-
دخول

عرض كامل الموضوع : سجناء الرأي والسجن السياسي العربي


yass
12/09/2004, 21:58
المعروف عن السجن أنه المكان المخصص لمعاقبة المجرمين من قتلة ولصوص ومرتكبين للأعمال الشائنة وسواهم, لكنه في البلدان العربية صار مكاناً يحتجز فيه أصحاب الرأي السياسي المعارض, خصوصاً بعد أن استولى العسكر على مقاليد الحكم في دولة ما بعد الاستعمار. وصار تعبير "سجناء الرأي" عربياً بامتياز.
ويمكن القول إن تجربة السجن ليست غريبة على الإنسان العربي. فالسجن هو الكابوس التوأم للذاكرة العربية, وكثير من قصصنا ورواياتنا وأشعارنا وأفلامنا السينمائية ومسلسلاتنا التلفزيونية تتحدث عن السجون والمعتقلات والزنازين الفردية والجماعية, بل ان الكثير من الباحثين العرب والأجانب باتوا يطلقون على الوطن العربي وصف السجن الكبير. وشاع أدب السجن السياسي في الثقافة العربية, حيث يمكن أن نذكر قائمة طويلة من الكتاب والأدباء الذين كتبوا عنه, من أمثال عبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم ورؤوف مسعد وعبد اللطيف اللعبي وفاطنة البيه وعبد الستار ناصر وفرج بيرقدار وحسيبة عبد الرحمن وقاسم حداد وأحمد البغدادي وسواهم كثير.
ومن يقرأ كتابات هؤلاء سيعثر على مشاهد سوداء مرعبة ومركبة, مسكونة بالقمع والقهر, ومليئة بالمطاردة والاعتقال والتعذيب الجسدي والنفسي, حيث تنتشر عتمات أقبية السجون, وتفوح روائح وعفونة المعتقلات العربية. إنها كتابات تصور ظاهرة القمع, وظاهرة الخوف, وثقافة الخوف, وتنهض على كشف وتعرية الجذور الكامنة لظاهرة السلطة المستبدة, والأنظمة الشمولية. وبناء على تقارير منظمات حقوق الإنسان, فإن عدد سجناء الرأي في السجون العربية بلغ أرقاماً قياسية, لكن الخطير أن السجين السياسي العربي تحول إلى مجرد رقم إضافي في التعداد السكاني للدولة العربية, تُستلب منه حقوق كثيرة, داخل السجن وخارجه. بل ليس مؤكداً خروجه من السجن بعد انقضاء مدة الحكم التي أصدرتها بحقه إحدى المحاكم الصورية وغير الدستورية, وهي عادة محكمة أمنية, أي استثنائية, حكمها مبرم وطويل ولا خروج منه إلا بإعلان التوبة أو الموت. وإن حالفه الحظ وخرج من السجن, عليه مراجعة أحد الفروع الأمنية بشكل دوري, فضلاً عن تجريده من حقوقه لمدى الحياة.
إذاً, لم يعد السجن في الدولة العربية الحديثة مكاناً لمعاقبة المجرمين بقدر مـــا أصبـــح مكاناً لتـــكديس أجســــاد أصـــــــحاب الــــرأي الحـــــر والكلمة الشجاعة في وجه السلطان العربــــي. وبــــالرغم من أن تطور تقنــيات الاتصـــــالات ووســـــائل الإعلام الحديثة يفترض أن يخفف من حمى ملاحقة المعارضين واعتقالهم, نظراً لأن القنوات الفضائية باتت تنقل خبر اعتقال أي شخص, حتى لو كان شخصاً عادياً, فإن الأنظمة العربية لم تأبه بذلك, إذ ما تزال ماضية في سياسة زرع القهر والرعب والكراهية, ولا يهم أيَّ نظام منها زيادة عدد خصومه, ولا ما حدث من متغيرات عالمية حوله. وإن كانت الفلسفة قد أكدت على حرمة الجسد البشري, حين اعتبرت احترامه معياراً لوحدة البشر حول القيم الإنسانية المشتركة, فما يحصل في السجون العربية يضرب تلك الحرمة عرض الحائط, من خلال ممارسات تؤكد السيطرة الجسدية للسجّان. ذلك أن السجن في أساسه تقييد لحرية حركة الجسد في حيّز صغير قد لا يتجاوز المتر المربع الواحد في الزنازين المنفردة, وتحكمه مختلف أصناف قوانين وممارسات القعاب والمراقبة. أما الأجساد السجينة فأجساد مهزومة, موضوعة في ال أقفاص والزنازين. لكن المعنى الذين تدّل عليه مشهدية الأجساد المكبلة والمهانة, هو في خصوصية التعذيب الذي يولّد نوعاً من لذة السجان بالاستمتاع في التسبب في الألم لجسد الآخر, وهي خصوصية تتجسّد في كراهية الجسد والحقد عليه, وتكشف مركب نقص تعويضي عن عمليات التحقير والإهانة والإذلال. وعلى هذا النحو يُعامَل أصحاب الرأي من دعاة الديموقراطية والإصلاح بأسوأ مما يُعامَل المجرمون ومرتكبو الأعمال الشائنة
عمر كوش: ( كلنا شركاء) 12/9/2004