Nasserm
01/11/2009, 19:24
في الذكرى الأولى لخطوة.. على التراب السوري
رافع هزّاع : (كلنا شركاء) 28/10/2009
منذ مطلع الشهر الحالي، بدأت بالعد التنازلي للوصول إلى يوم 26 أكتوبر، وتعمّدت الانتظار يوماً كاملاً بعده لرصد ما تنشره الصحف الرسمية السوريّة وغيرها من وسائل الإعلام المحليّة بالكامل قبل أن أبدأ بكتابة هذه السطور. ربما يتساءل البعض عمّا يعنيه هذا التاريخ، وربما تذكّر البعض الآخر ذلك اليوم تماماً وغض النظر عنه وفقاً للـ "هوى الغربي"!!
استقلّت النرويج عن السويد في 26 أكتوبر 1905، واحتفلت النمسا بعيدها الوطني في ذلك اليوم أيضاً من عام 1955؛ ووقّعت الأردن اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل في 26 أكتوبر عام 1994، بينما قطعت زامبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل قبل ذلك بـ 21 سنة بالضبط؛ لكن روايتي السوريّة تختلف في الحديث عن هذا اليوم.. عندما زار أحد الصحفيين الأمريكيين موقع الحدث بعد شهر تقريباً من وقوعه، التقط ظرف رصاصة فارغ وابتسم قائلاً لمرافقه: الجيش الأمريكي هو الوحيد الذي يستخدم هذا النوع الرصاص في العالم.
حدّثني أحدهم منذ عام (ويوم) عن مروحيات أمريكية حطّت على تراب سورية، ترجّل منها الإيربورن (وحدات العمليات الخاصّة) بنظّاراتهم الأوكليه وأسلحتهم الأوتوماتيكية؛ بحثوا عن شخص من تنظيم القاعدة يدعى أبو غادية، وانتهى البحث خلال دقائق.
النتائج؟؟ 7 قتلى مدنيين ومثلهم من الجرحى فقط.
في ذلك المساء الحار، كنت في مكتبي عندما وصلني الخبر بعد دقائق من وقوعه، فاتصلت بأحد معارفي من المنطقة لأسأله إن كان على إطلاع بما يجري. اتضح لي أن ذاك الصديق لم يكن على علم بالخبر عندما بدأ بالصراخ والسباب على الولايات المتحدة وبوش الصغير، وما لبث رد الفعل هذا أن انتقل إلى الشارع بمظاهرات حاشدة في الأيام التالية، مرفقاً بتغطية إعلامية ضخمة وعالمية للحدث.
يروي أحد الناجين من الاعتداء: "بينما كنت أمارس هوايتي في صيد الأسماك على نهر الفرات، شاهدت أربع مروحيات قادمة من قرية الباغوز الواقعة على الحدود السورية- العراقية. حطت إحدى هذه المروحيات في مزرعة مجاورة لمكان اصطيادي، وتلتها أخرى في الهبوط، بينما بقيت مروحيتين أخرتين تحومان فوق المزرعة. سمعت بعد ذلك سيلاً من الرصاص مصدره المزرعة، اختبأت فوراً بين الأشجار؛ وعندما حاولت الهرب على دراجتي الهوائية، أصابتني رصاصة في كتفي الأيمن".
الناجية الوحيدة من الاعتداء تروي ما حدث: "أعيش أنا وزوجي وأولادنا في خيمة داخل بناء قيد الإنشاء حيث يعمل زوجي حارساً للمشروع. فوجئنا يوم السبت حوالي الساعة الخامسة مساءً بمروحيتين تهبطان داخل أرض المشروع، ترجل منها جنديان أمريكيان يرافقهما شخص ثالث يتكلم العربية، توجهوا جميعاً إلى الخيمة حيث كنت مع أولادي وطلبوا مني أن أدلهم على مكان الأسلحة؛ أخبرتهم أنني لا أعلم عن أي أسلحة يتحدثون وأن الموقع هو مبنى قيد الإنشاء لا يوجد فيه شيء، وعندما حاولت الإمساك بطفلي الذي فر خوفاً منهم، بدؤوا بإطلاق النار باتجاهنا أنا والطفل وبقية العمال الذين يعملون في الموقع، كما أطلقوا النار باتجاه شخص آخر كان يقف خارج المزرعة (صياد السمك)، وبعد أن رحلوا أغمي علي لأستيقظ في المشفى وأعلم أن زوجي قد أستشهد".
لم يطل الأمر حتى غادر بوش الصغير البيت الأبيض، وجاء من بعده "الحصان الأسود" كما يحلو لمناصري أوباما تسمية زعيمهم. هبّت رياح التغيير في السياسات الشرق أوسطيّة، وبدأ الغزل السوري-الأمريكي يطفو على السطح. حاز أوباما على جائزة نوبل للسلام فقط لأنه لم يكن بوش، وتردد الحديث عن إرسال سفير أمريكي جديد إلى سوريا، حين تحدّثت مصادر أمريكية عن زيارة محتملة لأوباما بعد تعيين السفير المرتقب. أخذ الجليد الأمريكي السوري بالذوبان، وبدا التوصيف التنبؤي بالعلاقات أكثر تفاؤلاً، بينما بقي الدم السوري حسرة في قلبي رغم كل شيء!!
لست بصدد التنظير أو التدخّل في "سياسات عليا" لئلا يسيء "أحد ما" فهمي أو يُقوّلني ما لم أقله، لكنني أتساءل بمنطق سوريّ مسالم وعلى المستوى المدني: لماذا لم يتم التأكيد الأمريكي (أو أيّاً كان) على مقتل أو اعتقال المطلوب من العملية حتى الآن؟ لماذا لم نتذكر حارس المزرعة علي الحسن، أو عامل البيتون داوود العبد الله وأبناؤه إبراهيم وفيصل، وهم بعض من المدنيين شهداء غارة البوكمال؟
لِمَ لمْ نرسل وردة أو نشعل شمعة في الذكرى السنوية الأولى لاغتيالهم، ولماذا انشغل رؤساء تحرير الصحف الرسمية السوريّة في هذا اليوم باستنكار تفجيرات العراق بينما انشغلوا منذ عام واحد تماماً بالتنكيل بسياسات البلد "الشقيق" والكاوبوي الذي يرعاه؟؟
لن أعتب على وزراء الحكومة السوريّة الذين انشغلوا بالاحتفال في خان أسعد باشا بذكرى تأسيس الأمم المتحدة بدلاً من إحياء ذكرى البوكمال، ولربما نسيت مع مرور الأيام أسماء من استشهدوا في تلك الغارة؛ لكنني لن أغفر لمن هدر ظلماً دماً سوريّاً في ذلك اليوم، ولن أنسى أبداً صورة أثر تلك القدم الهمجية التي شاركت في الإنزال على "تراب سوريا" في 26 أكتوبر 2008.
رافع هزّاع : (كلنا شركاء) 28/10/2009
منذ مطلع الشهر الحالي، بدأت بالعد التنازلي للوصول إلى يوم 26 أكتوبر، وتعمّدت الانتظار يوماً كاملاً بعده لرصد ما تنشره الصحف الرسمية السوريّة وغيرها من وسائل الإعلام المحليّة بالكامل قبل أن أبدأ بكتابة هذه السطور. ربما يتساءل البعض عمّا يعنيه هذا التاريخ، وربما تذكّر البعض الآخر ذلك اليوم تماماً وغض النظر عنه وفقاً للـ "هوى الغربي"!!
استقلّت النرويج عن السويد في 26 أكتوبر 1905، واحتفلت النمسا بعيدها الوطني في ذلك اليوم أيضاً من عام 1955؛ ووقّعت الأردن اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل في 26 أكتوبر عام 1994، بينما قطعت زامبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل قبل ذلك بـ 21 سنة بالضبط؛ لكن روايتي السوريّة تختلف في الحديث عن هذا اليوم.. عندما زار أحد الصحفيين الأمريكيين موقع الحدث بعد شهر تقريباً من وقوعه، التقط ظرف رصاصة فارغ وابتسم قائلاً لمرافقه: الجيش الأمريكي هو الوحيد الذي يستخدم هذا النوع الرصاص في العالم.
حدّثني أحدهم منذ عام (ويوم) عن مروحيات أمريكية حطّت على تراب سورية، ترجّل منها الإيربورن (وحدات العمليات الخاصّة) بنظّاراتهم الأوكليه وأسلحتهم الأوتوماتيكية؛ بحثوا عن شخص من تنظيم القاعدة يدعى أبو غادية، وانتهى البحث خلال دقائق.
النتائج؟؟ 7 قتلى مدنيين ومثلهم من الجرحى فقط.
في ذلك المساء الحار، كنت في مكتبي عندما وصلني الخبر بعد دقائق من وقوعه، فاتصلت بأحد معارفي من المنطقة لأسأله إن كان على إطلاع بما يجري. اتضح لي أن ذاك الصديق لم يكن على علم بالخبر عندما بدأ بالصراخ والسباب على الولايات المتحدة وبوش الصغير، وما لبث رد الفعل هذا أن انتقل إلى الشارع بمظاهرات حاشدة في الأيام التالية، مرفقاً بتغطية إعلامية ضخمة وعالمية للحدث.
يروي أحد الناجين من الاعتداء: "بينما كنت أمارس هوايتي في صيد الأسماك على نهر الفرات، شاهدت أربع مروحيات قادمة من قرية الباغوز الواقعة على الحدود السورية- العراقية. حطت إحدى هذه المروحيات في مزرعة مجاورة لمكان اصطيادي، وتلتها أخرى في الهبوط، بينما بقيت مروحيتين أخرتين تحومان فوق المزرعة. سمعت بعد ذلك سيلاً من الرصاص مصدره المزرعة، اختبأت فوراً بين الأشجار؛ وعندما حاولت الهرب على دراجتي الهوائية، أصابتني رصاصة في كتفي الأيمن".
الناجية الوحيدة من الاعتداء تروي ما حدث: "أعيش أنا وزوجي وأولادنا في خيمة داخل بناء قيد الإنشاء حيث يعمل زوجي حارساً للمشروع. فوجئنا يوم السبت حوالي الساعة الخامسة مساءً بمروحيتين تهبطان داخل أرض المشروع، ترجل منها جنديان أمريكيان يرافقهما شخص ثالث يتكلم العربية، توجهوا جميعاً إلى الخيمة حيث كنت مع أولادي وطلبوا مني أن أدلهم على مكان الأسلحة؛ أخبرتهم أنني لا أعلم عن أي أسلحة يتحدثون وأن الموقع هو مبنى قيد الإنشاء لا يوجد فيه شيء، وعندما حاولت الإمساك بطفلي الذي فر خوفاً منهم، بدؤوا بإطلاق النار باتجاهنا أنا والطفل وبقية العمال الذين يعملون في الموقع، كما أطلقوا النار باتجاه شخص آخر كان يقف خارج المزرعة (صياد السمك)، وبعد أن رحلوا أغمي علي لأستيقظ في المشفى وأعلم أن زوجي قد أستشهد".
لم يطل الأمر حتى غادر بوش الصغير البيت الأبيض، وجاء من بعده "الحصان الأسود" كما يحلو لمناصري أوباما تسمية زعيمهم. هبّت رياح التغيير في السياسات الشرق أوسطيّة، وبدأ الغزل السوري-الأمريكي يطفو على السطح. حاز أوباما على جائزة نوبل للسلام فقط لأنه لم يكن بوش، وتردد الحديث عن إرسال سفير أمريكي جديد إلى سوريا، حين تحدّثت مصادر أمريكية عن زيارة محتملة لأوباما بعد تعيين السفير المرتقب. أخذ الجليد الأمريكي السوري بالذوبان، وبدا التوصيف التنبؤي بالعلاقات أكثر تفاؤلاً، بينما بقي الدم السوري حسرة في قلبي رغم كل شيء!!
لست بصدد التنظير أو التدخّل في "سياسات عليا" لئلا يسيء "أحد ما" فهمي أو يُقوّلني ما لم أقله، لكنني أتساءل بمنطق سوريّ مسالم وعلى المستوى المدني: لماذا لم يتم التأكيد الأمريكي (أو أيّاً كان) على مقتل أو اعتقال المطلوب من العملية حتى الآن؟ لماذا لم نتذكر حارس المزرعة علي الحسن، أو عامل البيتون داوود العبد الله وأبناؤه إبراهيم وفيصل، وهم بعض من المدنيين شهداء غارة البوكمال؟
لِمَ لمْ نرسل وردة أو نشعل شمعة في الذكرى السنوية الأولى لاغتيالهم، ولماذا انشغل رؤساء تحرير الصحف الرسمية السوريّة في هذا اليوم باستنكار تفجيرات العراق بينما انشغلوا منذ عام واحد تماماً بالتنكيل بسياسات البلد "الشقيق" والكاوبوي الذي يرعاه؟؟
لن أعتب على وزراء الحكومة السوريّة الذين انشغلوا بالاحتفال في خان أسعد باشا بذكرى تأسيس الأمم المتحدة بدلاً من إحياء ذكرى البوكمال، ولربما نسيت مع مرور الأيام أسماء من استشهدوا في تلك الغارة؛ لكنني لن أغفر لمن هدر ظلماً دماً سوريّاً في ذلك اليوم، ولن أنسى أبداً صورة أثر تلك القدم الهمجية التي شاركت في الإنزال على "تراب سوريا" في 26 أكتوبر 2008.