أبو النسيم
08/10/2005, 19:34
«بغداد ايام الخليفة المهدي... جاء اليه القاضي «عاقبة بن يزيد» حاملاً الملف الذي فيه قضايا الناس €مجلس الحكم€ وطلب استعفاءه من القضاء. فظن المهدي ان بعض الولاة قد عارضه في حكمه. فسأله عن سبب الاستعفاء. فقال: تقدم لي خصمان منذ شهر في قضية مشكلة. وكلٌّ يدّعي بينة وشهوداً, ويدلي بحجج تحتاج الى تأمل, فرددت الخصوم رجاء ان يصطلحوا او ان يظهر الفصلُ بينهما. فسمع احدهما انني أحبُّ الرُطَب €التمر€ فعمد في وقتنا هذا وهو اول اوقات الرطب فجمع رطباً لا يتهيأ الآن لأمير المؤمنين, وما رأيت احسنَ منه. وقام برشوة بوابي بدراهم على ان يُدخل عليَّ الطبق. فلما أدخله عليّ أنكرتُ ذلك, وطردتُ بوابي وأمرتُ بردّ الطبق, فرُدَّ عليه.
فلما كان اليوم, تقدم الخصمان إليَّ, فما تساويا في عيني ولا قلبي. حدث هذا يا امير المؤمنين وأنا لم اقبل الطبق, فكيف يكون حالي لو قبلت؟ وانا لا آمنُ ان تقع عليّ حيلةٌ في ديني وقد فسد الناس. فأقلْني يا اميرَ المؤمنين أقالك الله. واعفِنْي عفا الله عنك».
.....
سرّني انه, بعد اكثر من خمس وثلاثين عاماً, من تدهور احوال القضاء في سوريا انطرح الموضوع بقصد الاصلاح.. إصلاح القضاء.
وبالطبع لا ادري, وربما لا يدري القضاة والمحامون انفسهم, ما هي الخطة, الوصفة الشافية لهذا الاصلاح. فالقضاء يفترض ان يكون حسب الدستور وفي الواقع سلطة مستقلة, وهو ليس كذلك. والقضاء يفترض الابتعاد عن الحزبية والسياسة بالمعنى الاجرائي, والممارسة.. وهو ليس كذلك ايضاً. فاختيار القضاة يتم وفقاً لمعايير الولاء, كما في عدد كبير من الحقول الادارية والوظيفية, حتى وصل الأمر الى محاولة «تبعيث» القضاة والنواب العامين والمحامين عبر نقاباتهم. والقضاء يحتاج الى مساعدة أخوته الآخرين, كالصحافة الحرة التي يخشاها مرتكبو المظالم وراء قوس المحاكم ويحتاج الى المحاكم العليا التي تفصل في قضايا القضاء. وهو ليس كذلك. فلا تزال الصحافة السورية: إما صحافة الدولة, وإما صحافة ابناء الدولة, في ظل قانون المطبوعات الذي صدر ولم يُرضِ ادنى مطالب الحرية الصحفية.
والقضاء العصري لا يعترف بمحاكم أمن الدولة, ولا بالمحاكم العسكرية للقضايا المدنية, ولا بالقضاة العرفيين والاقتصاديين في ظلال الطوارئ الدائمة. وهو اليوم ليس كذلك.
والقضاء يحتاج الى جهاز اداري عصري وشريف وقابل للمراقبة والمحاسبة, فإخفاء الملفات, لقاء الرشوة, يلغي اساس قضايا امام المحاكم, ويدمر حقوقاً ويفعل كل ما يعيق زمن المقاضاة ونهايات القضايا.
وهذا الجهاز ليس كذلك.
والقضاء يحتاج الى العودة للهيبة التي فقدها, مذ اصبح القاضي €اي كلام, واي احد, وفي اي سن, ومن اي قبيلة!!€ ويحتاج الى ذلك الراتب الذهبي الذي يؤسس عفّةً في النفس, وصيانةً للقوة امام الإغراء, وابتعاداً عن الرشوة. والامر ليس كذلك في القضاء السوري.
والقضاء لكي يكون اصلاحه ممكناً لا بد من اصلاح احوال الناس €الذين فسدت احوالهم€ وإصلاح «التعريفات» و«المصطلحات». فكما نطالب بتعريف جامع مانع للارهاب, تفريقاً بينه وبين المقاومة, يجب تعريف: السلطة. النفوذ. الشخصيات الاعتبارية. المنصب. المسؤول لكي يزول الالتباس بين من يقدر ان يفك حبل المشنقة عن عنق بالتلفون, وبين من لا يعلّقه من وراء قوس المحكمة.
قرار اصلاح القضاء خبرنا الاول اليوم, والذي ينتظره الناس, غداً, هو بقية الاخبار في صيغة «ما الذي تمّ إصلاحه؟».
ذلك لأن العارفين, الملدوغين من الوعود, والمزكومين من فساد ما فسد, يقولون: اصلاح القضاء يحتاج الى... القدر!!
عادل محمود
الكفاح العربي
8/10/2005
فلما كان اليوم, تقدم الخصمان إليَّ, فما تساويا في عيني ولا قلبي. حدث هذا يا امير المؤمنين وأنا لم اقبل الطبق, فكيف يكون حالي لو قبلت؟ وانا لا آمنُ ان تقع عليّ حيلةٌ في ديني وقد فسد الناس. فأقلْني يا اميرَ المؤمنين أقالك الله. واعفِنْي عفا الله عنك».
.....
سرّني انه, بعد اكثر من خمس وثلاثين عاماً, من تدهور احوال القضاء في سوريا انطرح الموضوع بقصد الاصلاح.. إصلاح القضاء.
وبالطبع لا ادري, وربما لا يدري القضاة والمحامون انفسهم, ما هي الخطة, الوصفة الشافية لهذا الاصلاح. فالقضاء يفترض ان يكون حسب الدستور وفي الواقع سلطة مستقلة, وهو ليس كذلك. والقضاء يفترض الابتعاد عن الحزبية والسياسة بالمعنى الاجرائي, والممارسة.. وهو ليس كذلك ايضاً. فاختيار القضاة يتم وفقاً لمعايير الولاء, كما في عدد كبير من الحقول الادارية والوظيفية, حتى وصل الأمر الى محاولة «تبعيث» القضاة والنواب العامين والمحامين عبر نقاباتهم. والقضاء يحتاج الى مساعدة أخوته الآخرين, كالصحافة الحرة التي يخشاها مرتكبو المظالم وراء قوس المحاكم ويحتاج الى المحاكم العليا التي تفصل في قضايا القضاء. وهو ليس كذلك. فلا تزال الصحافة السورية: إما صحافة الدولة, وإما صحافة ابناء الدولة, في ظل قانون المطبوعات الذي صدر ولم يُرضِ ادنى مطالب الحرية الصحفية.
والقضاء العصري لا يعترف بمحاكم أمن الدولة, ولا بالمحاكم العسكرية للقضايا المدنية, ولا بالقضاة العرفيين والاقتصاديين في ظلال الطوارئ الدائمة. وهو اليوم ليس كذلك.
والقضاء يحتاج الى جهاز اداري عصري وشريف وقابل للمراقبة والمحاسبة, فإخفاء الملفات, لقاء الرشوة, يلغي اساس قضايا امام المحاكم, ويدمر حقوقاً ويفعل كل ما يعيق زمن المقاضاة ونهايات القضايا.
وهذا الجهاز ليس كذلك.
والقضاء يحتاج الى العودة للهيبة التي فقدها, مذ اصبح القاضي €اي كلام, واي احد, وفي اي سن, ومن اي قبيلة!!€ ويحتاج الى ذلك الراتب الذهبي الذي يؤسس عفّةً في النفس, وصيانةً للقوة امام الإغراء, وابتعاداً عن الرشوة. والامر ليس كذلك في القضاء السوري.
والقضاء لكي يكون اصلاحه ممكناً لا بد من اصلاح احوال الناس €الذين فسدت احوالهم€ وإصلاح «التعريفات» و«المصطلحات». فكما نطالب بتعريف جامع مانع للارهاب, تفريقاً بينه وبين المقاومة, يجب تعريف: السلطة. النفوذ. الشخصيات الاعتبارية. المنصب. المسؤول لكي يزول الالتباس بين من يقدر ان يفك حبل المشنقة عن عنق بالتلفون, وبين من لا يعلّقه من وراء قوس المحكمة.
قرار اصلاح القضاء خبرنا الاول اليوم, والذي ينتظره الناس, غداً, هو بقية الاخبار في صيغة «ما الذي تمّ إصلاحه؟».
ذلك لأن العارفين, الملدوغين من الوعود, والمزكومين من فساد ما فسد, يقولون: اصلاح القضاء يحتاج الى... القدر!!
عادل محمود
الكفاح العربي
8/10/2005