Tarek007
01/11/2005, 06:00
كيف دمر فاروق الشرع السياسة السورية؟ .. بقلم : عبد المجيد النشاوي
لن نتكلم طويلاً عن (تصرفات) فاروق الشرع المتعجرفة (..) التي جعلته يصف القرار 1559 بأنه تافه، ولن نعرج على إبعاده لكل الكفاءات عن وزارة الخارجية السورية بهدف أن يبقى الخيار الوحيد فيها، ولن نتحدث عن مزرعة زوجته فيها التي جعلته يختار ابن عمها سفيراً في الرياض وابن عمتها سفيراً في تونس، ولن نتوقف طويلا عند إدارة زوجة خالها "أم إياد العرفي" للوزارة بالريموت كونترول، ولن نتحدث عن كيف تخلص بسرعة من وزن وليد المعلم في واشنطن ليرسل إليها جاهلا لمجرد أنه من ضيعته!! درعا وهو رستم الزعبي.. والقائمة تطول وهي جزء من إلغاء ما هو وطني لحساب ما هو أناني وشخصي. لكننا سنتحدث عن التدمير المنظم للسياسة السورية الخارجية التي كانت تفخر بها بسورية في عهد الرئيس حافظ الأسد وتعجب بها الدول الأخرى، وذلك منذ أن قرر الرئيس السوري أن يترك للشرع حق استلام شؤون وزارته بما تقتضيه سياسة المؤسسات:
سيذكر التاريخ لدى السوريين ولن يغفروا أبداً أن فاروق الشرع هو الذي ورط سورية بالعلاقة مع العراق حين قال في المؤتمر القطري للرئيس الأسد: "أنصحك بالعراق ثم العراق ثم العراق" وماذا كانت النتيجة أن الشرع لم يقرأ تقرير سكرتيرالسفارة السورية في بغداد والتي قال فيها في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2002 أن بغداد لن تصمد أسبوعين، فما كان من الشرع إلا أن أقنع الرئيس الأسد مع تقارير حسن خليل رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك أن العراق سيصمد ستة أشهر خلافا لما كان ينقله الرئيس الفرنسي جاك شيراك للرئيس الأسد يومياً.
وفي سياسته الخارجية، لم يفلح الوزيرالشرع في التسلح بأي من مزايا الرئيس الراحل حافظ الأسد وعلى رأس ذلك التأني في اتخاذ القرار او إعلان الموقف أو في حساب الأمور بدقة قبل الاقدام عليها بل انه وعلى العكس من ذلك اظهر قوة غير اعتيادية في تعمد الخطأ في الحسابات السياسية او في العواقب الناجمة عنها، خاصة بشأن العراق فارتكب حماقات سياسية لن يغفرها له التاريخ أبداً لأنها سحبت الرصيد السوري السياسي بالاضافة الى كل ذلك، يصعب الآن تصور ان يرتكب حافظ الأسد لو كان حيا الحماقات التي بدرت من الشرع بسبب التدخل الأميركي في العراق. على الاقل لما كان لحافظ الأسد أن يقدم الخدمات لنظام حكم صدام حسين لغاية الليلة التي بدأ فيها الزحف الأميركي على العراق. الأكثر من ذلك، ربما لكان على الشرع أن ينصح بأن تساعد بلاده على إطاحة صدام لا مساعدته على البقاء والسعي إلى مد يد العون للتحرك الاميركي لا معارضته او اعاقته كما فعل. فخلال الأسبوعين الأولين من الحرب تصور الشرع أن صدام قادر على البقاء فعمد إلى تشجيع مد يد العون له وأوعز للاعلام السوري بتصوير صدام حسين وكأنه قوة لا تمس ولا تقهر على الأرض. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تجاهل او ربما بقلة إدراك خطورة أن تتولى سورية السماح بتحويل الأموال وتجنيد وتجميع المقاتلين علناً بل تسربهم إلى داخل العراق فضلا عن احتضان رموز النظام السابق واستقبالهم أثناء الأزمة بحفاوة.
من الصعب التكهن أو التصور بأن حافظ الأسد يمكن أن يرتكب مثل هذه الأخطاء السياسية القاتلة. ما كان للرئيس بشار الأسد أن يلعب بالنار لولا أنه حضاري ويستمع إلى معاونيه ويحترم مؤسسات بلاده. إن ذلك لا يعني على الإطلاق ان كان على السوريين أن يكونوا سعداء بالجهد الامريكي لاقصاء البعث من الحكم في بلد مجاور ومهم مثل العراق. لكن هذه الحقيقة ما كانت لتغير من موقف سياسي رفيع لا يفرط فيه بمصلحة وسلامة سورية وبقاء الحكم الحالي فيها،على الاقل كان من المؤكد أنه أي الشرع سيكون قد تصرف تصرفا حكيما إلى أن يرى طبيعة رد فعل الإدارة الأمريكية مع تعاونه المحتمل معها وما اذا كان ذلك سيقود في النهاية الى تهديد وجود البعث في الحكم ام لا.
ففي الواقع فعل حافظ الأسد في عام 90- 1991 عكس ما فعله الشرع الآن، في حرب الخليج التي حررت الكويت من الاحتلال العراقي لها، إذ لم يتردد حافظ الأسد في إدراك أهمية الوقوف مع الطرف القوي في المعادلة. فوقف مع الولايات المتحدة والحلفاء في الجهد العسكري والسياسي من أجل إخراج صدام من الكويت. لم يقتصر دعمه للجهد الأمريكي يومها على الموقف السياسي وإنما أرسل وحدات عسكرية سورية شاركت في الحرب ضد صدام. وهذا لا يعني اللقاء مع الأمريكيين في الكويت إنما التعاون لكسب عشر سنوات إلى الأمام ووقتها كانت القوات تتجمع على ارض دولة عربية اخرى هي المملكة العربية السعودية.
انا واثق لو أن حافظ الأسد كان على قيد الحياة رئيسا لسورية مع نهاية عام 2002 عندما بدأت الإدارة الأمريكية بحشد الجهد والدعم للقيام بعمل عسكري لإسقاط نظام الحكم في العراق، لكان قد سعى إلى عقد صفقة مع واشنطن وقتها سوف يجد استجابة مرضية من ادارة الرئيس بوش، ولكان قد نحى وزير خارجيته لو أنه سمع منه نصائح كالتي تحولت إلى واقع بسبب سياسات الشرع، فقد بات واضحاً أن الشرع لم يكن غير دمية تتلقن وتنفذ في عهد الرئيس الراحل أما بعد رحيله وإعطائه الدور فقد أثبت أنه لا يعرف ألف باء السياسة وأنه قد أضاع الميراث السياسي لتضحيات السوريين دفعة واحدة ولو كان لديه اليوم أخلاق السياسيين العظماء كعبد الناصر وديغول لاستقال لأنه فشل ولأنه أضاع دماء السوريين ومعاناتهم بلا مقابل فأثبت أنه مجرد روبوت لا يصلح للقيادة وإتمام المسار،فقد فاتته أهمية مبادرة أو تصرف من هذا النوع وفعل العكس بدلا من ذلك، وهو لا يزال مصراً على أن يجثم فوق جثة السياسة السورية.
كذلك كان عدم معرفته بالسياسة الدولية كارثياً؛ فقد كانت السياسة الأمريكية الحالية هي العمل على إلزام سورية بتنفيذ حرفي لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 المتعلق بإخراج كل القنوات والقوى الأجنبية من لبنان وقد كان من المهم جدا أن تتضح للشرع حقيقة مستقبل النظام ومدى قدرته على البقاء، متوقفة على دوره الإقليمي غير أن ذلك لم يشغل الشرع الذي يجعل بالإمكان القول إن الرئيس السوري السابق حافظ الاسد لم يجد نفسه أبدا في وضع لا يحسد عليه كما هو حال السياسة السورية الآن.
لقد حافظ حافظ الأسد على لعبة الأوراق التي لم يتقنها مُدرّبه فاروق الشرع أبداً فلم يلعب في أسوأ الأحوال بأكثر من ربع أوراقه السياسية حتى في أزمة علاقته العربية في الثمانينيات ولكن خياراته الإضافية كانت موجودة، بخلاف تضييع كل الأوراق مع العراق ولبنان وفرنسا ومن ثم الاتحاد الأوروبي والأهم مع الولايات المتحدة والنصح على طريقة العراقيين السابقين بالاهتمام بروسيا البائسة والصين المبسترة، بمعنى الذهاب إلى قوى غير موجودة وإلغاء دور القوى الموجودة لحساب عناوين إيديولوجية تريد أن تتوهم أن العروبة ممكنة على طريقة الخمسينيات.
لقد اعتمد الشرع في تعاملاته مع كل القضايا التي طرحت عليه أو التي يصادفها على نظرية المؤامرة البائسة، مع أن كل الوقائع كانت واضحة في مخططات معلنة والأهم أنها كانت تدعو سورية إلى أن تكون معها، لكن عقل التكيكات الصغيرة سيطر على الشرع وكان يمارس نوعاً من التذاكي فيوحي بشيء ويمارس شيئاً آخر مع أن ميزة الرئيس الراحل التي لم يتعلمها أنه كان إذا وعد وفى وإذا أراد الرفض كان سيقول: "سأناقش الأمر مع القيادة"، وكان واضحاً أنه ليس ثعلباً بمعنى عدم الوفاء بالتعهدات، فقد كان ممن يؤمنون بأن استمرار المفاوضات بمثابة فرصة للاستنزاف وليس للأخذ والرد، وبالتالي لم يكن في يوم ما، من الذين يؤمنون بمبدأ لا تأخذ وأعطِ. لذلك لم تكن هناك قضية واحدة صغيرة عديمة الاهمية ولا توجب نقاشا ومفاوضات مطولة او تعقيدات لا حاجة لها في اي قضية تطرح للنقاش او التفاوض معه. وكان على الدوام يتحجج بأن ما يفعله لا يتعدى محاولات الدفاع عن مصالح سورية ليس إلا. وكان حافظ الأسد حريصا جدا على عدم إظهار أي نقاط ضعف في البناء السياسي والاقتصادي السوري المحكم على الرغم من معرفته الأكيدة بان نقاط الضعف هذه كانت كثيرة، لذلك كان يعمل على مدار الساعة على الحفاظ على قوة نفوذه على الجميع وعلى تطويق أي تعثر أو ارتداد مفاجئ. وبالتالي لم يكن غريبا ابدا ان يتحالف سرا مع حزب الله وحماس والجهاد لدعم وضعه التفاوضي مع اسرائيل او وجوده السياسي في مواجهة من كانوا يختلفون معه او يسعون الى التغيير في سورية. وكان يعتبر هذه المنظمات قوة اضافية لتعزيز سطوته ونفوذه الداخلي والخارجي وان التخلي عن هذه الاوراق الثلاثة اشبه بالانتحار الذي لا مبرر له.
لن نتكلم طويلاً عن (تصرفات) فاروق الشرع المتعجرفة (..) التي جعلته يصف القرار 1559 بأنه تافه، ولن نعرج على إبعاده لكل الكفاءات عن وزارة الخارجية السورية بهدف أن يبقى الخيار الوحيد فيها، ولن نتحدث عن مزرعة زوجته فيها التي جعلته يختار ابن عمها سفيراً في الرياض وابن عمتها سفيراً في تونس، ولن نتوقف طويلا عند إدارة زوجة خالها "أم إياد العرفي" للوزارة بالريموت كونترول، ولن نتحدث عن كيف تخلص بسرعة من وزن وليد المعلم في واشنطن ليرسل إليها جاهلا لمجرد أنه من ضيعته!! درعا وهو رستم الزعبي.. والقائمة تطول وهي جزء من إلغاء ما هو وطني لحساب ما هو أناني وشخصي. لكننا سنتحدث عن التدمير المنظم للسياسة السورية الخارجية التي كانت تفخر بها بسورية في عهد الرئيس حافظ الأسد وتعجب بها الدول الأخرى، وذلك منذ أن قرر الرئيس السوري أن يترك للشرع حق استلام شؤون وزارته بما تقتضيه سياسة المؤسسات:
سيذكر التاريخ لدى السوريين ولن يغفروا أبداً أن فاروق الشرع هو الذي ورط سورية بالعلاقة مع العراق حين قال في المؤتمر القطري للرئيس الأسد: "أنصحك بالعراق ثم العراق ثم العراق" وماذا كانت النتيجة أن الشرع لم يقرأ تقرير سكرتيرالسفارة السورية في بغداد والتي قال فيها في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2002 أن بغداد لن تصمد أسبوعين، فما كان من الشرع إلا أن أقنع الرئيس الأسد مع تقارير حسن خليل رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك أن العراق سيصمد ستة أشهر خلافا لما كان ينقله الرئيس الفرنسي جاك شيراك للرئيس الأسد يومياً.
وفي سياسته الخارجية، لم يفلح الوزيرالشرع في التسلح بأي من مزايا الرئيس الراحل حافظ الأسد وعلى رأس ذلك التأني في اتخاذ القرار او إعلان الموقف أو في حساب الأمور بدقة قبل الاقدام عليها بل انه وعلى العكس من ذلك اظهر قوة غير اعتيادية في تعمد الخطأ في الحسابات السياسية او في العواقب الناجمة عنها، خاصة بشأن العراق فارتكب حماقات سياسية لن يغفرها له التاريخ أبداً لأنها سحبت الرصيد السوري السياسي بالاضافة الى كل ذلك، يصعب الآن تصور ان يرتكب حافظ الأسد لو كان حيا الحماقات التي بدرت من الشرع بسبب التدخل الأميركي في العراق. على الاقل لما كان لحافظ الأسد أن يقدم الخدمات لنظام حكم صدام حسين لغاية الليلة التي بدأ فيها الزحف الأميركي على العراق. الأكثر من ذلك، ربما لكان على الشرع أن ينصح بأن تساعد بلاده على إطاحة صدام لا مساعدته على البقاء والسعي إلى مد يد العون للتحرك الاميركي لا معارضته او اعاقته كما فعل. فخلال الأسبوعين الأولين من الحرب تصور الشرع أن صدام قادر على البقاء فعمد إلى تشجيع مد يد العون له وأوعز للاعلام السوري بتصوير صدام حسين وكأنه قوة لا تمس ولا تقهر على الأرض. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تجاهل او ربما بقلة إدراك خطورة أن تتولى سورية السماح بتحويل الأموال وتجنيد وتجميع المقاتلين علناً بل تسربهم إلى داخل العراق فضلا عن احتضان رموز النظام السابق واستقبالهم أثناء الأزمة بحفاوة.
من الصعب التكهن أو التصور بأن حافظ الأسد يمكن أن يرتكب مثل هذه الأخطاء السياسية القاتلة. ما كان للرئيس بشار الأسد أن يلعب بالنار لولا أنه حضاري ويستمع إلى معاونيه ويحترم مؤسسات بلاده. إن ذلك لا يعني على الإطلاق ان كان على السوريين أن يكونوا سعداء بالجهد الامريكي لاقصاء البعث من الحكم في بلد مجاور ومهم مثل العراق. لكن هذه الحقيقة ما كانت لتغير من موقف سياسي رفيع لا يفرط فيه بمصلحة وسلامة سورية وبقاء الحكم الحالي فيها،على الاقل كان من المؤكد أنه أي الشرع سيكون قد تصرف تصرفا حكيما إلى أن يرى طبيعة رد فعل الإدارة الأمريكية مع تعاونه المحتمل معها وما اذا كان ذلك سيقود في النهاية الى تهديد وجود البعث في الحكم ام لا.
ففي الواقع فعل حافظ الأسد في عام 90- 1991 عكس ما فعله الشرع الآن، في حرب الخليج التي حررت الكويت من الاحتلال العراقي لها، إذ لم يتردد حافظ الأسد في إدراك أهمية الوقوف مع الطرف القوي في المعادلة. فوقف مع الولايات المتحدة والحلفاء في الجهد العسكري والسياسي من أجل إخراج صدام من الكويت. لم يقتصر دعمه للجهد الأمريكي يومها على الموقف السياسي وإنما أرسل وحدات عسكرية سورية شاركت في الحرب ضد صدام. وهذا لا يعني اللقاء مع الأمريكيين في الكويت إنما التعاون لكسب عشر سنوات إلى الأمام ووقتها كانت القوات تتجمع على ارض دولة عربية اخرى هي المملكة العربية السعودية.
انا واثق لو أن حافظ الأسد كان على قيد الحياة رئيسا لسورية مع نهاية عام 2002 عندما بدأت الإدارة الأمريكية بحشد الجهد والدعم للقيام بعمل عسكري لإسقاط نظام الحكم في العراق، لكان قد سعى إلى عقد صفقة مع واشنطن وقتها سوف يجد استجابة مرضية من ادارة الرئيس بوش، ولكان قد نحى وزير خارجيته لو أنه سمع منه نصائح كالتي تحولت إلى واقع بسبب سياسات الشرع، فقد بات واضحاً أن الشرع لم يكن غير دمية تتلقن وتنفذ في عهد الرئيس الراحل أما بعد رحيله وإعطائه الدور فقد أثبت أنه لا يعرف ألف باء السياسة وأنه قد أضاع الميراث السياسي لتضحيات السوريين دفعة واحدة ولو كان لديه اليوم أخلاق السياسيين العظماء كعبد الناصر وديغول لاستقال لأنه فشل ولأنه أضاع دماء السوريين ومعاناتهم بلا مقابل فأثبت أنه مجرد روبوت لا يصلح للقيادة وإتمام المسار،فقد فاتته أهمية مبادرة أو تصرف من هذا النوع وفعل العكس بدلا من ذلك، وهو لا يزال مصراً على أن يجثم فوق جثة السياسة السورية.
كذلك كان عدم معرفته بالسياسة الدولية كارثياً؛ فقد كانت السياسة الأمريكية الحالية هي العمل على إلزام سورية بتنفيذ حرفي لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 المتعلق بإخراج كل القنوات والقوى الأجنبية من لبنان وقد كان من المهم جدا أن تتضح للشرع حقيقة مستقبل النظام ومدى قدرته على البقاء، متوقفة على دوره الإقليمي غير أن ذلك لم يشغل الشرع الذي يجعل بالإمكان القول إن الرئيس السوري السابق حافظ الاسد لم يجد نفسه أبدا في وضع لا يحسد عليه كما هو حال السياسة السورية الآن.
لقد حافظ حافظ الأسد على لعبة الأوراق التي لم يتقنها مُدرّبه فاروق الشرع أبداً فلم يلعب في أسوأ الأحوال بأكثر من ربع أوراقه السياسية حتى في أزمة علاقته العربية في الثمانينيات ولكن خياراته الإضافية كانت موجودة، بخلاف تضييع كل الأوراق مع العراق ولبنان وفرنسا ومن ثم الاتحاد الأوروبي والأهم مع الولايات المتحدة والنصح على طريقة العراقيين السابقين بالاهتمام بروسيا البائسة والصين المبسترة، بمعنى الذهاب إلى قوى غير موجودة وإلغاء دور القوى الموجودة لحساب عناوين إيديولوجية تريد أن تتوهم أن العروبة ممكنة على طريقة الخمسينيات.
لقد اعتمد الشرع في تعاملاته مع كل القضايا التي طرحت عليه أو التي يصادفها على نظرية المؤامرة البائسة، مع أن كل الوقائع كانت واضحة في مخططات معلنة والأهم أنها كانت تدعو سورية إلى أن تكون معها، لكن عقل التكيكات الصغيرة سيطر على الشرع وكان يمارس نوعاً من التذاكي فيوحي بشيء ويمارس شيئاً آخر مع أن ميزة الرئيس الراحل التي لم يتعلمها أنه كان إذا وعد وفى وإذا أراد الرفض كان سيقول: "سأناقش الأمر مع القيادة"، وكان واضحاً أنه ليس ثعلباً بمعنى عدم الوفاء بالتعهدات، فقد كان ممن يؤمنون بأن استمرار المفاوضات بمثابة فرصة للاستنزاف وليس للأخذ والرد، وبالتالي لم يكن في يوم ما، من الذين يؤمنون بمبدأ لا تأخذ وأعطِ. لذلك لم تكن هناك قضية واحدة صغيرة عديمة الاهمية ولا توجب نقاشا ومفاوضات مطولة او تعقيدات لا حاجة لها في اي قضية تطرح للنقاش او التفاوض معه. وكان على الدوام يتحجج بأن ما يفعله لا يتعدى محاولات الدفاع عن مصالح سورية ليس إلا. وكان حافظ الأسد حريصا جدا على عدم إظهار أي نقاط ضعف في البناء السياسي والاقتصادي السوري المحكم على الرغم من معرفته الأكيدة بان نقاط الضعف هذه كانت كثيرة، لذلك كان يعمل على مدار الساعة على الحفاظ على قوة نفوذه على الجميع وعلى تطويق أي تعثر أو ارتداد مفاجئ. وبالتالي لم يكن غريبا ابدا ان يتحالف سرا مع حزب الله وحماس والجهاد لدعم وضعه التفاوضي مع اسرائيل او وجوده السياسي في مواجهة من كانوا يختلفون معه او يسعون الى التغيير في سورية. وكان يعتبر هذه المنظمات قوة اضافية لتعزيز سطوته ونفوذه الداخلي والخارجي وان التخلي عن هذه الاوراق الثلاثة اشبه بالانتحار الذي لا مبرر له.