صياد الطيور
21/11/2005, 12:00
بتاريخ 14 شباط 2005 وقع زلزال مدمر في لبنان ،انه اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري . ولقد تشكلت لجنة تحقيق دولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1595 تاريخ 7 نيسان 2005 برئاسة القاضي ديتليف ميليس والتي قدمت تقريرها في 19 تشرين الأول 2005 ولدى قراءة التقرير يتبين مدى الأخطاء الفادحة في هذا التقرير من حيث المقدمات والوقائع والأدلة والاستنتاجات ، ومن المؤسف أن نقول إن وسائل الإعلام قد أحاطت ديتليف ميليس بهالة من المعرفة والقدرة الكلية في أعمال التحقيق. .
لكن القراءات المتعددة للتقرير من قبل خبراء ومختصين من رجال القانون تبين أن ميليس لم يراع المبادئ العامة في القانون .
فالتقرير يبدو متناقضا مابين مقدماته ونتائجه ولأننا لا نريد أن نتوجه بالنقد لهذا التقرير لمجرد النقد أو ندافع عن سورية أرضا وشعبا وإنما ندافع عن الحقيقة التي حاول ميليس أن يقصدها فضاعت في التفاصيل والجزئيات .
أولويات التحقيق ومقدماته :
ولابد في البداية أن نؤكد على أولويات التحقيق في القانون الجنائي ومقدماته ، فالمتهم يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته ولا يجوز الافتراض بان المتهم مدان ما لم تثبت براءته .لان الأصل هو البراءة والاستثناء عن هذا الأصل هو الإدانة إلا أن مقدمة التقرير جاءت بالنتيجة قبل الدخول في التحقيق حيث يقول في البند الثامن من المقدمة
« إن ثمة تورطا لبنانيا وسوريا في هذا العمل الإرهابي»
ويبدو هذا الاتجاه في التحقيق معداً مسبقا ليضع النتائج قبل المقدمات ، ويقصد النتيجة قبل أن تضع النتيجة مقدماتها حيث يقول في البند الثامن أيضا
«إن للاستخبارات العسكرية السورية وجودا منتشرا في لبنان »
ويبدو أن ميليس قد نسي أو تناسى بأن جميع أجهزة الاستخبارات في العالم تعمل في لبنان، وبالتالي ما هو دور أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية والفرنسية ...الخ .
وهل يستطيع السيد ميليس أن يوجه مثل هذه الأسئلة أو التحقيق فيها دون أن يفقد رأسه ؟؟!
إن مقدمة التقرير تضع فرضا أحاديا وتسير عليه وهذا مخالف لأبسط قواعد التحقيق الجنائي .
ويبدو التقرير أشبه بالتحقيق الصحفي الذي يفتقد للخبرة والمعرفة بأصول التحقيق الصحفي حيث يقوم بسرد مجموعة من الوقائع لا رابط بينها حيث يقول :
(11 تشرين الأول/ أكتوبر 2004 الرئيس الأسد يلقي خطبة يدين فيها منتقديه في لبنان والولايات المتحدة ).
ويبدو أن السيد ميليس لا يؤمن بالديمقراطية وحق الاختلاف مع الآخرين وضرورة محاورة الآخر ، وبالتالي فانه من حق السيد الرئيس بشار الأسدأن يرد على الذين يحاولون النيل من سورية فهل هذا الرد يشكل جرما جزائيا يعاقب عليه القانون ؟!
وهل القانون الجنائي يعاقب على الآراء والأفكار والاختلاف في وجهات النظر وذلك خلافا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
ثم يضيف التقرير في المقدمة (8آذار/ مارس 2005 حزب الله ينظم تظاهرة تضم مليون شخص مؤيدة لسورية ).
ويبدو التقرير قد أغفل عبارة (لبناني)عن عبارة (مليون شخص) وبأن المتظاهرين هم من اللبنانيين ولم يتم استيرادهم من دول أخرى ، وهل الديمقراطيات الغربية والمتقدمة التي ينحدر منها ميليس تمنع التظاهر السلمي وحق التعبير عن الآراء والأفكار ، سواء أكانت مؤيدة هذه التظاهرات لسورية أو معادية لها .
الجريمة واستغلال الفراغ الأمني :
إن مسلسل الاغتيالات والتفجيرات ومحاولات الاغتيال التي أشار إليها التقرير ومنها
(محاولة اغتيال مروان حمادة في بيروت في الأول من تشرين الثاني 2004 وانفجار قنبلة في الجديدة وجرح 11 شخصا في التاسع عشر من آذار 2005 وقتل ثلاثة آخرين في انفجار في مركز تجاري في الكسليك في الثالث والعشرين من شهر آذار، وانفجار قنبلة في حقيبة في منطقة صناعية وجرح ستة في السادس والعشرين من شهر آذار، وجرح تسعة أشخاص في مرآب تحت الأرض في مبنى تجاري في الأول من نيسان ، وانفجار قنبلة في جونيه شمال بيروت وجرح 29 شخصا في السادس من أيار ، وقتل الصحفي سمير القصير بانفجار سيارته في الثاني من حزيران، وقتل زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السابق جورج حاوي بانفجار سيارته في الحادي والعشرين من حزيران، وجرح وزير الدفاع الياس المر وقتل اثنين آخرين في هجوم سيارة ملغومة في بيروت في الثاني عشر من تموز، وجرح ثلاثة أشخاص بانفجار قنبلة في حي الاشرفية في الثاني والعشرين من شهر تموز، وجرح ثلاثة أشخاص بانفجار في مرآب قرب فندق (برومنا) في الثاني والعشرين من آب، و قتل شخص وجرح عشرة آخرين بانفجار قنبلة في الاشرفية في السادس عشر من أيلول ومقتل شخص وجرح اثنين بانفجار في مكتب الإعلام الكويتي في التاسع عشر من أيلول وانفجار سيارة مفخخة وجرح مذيعة التلفزة مي شدياق في الخامس والعشرين من أيلول 2002).
إن هذه الجرائم ليست أقل أهمية من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الآخرين .وكان على لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس أن تقرا الواقع المحيط قراءة موضوعية لمعرفة التطورات التي لاحقت هذه الجرائم ومَنْ المستفيد منها .
ولا نريد كما فعل السيد ميليس في تقريره أن نضع النتائج قبل أن نكتب المقدمات الصحيحة ، فالانسحاب السوري من لبنان استتبع مجموعة من الجرائم المرتكبة من قبل أشخاص أو أطراف غايتها الدفع بالعلاقات السورية اللبنانية إلى حافة الجحيم .
حيث تم قتل عدد من العمال السوريين والاعتداء الجسدي على عدد منهم ومحاولات خلق عداء بين الشعبين السوري اللبناني وهذه النتائج كانت تتطلب من البعض التصعيد إلى أقصى درجات التصعيد بما فيها مسلسل التفجيرات والاغتيالات التي أشار إليها التقرير ولكن للأسف لم يقرأ ميليس دلالتها إلا في إطار ضيق وضمن احتمالات محددة تخالف المبادئ العامة في القانون .
ولذلك فان السيد ميليس لا يقرأ أو يرى أو يفكر إلا في طريقة واحدة وهي إدانة سورية .
وهذا الغرض سابق على التحقيق وليس نتيجة لمعطياته .
تسييس التقرير:
إن التحقيق الجنائي يختلف عن التحقيقات السياسية أو الصحفية نظرا لوجود إجراءات محددة في قوانين الأصول الجزائية في مختلف تشريعات العالم ،والتي تتقاطع وتتفق في المبادئ العامة.
ولكن السيد ميليس لم يتبع هذه المبادئ والإجراءات في إعداد تقريره .
حيث ادخل التاريخ والجغرافيا باعتبارهما عوامل تساعده على إعداد تقرير سياسي محدد الأهداف والمقاصد ولذلك يتطرق في باب (خلفية) إلى أن سورية كان لها دائما دور كبير في لبنان خلال العهد العثماني ((وكان جزءاً من الأرض الإدارية التي تحكم من دمشق وعندما تم إنشاء هذه الدولة بعد الحرب العالمية الأولى ما يعتبره الكثيرون من القوميين العرب انه جزء من سورية ومنذ أن أصبحت الدولة مستقلة فانه لم تقم بين الدولتين علاقات دبلوماسية)) هل يستطيع احد من فقهاء القانون الجزائي أن يربط مابين جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبين هذه المقدمات التي مضى عليها أكثر من قرن من الزمن كما أن العلاقة بين الحريري وسورية لا تشكل سببا أو مستندا قانونيا للإدانة والاتهام وحتى في حال وجود خلاف ما بين الطرفين مادام أن الخلاف يتعلق بقضايا سياسية تتطلب دائما الحوار المستمر ما بين الطرفين ولذلك لا يجوز للسيد ميليس أن يفترض بأن هذه الخلافات تشكل عناصر جرميه.
يمكن الركون إليها ، لاسيما ان الكثير من دول وزعماء العالم يختلفون سياسيا ، كما ان الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية في دول العالم تختلف في مسائل أكثر خطورة من الخلافات بين سورية والحريري حول التمديد للرئيس لحود . وحتى في حال وجود هذا الخلاف. فهل هذا الخلاف في حال وجوده يشكل قاعدة للسيد ميليس في تكوين قناعاته حول جريمة مروعة.
كما إن استخدام ميليس لكلمة سورية في تقريره يدل على جهله الفاضح بالقانون ، لان الشخصيات الاعتبارية في جميع دول العالم لا يمكن محاكمتها جزائيا .
كما أن ميليس يعتبر جميع المواطنين السوريين هم شركاء في ارتكاب هذه الجريمة، حيث حمّل السيد ميليس سورية المسؤولية مستخدما هذه العبارة ست مرات ، كما أن استخدامه لعبارة المسؤولين أو الأجهزة السورية أكثر من عشر مرات ، علما بان كلمة المسؤولين أو الأجهزة أو الاستخبارات ليس لها دلالة محددة في القانون الجزائي، لان أساس المسؤولية هو الشخص بذاته ودوره في ارتكاب الفعل الجرمي، وضرورة التفريق مابين الفاعل والمتدخل والشريك والمحرض في حال كانت عبارة المسؤولين أو الأجهزة تعني مجموعة محددة من الأشخاص بمفهوم السيد ميليس ، علماً بان المطلق يجري على إطلاقه ما لم يكن له تحديد . فإذا كان التحديد للشخص ودوره منتفيا في تقرير السيد ميليس فكيف يتم تحديد المسؤولية الجزائية في النتائج النهائية للتقرير .
وهل الغاية من تقرير السيد ميليس توصيف الواقع اللبناني وظروف ارتكاب الجريمة , أم تحديد المسؤول عن هذه الجريمة بصفته الشخصية ؟!
كل هذه الأسئلة وغيرها كانت غائبة عن ذهنية السيد ميليس أو مغيبة عنه لأسباب واعتبارات مختلفة .
لم يتطرق السيد ميليس إلى القانون الواجب التطبيق سواء بالنسبة للتحقيق أو المحاكمة، لان تحديد القانون الواجب التطبيق يعتبر من أهم المسائل الواجب إثارتها وقبل البدء في التحقيق ، حيث لا يمكن ان يتم التحقيق دون تحديد المرجعية القانونية من حيث الأصول الواجب اتباعها في قانون أصول المحاكمات ، حيث لا يمكن معرفة مدى اتفاق هذه الإجراءات المتبعة مع الأصول أو مخالفتها إلا في حال تحديد المرجعية القانونية .
افتراضات خاطئة :
لقد أورد التقرير مجموعة كبيرة من الافتراضات الخاطئة , حيث ورد البند 94) إن عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق لم تكن لتتم من دون معرفة السلطات اللبنانية وموافقة سورية) .
فإذا كانت الولايات المتحدة بما تملكه من قوة عسكرية وأجهزة استخبارات تسيطر على العالم لم تستطع اكتشاف الأشخاص الذين نفذوا تفجيرات 11 أيلول , فهل نستطيع ان نقول ان هذه التفجيرات لم تكن لتتم دون علم أو معرفة السلطات الأمريكية؟ وهذا الافتراض الخاطئ نجد تطبيقا له في تفجيرات لندن ومدريد وغيرهما.
وإذا كانت العراق تتعرض لعمليات تفجير شبه يومية فهل هذه التفجيرات تتم بمعرفة وعلم السلطات العراقية والأمريكية والبريطانية .
إن مثل هذه الفرضيات في تقرير ميليس تدل دلالة واضحة على استخدام سريربروكست حيث يلجأ السيد ميليس لتقطيع أطراف الحقيقة لتكون متلائمة مع قياس وحجم السرير.
وتطرق تقرير ميليس في البند 95 إلى فرضية أخرى تتعلق بوجود اتصالات بين الجنرال رستم غزالة ومسؤول لبناني بارز في 19 تموز 2004 عند الساعة 9.54 ولم يحدد التقرير اسم المسؤول اللبناني وكيفية القيام بالتسجيل ومدى صحته ؟ ومَنْ هي الجهة التي تقوم بالتسجيل ؟!
إلا انه لا بد من مناقشة هذا الدليل بغض النظر عن مشروعيته واتفاقه أو اختلافه مع الواقع، فالتسجيلات الصوتية لا تشكل مستندا للإدانة أو الاتهام في القانون اللبناني وفي معظم القوانين والتشريعات في العالم . كما أن هذا الحوار يفترض عدة قراءات وليس قراءة واحدة كما جاء في تقرير ميليس حيث جاء في الحوار «غزالة : دعني أقول لك أمرا واحدا دع حركة العمال تخرج إلى الشارع في العشرين في سوليدير وقريطم» ، ثم يضيف غزالة ) :فلتستمر التظاهرات إلى أن يرغم بالقوة على التنحي..( حيث يسأله السيدX(إذاً هل نترك الأمور للشارع؟)، فأجابه غزاله )هذا أفضل).
لكن القراءات المتعددة للتقرير من قبل خبراء ومختصين من رجال القانون تبين أن ميليس لم يراع المبادئ العامة في القانون .
فالتقرير يبدو متناقضا مابين مقدماته ونتائجه ولأننا لا نريد أن نتوجه بالنقد لهذا التقرير لمجرد النقد أو ندافع عن سورية أرضا وشعبا وإنما ندافع عن الحقيقة التي حاول ميليس أن يقصدها فضاعت في التفاصيل والجزئيات .
أولويات التحقيق ومقدماته :
ولابد في البداية أن نؤكد على أولويات التحقيق في القانون الجنائي ومقدماته ، فالمتهم يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته ولا يجوز الافتراض بان المتهم مدان ما لم تثبت براءته .لان الأصل هو البراءة والاستثناء عن هذا الأصل هو الإدانة إلا أن مقدمة التقرير جاءت بالنتيجة قبل الدخول في التحقيق حيث يقول في البند الثامن من المقدمة
« إن ثمة تورطا لبنانيا وسوريا في هذا العمل الإرهابي»
ويبدو هذا الاتجاه في التحقيق معداً مسبقا ليضع النتائج قبل المقدمات ، ويقصد النتيجة قبل أن تضع النتيجة مقدماتها حيث يقول في البند الثامن أيضا
«إن للاستخبارات العسكرية السورية وجودا منتشرا في لبنان »
ويبدو أن ميليس قد نسي أو تناسى بأن جميع أجهزة الاستخبارات في العالم تعمل في لبنان، وبالتالي ما هو دور أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية والفرنسية ...الخ .
وهل يستطيع السيد ميليس أن يوجه مثل هذه الأسئلة أو التحقيق فيها دون أن يفقد رأسه ؟؟!
إن مقدمة التقرير تضع فرضا أحاديا وتسير عليه وهذا مخالف لأبسط قواعد التحقيق الجنائي .
ويبدو التقرير أشبه بالتحقيق الصحفي الذي يفتقد للخبرة والمعرفة بأصول التحقيق الصحفي حيث يقوم بسرد مجموعة من الوقائع لا رابط بينها حيث يقول :
(11 تشرين الأول/ أكتوبر 2004 الرئيس الأسد يلقي خطبة يدين فيها منتقديه في لبنان والولايات المتحدة ).
ويبدو أن السيد ميليس لا يؤمن بالديمقراطية وحق الاختلاف مع الآخرين وضرورة محاورة الآخر ، وبالتالي فانه من حق السيد الرئيس بشار الأسدأن يرد على الذين يحاولون النيل من سورية فهل هذا الرد يشكل جرما جزائيا يعاقب عليه القانون ؟!
وهل القانون الجنائي يعاقب على الآراء والأفكار والاختلاف في وجهات النظر وذلك خلافا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
ثم يضيف التقرير في المقدمة (8آذار/ مارس 2005 حزب الله ينظم تظاهرة تضم مليون شخص مؤيدة لسورية ).
ويبدو التقرير قد أغفل عبارة (لبناني)عن عبارة (مليون شخص) وبأن المتظاهرين هم من اللبنانيين ولم يتم استيرادهم من دول أخرى ، وهل الديمقراطيات الغربية والمتقدمة التي ينحدر منها ميليس تمنع التظاهر السلمي وحق التعبير عن الآراء والأفكار ، سواء أكانت مؤيدة هذه التظاهرات لسورية أو معادية لها .
الجريمة واستغلال الفراغ الأمني :
إن مسلسل الاغتيالات والتفجيرات ومحاولات الاغتيال التي أشار إليها التقرير ومنها
(محاولة اغتيال مروان حمادة في بيروت في الأول من تشرين الثاني 2004 وانفجار قنبلة في الجديدة وجرح 11 شخصا في التاسع عشر من آذار 2005 وقتل ثلاثة آخرين في انفجار في مركز تجاري في الكسليك في الثالث والعشرين من شهر آذار، وانفجار قنبلة في حقيبة في منطقة صناعية وجرح ستة في السادس والعشرين من شهر آذار، وجرح تسعة أشخاص في مرآب تحت الأرض في مبنى تجاري في الأول من نيسان ، وانفجار قنبلة في جونيه شمال بيروت وجرح 29 شخصا في السادس من أيار ، وقتل الصحفي سمير القصير بانفجار سيارته في الثاني من حزيران، وقتل زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السابق جورج حاوي بانفجار سيارته في الحادي والعشرين من حزيران، وجرح وزير الدفاع الياس المر وقتل اثنين آخرين في هجوم سيارة ملغومة في بيروت في الثاني عشر من تموز، وجرح ثلاثة أشخاص بانفجار قنبلة في حي الاشرفية في الثاني والعشرين من شهر تموز، وجرح ثلاثة أشخاص بانفجار في مرآب قرب فندق (برومنا) في الثاني والعشرين من آب، و قتل شخص وجرح عشرة آخرين بانفجار قنبلة في الاشرفية في السادس عشر من أيلول ومقتل شخص وجرح اثنين بانفجار في مكتب الإعلام الكويتي في التاسع عشر من أيلول وانفجار سيارة مفخخة وجرح مذيعة التلفزة مي شدياق في الخامس والعشرين من أيلول 2002).
إن هذه الجرائم ليست أقل أهمية من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الآخرين .وكان على لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس أن تقرا الواقع المحيط قراءة موضوعية لمعرفة التطورات التي لاحقت هذه الجرائم ومَنْ المستفيد منها .
ولا نريد كما فعل السيد ميليس في تقريره أن نضع النتائج قبل أن نكتب المقدمات الصحيحة ، فالانسحاب السوري من لبنان استتبع مجموعة من الجرائم المرتكبة من قبل أشخاص أو أطراف غايتها الدفع بالعلاقات السورية اللبنانية إلى حافة الجحيم .
حيث تم قتل عدد من العمال السوريين والاعتداء الجسدي على عدد منهم ومحاولات خلق عداء بين الشعبين السوري اللبناني وهذه النتائج كانت تتطلب من البعض التصعيد إلى أقصى درجات التصعيد بما فيها مسلسل التفجيرات والاغتيالات التي أشار إليها التقرير ولكن للأسف لم يقرأ ميليس دلالتها إلا في إطار ضيق وضمن احتمالات محددة تخالف المبادئ العامة في القانون .
ولذلك فان السيد ميليس لا يقرأ أو يرى أو يفكر إلا في طريقة واحدة وهي إدانة سورية .
وهذا الغرض سابق على التحقيق وليس نتيجة لمعطياته .
تسييس التقرير:
إن التحقيق الجنائي يختلف عن التحقيقات السياسية أو الصحفية نظرا لوجود إجراءات محددة في قوانين الأصول الجزائية في مختلف تشريعات العالم ،والتي تتقاطع وتتفق في المبادئ العامة.
ولكن السيد ميليس لم يتبع هذه المبادئ والإجراءات في إعداد تقريره .
حيث ادخل التاريخ والجغرافيا باعتبارهما عوامل تساعده على إعداد تقرير سياسي محدد الأهداف والمقاصد ولذلك يتطرق في باب (خلفية) إلى أن سورية كان لها دائما دور كبير في لبنان خلال العهد العثماني ((وكان جزءاً من الأرض الإدارية التي تحكم من دمشق وعندما تم إنشاء هذه الدولة بعد الحرب العالمية الأولى ما يعتبره الكثيرون من القوميين العرب انه جزء من سورية ومنذ أن أصبحت الدولة مستقلة فانه لم تقم بين الدولتين علاقات دبلوماسية)) هل يستطيع احد من فقهاء القانون الجزائي أن يربط مابين جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبين هذه المقدمات التي مضى عليها أكثر من قرن من الزمن كما أن العلاقة بين الحريري وسورية لا تشكل سببا أو مستندا قانونيا للإدانة والاتهام وحتى في حال وجود خلاف ما بين الطرفين مادام أن الخلاف يتعلق بقضايا سياسية تتطلب دائما الحوار المستمر ما بين الطرفين ولذلك لا يجوز للسيد ميليس أن يفترض بأن هذه الخلافات تشكل عناصر جرميه.
يمكن الركون إليها ، لاسيما ان الكثير من دول وزعماء العالم يختلفون سياسيا ، كما ان الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية في دول العالم تختلف في مسائل أكثر خطورة من الخلافات بين سورية والحريري حول التمديد للرئيس لحود . وحتى في حال وجود هذا الخلاف. فهل هذا الخلاف في حال وجوده يشكل قاعدة للسيد ميليس في تكوين قناعاته حول جريمة مروعة.
كما إن استخدام ميليس لكلمة سورية في تقريره يدل على جهله الفاضح بالقانون ، لان الشخصيات الاعتبارية في جميع دول العالم لا يمكن محاكمتها جزائيا .
كما أن ميليس يعتبر جميع المواطنين السوريين هم شركاء في ارتكاب هذه الجريمة، حيث حمّل السيد ميليس سورية المسؤولية مستخدما هذه العبارة ست مرات ، كما أن استخدامه لعبارة المسؤولين أو الأجهزة السورية أكثر من عشر مرات ، علما بان كلمة المسؤولين أو الأجهزة أو الاستخبارات ليس لها دلالة محددة في القانون الجزائي، لان أساس المسؤولية هو الشخص بذاته ودوره في ارتكاب الفعل الجرمي، وضرورة التفريق مابين الفاعل والمتدخل والشريك والمحرض في حال كانت عبارة المسؤولين أو الأجهزة تعني مجموعة محددة من الأشخاص بمفهوم السيد ميليس ، علماً بان المطلق يجري على إطلاقه ما لم يكن له تحديد . فإذا كان التحديد للشخص ودوره منتفيا في تقرير السيد ميليس فكيف يتم تحديد المسؤولية الجزائية في النتائج النهائية للتقرير .
وهل الغاية من تقرير السيد ميليس توصيف الواقع اللبناني وظروف ارتكاب الجريمة , أم تحديد المسؤول عن هذه الجريمة بصفته الشخصية ؟!
كل هذه الأسئلة وغيرها كانت غائبة عن ذهنية السيد ميليس أو مغيبة عنه لأسباب واعتبارات مختلفة .
لم يتطرق السيد ميليس إلى القانون الواجب التطبيق سواء بالنسبة للتحقيق أو المحاكمة، لان تحديد القانون الواجب التطبيق يعتبر من أهم المسائل الواجب إثارتها وقبل البدء في التحقيق ، حيث لا يمكن ان يتم التحقيق دون تحديد المرجعية القانونية من حيث الأصول الواجب اتباعها في قانون أصول المحاكمات ، حيث لا يمكن معرفة مدى اتفاق هذه الإجراءات المتبعة مع الأصول أو مخالفتها إلا في حال تحديد المرجعية القانونية .
افتراضات خاطئة :
لقد أورد التقرير مجموعة كبيرة من الافتراضات الخاطئة , حيث ورد البند 94) إن عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق لم تكن لتتم من دون معرفة السلطات اللبنانية وموافقة سورية) .
فإذا كانت الولايات المتحدة بما تملكه من قوة عسكرية وأجهزة استخبارات تسيطر على العالم لم تستطع اكتشاف الأشخاص الذين نفذوا تفجيرات 11 أيلول , فهل نستطيع ان نقول ان هذه التفجيرات لم تكن لتتم دون علم أو معرفة السلطات الأمريكية؟ وهذا الافتراض الخاطئ نجد تطبيقا له في تفجيرات لندن ومدريد وغيرهما.
وإذا كانت العراق تتعرض لعمليات تفجير شبه يومية فهل هذه التفجيرات تتم بمعرفة وعلم السلطات العراقية والأمريكية والبريطانية .
إن مثل هذه الفرضيات في تقرير ميليس تدل دلالة واضحة على استخدام سريربروكست حيث يلجأ السيد ميليس لتقطيع أطراف الحقيقة لتكون متلائمة مع قياس وحجم السرير.
وتطرق تقرير ميليس في البند 95 إلى فرضية أخرى تتعلق بوجود اتصالات بين الجنرال رستم غزالة ومسؤول لبناني بارز في 19 تموز 2004 عند الساعة 9.54 ولم يحدد التقرير اسم المسؤول اللبناني وكيفية القيام بالتسجيل ومدى صحته ؟ ومَنْ هي الجهة التي تقوم بالتسجيل ؟!
إلا انه لا بد من مناقشة هذا الدليل بغض النظر عن مشروعيته واتفاقه أو اختلافه مع الواقع، فالتسجيلات الصوتية لا تشكل مستندا للإدانة أو الاتهام في القانون اللبناني وفي معظم القوانين والتشريعات في العالم . كما أن هذا الحوار يفترض عدة قراءات وليس قراءة واحدة كما جاء في تقرير ميليس حيث جاء في الحوار «غزالة : دعني أقول لك أمرا واحدا دع حركة العمال تخرج إلى الشارع في العشرين في سوليدير وقريطم» ، ثم يضيف غزالة ) :فلتستمر التظاهرات إلى أن يرغم بالقوة على التنحي..( حيث يسأله السيدX(إذاً هل نترك الأمور للشارع؟)، فأجابه غزاله )هذا أفضل).