sandra
03/11/2009, 15:40
الأمير السعيد
أوسكار وايلد
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
في موضع عال من المدينة، فوق عمود عال يقف تمثال الأمير السعيد ... كان مكسواً بالكامل برقائق الذهب، وكانت عيناه حجرين براقين من الزفير، وثمة ياقوتة حمراء كبيرة تلمع على مقبض سيفه..
كان الكل يعجب به وقد وصفه أحد أعيان المدينة راغباً في أن يُعرف عنه تذوقه للفنون: "إنه جميل كدوارة الرياح " ... وأضاف "لكنه ليس مفيداً مثلها ..."
لأنه خشى أن يحسبه الناس مفتقراً إلى التفكير العملي، وهو لم يكن كذلك ...
وقالت أم حساسة لابنها الذي كان يبكي طالباً القمر: " لماذا لا تكون مثل الأمير السعيد ؟ إنه لا يبكي لأي سبب ..."
وقال رجل محطم الآمال وهو ينظر إلى التمثال الرائع: " يسرني أن هناك شخصاً سعيداً بحق في هذا العالم ..."
وقال الأطفال وهم يغادرون الكاتدرائية في عبائاتهم الحمراء اللامعة :
ـ إنه يبدو كملاك ...
قال لهم معلم الرياضيات :
ـ كيف تعرفون ؟ أنت لم ترو ملاكاً من قبل
قال الأطفال :
ـ رأيناه في أحلامنا
فقطب المعلم جبينه وبدا صارماً لأنه لم يحب فكرة أن يحلم الأطفال
* * * * *
ذات ليلة حلق طائر سنونو صغير فوق البلدة .. كان رفاقه قد هاجروا إلى مصر منذ ستة أسابيع لكنه بقي لأنه كان واقعاً في الغرام مع عصفورة جميلة قابلها يوماً وهو يسعى وراء دودة صفراء
" هل لي أن أحبك ؟" هكذا سألها السنونو الذي كان يختصر الطريق إلى مقصده ـ فهزت رأسها هزة خفيفة، من ثم راح يحلق حولها مراراً، لامساً الماء بجناحيه فيترقرق السطح الفضي .. كانت هذه مغازلته وقد دامت طيلة الصيف ...
قالت العصافير الأخرى :
" هذا ارتباط سخيف، تلك العصفورة ليس لديها مال، وعلاقاتها عديدة"
وكان النهر مليئاً بالعصافير الحسان، لكنها طارت جميعاً في الخريف.
بعد رحيلهن شعر بالوحشة وبدأ يسأم حبيبته:
" إنها لا تجيد المحادثة ويؤسفني إنها كتيرة الدلال لأنها تعبث مع الريح كتيراً.. أوافق على أنها تهوى البيت، لكني أهوى الترحال وعلى أمرأتي أن تهوى الترحال كذلك .."
سألها أخيراً: هل تأتين معي
فهزت رأسها .. فقد كانت شديدة التعلق ببيتها
قال لها " كنت تسخرين مني وتخدعينني كي ابقى بجوارك لسوف أرحل إلى حيث الأرهام .. وداعاً "
وفارقها وطار بعيداً
طيلة اليوم ظل يطير، ومع المساء وصل إلى المدينة .. فقال لنفسه "ترى أين أهبط؟ أرجو أن تكون المدينة معدة لذلك "
ثم رأى التمثال على عموده الشامخ ...
"سأهبط هناك .. إنه مكان جيد وهناك الكثير من الهواء النقي"
ومن ثم حط بين ساقي الأمير السعيد بالضبط وقال لنفسه "لدي الآن غرفه نوم ذهبية"
واستعد للنوم، لكن ما إن وضع رأسه تحت جناحيه حتى سقطت قطرة من الماء عليه
"أي شيء غريب !! لا توجد سحابة واحدة في السماء، النجوم لامعة متألقة ... وبرغم هذا السماء تمطر ! إن الطقس في شمال أوروبا غريب حقاً "
هنا سقطت قطرة أخرى فوقه
"ما نفع التمثال إن لم يستطع منع المطر ؟ يجب أن أفتش عن فتحة مدفأة "
وتهيأ للطيران وهنا سقطت قطرة ثالثه عليه فرفع رأسه لأعلى ليرى .. فما الذي رآه ؟
كانت عينا الأمير السعيد مفعمتين بالدموع وكانت الدموع تنحدر على خديه الذهبيتين وكان وجهه جميلاً في ضوء القمر حتى إن السنونو شعر بالشفقة وقال :
ـ من أنت ؟
ـ أنا الأمير السعيد
ـ ولماذا تبكي إذن ؟ لقد أغرقتني بالماء
ـ حين كنت حياً ولي قلب إنسان لم أكن أعرف الدموع .. كنت أعيش في قصر لا يسمح للحزن بدخوله.. في النهار كنت ألهو ورفاقي في الحديقة وفي المساء كنت أقود جماعة الرقص .. كان هناك سور عال حول القصر، لكني لم أحاول قط أن أرى ما وراء هذا السور .. كان ندمائي يطلقون علىّ اسم (الأمير السعيد) وقد كنت بالفعل سعيداً ، لو كانت السعادة هي اللذة ... كذا عشت وكذا مت .. والآن وضعوني في هذا الموضع العالي كي أرى كل القبح والبؤس في مدينتي. وبرغم أن قلبي مصنوع من الرصاص فإنه ليس بوسعي إلا أن أبكي .
قال السنونو لنفسه " ماذا ؟ أليس من الذهب ؟ " فقد كان مهذباً لا يعلن عن ملحوظات كهذه بصوت عال
هنا واصل التمثال الكلام :
ـ بعيداً في شارع ضيق يوجد بيت صغير ، أحد النوافذ مفتوحة ومنها أرى إمرأة جالسة إلى منضدة.. وجهها نحيل منهك ويداها حمراوان خشنتان مليئتان بثقوب الإبر لأنها خياطة .. إنها تطرز الزهور في تنورة ستلبسها أجمل وصيفات الملكة في حفل راقص.. في الفراش يرقد ابنها مريضاً، إنه محموم يطلب برتقالاً وليس لدى أمه ما تعطيه إلا ماء النهر لذا يصرخ .. أيها السنونو .. أيها السنونو الصغير ... هلا أعطيتها الياقوتة الموجودة على مقبض سيقي؟ إن قدمي مثبتتان إلى هذه القاعدة ولا يمكنني الحركة
قال السنونو :
ـ إن هناك من ينتظرني في مصر .. رفاقي الآن عند النيل في أرض مصر يتكلمون مع زهور اللوتس الكبيرة ولسوف ينامون سريعاً في مقبرة الملك الأعظم .. إن الملك ينام في تابوت ملون وقد التف بالكتان الأصفر وحنط بالطيوب ويداه كالأوراق المجعدة وحول عنقه سلسلة من اليشنب الأخضر
قال الأمير :
ـ أيها السنونو الصغير .. هلا بقيت معي ليلة واحدة وصرت مبعوثي ؟ إن الصبي محموم وظمآن .. والأم حزينة
قال السنونو :
ـ لا أحسبني أحب الصبية .. في الصيف الماضي كنت عند النهر وكان هناك صبيان هما ابنا بائع الحبوب، كان يقذفاني بالحجارة ... بالطبع لم يصيباني لأننا معشر العصافير نجيد الطيران، أضف لهذا إنني جئت من أسرة تمتاز بالسرعة،... لكن كانت هذه علامة على عدم الاحترام بالرغم من كل شيء.
لكن الأمير بدا حزيناً إلى حد أن السنونو ندم على ما قال .. وقال: الطقس بارد للغاية لكن سأبقى معك ليلة وأكون مبعوثك"
قال الأمير : شكراً إيها السنونو
وهكذا التقط السنونو الياقوتة من مقبض السيف، وحملها في منقاره وحلق فوق أسقف البيوت، مر فوق برج الكاتدرائية حيث التماثيل الرخامية، ومر فوق القصر وسمع صوت الرقصات، وخرجت حسناء إلى الشرفة مع حبيبها فقال لها :
ـ كم أن النجوم جميلة ! وكم أن الحب قوي
قالت له:
ـ أتمنى أن يكون ثوبي جاهزاً للحفل الراق،. لكن الخياطة كسول
طار فوق النهر ورأى الفوانيس المعلقة فوق الزوارق وطار فوق الجيتو ورأى اليهود المسنين يساومون ويزنون الدراهم
في النهاية بلغ المنزل ونظر بالداخل، كان الصبي يتقلب محموماً في فراشه والأم نائمة... وثب للداخل ووضع الياقوتة على المنضدة جوار المرأة
ثم حلق فوق الفراش ليجلب بعض الهواء إلى جبين الطفل الملتهب.
قال الطفل : " كم أشعر بالبرد !! لا بد إنني أتحسن !" وغاص في نوم عميق لذيذ
ثم أن السنونو حلق عائداً إلى الأمير السعيد وأخبره بما قام به :
ـ هذا غريب لكني أشعر بالدفء برغم أن الطقس بارد !!
قال الأمير :
ـ هذا لأنك قمت بعمل الخير
فكر السنونو قليلاً ثم غرق في النوم، كان التفكير دوماً يجلب النعاس إلى عينيه.
أوسكار وايلد
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
في موضع عال من المدينة، فوق عمود عال يقف تمثال الأمير السعيد ... كان مكسواً بالكامل برقائق الذهب، وكانت عيناه حجرين براقين من الزفير، وثمة ياقوتة حمراء كبيرة تلمع على مقبض سيفه..
كان الكل يعجب به وقد وصفه أحد أعيان المدينة راغباً في أن يُعرف عنه تذوقه للفنون: "إنه جميل كدوارة الرياح " ... وأضاف "لكنه ليس مفيداً مثلها ..."
لأنه خشى أن يحسبه الناس مفتقراً إلى التفكير العملي، وهو لم يكن كذلك ...
وقالت أم حساسة لابنها الذي كان يبكي طالباً القمر: " لماذا لا تكون مثل الأمير السعيد ؟ إنه لا يبكي لأي سبب ..."
وقال رجل محطم الآمال وهو ينظر إلى التمثال الرائع: " يسرني أن هناك شخصاً سعيداً بحق في هذا العالم ..."
وقال الأطفال وهم يغادرون الكاتدرائية في عبائاتهم الحمراء اللامعة :
ـ إنه يبدو كملاك ...
قال لهم معلم الرياضيات :
ـ كيف تعرفون ؟ أنت لم ترو ملاكاً من قبل
قال الأطفال :
ـ رأيناه في أحلامنا
فقطب المعلم جبينه وبدا صارماً لأنه لم يحب فكرة أن يحلم الأطفال
* * * * *
ذات ليلة حلق طائر سنونو صغير فوق البلدة .. كان رفاقه قد هاجروا إلى مصر منذ ستة أسابيع لكنه بقي لأنه كان واقعاً في الغرام مع عصفورة جميلة قابلها يوماً وهو يسعى وراء دودة صفراء
" هل لي أن أحبك ؟" هكذا سألها السنونو الذي كان يختصر الطريق إلى مقصده ـ فهزت رأسها هزة خفيفة، من ثم راح يحلق حولها مراراً، لامساً الماء بجناحيه فيترقرق السطح الفضي .. كانت هذه مغازلته وقد دامت طيلة الصيف ...
قالت العصافير الأخرى :
" هذا ارتباط سخيف، تلك العصفورة ليس لديها مال، وعلاقاتها عديدة"
وكان النهر مليئاً بالعصافير الحسان، لكنها طارت جميعاً في الخريف.
بعد رحيلهن شعر بالوحشة وبدأ يسأم حبيبته:
" إنها لا تجيد المحادثة ويؤسفني إنها كتيرة الدلال لأنها تعبث مع الريح كتيراً.. أوافق على أنها تهوى البيت، لكني أهوى الترحال وعلى أمرأتي أن تهوى الترحال كذلك .."
سألها أخيراً: هل تأتين معي
فهزت رأسها .. فقد كانت شديدة التعلق ببيتها
قال لها " كنت تسخرين مني وتخدعينني كي ابقى بجوارك لسوف أرحل إلى حيث الأرهام .. وداعاً "
وفارقها وطار بعيداً
طيلة اليوم ظل يطير، ومع المساء وصل إلى المدينة .. فقال لنفسه "ترى أين أهبط؟ أرجو أن تكون المدينة معدة لذلك "
ثم رأى التمثال على عموده الشامخ ...
"سأهبط هناك .. إنه مكان جيد وهناك الكثير من الهواء النقي"
ومن ثم حط بين ساقي الأمير السعيد بالضبط وقال لنفسه "لدي الآن غرفه نوم ذهبية"
واستعد للنوم، لكن ما إن وضع رأسه تحت جناحيه حتى سقطت قطرة من الماء عليه
"أي شيء غريب !! لا توجد سحابة واحدة في السماء، النجوم لامعة متألقة ... وبرغم هذا السماء تمطر ! إن الطقس في شمال أوروبا غريب حقاً "
هنا سقطت قطرة أخرى فوقه
"ما نفع التمثال إن لم يستطع منع المطر ؟ يجب أن أفتش عن فتحة مدفأة "
وتهيأ للطيران وهنا سقطت قطرة ثالثه عليه فرفع رأسه لأعلى ليرى .. فما الذي رآه ؟
كانت عينا الأمير السعيد مفعمتين بالدموع وكانت الدموع تنحدر على خديه الذهبيتين وكان وجهه جميلاً في ضوء القمر حتى إن السنونو شعر بالشفقة وقال :
ـ من أنت ؟
ـ أنا الأمير السعيد
ـ ولماذا تبكي إذن ؟ لقد أغرقتني بالماء
ـ حين كنت حياً ولي قلب إنسان لم أكن أعرف الدموع .. كنت أعيش في قصر لا يسمح للحزن بدخوله.. في النهار كنت ألهو ورفاقي في الحديقة وفي المساء كنت أقود جماعة الرقص .. كان هناك سور عال حول القصر، لكني لم أحاول قط أن أرى ما وراء هذا السور .. كان ندمائي يطلقون علىّ اسم (الأمير السعيد) وقد كنت بالفعل سعيداً ، لو كانت السعادة هي اللذة ... كذا عشت وكذا مت .. والآن وضعوني في هذا الموضع العالي كي أرى كل القبح والبؤس في مدينتي. وبرغم أن قلبي مصنوع من الرصاص فإنه ليس بوسعي إلا أن أبكي .
قال السنونو لنفسه " ماذا ؟ أليس من الذهب ؟ " فقد كان مهذباً لا يعلن عن ملحوظات كهذه بصوت عال
هنا واصل التمثال الكلام :
ـ بعيداً في شارع ضيق يوجد بيت صغير ، أحد النوافذ مفتوحة ومنها أرى إمرأة جالسة إلى منضدة.. وجهها نحيل منهك ويداها حمراوان خشنتان مليئتان بثقوب الإبر لأنها خياطة .. إنها تطرز الزهور في تنورة ستلبسها أجمل وصيفات الملكة في حفل راقص.. في الفراش يرقد ابنها مريضاً، إنه محموم يطلب برتقالاً وليس لدى أمه ما تعطيه إلا ماء النهر لذا يصرخ .. أيها السنونو .. أيها السنونو الصغير ... هلا أعطيتها الياقوتة الموجودة على مقبض سيقي؟ إن قدمي مثبتتان إلى هذه القاعدة ولا يمكنني الحركة
قال السنونو :
ـ إن هناك من ينتظرني في مصر .. رفاقي الآن عند النيل في أرض مصر يتكلمون مع زهور اللوتس الكبيرة ولسوف ينامون سريعاً في مقبرة الملك الأعظم .. إن الملك ينام في تابوت ملون وقد التف بالكتان الأصفر وحنط بالطيوب ويداه كالأوراق المجعدة وحول عنقه سلسلة من اليشنب الأخضر
قال الأمير :
ـ أيها السنونو الصغير .. هلا بقيت معي ليلة واحدة وصرت مبعوثي ؟ إن الصبي محموم وظمآن .. والأم حزينة
قال السنونو :
ـ لا أحسبني أحب الصبية .. في الصيف الماضي كنت عند النهر وكان هناك صبيان هما ابنا بائع الحبوب، كان يقذفاني بالحجارة ... بالطبع لم يصيباني لأننا معشر العصافير نجيد الطيران، أضف لهذا إنني جئت من أسرة تمتاز بالسرعة،... لكن كانت هذه علامة على عدم الاحترام بالرغم من كل شيء.
لكن الأمير بدا حزيناً إلى حد أن السنونو ندم على ما قال .. وقال: الطقس بارد للغاية لكن سأبقى معك ليلة وأكون مبعوثك"
قال الأمير : شكراً إيها السنونو
وهكذا التقط السنونو الياقوتة من مقبض السيف، وحملها في منقاره وحلق فوق أسقف البيوت، مر فوق برج الكاتدرائية حيث التماثيل الرخامية، ومر فوق القصر وسمع صوت الرقصات، وخرجت حسناء إلى الشرفة مع حبيبها فقال لها :
ـ كم أن النجوم جميلة ! وكم أن الحب قوي
قالت له:
ـ أتمنى أن يكون ثوبي جاهزاً للحفل الراق،. لكن الخياطة كسول
طار فوق النهر ورأى الفوانيس المعلقة فوق الزوارق وطار فوق الجيتو ورأى اليهود المسنين يساومون ويزنون الدراهم
في النهاية بلغ المنزل ونظر بالداخل، كان الصبي يتقلب محموماً في فراشه والأم نائمة... وثب للداخل ووضع الياقوتة على المنضدة جوار المرأة
ثم حلق فوق الفراش ليجلب بعض الهواء إلى جبين الطفل الملتهب.
قال الطفل : " كم أشعر بالبرد !! لا بد إنني أتحسن !" وغاص في نوم عميق لذيذ
ثم أن السنونو حلق عائداً إلى الأمير السعيد وأخبره بما قام به :
ـ هذا غريب لكني أشعر بالدفء برغم أن الطقس بارد !!
قال الأمير :
ـ هذا لأنك قمت بعمل الخير
فكر السنونو قليلاً ثم غرق في النوم، كان التفكير دوماً يجلب النعاس إلى عينيه.