أسيرعيونها
09/10/2005, 02:08
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
مرحلة ما بعد الحرب هي الاخطر هذه حقيقة تعلمها جيدا الإدارة الأمريكية، لأن إسقاط نظام صدام حسين لم يكن - في يوم من الأيام - مشكلة وإنما المشكلة الحقيقية هي: كيف تدار العراق في مرحلة ما بعد صدام.
وبحسب رؤية للمستشار السابق للرئيس بيل كلينتون (روبير ميلي) فان الحرب العراقية سوف تثير جملة من المخاوف، أولها إطلاق حركات راديكالية قد تعم العالم العربي والإسلامي تسمح - لاحقا - بولادة جيل كاره لاميركا والغرب، لأن «هذا الغرب» سيصبح من وجهة نظره مرادفا للإهانة، والإذلال، والسيطرة.
ويقول روبير ميلي إن خطورة الأوضاع في عراق ما بعد صدام تأتي من أن العراق متخم بقضايا ومشكلات تتجاوز حدود شخصية صدام حسين، فهناك - على سبيل المثال - توترات قديمة بين الشيعة والسنة، وبين العرب، والأكراد، وحديث متجدد عن دور الجيش فضلا عن ملفات ساخنة تتعلق بالخلافات الحدودية مع الكويت، ومعظم هذه القضايا تسبق ظهور صدام، وإن كان وجوده قد سكب كثيرا من الزيت على النار في بعضها.
ولعل هذه الطبيعة العراقية التي تنطوي على تباينات دينية وعرقية هي التي جعلت نفرا من الاستراتيجيين الاميركيين يتحفظون على الطرح الخاص بتشكيل حكومة ديمقراطية في العراق، فذكروا - في معرض نقدهم لهذا الطرح - ان أمر تشكيل هذه الحكومة سيكون أمرا صعبا، فالعراق مكون من جماعات عرقية معادية لبعضها البعض، ومنذ تأسيس العراق في عام 1932 لم تعرف البلاد إلا الانقلابات الدموية والنظم الديكتاتورية.
والمعروف أن الاتجاه الراجح - حتى الآن - بشأن صورة «عراق ما بعد صدام» يتحمس له جناح قوى داخل الإدارة الاميركية (يشابههم عدد كبير من رجال السياسة والاستراتيجيا) مثل بول وولفيتز نائب وزير الدفاع الذي يعتقد - اعتقادا راسخا- بأن العراق يمكن أن يكون الدولة الديمقراطية العربية الأولى في المنطقة، وأن التقدم الديمقراطي المتوقع في العراق يمكن أن يلقي بظلاله على الدول المجاورة مثل سوريا وإيران.
وفي الاتجاه نفسه يشدد ريتشارد بيرل رئيس مكتب سياسة الدفاع على أن العراق بعد مروره بتجربة الإصلاح، لديه القدرة على تغيير الشعوب حول العالم بخصوص إمكانيات الديمقراطية.
والمعروف أن هذه الافكار تخرج من عباءة ما يسمى بنظرية «الدومينو الديمقراطية» التي أثنى عليها - بدوره - جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية قائلا: إن الحفاظ على سيادة العراق ووحدة أراضيه واستمرار الحياة فيه بصورة طبيعية سيكون له أثره في باقي دول المنطقة.
شكوك في المعارضة العراقية
وبحسب هذه الرؤية تتحدث التقارير السياسية في واشنطن (كما تقول صحيفة لوفيجارو الفرنسية) عن أن الولايات المتحدة تشكك كثيرا في قدرة المعارضة العراقية على تولي زمام الامور بعد الإطاحة بصدام ونظامه، لذلك استقر رأيها على أن تقيم في العراق- ولفترة تتراوح بين 18 و24 شهرا - إدارة عسكرية اميركية تكون مسئولة عن تهدئة الأوضاع ونزع أسلحة البلاد.. إلى أن يتم تشكيل حكومة عراقية تمثل كافة العناصر وتنظيم انتخابات حرة.
وتتحدث الأوساط الأوروبية في بروكسل عن معارضة قوية لهذه الفكرة الأمريكية، وتميل إلى ترجيح كفة فكرة أخرى هي تنصيب حاكم مدنى في بغداد يعين من قبل مجلس الامن تكون مهمته إصلاح البنى التحتية الأساسية التي دمرتها الحرب، وتجديد المرافق العامة، وكذلك إدارة النفط العراقي.
وفي كل الاحوال لم يلق هذا الطرح الأوروبي صدى لدى الإدارة الأمريكية، لأنها - بعد العنف التي لاقته عند محاولة استصدار قرار ثان من مجلس الامن - لا تريد أن تعتمد على الأمم المتحدة.. ثم هي - وبحسب ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي - التي تحفظ توازن النظام الدولي، وليس الأمم المتحدة ومن ثم لا تريد تخويل المنظمة الأممية العالمية صلاحيات قد تكون عائقا في طريقها يوما.
وإذا تذكرنا أن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش كان وعد شعبه بتحقيق ثلاثة أشياء هي: القضاء على أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، نزع أسلحة النظام العراقي لأنها تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأميركي، ثم انتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية قبل أن يستفحل خطرها.. أقول لو تذكرنا هذه الوعود الثلاثة لأدركنا على الفور أن الإدارة الاميركية لا تضع في حساباتها سوى مصلحتها المباشرة، تلك المصلحة التي لن تتحقق إلا إذا تولت الولايات المتحدة بيدها (لا بيد عمرو) مسئولية تنظيم وحكم العراق بعد الإطاحة بصدام حسين.
ولعل هذا المعنى هو ما أكده خبير استراتيجي أمريكي يعمل في حلف الناتو، عندما قال إن أمريكا ذهبت إلى منطقة الخليج (والعراق تحديدا) لكي تبقى.
دولة كردستانية
وعلى أية حال فالمحقق أن الولايات المتحدة قد أعدت العدة بشكل تفصيلي ودقيق لهذه المرحلة منذ عدة سنوات، ويتردد أنها كانت فكرت في غزو العراق في عام 1998 في أعقاب حربها في كوسوفو، لكنها عادت وأرجأت عملياتها العسكرية.. لأنها لم تكن قد استوفت بعد كافة الاحتمالات والتصورات الخاصة بالعراق في مرحلة ما بعد صدام - كما لم تكن حسمت أمرها بشأن قيام دولة كردستانية في الشمال.. ولذلك فإن قرار الحرب - الذي لم يعد يفصلنا عنه إلا بضع خطوات - لم يتم الانتهاء من صياغته إلا بعد الاستقرار على الصورة التي يدار بها العراق لاحقا.
وكانت مصادر بريطانية تحدثت عن عقد أبرمته الحكومة الأمريكية مع نحو 200 لاجئ عراقي في الخارج لكي توكل إليهم مهام معينة منها شغل مناصب حكومية بعد الحرب، على أن تدفع لهم الحكومة الأمريكية مرتباتهم من الأرصدة العراقية المجمدة في البنوك الغربية.
وتذكر ذات المصادر أن هذا العقد لا يزيد على ستة أشهر.
ولقد لجأت أمريكا إلى هذا الحل لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها الأولى في الأشهر التي تعقب الحرب مباشرة، كما سيتم الاستعانة بما سيتم الاحتفاظ به من الجيش العراقي (حوالي 75 ألف جندي) في أعمال البناء والترميم، وابطال مفعول الألغام.
ويذكر بعض الخبراء أن الهاجس الذي سيحكم تصرفات الإدارة الأمريكية هو إعادة الاستقرار إلى العراق والمنطقة، لذلك ستحرص على نقل السلطات إلى مجموعة من ممثلي الشعب (بعد فترة قصيرة) المنفتحين على الغرب، لأنها تريد من الحكومة الجديدة أن تضمن ولاءها، بحيث تكون عينا لها، ورقيبا على مصالحها وخصوصا المخزون النفطي العراقي الذي يسيل له لعاب الكثيرين..
وبالمقابل فإن فكرة «إقامة نظام جديد في العراق يساهم في نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط» تتعرض لبعض النقد حتى داخل الدوائر الأمريكية ذاتها، حيث ذكر تقرير سرى لوزارة الخارجية الأمريكية عدة شكوك حول جدوى هذه الفكرة،وحذر من أن الديمقراطية إذا ظهرت في دولة مثل العراق (لم تعرف طوال حياتها سوى الحكم الاستبدادي، الديكتاتوري) يمكن أن تستغل من قبل العناصر المعادية للولايات المتحدة، وشككت في إمكانية تحويل العراق إلى «جنة ديمقراطية» أو في قدرة العراق الجديد على تحويل الشرق الاوسط، وتغيير مسار المنطقة!
وفي هذا الإطار لن يكون مستبعدا ظهور ردود فعل رافضة في العالم العربي والإسلامي، الذي يتوجس من أن تكون إزاحة صدام حسين مجرد خطوة في سلسلة من الانقلابات والتغييرات التي ستشهدها المنطقة، وستطال الأنظمة التي تعتبرها أمريكا مستبدة،وظالمة، وديكتاتورية.
الرجل المريض أيا كان الأمر، فالشئ الذي بات مستقرا في أذهان قادة أمريكا (صقورا وحمائم) أن العالم العربي أصبح أشبه بالرجل المريض، ومن ثم بات عاجزا عن تدبير أموره بنفسه، ومن ثم يتوجب أن تضطلع أمريكا بهذه المهمة نيابة عنه، ولعل هذا ما كان يعنيه الخبير الاستراتيجي الأمريكي إستيفان ريتشر بقوله أن العالم العربي عجز عن بناء «الدولة - الأمة» وفقد البوصلة التي تكشف له الطريق القويم، وبالتالي بات يتعين مساعدته على تحديث نفسه.
وأضاف يقول في حديث لمجلة «اكسبانسيون» الفرنسية: إن إعادة صياغة المنطقة أصبح أمرا ضروريا، وما سوف يحدث في العراق سيكون نقطة البداية.
وفي إطار الجدل السياسي والاستراتيجي الدائر بشأن عراق ما بعدصدام يدلي البعض بدلوه، معولا على نموذج الفيدرالية الذي يعتبر - من وجهة نظرهم - الضمانة التي توفر للعرب والأكراد معا الأمن والاستقرار، انطلاقا من أن دروس التاريخ أثبتت أن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحققا في الدول التي تضم قوميات متعددة.. ما لم تشعر كل منها أن حقوقها القومية مصانة، وأنها تحكم نفسها بنفسها، وتساهم في بناء حياتها وتطويرها، ومن ثم فإن النظام الفيدرالي هو أفضل الاشكال الملائمة لهذا النوع من الدول ذات القوميات المتعددة.
يبقى أخيرا أن نذكر أن إسقاط نظام صدام حسين في بغداد لم يكن - في يوم من الأيام - هو نهاية المطاف، ولو كان كذلك، لما كان أسهل على الولايات المتحدة أن تسقطه منذ سنوات، وتحديدا بعد جريمة غزوه للكويت.. وإنما العراق في أرضه وسمائه وموقعه هو المستهدف، ومن هنا جاء اهتمام أميركا بالحكومة التي ينبغي أن تسوس الحياة في مرحلة ما بعد صدام، وشرطها الأول والأخير أن تكون «حكومة صديقة» على حد تعبير كولن باول وزير الخارجية الأمريكي، تحافظ على ثروات العراق دون أن تنفقها على برامج التسلح الضخمة كما كان يفعل صدام حسين.
أما ما لم يقله كولن باول فهو أن هذه الحكومة ستكون حارسا على المخزون النفطي العراقي، كما ستكون مستأنسة من قبل إسرائيل وتركيا، ليتشكل بذلك محور جديد تدير به الولايات المتحدة مصالحها في المنطقة، وليكون «عصا البطش» المباشرة التي تهش بها على من «تحابي»، وتضرب بها من «تعارض»!
مرحلة ما بعد الحرب هي الاخطر هذه حقيقة تعلمها جيدا الإدارة الأمريكية، لأن إسقاط نظام صدام حسين لم يكن - في يوم من الأيام - مشكلة وإنما المشكلة الحقيقية هي: كيف تدار العراق في مرحلة ما بعد صدام.
وبحسب رؤية للمستشار السابق للرئيس بيل كلينتون (روبير ميلي) فان الحرب العراقية سوف تثير جملة من المخاوف، أولها إطلاق حركات راديكالية قد تعم العالم العربي والإسلامي تسمح - لاحقا - بولادة جيل كاره لاميركا والغرب، لأن «هذا الغرب» سيصبح من وجهة نظره مرادفا للإهانة، والإذلال، والسيطرة.
ويقول روبير ميلي إن خطورة الأوضاع في عراق ما بعد صدام تأتي من أن العراق متخم بقضايا ومشكلات تتجاوز حدود شخصية صدام حسين، فهناك - على سبيل المثال - توترات قديمة بين الشيعة والسنة، وبين العرب، والأكراد، وحديث متجدد عن دور الجيش فضلا عن ملفات ساخنة تتعلق بالخلافات الحدودية مع الكويت، ومعظم هذه القضايا تسبق ظهور صدام، وإن كان وجوده قد سكب كثيرا من الزيت على النار في بعضها.
ولعل هذه الطبيعة العراقية التي تنطوي على تباينات دينية وعرقية هي التي جعلت نفرا من الاستراتيجيين الاميركيين يتحفظون على الطرح الخاص بتشكيل حكومة ديمقراطية في العراق، فذكروا - في معرض نقدهم لهذا الطرح - ان أمر تشكيل هذه الحكومة سيكون أمرا صعبا، فالعراق مكون من جماعات عرقية معادية لبعضها البعض، ومنذ تأسيس العراق في عام 1932 لم تعرف البلاد إلا الانقلابات الدموية والنظم الديكتاتورية.
والمعروف أن الاتجاه الراجح - حتى الآن - بشأن صورة «عراق ما بعد صدام» يتحمس له جناح قوى داخل الإدارة الاميركية (يشابههم عدد كبير من رجال السياسة والاستراتيجيا) مثل بول وولفيتز نائب وزير الدفاع الذي يعتقد - اعتقادا راسخا- بأن العراق يمكن أن يكون الدولة الديمقراطية العربية الأولى في المنطقة، وأن التقدم الديمقراطي المتوقع في العراق يمكن أن يلقي بظلاله على الدول المجاورة مثل سوريا وإيران.
وفي الاتجاه نفسه يشدد ريتشارد بيرل رئيس مكتب سياسة الدفاع على أن العراق بعد مروره بتجربة الإصلاح، لديه القدرة على تغيير الشعوب حول العالم بخصوص إمكانيات الديمقراطية.
والمعروف أن هذه الافكار تخرج من عباءة ما يسمى بنظرية «الدومينو الديمقراطية» التي أثنى عليها - بدوره - جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية قائلا: إن الحفاظ على سيادة العراق ووحدة أراضيه واستمرار الحياة فيه بصورة طبيعية سيكون له أثره في باقي دول المنطقة.
شكوك في المعارضة العراقية
وبحسب هذه الرؤية تتحدث التقارير السياسية في واشنطن (كما تقول صحيفة لوفيجارو الفرنسية) عن أن الولايات المتحدة تشكك كثيرا في قدرة المعارضة العراقية على تولي زمام الامور بعد الإطاحة بصدام ونظامه، لذلك استقر رأيها على أن تقيم في العراق- ولفترة تتراوح بين 18 و24 شهرا - إدارة عسكرية اميركية تكون مسئولة عن تهدئة الأوضاع ونزع أسلحة البلاد.. إلى أن يتم تشكيل حكومة عراقية تمثل كافة العناصر وتنظيم انتخابات حرة.
وتتحدث الأوساط الأوروبية في بروكسل عن معارضة قوية لهذه الفكرة الأمريكية، وتميل إلى ترجيح كفة فكرة أخرى هي تنصيب حاكم مدنى في بغداد يعين من قبل مجلس الامن تكون مهمته إصلاح البنى التحتية الأساسية التي دمرتها الحرب، وتجديد المرافق العامة، وكذلك إدارة النفط العراقي.
وفي كل الاحوال لم يلق هذا الطرح الأوروبي صدى لدى الإدارة الأمريكية، لأنها - بعد العنف التي لاقته عند محاولة استصدار قرار ثان من مجلس الامن - لا تريد أن تعتمد على الأمم المتحدة.. ثم هي - وبحسب ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي - التي تحفظ توازن النظام الدولي، وليس الأمم المتحدة ومن ثم لا تريد تخويل المنظمة الأممية العالمية صلاحيات قد تكون عائقا في طريقها يوما.
وإذا تذكرنا أن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش كان وعد شعبه بتحقيق ثلاثة أشياء هي: القضاء على أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، نزع أسلحة النظام العراقي لأنها تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأميركي، ثم انتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية قبل أن يستفحل خطرها.. أقول لو تذكرنا هذه الوعود الثلاثة لأدركنا على الفور أن الإدارة الاميركية لا تضع في حساباتها سوى مصلحتها المباشرة، تلك المصلحة التي لن تتحقق إلا إذا تولت الولايات المتحدة بيدها (لا بيد عمرو) مسئولية تنظيم وحكم العراق بعد الإطاحة بصدام حسين.
ولعل هذا المعنى هو ما أكده خبير استراتيجي أمريكي يعمل في حلف الناتو، عندما قال إن أمريكا ذهبت إلى منطقة الخليج (والعراق تحديدا) لكي تبقى.
دولة كردستانية
وعلى أية حال فالمحقق أن الولايات المتحدة قد أعدت العدة بشكل تفصيلي ودقيق لهذه المرحلة منذ عدة سنوات، ويتردد أنها كانت فكرت في غزو العراق في عام 1998 في أعقاب حربها في كوسوفو، لكنها عادت وأرجأت عملياتها العسكرية.. لأنها لم تكن قد استوفت بعد كافة الاحتمالات والتصورات الخاصة بالعراق في مرحلة ما بعد صدام - كما لم تكن حسمت أمرها بشأن قيام دولة كردستانية في الشمال.. ولذلك فإن قرار الحرب - الذي لم يعد يفصلنا عنه إلا بضع خطوات - لم يتم الانتهاء من صياغته إلا بعد الاستقرار على الصورة التي يدار بها العراق لاحقا.
وكانت مصادر بريطانية تحدثت عن عقد أبرمته الحكومة الأمريكية مع نحو 200 لاجئ عراقي في الخارج لكي توكل إليهم مهام معينة منها شغل مناصب حكومية بعد الحرب، على أن تدفع لهم الحكومة الأمريكية مرتباتهم من الأرصدة العراقية المجمدة في البنوك الغربية.
وتذكر ذات المصادر أن هذا العقد لا يزيد على ستة أشهر.
ولقد لجأت أمريكا إلى هذا الحل لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها الأولى في الأشهر التي تعقب الحرب مباشرة، كما سيتم الاستعانة بما سيتم الاحتفاظ به من الجيش العراقي (حوالي 75 ألف جندي) في أعمال البناء والترميم، وابطال مفعول الألغام.
ويذكر بعض الخبراء أن الهاجس الذي سيحكم تصرفات الإدارة الأمريكية هو إعادة الاستقرار إلى العراق والمنطقة، لذلك ستحرص على نقل السلطات إلى مجموعة من ممثلي الشعب (بعد فترة قصيرة) المنفتحين على الغرب، لأنها تريد من الحكومة الجديدة أن تضمن ولاءها، بحيث تكون عينا لها، ورقيبا على مصالحها وخصوصا المخزون النفطي العراقي الذي يسيل له لعاب الكثيرين..
وبالمقابل فإن فكرة «إقامة نظام جديد في العراق يساهم في نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط» تتعرض لبعض النقد حتى داخل الدوائر الأمريكية ذاتها، حيث ذكر تقرير سرى لوزارة الخارجية الأمريكية عدة شكوك حول جدوى هذه الفكرة،وحذر من أن الديمقراطية إذا ظهرت في دولة مثل العراق (لم تعرف طوال حياتها سوى الحكم الاستبدادي، الديكتاتوري) يمكن أن تستغل من قبل العناصر المعادية للولايات المتحدة، وشككت في إمكانية تحويل العراق إلى «جنة ديمقراطية» أو في قدرة العراق الجديد على تحويل الشرق الاوسط، وتغيير مسار المنطقة!
وفي هذا الإطار لن يكون مستبعدا ظهور ردود فعل رافضة في العالم العربي والإسلامي، الذي يتوجس من أن تكون إزاحة صدام حسين مجرد خطوة في سلسلة من الانقلابات والتغييرات التي ستشهدها المنطقة، وستطال الأنظمة التي تعتبرها أمريكا مستبدة،وظالمة، وديكتاتورية.
الرجل المريض أيا كان الأمر، فالشئ الذي بات مستقرا في أذهان قادة أمريكا (صقورا وحمائم) أن العالم العربي أصبح أشبه بالرجل المريض، ومن ثم بات عاجزا عن تدبير أموره بنفسه، ومن ثم يتوجب أن تضطلع أمريكا بهذه المهمة نيابة عنه، ولعل هذا ما كان يعنيه الخبير الاستراتيجي الأمريكي إستيفان ريتشر بقوله أن العالم العربي عجز عن بناء «الدولة - الأمة» وفقد البوصلة التي تكشف له الطريق القويم، وبالتالي بات يتعين مساعدته على تحديث نفسه.
وأضاف يقول في حديث لمجلة «اكسبانسيون» الفرنسية: إن إعادة صياغة المنطقة أصبح أمرا ضروريا، وما سوف يحدث في العراق سيكون نقطة البداية.
وفي إطار الجدل السياسي والاستراتيجي الدائر بشأن عراق ما بعدصدام يدلي البعض بدلوه، معولا على نموذج الفيدرالية الذي يعتبر - من وجهة نظرهم - الضمانة التي توفر للعرب والأكراد معا الأمن والاستقرار، انطلاقا من أن دروس التاريخ أثبتت أن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحققا في الدول التي تضم قوميات متعددة.. ما لم تشعر كل منها أن حقوقها القومية مصانة، وأنها تحكم نفسها بنفسها، وتساهم في بناء حياتها وتطويرها، ومن ثم فإن النظام الفيدرالي هو أفضل الاشكال الملائمة لهذا النوع من الدول ذات القوميات المتعددة.
يبقى أخيرا أن نذكر أن إسقاط نظام صدام حسين في بغداد لم يكن - في يوم من الأيام - هو نهاية المطاف، ولو كان كذلك، لما كان أسهل على الولايات المتحدة أن تسقطه منذ سنوات، وتحديدا بعد جريمة غزوه للكويت.. وإنما العراق في أرضه وسمائه وموقعه هو المستهدف، ومن هنا جاء اهتمام أميركا بالحكومة التي ينبغي أن تسوس الحياة في مرحلة ما بعد صدام، وشرطها الأول والأخير أن تكون «حكومة صديقة» على حد تعبير كولن باول وزير الخارجية الأمريكي، تحافظ على ثروات العراق دون أن تنفقها على برامج التسلح الضخمة كما كان يفعل صدام حسين.
أما ما لم يقله كولن باول فهو أن هذه الحكومة ستكون حارسا على المخزون النفطي العراقي، كما ستكون مستأنسة من قبل إسرائيل وتركيا، ليتشكل بذلك محور جديد تدير به الولايات المتحدة مصالحها في المنطقة، وليكون «عصا البطش» المباشرة التي تهش بها على من «تحابي»، وتضرب بها من «تعارض»!