضاً في تحمل "مخاطر السوق" وفيما يحمل الزبائن عبء الإعلان عن المنتج ابتداء من تصوير المنتجات لتستخدم في كاتالوغات العرض (يلعبون أيضاً دور العارضين لتلك القمصان) وانتهاء بإغواء عملاء جدد لشراء قمصان وفق ذات الآلية.
ومما يدعو للاستغراب أن الزبائن لا يشعرون بأنه يتم استغلالهم، بل على العكس هم يظهرون حماساً كبيراً للشركة التي أتاحت لهم إمكانية المشاركة. وفي المقابل قامت الشركة بتطوير منصة حوار للتواصل مع الزبائن عبر موقع الكتروني ليتم تبادل الأفكار معهم. وبذلك تمكنت تلك الشركة الصغيرة من توليد آلاف التصاميم الجديدة وفي الغالب بدون أي أجور لفريق العمل.
الابتكار المفتوح: إدماج المحيط الخارجي للشركة بعمليات البحث والتطوير
استخدم البرفيسور في جامعلة بيركلي، هنري تشيزبرو، مصطلح (الابتكار المفتوح) عام 2003 ليصف منظومة إدماج المدخلات الخارجية في بعض أو كل مراحل عملية الابتكار. ويعني هذا المفهوم أن يساهم الجمهور في عمليات البحث والتطوير لمنتجات جديدة تماماً.
وكمثال جيد على ذلك شركة InnoCentive التي أطلقت عام 2001 من قبل إيلي ليلي، وتعد نفسها اليوم نموذج حديث لتوزيع الأبحاث، إذ توفر الشركة وسيلة للبحث عن حلول للمشاكل التقنية خارج آليات الأبحاث التقليدية وبنى التطوير الثابتة، فترسل لعملائها (التي تسميهم الباحثين عن الحلول) المشاكل عبر موقع انترنت إلى جانب مكافأة مالية لأفضل حل يمكن أن يقدم خلال وقت معين.
أما عن زبائن تلك الشركة التي يشترون هذه الحلول فهم في الغالب شركات ضخمة مثل Procter&Gamble, BASF الذين يلجأون إلى شركة InnoCentive حينما يبحثون عن علامة تجارية جديدة أو أفكار جديدة لمنتجاتهم.
توفر شركة InnoCentive إمكانية الوصول إلى موقعها على الانترنت لأكثر من 100 ألف عالم الذين يقدمون الحلول بأمل الفوز بالمكافأة. فتسهل الشركة نشر وصياغة هذه المشكلة وتعرضها على موقعها في إطار من الخصوصية يراعي اتفاقات حماية الملكية الفكرية وتحصل بالتالي على أبحاث من قبل مواهب عشرات آلاف العلماء دون زيادة التكاليف الثابتة للشركة.
البحث الحالي الذي قام به كريم لاخاني من مدرسة هارفرد للأعمال، والذي يحلل 166 مشكلة نشرها موقع InnoCentive.com من قبل شركات ضخمة في مجال الصناعات الكيميائية والدوائية يظهر أن نموذج InnoCentive ليس فقط مجرد نموذج مختلف، بل أيضاً ذو كفاءة عالية. فالباحثون كانوا سابقاً يقضون حوالي ستة أشهر إلى سنتين في محاولة حل المشاكل داخلياً، وبدون نجاح.
لكن من بين 166 مشكلة دراسية نشرت على الموقع تم حل 49 مشكلة من قبل جمهور InnoCentive. وهذا بحد ذاته نجاح باهر لأفراد نافسوا مختبرات بحثية كبيرة، لكن الأهم من ذلك تبين أنه في المتوسط قضى صاحب الحل (الذي يفوز بالحل الأفضل للمشكلة) 74 ساعة فقط للوصول إلى حل وهو رقم ضئيل جداً مقارنة مع فترة 6 إلى 24 شهراً غير مجدية كانت تستغرقها حلول الشركات الكبيرة للأبحاث.
والسبب في تلك التنتيجة التي تكاد لا تصدق بسيط نوعاً ما وهو أن صاحب الحل يعرف الحل مسبقاً، إذ أن InnoCentive تساعد الباحثين عن طريق معلومات موجودة مسبقاً وموزعة على جمهورها العريض البالغ مئة ألف عالم. وفي 72.5% من مجمل الحالات فإن الذي يحظى بالحل يقوم فقط بإعادة استخدام حل موجود موسبقاً في مهمة سابقة تم حلها في سياق مختلف وفي معظم الحالات فإن الحل يكون من خارج مجال خبرة من يجده ما يعني أن الباحثين لم يكونو قريبين من إيجاد حلول خاصة بهم .
ويمكن اعتبار تلك الطريقة مصادر مفيدة للأفكار الخلاقة والحلول ونموذج نشر المشاكل هذا ربما كان أكثر فعالية من طريقة (التجربة والخطأ). ويمكننا أن نتوقع أن فعالية نشر المشاكل تكمن فقط في البحث عن حلول المشاكل الصعبة والمستعصية، إلا أن كفاءة تلك الطريقة التي تعتمد "الابداع المفتوح" تنطبق على فئة واسعة جداً من المشاكل ومن المنتجات ومن العمليات.
تقدم تقانة المعلومات يفتح الباب لإشراك عقول المستخدمين كافة، لكن ماذا لو تساءلنا عن نقل وتطبيق تلك المبادئ بالاستفادة من تقانة المعلومات في المجالات الأخرى كالمجالات السياسية والاجتماعية؟ كيف وأين وماهو "التلزيم الخارجي للجمهور" في السياسة مثلاً؟ قد تكون الديمقراطية الالكترونية المعتمدة على شبكة الانترت أكثر عدالة في الانتخابات المقبلة مثلاً!
في جميع الحالات الثلاث التي تطرقنا لها أعلاه، (التصنيع وفق حاجات الجمهور، التلزيم الخارجي للجمهور، الابتكار المفتوح) تتيح للشركات الحصول على فائدة كبيرة عبر إدماج وإشراك فاعلين من محيطها الخارجي، وربما تثمر هذه العملية على بعض الفوائد الهامة جداً لكن في النهاية نحن لا نتوقع أن تصبح تلك هي الاستراتجية السائدة الوحيدة في مجتمعنا، بدلاً من نظام الانتاج والتطوير الموجود اليوم.
فبالنسبة لمعظم المواضيع، لا نزال نريد تسوق منتجات الانتاج الضخم، لا نزال نريد مجرد الاستهلاك وليس ابتكار المنتج، نريد أن ندهش بأفكار وتصاميم المصمم لا أن نصمم نحن. لكن بالنسبة لبعض المواضيع الأخرى التي تهمنا حقيقة نريد المزيد من المشاركة بها.
الكثير من أذكى الناس سيعملون دائماً لأجل شخص آخر. عبر التلزيم الجماهيري لمهمات التطوير الداخلي، خبراء خارجيون يكملون مهارات الشركة. وشركة InnoCentive ربما تكون واحدة من وسائل مواجهة الأزمات الديموغرافية في عوز المهندسرين والمطورين الموهوبين والمؤهلين في العديد من الدول.