رجل من ورق
20/10/2009, 08:44
كلنا شركاء
فضحت جريدة تشرين - دون أن تدري - الأرقام التي تعلنها الحكومة عبر صحفها الرسمية بنشرها خبرا موجزا عن تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط ( أوابك ) .
يقول خبر تشرين المنشور في الثامن من الشهر الجاري أن سورية احتلت المركز الثامن من حيث قيمة الصادرات النفطية في عام 2008 وجاء ترتيبها بعد قطر وقبل البحرين ومصر ، وحسب تقرير منظمة أوابك فإن قيمة الصادرات النفطية السورية بلغت في العام الماضي 7989 مليون دولار فقط !
السؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان البعض : وأين الفضيحة في هذا الخبر ؟
الفضيحة تتجسد بسؤال : أين ذهبت قيمة الصادرات النفطية .. هل استثمرت لخفض عجز الموازنة أم لتحسين أحوال المواطنين .. أم ماذا ؟
حسنا لنتابع من البداية وتحديدا لنبدأ من الموازنة العامة للدولة لعام 2008 ..
لقد بلغ إجمالي الموازنة 600 مليار ل س ما يهمنا منها هو الإيرادت النفطية والتي قدرتها الحكومة في بيانها المالي أمام مجلس الشعب بحدود 100370 مليون ل س أو مانسبته 24.61 % من إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية المقدرة بمبلغ 407800 مليون ل س .
وتشمل الإيرادات النفطية حسب الحكومة ( فوائض اقتصادية ، وضرائب دخل الأرباح ، وحق الدولة أتاوة الحكومة عن عقود الخدمة وعن إنتاج الشركة السورية للنفط من النفط الثقيل ) .
ونسنتج مما سبق أن المساهمة التقديرية للإيرادات النفطية في موازنة 2008 بلغت 16.72 % فقط من إجمالي الموازنة !
مايعنينا هنا أن الحكومة اعتمدت قيمة تقديرات الإيرادات النفطية في موازنة عام 2008 بواقع 51 دولارا للبرميل من النفط الخفيف و42 دولارا أمريكيا للبرميل من النفط الثقيل وقد حرصت الحكومة على التأكيد وقتها ( أن أية تغيرات في هذه الأسعار المعتمدة تنعكس على إيرادات مشروع موازنة عام 2008 و بالتالي على العجز المقدر في مشروع الموازنة ) .
وبناء على هذه المعطيات الرقمية قدرت الحكومة عجز الموازنة العامة للدولة بحوالي 192 مليار ليرة سورية او ما نسبته حوالي 9.8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي المقدر لعام 2008 .
واللافت للنظر أن وزير المالية الدكتورمحمد الحسين أكد أثناء مناقشة الموازنة في مجلس الشعب :
( ان موازنة عام 2008 جاءت في اطار ما نصت عليه الخطة الخمسية العاشرة لكن بارقام اقل في الموازنة الاستثمارية والسبب في ذلك نقص الموارد المحلية الناجم عن نقص الايرادات النفطية من حوالي 246 مليار ليرة سورية عام 2007 الى حوالي 100 مليار ليرة سورية في عام 2008 .. ) .
وهذا يعني أن الحكومة اعترفت أمام مجلس الشعب أن الإيرادات النفطية في موازنة 2008 انخفضت بمقدار 146 مليار ل س وهو رقم كبير جدا .. ولكن الحكومة لم تكن تعرف أن هناك مفاجأة سارة ستتج بارتفاع أسعار النط في عام 2008 !
والجانب المهم جدا في هذا الموضوع هو ماقاله وزير المالية حرفيا : ( نحن في سورية لدينا مصلحة في ان تكون اسعار النفط مرتفعة لانها تخفض العجز وذلك من خلال الايرادات النفطية )
مضيفا : ( ان رقم العجز في الموازنة العامة للدولة لعام 2008 يمثل تحديا للحكومة و لوزارة المالية باتجاه تخفيضه سواء عبر زيادة الايرادات العامة او عبر ترشيد الانفاق العام او كليهما معا ) .
وواضح جدا أن الحكومة أوحت بوضوح أن زيادة العجز في الموازنة له علاقة مباشرة بأسعار النفط وليس بموضوع آخر كزيادة الصادرات أو الإستثمارات في سورية !
وباختصار فإن الحكومة أعلنت أمام مجلس الشعب إن موزانة عام 2008 تتميز بما يلي :
عجز الموازنة المقدر سيكون حوالي 192.2 مليار ل.س أو ما نسبته 9.83 % إلى الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق لعام 2008 والبالغ 1955 مليار ل.س حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء مع وجود الموارد النفطية و293 مليار ل.س أو ما نسبته (15%) إلى الناتج الإجمالي بدون الموارد النفطية .. ) .
وهذا يعني بالمختصر المفيد أن الإيرادات النفطية هي العامل الأساسي في زيادة أو تخفيض أو إلغاء العجز في موازنة عام 2008 .
وإذا استعرضنا تطور أسعار النفط سنجد التالي :
ارتفع سعر برميل النفط بشكل قياسي في نهاية صيف عام 2007 ليصل إلى أكثر من 90 دولارا للبرميل في شهر تشرين الثاني .. وفي عام 2008 ارتفع سعر برميل النفط إلى 100 دولار في كانون الثاني 2008 ثم إلى 111 دولارا في آذار و114 في نيسان و135 دولارا في ايار و140 دولارا في حزيران و145 دولارا في تموز وتراجع سعر البرميل في شهر آب إلى 100 دولار ثم إلى دون ذلك في شهر أيلول ليصل في تشرين الأول إلى حدود 77 دولارا للبرميل فإلى 54 دولار في تشرين الثاني فإلى حدود 40 دولارا في كانون الأول ..
نكتشف بسهولة ان الأسعار الفعلية للنفط كانت لاتقل عن ضعف تقديرات الحكومة باستثناء شهر واحد وكانت أقل من التقديرات في الشهر الأخير من عام 2008 ، وارتفاع اسعار النفط هو الذي قفز بالإيرادات النفطية السورية إلى عتبة الـ 8 مليارات دولار .. وووسطيا بلغ سعر برميل النفط بحدود 104 دولارات على مدار العام أي أكثر من 100 % من التقدير الحكومي .
وإذا كانت الحكومة قدرت الإيرادات النفطية بسعر 51 دولارا للبرميل من النفط الخفيف و42 دولارا أمريكيا للبرميل من النفط الثقيل فهذا يعني أن حصتها من الصادرات النفطية البالغة بحدود 8 مليارات دولار يجب أن لاتقل عن 206 مليارات ليرة سورية أي بزيادة 103 مليارات عن تقديراتها الأولى وهذا يعني أن نسبة مساهمة الإيرادات النفطية في موازنة عام 2008 قفزت من 24.61 % إلى 49.22 % من إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية وزادت نسبة المساهمة النفطية من 16.72 % إلى 33.44 % من إجمالي الموازنة .. وهذه هي المفاجأة التي أشرنا إليها في حين لم تات الحكومة على ذكرها حتى الآن ولم نكن لنسمع بها لولا الخبر المنشور في تشرين من غير قصد !
السؤال : أين ذهبت هذه المليارات التي لم يأت على ذكرها أحد من أركان الحكومة ؟
وزير المالية مثلا في حوار مع جريدة البعث في أيلول الماضي يقول حرفيا : ( ان قطاع الضرائب والرسوم يسجل زيادات ملحوظة بل ويعوض التناقص في النفط وفوائض المؤسسات الحكومية لأن اجمالي الايرادات المحلية لم تنقص بل زادت والزيادة تأتي من الرسوم والضرائب ففي عام 2008 حصلنا نحو 364 مليار ليرة وهو يمثل حوالى 61 ? من اجمالي موازنة 2008 .. العام الماضي عجزنا المقدر حوالى 226 مليارا .. ) !
الا تلاحظون تناقضا مقصودا في هذه الأرقام !
فإذا كانت حصيلة الرسوم والضرائب 364 مليار وإذا أضفنا إليها قيمة الإيرادات النفطية الفعلية بعد ارتفاع سعر البرميل الخام إلى مالايقل وسطيا عن ضعف السعر التقديري للحكومة والبالغ بحدود 206 مليارات لأصبح إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية 570 مليار ليرة أي بما نسبته 95 % من إجمالي موازنة 2008 .. !!
السؤال : من أين جاء عجز الموازنة البالغ حسب قول وزير المالية 226 مليار ل س ؟
يبدو أن وزير المالية تناسى قصدا أنه قال لأعضاء مجلس الشعب في تشرين الثاني عام 2007 أن العجز في الموازنة هو 192.2 مليار ل س فقط !
وتناسى قصدا قوله : ( نحن في سورية لدينا مصلحة في ان تكون اسعار النفط مرتفعة لانها تخفض العجز وذلك من خلال الايرادات النفطية ) !
وتناسى وزير المالية أيضا ماقاله في بيانه المالي : ( تعزى الأسباب الرئيسية لهذا العجز المقدر إلى زيادة حجم اعتمادات مشروع الموازنة بسبب ترفيعات الرواتب والأجور والتزامات القانون الأساسي وقانون التفرغ الجامعي وقانون تنظيم الجامعاعت ولتلبية متطلبات التنمية وخدمات الشعب ودعم السلع التموينية الأساسية وبعض المنتجات والخدمات المدعومة لأسباب اقتصادية واجتماعية وتم تغطية مبلغ 181.550 مليار ل.س من هذا العجز المقدر من الاحتياطي ) .
يعني هذا الكلام أن العجز المقدر الفعلي بعد تغطية الجزء الأكبر منه لايتجاوز فعليا مع الرقم الجديد للعجز أي رقم 226 مليار سوى 44.45 مليار ل س وهو رقم قريب من الواقع لأن الإيرادات الذاتية الفعلية للموازنة بعد زيادة أسعار النفط وصلت كما ذكرنا إلى 570 مليار ل س من إجمالي موازنة عام 2008 .. !
ولعل اقتراب الموازنة من التوازن مابين الإنفاق والإيرادات بسبب العامل النفطي هو الذي يجعل الحكومة تتجاهل عمدا أي ذكر للإيرادات النفطية الكبيرة كي تتحلل من التزاماتها بزيادة الرواتب والأجور وبتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين بطريقة فعلية وليست استعراضية في حين كنا نراها تعزف يوميا على وتر ماتقدمه من دعم بالمليارات للمواطنين عندما كان المازوت مدعوما ..
بل أن الحكومة لم تعد تشكو خسارة شركة محروقات لأنها بعد رفع اسعار الطاقة أصبحت تربح المليارات دون أن ينعكس ذلك الربح على المواطن باي شكل من الأشكال !
لذا من حقنا أن نسأل وبإلحاح : أين تذهب مليارات النفط ومليارات شركة محروقات ؟
الجانب الآخر والمبهم فيما يتعلق بعجز الموازنة وعلاقته المباشرة بدعم المازوت والغاز والبنزين هو الأرقام المتناقضة ونرى أن التناقض مقصود كي تبقى الأمور غامضة بل وملتبسة ليس لدى المواطن فقط بل ولدى المهتمين بالشأن الإقتصادي أيضا .. !
لنتابع الأرقام التالية لنكتشف الكم الكبير من التناقض فيها :
جاء في بيان وزير المالية حول موازنة 2008 ( أن فائض الموازنة النظري بلغ 234.173 مليار ل.س من واقع نتائج دراسة الموزانات التقديرية والخطط السنوية لجهات القطاع العام الاقتصادي بينما بلغ فائض الموازنة المتوقع توريده لصندوق الدين العام 90.318 مليار ل.س ويعود السبب في ذلك إلى أن فائض الموازنة لدى الجهات النفطية والبالغ 123.855 مليون ل .س يقابله خسارة لدى شركة محروقات بمبلغ 252 مليار ل.س ناتجة عن بيع المشتقات النفطية بأقل من تكلفة إنتاجها أو استيرادها وبذلك يبلغ العجز المقدر المبين في مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2008 مبلغ 192.200 مليار ل.س ) .
هذا الكلام كان في تشرين الثاني 2007 .. فماذ حدث بعده من تطورات ؟
صدر في عام 2008 عدة قرارات لها علاقة مباشرة بالدعم اهمها زيادة الرواتب بنسبة 25 % للقطاعين العام والخاص ورفع أسعار المازوت من 8 ل س إلى 25 ل س لليتر الواحد ورفع سعر ليتر البنزين للمرة الثانية خلال أقل من عام ورفع سعر اسطوانة الغاز من 145 ل س إلى 250 ل س .. الخ
وتزامن كل ذلك مع ارتفاع سعر برميل النفط في الأسواق الدولية !
السؤال : الا يفترض أن تؤثّر القرارات المذكورة إيجابا على موازنة 2008 فينخفض عجز الموازنة على الأقل والناجم أصلا عن دعم المازوت بشكل خاص وعن توقع حكومي بأن اسعار النفط لن تزيد عن 51 للبرميل ؟
كي لايبقى السؤال بلا جواب فلنتابع ماقالته الحكومة على لسان أركانها :
وزير المالية د.محمد الحسين أوضح ( أن زيادة الرواتب والأجور لعمال وموظفي القطاع الخاص والمشترك والتعاوني بنسبة 25 % ستكلف ميزانية الدولة 58 مليار ليرة سنويا وقد تزيد مع التعويضات التي ستحتسب على أساس الأجر الجديد بالنسبة للعاملين في الدولة والمتقاعدين )
وقد يتبادر لذهن الجميع أن هذه المليارات ستزيد من عجز الموازنة بدليل أن وزير المالية أكد في أيلول 2009 أن عجز موازنة 2008 وصل إلى 226 مليار ل س .. والسؤال الذي لاجواب له : لماذا وكيف زاد العجز ؟
والسؤال مشروع جدا لأن وزير المالية أكد جازما بالنسبة لمبلغ الـ 58 مليار الخاصة بزيادة الرواتب والأجور :
( إن هذا الرقم الذي كان يذهب مع أضعافه إلى التهريب الآن سيذهب إلى المواطنين السوريين الذين سيبقون يتمتعون بميزة الحصول على المازوت المدعوم عبر القسائم ) .
وهذا يعني أن الزيادة لم تسهم بعجز الموازنة فهي حسب وزير المالية انتقلت من المهربين إلى المواطنين .. وهاهو عام 2009 في أسابيعه الأخيرة ووعد الحكومة باستمرار تمتع المواطنين بميزة الحصول على المازوت المدعوم مجرد حبر على ورق !
مدير شركة محروقات اوضح بعد رفع الدعم عن المازوت والغاز في مطلع ايار 2008 : ان فاتورة دعم المازوت سنويا تبلغ 407.3 مليار ليرة سورية والفيول 129.3 مليار ليرة والاسفلت 10.4 مليار ليرة والغاز المنزلي 29.5 مليار ليرة وذلك حسب اسعار نشرة البلاتس العالمية ليوم 22/4/.2008 ) !
وأضاف مدير شركة محروقات حرفيا بعد رفع اسعار البنزين في آذار 2008 : ( لا يوجد دعم للبنزين ويباع محليا بنفس السعر العالمي ) !
وهذا يعني أن الحكومة لم تعد تدعم البنزين ولا المازوت ولا الغاز .. وبالتالي يفترض أن يساهم رفع الدعم عن هذه المواد بخفض عجز الموازنة وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين لا العكس !
بل أن مدير محروقات أكد في تصريح في منتصف العام الحالي أن دعم المازوت انخفض من 407 مليارات سنويا إلى 371 مليار في عام 2008 أي بمقدار 36 مليار – يفترض أن يكون الرقم اكبر من ذلك بكثير - في حين أن الشركة انتقلت من الخسارة إلى الربح في عام 2009 ..
وهذا يعني أيضا وأيضا أن عجز الموازنة يجب أن ينخفض لا أن يزداد !
فإذا اضفنا إلى ذلك الـ 100 مليار ليرة على أقل تقدير وهي حصة خزينة الدولة الناجمة عن زيادة أسعار النفط في عام 2008 فإن المشهد يجب أن يكون في منتهى الإيجابية وليس في منتهى الضبابية !
فالقرارات التي اتخذتها الحكومة في النصف الأول من عام 2008 وخاصة الغاء الدعم عن المازوت والبنزين انعكست وفرة مالية حكما على موازنة 2008 وستنعكس على الموازنات التالية ..
إلا ان هذه القرارات الحكومية - وكما يحدث دائما - كان لها انعكاسات في منتهى السلبية على السوريين !
ولم تكن زيادة الـ 25 % أكثر من تعويض جزئي يسير لارتفاع الأسعار الذي شمل المنتات والسلع الحكومية قبل أن يشمل منتجات وخدمات القطاع الخاص .
ونكرر السؤال : اين ذهبت المليارت الناجمة عن ارتفاع اسعار النفط ورفع اسعار المازوت والبنزين والغاز وعشرات السلع والمواد المنتجة في القطاع العام ؟
السؤال أكثر من مشروع لأن الأوضاع المعيشية للمواطنين لم تتحسن بل ازدادت سوءا وتدهورا بتراجع قدراتها الشرائية لمستلزمات اساسيات حياتها اليومية .. !
فضحت جريدة تشرين - دون أن تدري - الأرقام التي تعلنها الحكومة عبر صحفها الرسمية بنشرها خبرا موجزا عن تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط ( أوابك ) .
يقول خبر تشرين المنشور في الثامن من الشهر الجاري أن سورية احتلت المركز الثامن من حيث قيمة الصادرات النفطية في عام 2008 وجاء ترتيبها بعد قطر وقبل البحرين ومصر ، وحسب تقرير منظمة أوابك فإن قيمة الصادرات النفطية السورية بلغت في العام الماضي 7989 مليون دولار فقط !
السؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان البعض : وأين الفضيحة في هذا الخبر ؟
الفضيحة تتجسد بسؤال : أين ذهبت قيمة الصادرات النفطية .. هل استثمرت لخفض عجز الموازنة أم لتحسين أحوال المواطنين .. أم ماذا ؟
حسنا لنتابع من البداية وتحديدا لنبدأ من الموازنة العامة للدولة لعام 2008 ..
لقد بلغ إجمالي الموازنة 600 مليار ل س ما يهمنا منها هو الإيرادت النفطية والتي قدرتها الحكومة في بيانها المالي أمام مجلس الشعب بحدود 100370 مليون ل س أو مانسبته 24.61 % من إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية المقدرة بمبلغ 407800 مليون ل س .
وتشمل الإيرادات النفطية حسب الحكومة ( فوائض اقتصادية ، وضرائب دخل الأرباح ، وحق الدولة أتاوة الحكومة عن عقود الخدمة وعن إنتاج الشركة السورية للنفط من النفط الثقيل ) .
ونسنتج مما سبق أن المساهمة التقديرية للإيرادات النفطية في موازنة 2008 بلغت 16.72 % فقط من إجمالي الموازنة !
مايعنينا هنا أن الحكومة اعتمدت قيمة تقديرات الإيرادات النفطية في موازنة عام 2008 بواقع 51 دولارا للبرميل من النفط الخفيف و42 دولارا أمريكيا للبرميل من النفط الثقيل وقد حرصت الحكومة على التأكيد وقتها ( أن أية تغيرات في هذه الأسعار المعتمدة تنعكس على إيرادات مشروع موازنة عام 2008 و بالتالي على العجز المقدر في مشروع الموازنة ) .
وبناء على هذه المعطيات الرقمية قدرت الحكومة عجز الموازنة العامة للدولة بحوالي 192 مليار ليرة سورية او ما نسبته حوالي 9.8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي المقدر لعام 2008 .
واللافت للنظر أن وزير المالية الدكتورمحمد الحسين أكد أثناء مناقشة الموازنة في مجلس الشعب :
( ان موازنة عام 2008 جاءت في اطار ما نصت عليه الخطة الخمسية العاشرة لكن بارقام اقل في الموازنة الاستثمارية والسبب في ذلك نقص الموارد المحلية الناجم عن نقص الايرادات النفطية من حوالي 246 مليار ليرة سورية عام 2007 الى حوالي 100 مليار ليرة سورية في عام 2008 .. ) .
وهذا يعني أن الحكومة اعترفت أمام مجلس الشعب أن الإيرادات النفطية في موازنة 2008 انخفضت بمقدار 146 مليار ل س وهو رقم كبير جدا .. ولكن الحكومة لم تكن تعرف أن هناك مفاجأة سارة ستتج بارتفاع أسعار النط في عام 2008 !
والجانب المهم جدا في هذا الموضوع هو ماقاله وزير المالية حرفيا : ( نحن في سورية لدينا مصلحة في ان تكون اسعار النفط مرتفعة لانها تخفض العجز وذلك من خلال الايرادات النفطية )
مضيفا : ( ان رقم العجز في الموازنة العامة للدولة لعام 2008 يمثل تحديا للحكومة و لوزارة المالية باتجاه تخفيضه سواء عبر زيادة الايرادات العامة او عبر ترشيد الانفاق العام او كليهما معا ) .
وواضح جدا أن الحكومة أوحت بوضوح أن زيادة العجز في الموازنة له علاقة مباشرة بأسعار النفط وليس بموضوع آخر كزيادة الصادرات أو الإستثمارات في سورية !
وباختصار فإن الحكومة أعلنت أمام مجلس الشعب إن موزانة عام 2008 تتميز بما يلي :
عجز الموازنة المقدر سيكون حوالي 192.2 مليار ل.س أو ما نسبته 9.83 % إلى الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق لعام 2008 والبالغ 1955 مليار ل.س حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء مع وجود الموارد النفطية و293 مليار ل.س أو ما نسبته (15%) إلى الناتج الإجمالي بدون الموارد النفطية .. ) .
وهذا يعني بالمختصر المفيد أن الإيرادات النفطية هي العامل الأساسي في زيادة أو تخفيض أو إلغاء العجز في موازنة عام 2008 .
وإذا استعرضنا تطور أسعار النفط سنجد التالي :
ارتفع سعر برميل النفط بشكل قياسي في نهاية صيف عام 2007 ليصل إلى أكثر من 90 دولارا للبرميل في شهر تشرين الثاني .. وفي عام 2008 ارتفع سعر برميل النفط إلى 100 دولار في كانون الثاني 2008 ثم إلى 111 دولارا في آذار و114 في نيسان و135 دولارا في ايار و140 دولارا في حزيران و145 دولارا في تموز وتراجع سعر البرميل في شهر آب إلى 100 دولار ثم إلى دون ذلك في شهر أيلول ليصل في تشرين الأول إلى حدود 77 دولارا للبرميل فإلى 54 دولار في تشرين الثاني فإلى حدود 40 دولارا في كانون الأول ..
نكتشف بسهولة ان الأسعار الفعلية للنفط كانت لاتقل عن ضعف تقديرات الحكومة باستثناء شهر واحد وكانت أقل من التقديرات في الشهر الأخير من عام 2008 ، وارتفاع اسعار النفط هو الذي قفز بالإيرادات النفطية السورية إلى عتبة الـ 8 مليارات دولار .. وووسطيا بلغ سعر برميل النفط بحدود 104 دولارات على مدار العام أي أكثر من 100 % من التقدير الحكومي .
وإذا كانت الحكومة قدرت الإيرادات النفطية بسعر 51 دولارا للبرميل من النفط الخفيف و42 دولارا أمريكيا للبرميل من النفط الثقيل فهذا يعني أن حصتها من الصادرات النفطية البالغة بحدود 8 مليارات دولار يجب أن لاتقل عن 206 مليارات ليرة سورية أي بزيادة 103 مليارات عن تقديراتها الأولى وهذا يعني أن نسبة مساهمة الإيرادات النفطية في موازنة عام 2008 قفزت من 24.61 % إلى 49.22 % من إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية وزادت نسبة المساهمة النفطية من 16.72 % إلى 33.44 % من إجمالي الموازنة .. وهذه هي المفاجأة التي أشرنا إليها في حين لم تات الحكومة على ذكرها حتى الآن ولم نكن لنسمع بها لولا الخبر المنشور في تشرين من غير قصد !
السؤال : أين ذهبت هذه المليارات التي لم يأت على ذكرها أحد من أركان الحكومة ؟
وزير المالية مثلا في حوار مع جريدة البعث في أيلول الماضي يقول حرفيا : ( ان قطاع الضرائب والرسوم يسجل زيادات ملحوظة بل ويعوض التناقص في النفط وفوائض المؤسسات الحكومية لأن اجمالي الايرادات المحلية لم تنقص بل زادت والزيادة تأتي من الرسوم والضرائب ففي عام 2008 حصلنا نحو 364 مليار ليرة وهو يمثل حوالى 61 ? من اجمالي موازنة 2008 .. العام الماضي عجزنا المقدر حوالى 226 مليارا .. ) !
الا تلاحظون تناقضا مقصودا في هذه الأرقام !
فإذا كانت حصيلة الرسوم والضرائب 364 مليار وإذا أضفنا إليها قيمة الإيرادات النفطية الفعلية بعد ارتفاع سعر البرميل الخام إلى مالايقل وسطيا عن ضعف السعر التقديري للحكومة والبالغ بحدود 206 مليارات لأصبح إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية 570 مليار ليرة أي بما نسبته 95 % من إجمالي موازنة 2008 .. !!
السؤال : من أين جاء عجز الموازنة البالغ حسب قول وزير المالية 226 مليار ل س ؟
يبدو أن وزير المالية تناسى قصدا أنه قال لأعضاء مجلس الشعب في تشرين الثاني عام 2007 أن العجز في الموازنة هو 192.2 مليار ل س فقط !
وتناسى قصدا قوله : ( نحن في سورية لدينا مصلحة في ان تكون اسعار النفط مرتفعة لانها تخفض العجز وذلك من خلال الايرادات النفطية ) !
وتناسى وزير المالية أيضا ماقاله في بيانه المالي : ( تعزى الأسباب الرئيسية لهذا العجز المقدر إلى زيادة حجم اعتمادات مشروع الموازنة بسبب ترفيعات الرواتب والأجور والتزامات القانون الأساسي وقانون التفرغ الجامعي وقانون تنظيم الجامعاعت ولتلبية متطلبات التنمية وخدمات الشعب ودعم السلع التموينية الأساسية وبعض المنتجات والخدمات المدعومة لأسباب اقتصادية واجتماعية وتم تغطية مبلغ 181.550 مليار ل.س من هذا العجز المقدر من الاحتياطي ) .
يعني هذا الكلام أن العجز المقدر الفعلي بعد تغطية الجزء الأكبر منه لايتجاوز فعليا مع الرقم الجديد للعجز أي رقم 226 مليار سوى 44.45 مليار ل س وهو رقم قريب من الواقع لأن الإيرادات الذاتية الفعلية للموازنة بعد زيادة أسعار النفط وصلت كما ذكرنا إلى 570 مليار ل س من إجمالي موازنة عام 2008 .. !
ولعل اقتراب الموازنة من التوازن مابين الإنفاق والإيرادات بسبب العامل النفطي هو الذي يجعل الحكومة تتجاهل عمدا أي ذكر للإيرادات النفطية الكبيرة كي تتحلل من التزاماتها بزيادة الرواتب والأجور وبتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين بطريقة فعلية وليست استعراضية في حين كنا نراها تعزف يوميا على وتر ماتقدمه من دعم بالمليارات للمواطنين عندما كان المازوت مدعوما ..
بل أن الحكومة لم تعد تشكو خسارة شركة محروقات لأنها بعد رفع اسعار الطاقة أصبحت تربح المليارات دون أن ينعكس ذلك الربح على المواطن باي شكل من الأشكال !
لذا من حقنا أن نسأل وبإلحاح : أين تذهب مليارات النفط ومليارات شركة محروقات ؟
الجانب الآخر والمبهم فيما يتعلق بعجز الموازنة وعلاقته المباشرة بدعم المازوت والغاز والبنزين هو الأرقام المتناقضة ونرى أن التناقض مقصود كي تبقى الأمور غامضة بل وملتبسة ليس لدى المواطن فقط بل ولدى المهتمين بالشأن الإقتصادي أيضا .. !
لنتابع الأرقام التالية لنكتشف الكم الكبير من التناقض فيها :
جاء في بيان وزير المالية حول موازنة 2008 ( أن فائض الموازنة النظري بلغ 234.173 مليار ل.س من واقع نتائج دراسة الموزانات التقديرية والخطط السنوية لجهات القطاع العام الاقتصادي بينما بلغ فائض الموازنة المتوقع توريده لصندوق الدين العام 90.318 مليار ل.س ويعود السبب في ذلك إلى أن فائض الموازنة لدى الجهات النفطية والبالغ 123.855 مليون ل .س يقابله خسارة لدى شركة محروقات بمبلغ 252 مليار ل.س ناتجة عن بيع المشتقات النفطية بأقل من تكلفة إنتاجها أو استيرادها وبذلك يبلغ العجز المقدر المبين في مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2008 مبلغ 192.200 مليار ل.س ) .
هذا الكلام كان في تشرين الثاني 2007 .. فماذ حدث بعده من تطورات ؟
صدر في عام 2008 عدة قرارات لها علاقة مباشرة بالدعم اهمها زيادة الرواتب بنسبة 25 % للقطاعين العام والخاص ورفع أسعار المازوت من 8 ل س إلى 25 ل س لليتر الواحد ورفع سعر ليتر البنزين للمرة الثانية خلال أقل من عام ورفع سعر اسطوانة الغاز من 145 ل س إلى 250 ل س .. الخ
وتزامن كل ذلك مع ارتفاع سعر برميل النفط في الأسواق الدولية !
السؤال : الا يفترض أن تؤثّر القرارات المذكورة إيجابا على موازنة 2008 فينخفض عجز الموازنة على الأقل والناجم أصلا عن دعم المازوت بشكل خاص وعن توقع حكومي بأن اسعار النفط لن تزيد عن 51 للبرميل ؟
كي لايبقى السؤال بلا جواب فلنتابع ماقالته الحكومة على لسان أركانها :
وزير المالية د.محمد الحسين أوضح ( أن زيادة الرواتب والأجور لعمال وموظفي القطاع الخاص والمشترك والتعاوني بنسبة 25 % ستكلف ميزانية الدولة 58 مليار ليرة سنويا وقد تزيد مع التعويضات التي ستحتسب على أساس الأجر الجديد بالنسبة للعاملين في الدولة والمتقاعدين )
وقد يتبادر لذهن الجميع أن هذه المليارات ستزيد من عجز الموازنة بدليل أن وزير المالية أكد في أيلول 2009 أن عجز موازنة 2008 وصل إلى 226 مليار ل س .. والسؤال الذي لاجواب له : لماذا وكيف زاد العجز ؟
والسؤال مشروع جدا لأن وزير المالية أكد جازما بالنسبة لمبلغ الـ 58 مليار الخاصة بزيادة الرواتب والأجور :
( إن هذا الرقم الذي كان يذهب مع أضعافه إلى التهريب الآن سيذهب إلى المواطنين السوريين الذين سيبقون يتمتعون بميزة الحصول على المازوت المدعوم عبر القسائم ) .
وهذا يعني أن الزيادة لم تسهم بعجز الموازنة فهي حسب وزير المالية انتقلت من المهربين إلى المواطنين .. وهاهو عام 2009 في أسابيعه الأخيرة ووعد الحكومة باستمرار تمتع المواطنين بميزة الحصول على المازوت المدعوم مجرد حبر على ورق !
مدير شركة محروقات اوضح بعد رفع الدعم عن المازوت والغاز في مطلع ايار 2008 : ان فاتورة دعم المازوت سنويا تبلغ 407.3 مليار ليرة سورية والفيول 129.3 مليار ليرة والاسفلت 10.4 مليار ليرة والغاز المنزلي 29.5 مليار ليرة وذلك حسب اسعار نشرة البلاتس العالمية ليوم 22/4/.2008 ) !
وأضاف مدير شركة محروقات حرفيا بعد رفع اسعار البنزين في آذار 2008 : ( لا يوجد دعم للبنزين ويباع محليا بنفس السعر العالمي ) !
وهذا يعني أن الحكومة لم تعد تدعم البنزين ولا المازوت ولا الغاز .. وبالتالي يفترض أن يساهم رفع الدعم عن هذه المواد بخفض عجز الموازنة وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين لا العكس !
بل أن مدير محروقات أكد في تصريح في منتصف العام الحالي أن دعم المازوت انخفض من 407 مليارات سنويا إلى 371 مليار في عام 2008 أي بمقدار 36 مليار – يفترض أن يكون الرقم اكبر من ذلك بكثير - في حين أن الشركة انتقلت من الخسارة إلى الربح في عام 2009 ..
وهذا يعني أيضا وأيضا أن عجز الموازنة يجب أن ينخفض لا أن يزداد !
فإذا اضفنا إلى ذلك الـ 100 مليار ليرة على أقل تقدير وهي حصة خزينة الدولة الناجمة عن زيادة أسعار النفط في عام 2008 فإن المشهد يجب أن يكون في منتهى الإيجابية وليس في منتهى الضبابية !
فالقرارات التي اتخذتها الحكومة في النصف الأول من عام 2008 وخاصة الغاء الدعم عن المازوت والبنزين انعكست وفرة مالية حكما على موازنة 2008 وستنعكس على الموازنات التالية ..
إلا ان هذه القرارات الحكومية - وكما يحدث دائما - كان لها انعكاسات في منتهى السلبية على السوريين !
ولم تكن زيادة الـ 25 % أكثر من تعويض جزئي يسير لارتفاع الأسعار الذي شمل المنتات والسلع الحكومية قبل أن يشمل منتجات وخدمات القطاع الخاص .
ونكرر السؤال : اين ذهبت المليارت الناجمة عن ارتفاع اسعار النفط ورفع اسعار المازوت والبنزين والغاز وعشرات السلع والمواد المنتجة في القطاع العام ؟
السؤال أكثر من مشروع لأن الأوضاع المعيشية للمواطنين لم تتحسن بل ازدادت سوءا وتدهورا بتراجع قدراتها الشرائية لمستلزمات اساسيات حياتها اليومية .. !