Anmar
26/09/2004, 23:53
لم يكن تأخر حفلة فيروز في قاعة "الأرينا" (غرب عمان) مساء أول من أمس ثلاثة أرباع الساعة وقتاً طويلاً. فكثير من الحاضرين الذين ناهز عددهم الستة آلاف كانوا ينتظرون فرصة حضور حفلة فيروزية منذ سنوات. ابتعدت فيروز عن أغاني زياد الجديدة, واقتربت أكثر من "مناطقها" مع الرحبانيين. لكن ابتعادها عن زياد واقترابها من عاصي ومنصور لم يكونا بهذه السهولة, إذ استحالت الأغاني التي اعتاد عليها الجمهور أغاني جديدة كأنها من جديد زياد, بفضل التوزيع الراقي الذي قدمته الفرقة المكونة من زهاء أربعين عازفاً ومنشداً, يتقدمهم المايسترو كارن دورغريان.
البداية الموسيقية للأمسية نفسها لم تكن "زيادية" تماماً. فمقدمة نزل السرور, احد أول الأعمال الموسيقية الصرفة لزياد, متأثرة كثيراً بجو الرحابنة, ذلك الجو الذي لم يطغ تماماً على الليلة. ففي الوقت نفسه الذي تسمع فيه الأغاني القديمة, تجد نفسك مأخوذاً بالتوزيع الجديد ومفتوناً بتلك الخلطة الغريبة من الزركشات اللحنية التي بدت وكأنها تصنع اللحن من جديد.
بدأت فيروز بأغنية "في قهوة ع المفرق", ثم "طريق النحل" فـ"أمي نامت ع بكير" ما يختصر كثيراً من برنامج الليلة. يبدو النزوع إلى أغان قديمة لم تقدم كثيراً في حفلات حية من قبل هو "مفاجأة" فيروز هذه المرة.
حتى أغاني الكورس كانت مختلفة أول من أمس. اختفت أغاني زياد مع الراحل جوزف صقر (ما عدا "عايشي وحدا بلاك") وحلت محلها أغاني "رفيق الدرب" نصري شمس الدين. وكأن فيروز كانت تحيي نصري هذه المرة. "قلت ليها" و"طلو الصيادي" وسواها من أغاني نصري الرحبانية تجد نفسها أخيراً على المسرح. تجد طريقاً إلى آذان السامعين المتربصين بجديد فيروز الذي لم يأت إلا أخيراً. جديدها الذي لم يكن أغاني, وإنما برنامجاً كاملاً. حتى تلك المقاطع من المسرحيات الرحبانية أطلت برأسها. "شيخ المينا" و"ملهب جايي" كانت هنا أيضاً. في الليلة التي غنت فيها فيروز من أغانيها القديمة, التي بدت جديدة تماماً.
ليلة لمع فيها صوت فيروز أكثر في ثلاث أغان "سوا ربينا" و"ليلية بترجع يا ليل" و"بعدنا من يقصد الكروم". وفي الأخيرة تحديداً, وضح الصوت ورجع سنوات إلى الوراء وصار وكأنه صوتها وهي بعد طفلة. حتى إيقاع التانغو الذي رافق الأغنية في توزيعها الجديد بدا طفلاً يرقص معها, وجعل الأغنية وكأنها من جديدها الذي تقدمه اليوم مع زياد.
وكأن هذا التوزيع أعطى الأغنية ثوب الشباب, أو لنقل أنه زينه, على اعتبار أن أغاني فيروز والرحابنة شابة لا تشيخ. حتى تلك التي أخذت من ألحان أجنبية تخضع هي الأخرى لعمليات "إعادة التوزيع", التي تقلبها رأساً على عقب. لم يعرف أحد أن الآلات بدأت تعزف "حبيتك بالصيف" إلا عند بدء فيروز الغناء. الأغنية في بنيتها الجديدة أبطأ, تدخلك في جو الانتظار الذي يدوم فصولاً أكثر.
في ظل "تجديد" قديم فيروز طيلة مدة الحفلة, انتظرت أحدث الأغاني التي حملت توقيع زياد "يا ضيعانو" دورها, وكانت ختاماً مسكاً لليلة الفيروزية. هذه الأغنية التي كانت قدمتها فيروز قبل عامين في دبي برفقة زياد نفسه والعام الماضي في بيت الدين, تفاعل معها الجمهور وبدا كأنه يعرفها ويعرف متى تصخب الألحان ومتى تهدأ مفسحة المجال لفيروز لتأخذ دورها. فيصفق بعنفوان طالما الكورس يغني, ويصمت عندما تشدو فيروز. بيتا العتابا اللذان تقدما الأغنية أشعلا الحاضرين. منذ متى لم نسمع فيروز تغني هذا اللون الشعبي المتجدد؟ ومع زياد المتأثر هنا بالأجواء الموسيقية الكردية, نراه يجذب التراث إلى حيث يكسب صبغته الجديدة, منمقاً بكلامه الساخر, حتى من الحبيب: "يا ضيعانو.. شو كان منيح, ع علاّتو, بزمانو". كانت الأغنية شرارة لم تهدئ من روع الجمهور. فوقف وظل يصفق طالباً نجمته. تعود وتغني أكثر من مرة, وهو لا يزال واقفاً يطلب المزيد. تطل وتعود إلى الكواليس والجميع واقف يريد أغاني جديدة. لا تكفيه "آخر أيام الصيفية" ولا "حمرا سطيحات ضيعتنا" ولا "ضو القمر". يظل يصفق منتظراً فيروز, حتى وإن اشتعلت الأنوار وفتحت الأبواب استعداداً للعودة. تتساءل أم فلسطينية تجلس على المقعد والجمهور الذي كان في غالبيته من فلسطينيي الداخل واقفاً ينتظر إطلالة جديدة لفيروزه: "خلص؟ ألن تعود؟" فتواسيها ابنتها التي بدأت ترى أفراد الفرقة يتركون أماكنهم: "بلى... ستعود".
نقلاً عن دار الحياة
البداية الموسيقية للأمسية نفسها لم تكن "زيادية" تماماً. فمقدمة نزل السرور, احد أول الأعمال الموسيقية الصرفة لزياد, متأثرة كثيراً بجو الرحابنة, ذلك الجو الذي لم يطغ تماماً على الليلة. ففي الوقت نفسه الذي تسمع فيه الأغاني القديمة, تجد نفسك مأخوذاً بالتوزيع الجديد ومفتوناً بتلك الخلطة الغريبة من الزركشات اللحنية التي بدت وكأنها تصنع اللحن من جديد.
بدأت فيروز بأغنية "في قهوة ع المفرق", ثم "طريق النحل" فـ"أمي نامت ع بكير" ما يختصر كثيراً من برنامج الليلة. يبدو النزوع إلى أغان قديمة لم تقدم كثيراً في حفلات حية من قبل هو "مفاجأة" فيروز هذه المرة.
حتى أغاني الكورس كانت مختلفة أول من أمس. اختفت أغاني زياد مع الراحل جوزف صقر (ما عدا "عايشي وحدا بلاك") وحلت محلها أغاني "رفيق الدرب" نصري شمس الدين. وكأن فيروز كانت تحيي نصري هذه المرة. "قلت ليها" و"طلو الصيادي" وسواها من أغاني نصري الرحبانية تجد نفسها أخيراً على المسرح. تجد طريقاً إلى آذان السامعين المتربصين بجديد فيروز الذي لم يأت إلا أخيراً. جديدها الذي لم يكن أغاني, وإنما برنامجاً كاملاً. حتى تلك المقاطع من المسرحيات الرحبانية أطلت برأسها. "شيخ المينا" و"ملهب جايي" كانت هنا أيضاً. في الليلة التي غنت فيها فيروز من أغانيها القديمة, التي بدت جديدة تماماً.
ليلة لمع فيها صوت فيروز أكثر في ثلاث أغان "سوا ربينا" و"ليلية بترجع يا ليل" و"بعدنا من يقصد الكروم". وفي الأخيرة تحديداً, وضح الصوت ورجع سنوات إلى الوراء وصار وكأنه صوتها وهي بعد طفلة. حتى إيقاع التانغو الذي رافق الأغنية في توزيعها الجديد بدا طفلاً يرقص معها, وجعل الأغنية وكأنها من جديدها الذي تقدمه اليوم مع زياد.
وكأن هذا التوزيع أعطى الأغنية ثوب الشباب, أو لنقل أنه زينه, على اعتبار أن أغاني فيروز والرحابنة شابة لا تشيخ. حتى تلك التي أخذت من ألحان أجنبية تخضع هي الأخرى لعمليات "إعادة التوزيع", التي تقلبها رأساً على عقب. لم يعرف أحد أن الآلات بدأت تعزف "حبيتك بالصيف" إلا عند بدء فيروز الغناء. الأغنية في بنيتها الجديدة أبطأ, تدخلك في جو الانتظار الذي يدوم فصولاً أكثر.
في ظل "تجديد" قديم فيروز طيلة مدة الحفلة, انتظرت أحدث الأغاني التي حملت توقيع زياد "يا ضيعانو" دورها, وكانت ختاماً مسكاً لليلة الفيروزية. هذه الأغنية التي كانت قدمتها فيروز قبل عامين في دبي برفقة زياد نفسه والعام الماضي في بيت الدين, تفاعل معها الجمهور وبدا كأنه يعرفها ويعرف متى تصخب الألحان ومتى تهدأ مفسحة المجال لفيروز لتأخذ دورها. فيصفق بعنفوان طالما الكورس يغني, ويصمت عندما تشدو فيروز. بيتا العتابا اللذان تقدما الأغنية أشعلا الحاضرين. منذ متى لم نسمع فيروز تغني هذا اللون الشعبي المتجدد؟ ومع زياد المتأثر هنا بالأجواء الموسيقية الكردية, نراه يجذب التراث إلى حيث يكسب صبغته الجديدة, منمقاً بكلامه الساخر, حتى من الحبيب: "يا ضيعانو.. شو كان منيح, ع علاّتو, بزمانو". كانت الأغنية شرارة لم تهدئ من روع الجمهور. فوقف وظل يصفق طالباً نجمته. تعود وتغني أكثر من مرة, وهو لا يزال واقفاً يطلب المزيد. تطل وتعود إلى الكواليس والجميع واقف يريد أغاني جديدة. لا تكفيه "آخر أيام الصيفية" ولا "حمرا سطيحات ضيعتنا" ولا "ضو القمر". يظل يصفق منتظراً فيروز, حتى وإن اشتعلت الأنوار وفتحت الأبواب استعداداً للعودة. تتساءل أم فلسطينية تجلس على المقعد والجمهور الذي كان في غالبيته من فلسطينيي الداخل واقفاً ينتظر إطلالة جديدة لفيروزه: "خلص؟ ألن تعود؟" فتواسيها ابنتها التي بدأت ترى أفراد الفرقة يتركون أماكنهم: "بلى... ستعود".
نقلاً عن دار الحياة