عطر سوريا
11/10/2009, 18:39
تخفيض اسعار المازوت : ممكن وضروري
الكاتب : فراس حداد
يبدو بان قصة المازوت تأبى ان تنتهي الا على طريقة الدراما السورية المليئة بالمفاجآت ، فخلال أسبوع واحد صدر تصريحان متناقضان عن السيناريو الجديد لتحديد أسعار المازوت في سوريا
التصريح الأول جاء من الفريق الاقتصادي وعلى لسان النائب الاقتصادي الدكتور عبد الله الدردري والذي أكد في اجتماعاته مع الفعاليات الاقتصادية في محافظة الرقة ، بانعدام امكانية اي تخفيض لاسعار المازوت في السوق السورية ، لا بل ذهبت بعض التخمينات من بعض المقربين من مكتب النائب الاقتصادي بان التوجه اليوم هو نحو رفع اسعار المازوت الى مستويات جديدة فرق الثلاثين ليرة سورية بحجة تأمين الأموال اللازمة لصندوق الدعم الزراعي ...
أما التصريح الثاني فقد جاء هذه المرة من تحت قبة مجلس الشعب السوري ، بعد أن طالب عددا من النواب في جلسة يوم الاربعاء الماضي بضرورة تخفيض سعر ليتر المازوت في السوق من 20 الى 15 ليرة سورية ، ليستمر بذلك الجدل ذاته القائم منذ أكثر من عامين حول الطريقة المثلة في تحديد اسعار هذه المادة التي ترتبط أسعارها مباشرة بتكلفة الانتاج في القطاع الزراعي وبديجة أقل في القطاع الصناعي.
ويتزامن هذا التناقض في التصريحات مع تناقض آخر في المواعيد والسيناريوهات الخاصة بطرق توزيع الدعم الخاص بالمازوت ، فبعد تحديد السيد رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب في جلسة سابقة قبل حوالي المئة يوم ، لشهر ايلول كموعد لصرف الدعم الذي تقرر ان يكون نقديا هذه المرة ، مر شهر أيلول دون اي اجراء يخص الموضوع ، سوى بعض الشائعات التي نفاها وزير المالية فيما سبق حول الطريقة التي حددت لصرف الدعم النقدي ، والتي عاد وأكدتها مصادر حكومية آخرى في وقت سابق من الاسبوع الماضي ، تلك الطريقة التي حصرت الاسر المستحقة للدعم بتلك التي يقل دخلها الشهري عن خمسة وعشرين ألف ليرة سورية لجميع عائليها ، ناهيك عن جملة من الشروط الآخرى المتعلقة بنوعية العمل والملكية والتي سبق وتناولتها وسائل الاعلام بالتفصيل في الشهر الماضي .
بقي أن نذكر بأن امكانية تخفيض أسعار المازوت اليوم هي أقرب الى التحقيق من اي وقت آخر ، فالاستهلاك انخفض بشكل ملموس خلال العام الحالي بنحو 30% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي ، واذا ما بقيت الامور على حالها ، يتوقع ان ينخفض استهلاك المازوت في سوريا نحو ملياري ليتر خلال هذا العام ليستقر قرب ستة مليارات ليتر من المازوت ، أكثر من ثلثيها من المازوت المحلي وثلثها فقط من المستورد .
وعليه فان تخفيض جديد في أسعار المازوت سيكلف الخزينة ما مقداره 30 مليار ليرة سورية فقط لا غير ، وان كان هذا المبلغ لا يقارن مع تلك المبالغ الكبيرة التي كانت تتكبدها الخزينة من جراء الدعم وفقا للاسعار السابقة قرب السبع ليرات لليتر ، الا ان الحكومة ستوفر هذا الرقم فعلا من خلال اعتماد الطريقة الجديدة في توزيع الدعم ، والتي ستقلل من عدد العائلات السورية المستحقة للدعم من حوالي الاربعة ملايين عائلة الى حوالي المليون عائلة فقط حسب آخر التقديرات الغير رسمية ، الا ان ابعاد ثلاثة ملايين عائلة مقارنة مع العام الماضي سيوفر على الخزينة مبلغا وقدره ثلاثيم مليار ليرة سورية .
وعليه فان الطريقة الجديدة التي ستتبع في توزيع الدعم أصبحت قادرة على توفير مبالغ يمكن استغلالها في تخفيض مباشر في اسعار المازوت ، هذا الامر الذي فيما لو تحقق سيؤدي الى انتعاش كبير في قطاع الزراعة الذي أرهقه تحرير اسعار المازوت، وزادت من حدة ازماته ، بل وفاقمت الجفاف الذي اطاح به في العام الماضي والذي حول المنطقة الشرقية الى منطقة شبه منكوبة حسب الكثير من التقارير الدولية ، كما سيؤدي الى نتائج متفائلة في الكثير من القطاعات التي ترتبط كلفها بهذه المادة .
اذا هو أمر ضروري و ذو حاجة ، وقبل كل شيء ممكن ، لكن هل سيتحقق ؟
الاجابة على هذا التساؤل وفقا للمعطيات الحالية تأتي بالنفي ، خاصة وان سياسات الاصلاح التي يتبناها الفريق الاقتصادي انما تعتمد على تحقيق مبدأ التوازنات في الاقتصاد ، والذي يقتضي ابعاد اي دور تدخلي للدولة في تحديد الاسعار ، وبلغة آخرى رفع يد الدولة عن الدعم المقدم في العديد من السلع والاستعاضة عنه بطرق اجتماعية آخرى كصندوق دعم الفقر وصندوق الدعم الزراعي وغيرها ، وان كانت هذه الطريقة قد حققت نجاحا لافتا في وقف نزيف موارد الخزينة السورية الى الخارج بعيد انخفاض تهريب المازوت السوري ، الا انه من جهة آخرى وباعتراف الكثير من المنظمات الاقتصادية الدولية كان له آثار سلبية شديدة التأثير في العديد من القطاعات الاقتصادية ناهيك عن آثاره الاجتماعية .
وبانتظار الاسابيع القليلة القادمة التي ستحمل معها الطريقة الجديدة في توزيع الدعم النقدي والقرار النهائي في آلية تسعيره ، سيستمر المازوت اللغز الأكبر في الاقتصاد السوري .
المصدر : سوريا الغد
الكاتب : فراس حداد
يبدو بان قصة المازوت تأبى ان تنتهي الا على طريقة الدراما السورية المليئة بالمفاجآت ، فخلال أسبوع واحد صدر تصريحان متناقضان عن السيناريو الجديد لتحديد أسعار المازوت في سوريا
التصريح الأول جاء من الفريق الاقتصادي وعلى لسان النائب الاقتصادي الدكتور عبد الله الدردري والذي أكد في اجتماعاته مع الفعاليات الاقتصادية في محافظة الرقة ، بانعدام امكانية اي تخفيض لاسعار المازوت في السوق السورية ، لا بل ذهبت بعض التخمينات من بعض المقربين من مكتب النائب الاقتصادي بان التوجه اليوم هو نحو رفع اسعار المازوت الى مستويات جديدة فرق الثلاثين ليرة سورية بحجة تأمين الأموال اللازمة لصندوق الدعم الزراعي ...
أما التصريح الثاني فقد جاء هذه المرة من تحت قبة مجلس الشعب السوري ، بعد أن طالب عددا من النواب في جلسة يوم الاربعاء الماضي بضرورة تخفيض سعر ليتر المازوت في السوق من 20 الى 15 ليرة سورية ، ليستمر بذلك الجدل ذاته القائم منذ أكثر من عامين حول الطريقة المثلة في تحديد اسعار هذه المادة التي ترتبط أسعارها مباشرة بتكلفة الانتاج في القطاع الزراعي وبديجة أقل في القطاع الصناعي.
ويتزامن هذا التناقض في التصريحات مع تناقض آخر في المواعيد والسيناريوهات الخاصة بطرق توزيع الدعم الخاص بالمازوت ، فبعد تحديد السيد رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب في جلسة سابقة قبل حوالي المئة يوم ، لشهر ايلول كموعد لصرف الدعم الذي تقرر ان يكون نقديا هذه المرة ، مر شهر أيلول دون اي اجراء يخص الموضوع ، سوى بعض الشائعات التي نفاها وزير المالية فيما سبق حول الطريقة التي حددت لصرف الدعم النقدي ، والتي عاد وأكدتها مصادر حكومية آخرى في وقت سابق من الاسبوع الماضي ، تلك الطريقة التي حصرت الاسر المستحقة للدعم بتلك التي يقل دخلها الشهري عن خمسة وعشرين ألف ليرة سورية لجميع عائليها ، ناهيك عن جملة من الشروط الآخرى المتعلقة بنوعية العمل والملكية والتي سبق وتناولتها وسائل الاعلام بالتفصيل في الشهر الماضي .
بقي أن نذكر بأن امكانية تخفيض أسعار المازوت اليوم هي أقرب الى التحقيق من اي وقت آخر ، فالاستهلاك انخفض بشكل ملموس خلال العام الحالي بنحو 30% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي ، واذا ما بقيت الامور على حالها ، يتوقع ان ينخفض استهلاك المازوت في سوريا نحو ملياري ليتر خلال هذا العام ليستقر قرب ستة مليارات ليتر من المازوت ، أكثر من ثلثيها من المازوت المحلي وثلثها فقط من المستورد .
وعليه فان تخفيض جديد في أسعار المازوت سيكلف الخزينة ما مقداره 30 مليار ليرة سورية فقط لا غير ، وان كان هذا المبلغ لا يقارن مع تلك المبالغ الكبيرة التي كانت تتكبدها الخزينة من جراء الدعم وفقا للاسعار السابقة قرب السبع ليرات لليتر ، الا ان الحكومة ستوفر هذا الرقم فعلا من خلال اعتماد الطريقة الجديدة في توزيع الدعم ، والتي ستقلل من عدد العائلات السورية المستحقة للدعم من حوالي الاربعة ملايين عائلة الى حوالي المليون عائلة فقط حسب آخر التقديرات الغير رسمية ، الا ان ابعاد ثلاثة ملايين عائلة مقارنة مع العام الماضي سيوفر على الخزينة مبلغا وقدره ثلاثيم مليار ليرة سورية .
وعليه فان الطريقة الجديدة التي ستتبع في توزيع الدعم أصبحت قادرة على توفير مبالغ يمكن استغلالها في تخفيض مباشر في اسعار المازوت ، هذا الامر الذي فيما لو تحقق سيؤدي الى انتعاش كبير في قطاع الزراعة الذي أرهقه تحرير اسعار المازوت، وزادت من حدة ازماته ، بل وفاقمت الجفاف الذي اطاح به في العام الماضي والذي حول المنطقة الشرقية الى منطقة شبه منكوبة حسب الكثير من التقارير الدولية ، كما سيؤدي الى نتائج متفائلة في الكثير من القطاعات التي ترتبط كلفها بهذه المادة .
اذا هو أمر ضروري و ذو حاجة ، وقبل كل شيء ممكن ، لكن هل سيتحقق ؟
الاجابة على هذا التساؤل وفقا للمعطيات الحالية تأتي بالنفي ، خاصة وان سياسات الاصلاح التي يتبناها الفريق الاقتصادي انما تعتمد على تحقيق مبدأ التوازنات في الاقتصاد ، والذي يقتضي ابعاد اي دور تدخلي للدولة في تحديد الاسعار ، وبلغة آخرى رفع يد الدولة عن الدعم المقدم في العديد من السلع والاستعاضة عنه بطرق اجتماعية آخرى كصندوق دعم الفقر وصندوق الدعم الزراعي وغيرها ، وان كانت هذه الطريقة قد حققت نجاحا لافتا في وقف نزيف موارد الخزينة السورية الى الخارج بعيد انخفاض تهريب المازوت السوري ، الا انه من جهة آخرى وباعتراف الكثير من المنظمات الاقتصادية الدولية كان له آثار سلبية شديدة التأثير في العديد من القطاعات الاقتصادية ناهيك عن آثاره الاجتماعية .
وبانتظار الاسابيع القليلة القادمة التي ستحمل معها الطريقة الجديدة في توزيع الدعم النقدي والقرار النهائي في آلية تسعيره ، سيستمر المازوت اللغز الأكبر في الاقتصاد السوري .
المصدر : سوريا الغد