-
دخول

عرض كامل الموضوع : منشأ الصهيونية ..وأيديولوجيتها..


أدونيس
28/10/2005, 20:39
ما هي أسس الأيديولوجية الصهيونية؟
إن منطلق أصحاب هذه الأيديولوجية الأول، كما صاغه هرتسل وخلفاؤه من بعده "ان الشعوب التي يعيش اليهود بين ظهرانيها هي، إما ضمناً أو صراحة، لا سامية وأن اليهود هم شعب واحد... جعلهم أعدائهم هكذا بدون موافقتهم كما يحدث مراراً وتكراراً في التاريخ". (هرتسل: "الدولة اليهودية" إصدار المجلس الصهيوني الأمريكي عام 1946 ص 92).

وهكذا ينطلق الصهيونيون من المقولة الغيبية التي تتجاهل العوامل الاقتصادية- الاجتماعية التي خلقت اللاسامية ويؤكدون أن اللاسامية أبدية قائمة بين كل الشعوب قاطبة، وهي لطابعها العدائي أنشأت الشعب اليهودي ووحدته، بدون إرادته أو موافقته.
وهذا يعني أن الصهيونية قبلت مقولة اللاسامية وأصبحت وجهها الآخر.
وفي هذا الصدد كتب بن هلبرن صاحب كتاب "فكرة الدولة اليهودية": "نمت اللاسامية السياسية اذن بوصفها حركة مضادة للثورة معادية للوضع القائم لا بالنسبة لوضع اليهود فحسب، بل بالنسبة إلى البناء الديمقراطية والمواقف الليبرالية التي اتخذتها المجتمعات المعاصرة عامة". (ص 10)

وأضاف أن جمهرة اليهود رفضت مقولة اللاسامية واعتبرت نفسها جزءاً من القوميات التي اقترنت حياتها بحياة طوائفها اليهودية: "فقد أنكر اليهود الساعون نحو الانعتاق أن يكونوا قومية منفصلة" (ص 12). وعلى هذا الضوء يظهر أن الصهيونية فرضت الأيديولوجية اللاسامية حول "القومية اليهودية المنفصلة" على الطوائف اليهودية، على الرغم من مقاومتها ذلك.

وفي الواقع وجدت الصهيونية صعوبة كبيرة في الانتشار بين الطوائف اليهودية في أوروبا الغربية حيث ظهرت المنظمة الصهيونية في البداية. ومن الدلائل على ذلك أن الطائفة اليهودية في ميونخ من أعمال ألمانيا رفضت بشدة عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينتها، مما دفع القيمين عليه لعقده في بال السويسرية.

وقررت التقارب بين اللاسامية والصهيونية، أيديولوجياً، على الرغم من التناقض الظاهر بينهما، قرره إلى حد كبير موقف المنظمة الصهيونية من اللاسامية، فالقيادة الصهيونية لم تجد في اللاسامية عدواً خطيراً بل عاملاً مساعداً على تحقيق برامجها، انطلاقاً من مقولة هرتسل أن أعداء اليهود هم الذين جعلوهم شعباً واحداً.

بل ان هرتسل ذهب إلى أبعد من ذلك، وفي وصفه انتقاله من معسكر أنصار الانعتاق والاندماج إلى أنصار الانعزالية الطائفية كتب أنه اكتشف "أن اللاسامية وهي قوة غير واعية وشديدة المراس بين الجماهير لن تضر اليهود" وأضاف أنه يعتبرها "حركة مفيدة لتطوير الخلق اليهودي". (يومياته- مختصرة إصدار المكتبة الكونية ص 10).

وهكذا، فعلى الرغم من التناقض بين اللاسامية التي تصف اليهود بكل المثالب التي اكتشفتها العقليات المتعصبة، والصهيونية التي تضفي على اليهود كافة نعوت الكمال الإنساني، فقد كان التقارب ملازماً لهما على صعيد العمل، إذ كانت الصهيونية ترى في اللاسامية محركها التاريخي وتحتاج إلى نشاطها لتحقيق أهدافها.

واتخذ هذا التقارب لا شكل سكوت على اللاسامية فحسب بل إطار تعاون وثيق بين اللاساميين والصهيونيين. وهذا ما أظهرته حقائق التعاون بين القادة الصهيونيين مع النازيين قبل الحرب العالمية الثانية.

وقبل وقت غير بعيد نشرت بعض مجلات هذه البلاد فضحية المنظمة الصهيونية في العراق التي ألقت القنابل على الكنس وتجمعات اليهود بقصد اجتثاث جماهير الطائفة اليهودية مت تربتها الطبيعية، التي نمت فيها عبر قرون، وتهجيرها إلى إسرائيل.

واعتماداً على المقولتين: أبدية اللاسامية "وفضل" عملية الانعتاق والاندماج، أولاً، ووجود الشعب اليهودي بفضل أعدائه، ثانياً، استنتجت الصهيونية أن المشكلة اليهودية لا حل لها بغير تجميع "شتات" اليهود في مركز واحد يقيمون فيه دولتهم وتنتهي مشكلتهم التي "امتدت حوالي ألفي سنة" منذ أن "شتتهم الرومان"!!(4) (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////-)

ولم يترك الصهيونيون أيديولوجيتهم بهذه البساطة بل تعمقوا في بحث ملامحها وألبسوها حللاً "علمية".
ومن هذا القبيل ما كتبه ليو بنسكر في كتابه "التحرر الذاتي". فقد اعتمد في بنائه الأيديولوجي على أن اليهود هم قوم شبح لا وطن لهم، وبما أن الإنسانية تكره الأشباح لذلك تنزل بهم الشعوب الاضطهاد التعذيب، والحل إذن يكمن في تحويلهم من قوم شبح إلى قوم طبيعي، وهذا يتم إذا ما أقاموا وطناً لهم في مكان ما، فعندئذ يتوقف اضطهادهم حتى لو بقيت بعض طوائفهم في أقطار مختلفة فهم عندئذ يكونون جالية كسائر الجاليات التي تعيش بين قوميات أخرى.

ولم يكن تعيين الوطن أمراً مفروغاً منه منذ البداية، فليو بنسكر استبعد فلسطين عند بحثه أمر اختيار الوطن، واعياً، على اعتبار أن ذكرياتهم المرتبطة بها قد تكون عاملاً معرقلاً. كما أن المنظمة الصهيونية، مع أنها في مؤتمرها الأول دعت إلى إقامة الوطن القومي في فلسطين، إلا أنها عادت في عام 1903 ووافقت على اقتراح ممثل الإمبريالية البريطانية تشمبرلين إقامة الوطن القومي في أوغندا.

أما الاتفاق نهائياً على اختيار فلسطين فيعود إلى عاملين: نشوء ظروف تساوقت فيها مصلحة الإمبريالية البريطانية والصهيونية أولاً واكتشاف الصهيونيين أن من الأسهل استنفار جماهير الطوائف اليهودية لبناء وطن قومي في فلسطين بسبب اقترانها بالدين اليهودي وذكريات تاريخية قديمة.

كذلك ارتأت الأيديولوجية الصهيونية أن الأمة اليهودية لا أمة عالمية فحسب، بل أمة من نوع فريد تتجاوز التقسيمات الطبقية وينتفي فيها الصراع الاجتماعي.

ولهذا كانت دعوة هرتسل معادية للاشتراكية التي وضعها التاريخ على بساط البحث في تلك الفترة التاريخية في أوروبا.

وكان واضحاً أن الصهيونية التي كان من الممكن أن تجد قاسماً مشتركاً مع اللاسامية، لم تجد قاسماً مشتركاً مع الاشتراكية العلمية، وكان اصطدامها بها تصادماً مباشراً على طول الجبهة.

ففي حين كانت الحركة الاشتراكية الثورية آنذاك تدعو إلى وحدة النضال الطبقي بين العمال عامة بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الطائفي وترى في القضاء على حكم الطغيان الرأسمالي حلاً للمشاكل القومية والطائفية ومن بينها المشكلة اليهودية، وتنادي باندماج اليهود مع سائر القوميات، ظهرت الصهيونية عنصراً مخرباً في الطبقة العاملة تدعو إلى انسحاب العمال اليهود من النضال الطبقي والسير وراء سراب الصهيونية وتعميق العزلة الطائفية والقومية في مرحلة النهوض الطبقي الثوري.

وفي حين أن القيادة الصهيونية لم تبذل أي جهد لجذب اليهود الرأسماليين النشيطين من الأحزاب البرجوازية (ليبرالية كانت أم محافظة)، بذلت جهوداً ضخمة، لجذب اليهود من الحركات الثورية.

وفرضت تطورات الحياة السياسية- الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة حيث تدفقت الهجرة اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تغييرات في الأيديولوجية الصهيونية التي لم تجد جذوراً لها بين جماهير عمال الطوائف اليهودية.

ولهذا ظهر تياران لا يتعارضان بالضرورة: تيار الصهيونية التقليدي الذي يرتئي الدولة اليهودية، في وطنها المقبل دولة برجوازية، مثل سائر الدول البرجوازية في أوروبا... وتيار الصهيونية "الاشتراكية" الذي يقبل بمقولات الصهيونية كلها، إلا أنه يدعو إلى أن تكون الدولة دولة "اشتراكية"

أن هذين التيارين لم يتعارضا وبقيا في إطار الأيديولوجية الصهيونية البرجوازية، المتناقضة تناقضاً لا مهاودة فيه مع الاشتراكية العلمية لأن تيار الصهيونية "الاشتراكية"! انطلق من قاعدة التعاون الطبقي باعتباره الطريق الوحيد لإقامة الوطن القومي وتنفيذ برنامج الصهيونية الإقليمي.

وتتبلور الأيديولوجية القومية البرجوازية في هذه الصهيونية "الاشتراكية"! في توجهها الجوهري لمشكلة الطوائف اليهودية "فالصهيونية الاشتراكية" كما أذاعها بير بوروخوف ترى الصراع القومي سابقاً للصراع الطبقي- الاجتماعي ولذلك لابد من تجميع الشتات وإقامة القوم أولاً، وهذا ما يتعارض مع الاشتراكية العلمية التي ترى التطور التاريخي حصيلة الصراع الاجتماعي منذ أن نشأت الطبقات بعد عهود الإنسانية الأولى.

والأمر الجوهري الذي يميز الاشتراكية العلمية عن الأيديولوجية البرجوازية أن الاشتراكية العلمية ترى في نشوء القوميات وإقامة الدول ظاهرة اقترنت بنشوء الرأسمالية وانتصارها على التمزق الإقطاعي لا ظاهرة أزلية.

وهنا ينشأ السؤال: هل يمكن اعتبار الصهيونية بوصفها أيديولوجية قومية، أيديولوجية حركة تحرر قومي يهودي؟
إن نشوء القوميات والدول القومية اقترن بنشوء البرجوازية وانتصارها على الإقطاعية.
هذا ما وقع في بريطانيا وفي فرنسا وفي غيرها.
وفي مثل هذه الأقطار لم تكن هناك حركات قومية بل حركات اجتماعية تسلمت قيادتها البرجوازية وأيدتها الطبقات الشعبية- من العمال والفلاحين في معركتها مع الإقطاعية.

ولكن نتيجة التطور غير المتعادل والتفاوت في ظروف القوميات الأوروبية نشأت بين القوميات المكبوتة في الإمبراطوريات العثمانية والروسية القيصرية والنمساوية- الهنغارية حركات تحرر قومي هدفت إلى إقامة الدول القومية المستقلة.

وأيدت الإنسانية المتقدمة وفي طليعتها قوى الاشتراكية العلمية هذه الحركات القومية باعتبارها حركات تدعم مسيرة التقدم الاجتماعي. وقد أسهمت هذه الحركات فعلاً في تقويض دعائم الإمبراطوريات الإقطاعية وتدعيم الديمقراطية البرجوازية وخلق الظروف الأفضل لنمو النضال الطبقي.

ولكن أيديولوجية القومية البرجوازية التقدمية كانت قد تحولت، في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر، وقت ظهور الصهيونية، إلى أيديولوجية التوسع الإقليمي على حساب الشعوب وبهذه الأيديولوجية اقترنت الصهيونية لا بغيرها.

ثم أن الأيديولوجية الصهيونية في مسيرتها لم تسهم في الظروف الموضوعية في حركات التقدم الإنساني، بل دعمت قوى الردة والإمبريالية على الصعيدين الأوروبي والعالمي. فمن الناحية الأوروبية الداخلية وقفت الصهيونية ضد حركات انعتاق اليهود العامة واندماجهم بمجتمعاتهم في كل قطر من الأقطار، كما صادمت الحركات الاشتراكية الثورية بمحاولتها جذب العمال اليهود بعيداً عن تلك الحركات. ومن الناحية العالمية دعت إلى الاندماج في مخططات الإمبريالية العالمية بشقيها الكولونيالي الاستيطاني والسياسي الاستراتيجي.