yass
21/10/2004, 14:10
بقلم: بشار العيسى *
الصورة:
عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري يتهيأ لمعانقة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على درج المشفى الذي يرقد فيه الوزير السابق والنائب الدرزي مروان حمادة، إثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها .. ابتسامة خدام تشي بالسؤال عما إذا كانت الرسالة وصلت إلى وليد بك؟ خدام تعوّد أن يقول في كل استقبال لوليد جنبلاط في مقره الدمشقي: "الله يرحمو والدك كان جالس على الكرسي الذي تجلس عليه الآن بساعات قبل اغتياله". فيفهم وليد جنبلاط بأن الرسالة السورية واضحة. هذه المرة يبدو أن وليد كمال جنبلاط ومعه المعارضة الديمقراطية اللبنانية، بمن فيهم الصرح البطريركي، لا تريد أن تقرأ الرسالة التي أمحي حبرها على ما يبدو، فاستدعى الأمر تدخل الرئيس السوري بالعيار الثقيل والمشرمحي، ليفهم الجميع أن لا شيء تغير منذ العام 1976، في خطابه أمام ماسمّي بمؤتمر المغتربين الذين اكتشفتهم مؤخرا سورية، بعد قرن وأكثر من الزمان على تاريخ الاغتراب السوري اللبناني.
الشهادة:
.. وهكذا، فإن لبنان لم يعد سوى ورقة الرهان السورية الرئيسية من أجل استعادة مرتفعات الجولان. غير أن الأمريكيين - والإسرائيليين بوجه خاص - لعبوا بمهارة فائقة مراهنين على مطامح سورية وعلى طابع دبلوماسيتها النفعي المعقد الغامض والعنيد، بغرض زجها في طريق التدخل وفي التردي في المستنقع، وفقاً للتعبير الممتاز الذي أطلقه الوزير السوري خدام.
ومن جهة اخرى، فإن دمشق كانت تخشى من عدوى الديمقراطية السياسية المحتملة في لبنان. فالدولة التي تجمع بين الديمقراطية والتقدمية هي هاجس جميع حكومات أنظمة القسر والاكراه .. ذلك أن لكلمة الحق دوياً كانفجار القنبلة الموقوتة. كانت الصحافة اللبنانية مرهوبة الجانب، إضافة إلى ذلك، تعمد السوريون إظهار نوع من العداء لقيام الاشتراكية في لبنان محقرين الشيوعيين ألد أعداء السعوديين .. فكانت سورية تعزو إلينا مقاصد ونوايا بالغة الطموح، لكن هدفنا لم يكن سوى حماية الثورة الفلسطينية .. وإقامة نظام أكثر عدلاَ في لبنان.
ولا ننسى - من الجهة الأخرى- ذلك النوع من الجشع الدمشقي الذي كان يثير الكثير من الحسد حيال أولئك اللبنانيين الذين يتمتعون بموهبة الإثراء. فمثل هذه العقدة تفسر كيف أن كثيراً من الأشياء نهبت من بيروت لترسل إلى دمشق عبر الصاعقة وشركائها. ولا بد من الاعتراف، بأن الكثير من البيوتات البيروتية كانت بمثابة متاحف حقيقية تتراكم فيها المقاعد من طراز لويس الرابع عشر والمناضد من طراز لويس الخامس عشر والسجاد الفارسي أو الأناضولي وغير ذلك من التحف الهندية واليابانية. فاللبنانيون يحبون حياة الرخاء والسعة (كمال جنبلاط "وصيتي" تحقيق فيليب لا بوستيرل).
منذ اليوم الأول لتدخله في لبنان، أقام النظام السوري موازينه الخاصة على أساس الحسابات الإقليمية بالبراعة البراغماتية التي امتاز بها الرئيس حافظ الأسد. تنقلت البندقية السورية على أكثر من كتف، موارنة جبهة الكفورالكتائب والنمور الشمعونية، والرهبانية المارونية، ومن ثم موارنة الشمال زعامة آل فرنجية، وأخيراً اليسار الفلسطيني واللبناني إثر القبضة الحديدية على أتباع جبهة الرفض وتطويع القرار العربي. لكن الثابت أن البكاء على المسيحيين وحماية لبنان من التدخل الإسرائيلي وحقن الدماء، ووحدة لبنان وسيادته وأراضيه، فهي لم تشغل يوماً حيزاً في تفكير النظام السوري بدلالة القوى التي اعتمد عليها في لبنان والتي صنعها على مقاسه والتهميش الذي مارسه بحق القوى الوطنية الفاعلة والمؤثرة ولحجم الدمار والفوضى التي زرعها في لبنان الدولة والمؤسسة المجتمعية.
يداي طليقتان، صرخة الانتصار هذه أطلقها الرجل صاحب القرار حافظ الأسد، ليُفهم - بضم الياء - الذي لا يفهم أن القوى الدولية والإقليمية موافقة على الدور الذي أنيط بسورية في الأزمة اللبنانية، وهو يتجاوز لبنان إلى التحضيرات التي كانت تجري لمؤتمر جنيف بالسياسة التي كان كيسنجر يخطط لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي.
وما أن اجتاز السوريون الحدود الدولية، حتى بدأ العمل بموجب وصية ميكافيللي، لينسى أهل البلد المحتل كيف كانت عيشتهم السابقة قبل احتلال الأمير، فتابعوا ما أشاعه حليفهم أمير الصاعقة زهير محسن من نهب الأموال والممتلكات والأمن والأمان بالخطف وتجارة الرهائن.
قضموا الأرض، مزارع وبلدات والدارات الجميلة. أخذوا الأبواب والشبابيك ونهبوا السجاد وأجهزة التليفونات، يوم لم يكن التلفون قد دخل الا قلة من البيوت السورية، وفكوا الحنفيات وضبوا المزهريات وقلعوا البلاط والرخام وغيره، طالما هو من لبنان. أخذوا الأرواح والكراسي وأقفاص الطيور والطاولات وأباريز السلالم الخارجية، بالجملة والمفرق، أما الجملة فظل مستوراً والمفرق كان سليم اللوزي ويده المهروسة في مفرمة اللحم، ورياض طه، وكمال جنبلاط الشبح الذي ظل يلاحقهم، أخذوا الحريات العامة، أما الخاصة، النشر والصحافة واستقلالية الأحزاب والفنتازيا التي امتاز بها الساسة اللبنانيون، فقد أصبحت من ذكريات الأيام.
أخذوا من لبنان طوائفه بما كانت، وأعادوها إليه ماركة مسجلة بأرقام نمرية خاصة لا تصرف إلا لدى المندوب السامي. لبنان التوازن الطائفي عاد في صيغة لبنان الطوائف المختلة. أخذوا من لبنان وأحزابه العلمانية، وأعطوه من لدنهم مسوخاً طائفية بصيغة من ساواك بنفسه ما ظلمك.
أخذوا منه زعرنات قبضاياته، وأعطوه زعرنات الردع وسرايا الحمر وتدخلات أجهزتهم الأمنية في سياسات الأحزاب، بل في عقائدها وفي مصائر الناس وفي إعادة صياغة الأمزجة بالمقياس السوري، لينسى اللبنانيون لبنانهم ولبنانيتهم ودولتهم. وأسوة بسورية الشقيقة، تم إلغاء الدولة لصالح السلطة، كما أعادوا انتاج مؤسسة الجيش اللبناني في كلية حمص العسكرية، فغدت أشد قمعاً من تلك السورية وأكثر تبعية منها لدمشق.
أخذوا منه الوطن كما من السوريين .. أسكتوا الأصوات الصادقة وهمشوا القيادات الفاعلة بالعزل والتغييب واستبدلوهم بالقيادات الزحفطونية.
فلم تبق للبنان الا المغتربات التي أوفدوا لها السيدة الوزيرة (..) الدكتورة بثينة شعبان لتسطوا عليها، حيث حلت (بطريقة) تثير استهجان المغتربين والهاربين للانتقائية السلطوية التي تمارسها عليهم، بمن فيهم أولئك البسطاء من المهاجرين الجدد المؤطرين في الروابط والجمعيات التي شكلها السفير السابق سليمان حداد لربط فعالياتهم بالدولة السورية ومؤسساتها لصالح قصر الرئاسة أيام (الرئيس الراحل) حافظ الأسد.
تستجدي السيدة الوزيرة المدللة رموز المال في المهاجر، صانعي الثروات السريعة والسهلة، حسنة من مال الاستيراد بقوانين الاستثناء وتستجدي رضا أمريكا و"إسرائيل" في تصاريحها الصحفية الممجوجة والمستخفة بعقول الناس.
والأنكى، أن الوزيرة ورئيسها استبدلوا مؤخراً الشعبين اللبناني والسوري ببضع مئات من السماسرة في الدول الأوروبية في صيغة مغتربين، من الشركاء الضمنيين لرؤوس مافيات الفساد والنهب السريع المحلية والإقليمية، واليوم يشاركونهم وعلى رؤوس الأشهاد في اعادة صياغة القوانين والحياة العامة للبلاد، ونقصد سورية ولبنان، وإلا فما معنى أن يخصص الرئيس جل خطابه للبنان والباقي لملحمة الاصلاح الإداري والتموين المالي للسلطة السورية، بالشكل الذي تستقيم ومصالح هؤلاءالسماسرة موردي الوكالات التجارية تحت شعار الاصلاح والتطوير؟
.. يبلغ عدد المغتربين السوريين - ألغينا اللبناني - نحو 15 مليوناً، بينهم خمسة ملايين في البرازيل و1.5 مليون في الارجنتين، علماً أن عدد سكان سورية يبلغ نحو 18 مليوناً. وجرى تمثيل المغتربين عبر القناصل الفخريين ورؤوساء الروابط والسفراء السوريين في دول الاغتراب.
وكانت شعبان جالت منذ تسلمها حقيبة المغتربين في أيلول العام الماضي على الجاليات السورية في أمريكا اللاتينية وأوروبا، تمهيداً لهذا المؤتمر الذي سيؤدي إلى انتخاب مجلس عام لهم، على أن تكون الخطوة التالية عقد مؤتمر للسياسيين الأجانب من أصول سورية ..
وكالة الأنباء السورية:
.. وخرج المشاركون في ندوة "التطوير والتحديث المؤسساتي" بعدد من المقترحات من بينها "وضع خطة شاملة للإصلاح نتيجة تشخيص موضوعي تعكس اهداف الاصلاح والخطة التنموية، وتكون مرجعاً لعمليات الاصلاح، واستحداث هيئة مستقلة لإدارة الاصلاح ومراقبة التنفيذ"، مع الدعوة إلى "وضع آلية لمساهمة المغتربين في مركز دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء" (سانا).
ألغى النظام، وزيرة ورئيساً، الشعب اللبناني أسوة بالسوري من حق المواطنة، بعدما جردوهما من مؤسسات المجتمع المدني وآليات النظم الاجتماعية الطبيعية، من حق أن يتمثل بحرية في من يمثله في الندوة النيابية الأعرق في البلاد العربية، وفي أن يفكر البعض ممن لا زال يصر بعناد على التفكير باستقلالية عن الوالي والمندوب السامي، فيما يرى أنه في مصلحة شعبه ووطنه. كما جردوا البطريرك الماروني من حق تمثيل طائفته والدفاع عن رعيته، كما حولوا رئيس دار الإفتاء إلى مدعي عام الأمن العام، مستكثرين على الأحزاب اللبنانية حق الاهتمام بالهم الوطني العام، إلا ما ترتئيه سياسات دمشق وأوامر جهاز استخباراتها العاملة في لبنان. ويكفي دلالة، أن رئيس الحكومة اللبنانية يمضي أوقاتاً في دمشق وعنجر أكثر منها في بيروت. كما تم حصر حق ومجد المقاومة بطائفة محددة وجماعة محددة كانت أصلاً غائبة يوم أخرج القوميون السوريون كواتم الصوت في مقهى الويمبي، ويوم صعد الشيوعيون إلى الجبال يترصدون العدو الإسرائيلي في حركته الانسحابية من بيروت وضواحيها. ويكفي أن جلّ الأسرى الذين عادوا مؤخراً (هم من) الأحزاب العلمانية والشيوعية (..). جرّدوا القوى الوطنية من تاريخها وعقيدتها، كما جردوا السوريين من حق إبداء الرأي في شكل الخازوق الذي تنجره لهم دولتهم، مثلما ألغوا حق المواطنة والمساواة عن 2.5 مليون كردي سوري.
المهزلة:
منذ أربع سنوات تراكض المهتمون بالشأن العام في سورية خلف سراب إصلاحات الرئيس الشاب بشار الأسد، فإذا به ووزيرته يستوردون لهم بضاعة اغترابية لتدرس شأنهم الخاص في ضوء مصالح المغتربين. تراكضوا، قوى معارضية وقوى موالاتية ومثقفين، من كل الأنواع الـ 99 في المائة والألف وتواقيع المليون وأهل حقوق الإنسان في تلاوينه ودكاكينه .. تراكضوا خلف ملهاة خطاب القسم والاصلاح والتصليح والتطوير، لهثوا وخرجت ألسنتهم يجرونها خلفهم، ولم يلتفت أحد إليهم. والمضحك المبكي أن يستكثر عليهم رئيسهم الشاب حق القول وإبداء الرأي، لأنهم يفتقدون الخبرة والتجربة.
يأخذ النظام السوري علىالوطنيين اللبنانيين بلسان رئيسه في مؤتمر المغتربين - السوريين - يخصص فيهم الدروز تحديداً بأنهم في سنة 1982 رشوا الرز على قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبأنهم كانوا يرومون ذبح المسيحيين - غامزاً من قناة وليد جنبلاط وارث والده كمال جنبلاط - وهم نصف المجتمع اللبناني - مستعيراً القول من مخزون والده حافظ الأسد الخطابي - وبأن سورية ذهبت إلى لبنان لإنقاذ المسيحيين وأنقذتهم، في حين يعرض بأمريكا وفرنسا حيث لم تفعلا للمسيحيين شيئاً، حين يقول بالحرف:
".. يحق لنا أن نتساءل: أين كان كل هذا الحرص في بدايات الحرب الاهلية عندما دخلت سورية في عام 1976 لإنقاذ المسيحيين اللبنانيين في ذلك الوقت الذين كانوا يذبحون، وكانت المذبحة أو المجزرة على وشك ان تنتهي خلال اسبوعين باسم إصلاح النظام السياسي والعدالة والاشتراكية والتقدمية، أين كانوا في ذلك الوقت؟ تخيلوا كيف كان إصلاح النظام السياسي يتطلب ذبح نصف المجتمع، فلو أرادوا ان يصلحوا كل المجتمع من يبقى من المجتمع، لن يبقى احد، سيكون إصلاحاً من دون شعب في ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت طلب من الرئيس حافظ الأسد ان يؤجل دخوله، أو ان يؤخر استكمال دخول القوات السورية إلى لبنان لمدة اسبوعين فقط كي تتم المهمة وطبعاً رفض، أقول طُلب منه، باللغة العربية أقول طلب فعل مبني للمجهول لفاعل مجهول، أما في اللغة الدبلوماسية فهي لفاعل معلوم.
أيضاً نمر على أزمات أخرى، أين كانوا في عام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عندما كان الآلاف من اللبنانيين يقتلون والفلسطينيون كذلك. خسرت سورية في ذلك الوقت خلال اسابيع قليلة الآلاف من الشهداء، في اسابيع وليس في اشهر. كانوا ربما يستنكرون من البعيد، والبعض من الإخوة اللبنانيين من نمور اليوم كان يرش الرز على الإسرائيليين، أين كانوا فترة الاحتلال الإسرائيلي من عام 1987 حتى انسحاب "إسرائيل" من معظم الأراضي اللبنانية في عام، 2000 لم يكونوا موجودين، فجأة ظهر الحرص على لبنان، وعلى استقلاليته وعلى الديمقراطية وعلى كل شي آخر".
كعادتها تلجأ السلطة السورية إلى سلاح الابتزاز بإشاعة أجواء الحرب الأهلية التي عفا عليها الزمان، بإثارة الأحقاد القديمة وزرع الفتنة بإشعال حرائق من الرسالة التي استهدفت النائب مروان حمادة.
لو رجع الرئيس بشار الأسد إلى وثائق قسم السينما في إدارة التوجيه المعنوي للجيش السوري، لرأى كيف أن والده يشرح لضباطه في عنجر فلسفة الأمير لمكيافيلي في الآليات الواجب على الأمير اتخاذها للاحتفاظ بدولة احتلها ليمنع عنها وسائط التمرد والانتفاض على ديمومة حكمه، كما وأنه يجهل أن جيوش والده لم تدخل لبنان لإنقاذ المسيحيين، إذ أن غالبية الجسد المسيحي كانت تقف في الجانب الوطني في مواجهة الانعزالية الكتائبية والفاشية الرهبانية، إذ أن الحزبين الرئيسيين في الحركة الوطنية الشيوعي والقومي السوري الاجتماعي كانا يحشدان حشدهما في الوسط المسيحي مناطقياً وتاريخياً ومعهم الأرمن والأرثوذكس. وحسب تعبير كمال جنبلاط آنذاك لحافظ الأسد: القضية ليست قضية المعسكر المسيحي. ولا تنسى يا سيادة الرئيس أن الروم الأرثوذكس والأرمن وثلاثة أرباع الروم الكاثوليك وثلث الموارنة أنفسهم يعادون موقف متطرفي المارونية الانعزالية. وهؤلاء يربون على ثلثي المسيحيين في لبنان، ولا بد من تخليصهم من النير الفاشي وجميعهم لا يزيد عن 25 بالمائة من عدد المسيحيين. فأجابني بصورة قاطعة: حتى لو كان الأمر كذلك فلن أسمح لك بقتال الانعزاليين ولا أريد لهم أن يشعروا بشعور المهزوم (وصيتي لكمال جنبلاط).
سنة 1976 دخلت القوات السورية لبنان بالنيابة عن أمريكا و"إسرائيل" لتفك الضغط عن الانعزاليين الكتائبيين، وتسرع بمجزرة تل الزعتر، وتقصم ظهر الحركة الوطنية اللبنانية، يوم كانت أحزابها تمتلك برنامجاً وطنياً حقيقياً للإصلاح السياسي والاجتماعي - قبل أن تحولها الهيمنة السورية إلى أتباع رخيصين بالترغيب والترهيب والإلغاء - وتقف رديفة للعمل الوطني الفلسطيني الذي كان مستهدفاً بالهيمنة السورية لحجز قراره المستقل. وما أبلغ دلالة المكالمة الهاتفية بين اسحق رابين وكيسينجرالذي ردّ على استفسار رابين عن لعبة الرضا الأمريكي عن التدخل السوري في لبنان: إنك إذاً لا تعلم ما يجري. دع الأمور تسير. فاكتفى الإسرائيليون بالخط الأحمر الدي حددوه بجنوب الليطاني.
يفقأ الرئيس السوري الحصرم في عين الدروز والصرح البطريركي، عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وهو لا يعرف كم رمى خدام وحكمت الشهابي عشية هذا الاجتياح قادة الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينيين بالجبن والتهويل عن عدوان إسرائيلي يحذر منه كل العالم. ويوم اجتاحت جيوش شارون الحدود الدولية كانت السلطة السورية تحجز على أطنان من الذخيرة والأسلحة الفلسطينية اللبنانية في ميناء اللاذقية ومستودعات الجيش السوري، كما منعت قوات جيش التحرير الفلسطيني في البقاع من المشاركة في الدفاع عن أهلها ومخيماتها تاركين، مع باقي الحكام العرب، بيروت الوطنية لجلجلتها، هي والمخيمات التي قاومت باللحم الحي والأسلحة التقليدية، أما دبابات "T72" والصوارخ المتطورة، فلقد دمرت في الجبال والبقاع دون مواجهة لا يندى لها الجبين. ويأتي الابن اليوم يسأل أين كان الآخرون وأية أرقام وهمية أدخلوها في رأسه بالآلاف عن قتلى الجيش السوري من ملف التعويضات التي طالب بها حافظ الأسد العرب في قمة رباط بالمغرب، منافساً ياسر عرفات على الاحتضان الذي أراد بها الحكام العرب غسل عار التخلي عن اللبنانيين والفلسطينيين ثلاثة أشهر يقاومون ببطولة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أذل العرب في جميع حروبهم.
يتناسى الرئيس السوري كيف أن قوات والده أخلت الجبال والوديان منسحبة أمام جيوش شارون، مخلفة الأسلحة الثقيلة والخفيفة وجثث مرمية على الطرقات أعادت إلى الأذهان الانسحاب المذل في هزيمة 1967 واسقاط القنيطرة قبل سقوطها، كما ويتناسى أو هو لا يعرف أصلا أن كتيبة من جيشه تلك التي كانت مخصصة لإذلال بيروت نُسيت في الرملة البيضاء - بالفعل المبني للمجهول لكن هنا الفاعل معروف ـ بدون تموين داخل الحصار، ولولا عرفات الذي بادر بشهامة إلى صرف مخصصات فدائية للكتيبة وقائدها، أسوة بضباطه ومقاتليه، عارضاً عليهم شرف الدفاع عن الطريق الساحلي ببضع الدبابات التي كانت في حوزتهم. وهذه الكتيبة بعد اتفاق انسحاب القوات من بيروت خرجت إلى البقاع ليعدم قائدها بتهمة التعاون مع الأعداء، والمقصود بالأعداء عرفات. واذا كان الرئيس لا يعرف، فإن وزير دفاعه لا ينسى البرقية - وهي منشورة في أرشيف جريدة السفير- التي ردّ بها على قيادة الجيش اللبناني بعد انسحاب "إسرائيل" من محيط بيروت بالقول إن الجيش السوري لا يترك جثث قتلاه على الطرقات، لأن قيادة الجيش اللبناني آنذاك طلبت من قيادة الجيش السوري استلام 18 جثة عسكرية سورية في انسحابهم السريع غير المنظم كعادته أمام "إسرائيل" على طريق بيروت دمشق الدولي، يوم استطاعت ثلة معدودة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني أن تدافع ببطولة عن قلعة شقيف.
ولم يكتف نظام دمشق بالاجتياح الإسرائيلي لبيروت واتفاق المغادرة الذي شمل قوات عرفات في بيروت ومخيماتها فشنت سورية اجتياحها الخاص بمخيمات الشمال اللبناني في البداوي ونهر البارد وطرابلس بالتعاون مع عميليها أبو موسى وخالد العملة، وخالد الفاهوم سنة 1984 في الحرب التي كانت النسخة السورية عن تلك التي قادها شارون، كانت النتيجة رحيل من تبقى من قوات عرفات عن الشمال اللبناني على البواخر الفرنسية التي قدمها الرئيس (الفرنسي فرانسوا) ميتيران، وكانت نقطة التحول الحاسمة في موقف الرجل تجاه شعب وقيادة مطاردة من كل الطغاة.
لماذا يعتبر يعتبر الحكام أن ذاكرة مستمعيهم محشوة بالتبن؟ واذا كان الرئيس السوري يغمز من قناة وليد جنبلاط ووالده الشهيد الذي سقط برصاص غدرهم، فالجميع يتذكر مغادرته المختارة المحتلة إلى بيروت سنة 1982 يشد من أزرها، قائلاً لشاشات التلفزة: أتيت لأموت مع فقراء بيروت وحركتها الوطنية. في حين أن أنصار النظام السوري انتقلوا جميعاً إلى البقاع عبر الحواجز الإسرائيلية، وكانت تلك الوقفة وراء أول عملية اغتيال تحدث في بيروت بعد خروج المقاومة، حينما نجا الرجل ابن كمال جنبلاط بأعجوبة وزوجته من انفجاراستهدفت سيارته المصفحة في منطقة كركول الدروز.
كما ينسى النظام السوري أن بيروت غدت محتلة من جيش الكتائب وغيرهم من عملاء "إسرائيل" لغاية 1985، وأن الذي سهل عودة سورية وجيشها وعملائها هي انتفاضة وليد جنبلاط ودروزه على الكتائب والقوات اللبنانية وجيشها، وطردهم من الجبل ومن بيروت بالتعاون مع منظمة "أمل"، التي جرّها النظام الدمشقي سنة 1985 إلى أقذر حرب ضد المخيمات الفلسطينية في برج البراجة، حصاراً وتجويعاً وقتلاً ودماراً، فاقت جريمة ايلي حبيقة وقواته في مجزرة صبرا وشاتيلا، قبل أن يغدوا حليفاً لدمشق ووزيراً مفوضاً في حكوماتها الدمى.
كان الأجدر بالرئيس السوري - والوقت لم يفت بعد - أن يصحو من وهم إرضاء أمريكا، ومن وهم استبدال الشعوب ورموزها ببضع من العملاء والمرتشين والفاسدين، وعليه أن يتجاوز الحاجز الذي سقط عنده صدام حسين وكل أنظمة الاستبداد، وحان الوقت أن يسمع الناقوس يدق أن وقت الاستحقاق اللبناني قد حان، ومن مصلحة سورية أن تكون حاضرة فيه بدل من أن تغيب عنه، ومن مصلحة نظامه أن يعيد للشعبين السوري واللبناني ما أخذ منهما بغير حق وبغير نباهة، لأن الزمن تجاوز أيام الحرب الباردة.
نعم سورية مهددة من أمريكا و"إسرائيل"، وليس من شعبها ولا من اللبنانيين الحريصين على مصلحة بلدهم. ومهددة من الذين ينفذون صباح مساء سياسات لا تنقل الماء الا إلى طاحونة أمريكا ومصالح "إسرائيل"، بإلغاء الشعوب عن مصائرها والدولة عن مجتمعاتها والسياسة عن شعوبها. وسورية ليست حكامها ولا تختزل بالمسؤولين وأبنائهم، وهي ليست شركة قابضة لرموز الفساد وهي ليست مزرعة أبقار وسترن يتم الدفاع عنها بأخلاق الكاوبوي. سورية وطن وشعب وتاريخ وجغرافيا ومصالح متداخلة ومعقدة لشعبها وشعوب الجوار والهرم يستقيم على قاعدته، فلماذا تصر السلطة السورية على الهروب من الاستحقاق الوطني بالتصالح مع شعبها، إلى تسوية التنازلات للمتربصين بسورية؟
وأعداء سورية معرفون غير قابلين للتأويل والتفسير. فأعداء سورية الحقيقيون ليسوا أولئك الذين يسمعونها في لبنان كلاماً لا يطرب أذنها، لأن أعداء سورية اللبنانيين هم أولئك المنافقون المخادعون في لبنان الذين لا تهمهم مصلحة لبنان وشعبه ولا يمكن لهم أن يصدقوا سورية القول والوفاء، أعداء سورية ليسوا وليد جنبلاط ولا مروان حمادة ولا البطريرك الماروني ولا الشيوعيين اللبنانيين ولا القوميين السوريين ممن يطالبون بإعادة عقيدة سعادة العلمانية واعادة العزة القومية إلى الوطنية السورية. كما أن أعداء سورية السوريين ليسوا المعتقلين السياسيين، ولا طلبة الجامعات ولا المواليد التي لم تلد بعد، ولا نبيل فياض ولا عارف دليلة، ولا النشطاء الكرد ممن نزعت جنسيتهم السورية بقرارات سياسية خاطئة بل ملغومة بحق الوطن السوري، الذين يستجدونها المساواة والمواطنة وحق الدفاع عن سورية والافتخار بهذا الدفاع، لأن أعداء سورية هم أولئك المرتشون من الحكام والمجرمين في دوائر الدولة، والمحافظين الذين يحرقون السجون على الموقوفين في السجون (..) والذين يطلقون الرصاص على شعبهم أمثال تيسير كبول، وهم القوانين الاستثنائية ومؤسسات الفساد الذين يدقون إسفين قطع صلة الوطن بأهله وبنيه. فهل للعقل من آذان وهل للبصر أن يرى العاصفة بل العواصف؟
أعداء سورية ليسوا المثقفين اللبنانيين الذين يريدون إرساء العلاقة بوطنهم على المشترك الوطني والحد الأدنى الذي تمثل باتفاق الطائف ولا يرون في ذلك انتقاصاً من مكانة سورية ودورها، بل يريدون لها موقعاً في قلوبهم ووجدانهم يستطيعون به الدفاع عن سورية الوطن بحق وايمان، لا عن خوف وارتزاق. أعداء سورية ليسوا الأطفال الكرد في المعتقلات والأجيال المقموعة بالحرمان والتمييز، أعداء سورية هم: المعتقلات السورية وقانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية العرفية ومستوطنات الغمر في أراضي الجزيرة، وعقلية الاستبداد، والنهب المستشري في إدارة السوء وأمراء الفساد. وعدو سورية اللدود هواستمرار الاحتلال السوري للبنان.
_________
* كاتب كردي سوري - باريس
الصورة:
عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري يتهيأ لمعانقة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على درج المشفى الذي يرقد فيه الوزير السابق والنائب الدرزي مروان حمادة، إثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها .. ابتسامة خدام تشي بالسؤال عما إذا كانت الرسالة وصلت إلى وليد بك؟ خدام تعوّد أن يقول في كل استقبال لوليد جنبلاط في مقره الدمشقي: "الله يرحمو والدك كان جالس على الكرسي الذي تجلس عليه الآن بساعات قبل اغتياله". فيفهم وليد جنبلاط بأن الرسالة السورية واضحة. هذه المرة يبدو أن وليد كمال جنبلاط ومعه المعارضة الديمقراطية اللبنانية، بمن فيهم الصرح البطريركي، لا تريد أن تقرأ الرسالة التي أمحي حبرها على ما يبدو، فاستدعى الأمر تدخل الرئيس السوري بالعيار الثقيل والمشرمحي، ليفهم الجميع أن لا شيء تغير منذ العام 1976، في خطابه أمام ماسمّي بمؤتمر المغتربين الذين اكتشفتهم مؤخرا سورية، بعد قرن وأكثر من الزمان على تاريخ الاغتراب السوري اللبناني.
الشهادة:
.. وهكذا، فإن لبنان لم يعد سوى ورقة الرهان السورية الرئيسية من أجل استعادة مرتفعات الجولان. غير أن الأمريكيين - والإسرائيليين بوجه خاص - لعبوا بمهارة فائقة مراهنين على مطامح سورية وعلى طابع دبلوماسيتها النفعي المعقد الغامض والعنيد، بغرض زجها في طريق التدخل وفي التردي في المستنقع، وفقاً للتعبير الممتاز الذي أطلقه الوزير السوري خدام.
ومن جهة اخرى، فإن دمشق كانت تخشى من عدوى الديمقراطية السياسية المحتملة في لبنان. فالدولة التي تجمع بين الديمقراطية والتقدمية هي هاجس جميع حكومات أنظمة القسر والاكراه .. ذلك أن لكلمة الحق دوياً كانفجار القنبلة الموقوتة. كانت الصحافة اللبنانية مرهوبة الجانب، إضافة إلى ذلك، تعمد السوريون إظهار نوع من العداء لقيام الاشتراكية في لبنان محقرين الشيوعيين ألد أعداء السعوديين .. فكانت سورية تعزو إلينا مقاصد ونوايا بالغة الطموح، لكن هدفنا لم يكن سوى حماية الثورة الفلسطينية .. وإقامة نظام أكثر عدلاَ في لبنان.
ولا ننسى - من الجهة الأخرى- ذلك النوع من الجشع الدمشقي الذي كان يثير الكثير من الحسد حيال أولئك اللبنانيين الذين يتمتعون بموهبة الإثراء. فمثل هذه العقدة تفسر كيف أن كثيراً من الأشياء نهبت من بيروت لترسل إلى دمشق عبر الصاعقة وشركائها. ولا بد من الاعتراف، بأن الكثير من البيوتات البيروتية كانت بمثابة متاحف حقيقية تتراكم فيها المقاعد من طراز لويس الرابع عشر والمناضد من طراز لويس الخامس عشر والسجاد الفارسي أو الأناضولي وغير ذلك من التحف الهندية واليابانية. فاللبنانيون يحبون حياة الرخاء والسعة (كمال جنبلاط "وصيتي" تحقيق فيليب لا بوستيرل).
منذ اليوم الأول لتدخله في لبنان، أقام النظام السوري موازينه الخاصة على أساس الحسابات الإقليمية بالبراعة البراغماتية التي امتاز بها الرئيس حافظ الأسد. تنقلت البندقية السورية على أكثر من كتف، موارنة جبهة الكفورالكتائب والنمور الشمعونية، والرهبانية المارونية، ومن ثم موارنة الشمال زعامة آل فرنجية، وأخيراً اليسار الفلسطيني واللبناني إثر القبضة الحديدية على أتباع جبهة الرفض وتطويع القرار العربي. لكن الثابت أن البكاء على المسيحيين وحماية لبنان من التدخل الإسرائيلي وحقن الدماء، ووحدة لبنان وسيادته وأراضيه، فهي لم تشغل يوماً حيزاً في تفكير النظام السوري بدلالة القوى التي اعتمد عليها في لبنان والتي صنعها على مقاسه والتهميش الذي مارسه بحق القوى الوطنية الفاعلة والمؤثرة ولحجم الدمار والفوضى التي زرعها في لبنان الدولة والمؤسسة المجتمعية.
يداي طليقتان، صرخة الانتصار هذه أطلقها الرجل صاحب القرار حافظ الأسد، ليُفهم - بضم الياء - الذي لا يفهم أن القوى الدولية والإقليمية موافقة على الدور الذي أنيط بسورية في الأزمة اللبنانية، وهو يتجاوز لبنان إلى التحضيرات التي كانت تجري لمؤتمر جنيف بالسياسة التي كان كيسنجر يخطط لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي.
وما أن اجتاز السوريون الحدود الدولية، حتى بدأ العمل بموجب وصية ميكافيللي، لينسى أهل البلد المحتل كيف كانت عيشتهم السابقة قبل احتلال الأمير، فتابعوا ما أشاعه حليفهم أمير الصاعقة زهير محسن من نهب الأموال والممتلكات والأمن والأمان بالخطف وتجارة الرهائن.
قضموا الأرض، مزارع وبلدات والدارات الجميلة. أخذوا الأبواب والشبابيك ونهبوا السجاد وأجهزة التليفونات، يوم لم يكن التلفون قد دخل الا قلة من البيوت السورية، وفكوا الحنفيات وضبوا المزهريات وقلعوا البلاط والرخام وغيره، طالما هو من لبنان. أخذوا الأرواح والكراسي وأقفاص الطيور والطاولات وأباريز السلالم الخارجية، بالجملة والمفرق، أما الجملة فظل مستوراً والمفرق كان سليم اللوزي ويده المهروسة في مفرمة اللحم، ورياض طه، وكمال جنبلاط الشبح الذي ظل يلاحقهم، أخذوا الحريات العامة، أما الخاصة، النشر والصحافة واستقلالية الأحزاب والفنتازيا التي امتاز بها الساسة اللبنانيون، فقد أصبحت من ذكريات الأيام.
أخذوا من لبنان طوائفه بما كانت، وأعادوها إليه ماركة مسجلة بأرقام نمرية خاصة لا تصرف إلا لدى المندوب السامي. لبنان التوازن الطائفي عاد في صيغة لبنان الطوائف المختلة. أخذوا من لبنان وأحزابه العلمانية، وأعطوه من لدنهم مسوخاً طائفية بصيغة من ساواك بنفسه ما ظلمك.
أخذوا منه زعرنات قبضاياته، وأعطوه زعرنات الردع وسرايا الحمر وتدخلات أجهزتهم الأمنية في سياسات الأحزاب، بل في عقائدها وفي مصائر الناس وفي إعادة صياغة الأمزجة بالمقياس السوري، لينسى اللبنانيون لبنانهم ولبنانيتهم ودولتهم. وأسوة بسورية الشقيقة، تم إلغاء الدولة لصالح السلطة، كما أعادوا انتاج مؤسسة الجيش اللبناني في كلية حمص العسكرية، فغدت أشد قمعاً من تلك السورية وأكثر تبعية منها لدمشق.
أخذوا منه الوطن كما من السوريين .. أسكتوا الأصوات الصادقة وهمشوا القيادات الفاعلة بالعزل والتغييب واستبدلوهم بالقيادات الزحفطونية.
فلم تبق للبنان الا المغتربات التي أوفدوا لها السيدة الوزيرة (..) الدكتورة بثينة شعبان لتسطوا عليها، حيث حلت (بطريقة) تثير استهجان المغتربين والهاربين للانتقائية السلطوية التي تمارسها عليهم، بمن فيهم أولئك البسطاء من المهاجرين الجدد المؤطرين في الروابط والجمعيات التي شكلها السفير السابق سليمان حداد لربط فعالياتهم بالدولة السورية ومؤسساتها لصالح قصر الرئاسة أيام (الرئيس الراحل) حافظ الأسد.
تستجدي السيدة الوزيرة المدللة رموز المال في المهاجر، صانعي الثروات السريعة والسهلة، حسنة من مال الاستيراد بقوانين الاستثناء وتستجدي رضا أمريكا و"إسرائيل" في تصاريحها الصحفية الممجوجة والمستخفة بعقول الناس.
والأنكى، أن الوزيرة ورئيسها استبدلوا مؤخراً الشعبين اللبناني والسوري ببضع مئات من السماسرة في الدول الأوروبية في صيغة مغتربين، من الشركاء الضمنيين لرؤوس مافيات الفساد والنهب السريع المحلية والإقليمية، واليوم يشاركونهم وعلى رؤوس الأشهاد في اعادة صياغة القوانين والحياة العامة للبلاد، ونقصد سورية ولبنان، وإلا فما معنى أن يخصص الرئيس جل خطابه للبنان والباقي لملحمة الاصلاح الإداري والتموين المالي للسلطة السورية، بالشكل الذي تستقيم ومصالح هؤلاءالسماسرة موردي الوكالات التجارية تحت شعار الاصلاح والتطوير؟
.. يبلغ عدد المغتربين السوريين - ألغينا اللبناني - نحو 15 مليوناً، بينهم خمسة ملايين في البرازيل و1.5 مليون في الارجنتين، علماً أن عدد سكان سورية يبلغ نحو 18 مليوناً. وجرى تمثيل المغتربين عبر القناصل الفخريين ورؤوساء الروابط والسفراء السوريين في دول الاغتراب.
وكانت شعبان جالت منذ تسلمها حقيبة المغتربين في أيلول العام الماضي على الجاليات السورية في أمريكا اللاتينية وأوروبا، تمهيداً لهذا المؤتمر الذي سيؤدي إلى انتخاب مجلس عام لهم، على أن تكون الخطوة التالية عقد مؤتمر للسياسيين الأجانب من أصول سورية ..
وكالة الأنباء السورية:
.. وخرج المشاركون في ندوة "التطوير والتحديث المؤسساتي" بعدد من المقترحات من بينها "وضع خطة شاملة للإصلاح نتيجة تشخيص موضوعي تعكس اهداف الاصلاح والخطة التنموية، وتكون مرجعاً لعمليات الاصلاح، واستحداث هيئة مستقلة لإدارة الاصلاح ومراقبة التنفيذ"، مع الدعوة إلى "وضع آلية لمساهمة المغتربين في مركز دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء" (سانا).
ألغى النظام، وزيرة ورئيساً، الشعب اللبناني أسوة بالسوري من حق المواطنة، بعدما جردوهما من مؤسسات المجتمع المدني وآليات النظم الاجتماعية الطبيعية، من حق أن يتمثل بحرية في من يمثله في الندوة النيابية الأعرق في البلاد العربية، وفي أن يفكر البعض ممن لا زال يصر بعناد على التفكير باستقلالية عن الوالي والمندوب السامي، فيما يرى أنه في مصلحة شعبه ووطنه. كما جردوا البطريرك الماروني من حق تمثيل طائفته والدفاع عن رعيته، كما حولوا رئيس دار الإفتاء إلى مدعي عام الأمن العام، مستكثرين على الأحزاب اللبنانية حق الاهتمام بالهم الوطني العام، إلا ما ترتئيه سياسات دمشق وأوامر جهاز استخباراتها العاملة في لبنان. ويكفي دلالة، أن رئيس الحكومة اللبنانية يمضي أوقاتاً في دمشق وعنجر أكثر منها في بيروت. كما تم حصر حق ومجد المقاومة بطائفة محددة وجماعة محددة كانت أصلاً غائبة يوم أخرج القوميون السوريون كواتم الصوت في مقهى الويمبي، ويوم صعد الشيوعيون إلى الجبال يترصدون العدو الإسرائيلي في حركته الانسحابية من بيروت وضواحيها. ويكفي أن جلّ الأسرى الذين عادوا مؤخراً (هم من) الأحزاب العلمانية والشيوعية (..). جرّدوا القوى الوطنية من تاريخها وعقيدتها، كما جردوا السوريين من حق إبداء الرأي في شكل الخازوق الذي تنجره لهم دولتهم، مثلما ألغوا حق المواطنة والمساواة عن 2.5 مليون كردي سوري.
المهزلة:
منذ أربع سنوات تراكض المهتمون بالشأن العام في سورية خلف سراب إصلاحات الرئيس الشاب بشار الأسد، فإذا به ووزيرته يستوردون لهم بضاعة اغترابية لتدرس شأنهم الخاص في ضوء مصالح المغتربين. تراكضوا، قوى معارضية وقوى موالاتية ومثقفين، من كل الأنواع الـ 99 في المائة والألف وتواقيع المليون وأهل حقوق الإنسان في تلاوينه ودكاكينه .. تراكضوا خلف ملهاة خطاب القسم والاصلاح والتصليح والتطوير، لهثوا وخرجت ألسنتهم يجرونها خلفهم، ولم يلتفت أحد إليهم. والمضحك المبكي أن يستكثر عليهم رئيسهم الشاب حق القول وإبداء الرأي، لأنهم يفتقدون الخبرة والتجربة.
يأخذ النظام السوري علىالوطنيين اللبنانيين بلسان رئيسه في مؤتمر المغتربين - السوريين - يخصص فيهم الدروز تحديداً بأنهم في سنة 1982 رشوا الرز على قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبأنهم كانوا يرومون ذبح المسيحيين - غامزاً من قناة وليد جنبلاط وارث والده كمال جنبلاط - وهم نصف المجتمع اللبناني - مستعيراً القول من مخزون والده حافظ الأسد الخطابي - وبأن سورية ذهبت إلى لبنان لإنقاذ المسيحيين وأنقذتهم، في حين يعرض بأمريكا وفرنسا حيث لم تفعلا للمسيحيين شيئاً، حين يقول بالحرف:
".. يحق لنا أن نتساءل: أين كان كل هذا الحرص في بدايات الحرب الاهلية عندما دخلت سورية في عام 1976 لإنقاذ المسيحيين اللبنانيين في ذلك الوقت الذين كانوا يذبحون، وكانت المذبحة أو المجزرة على وشك ان تنتهي خلال اسبوعين باسم إصلاح النظام السياسي والعدالة والاشتراكية والتقدمية، أين كانوا في ذلك الوقت؟ تخيلوا كيف كان إصلاح النظام السياسي يتطلب ذبح نصف المجتمع، فلو أرادوا ان يصلحوا كل المجتمع من يبقى من المجتمع، لن يبقى احد، سيكون إصلاحاً من دون شعب في ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت طلب من الرئيس حافظ الأسد ان يؤجل دخوله، أو ان يؤخر استكمال دخول القوات السورية إلى لبنان لمدة اسبوعين فقط كي تتم المهمة وطبعاً رفض، أقول طُلب منه، باللغة العربية أقول طلب فعل مبني للمجهول لفاعل مجهول، أما في اللغة الدبلوماسية فهي لفاعل معلوم.
أيضاً نمر على أزمات أخرى، أين كانوا في عام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عندما كان الآلاف من اللبنانيين يقتلون والفلسطينيون كذلك. خسرت سورية في ذلك الوقت خلال اسابيع قليلة الآلاف من الشهداء، في اسابيع وليس في اشهر. كانوا ربما يستنكرون من البعيد، والبعض من الإخوة اللبنانيين من نمور اليوم كان يرش الرز على الإسرائيليين، أين كانوا فترة الاحتلال الإسرائيلي من عام 1987 حتى انسحاب "إسرائيل" من معظم الأراضي اللبنانية في عام، 2000 لم يكونوا موجودين، فجأة ظهر الحرص على لبنان، وعلى استقلاليته وعلى الديمقراطية وعلى كل شي آخر".
كعادتها تلجأ السلطة السورية إلى سلاح الابتزاز بإشاعة أجواء الحرب الأهلية التي عفا عليها الزمان، بإثارة الأحقاد القديمة وزرع الفتنة بإشعال حرائق من الرسالة التي استهدفت النائب مروان حمادة.
لو رجع الرئيس بشار الأسد إلى وثائق قسم السينما في إدارة التوجيه المعنوي للجيش السوري، لرأى كيف أن والده يشرح لضباطه في عنجر فلسفة الأمير لمكيافيلي في الآليات الواجب على الأمير اتخاذها للاحتفاظ بدولة احتلها ليمنع عنها وسائط التمرد والانتفاض على ديمومة حكمه، كما وأنه يجهل أن جيوش والده لم تدخل لبنان لإنقاذ المسيحيين، إذ أن غالبية الجسد المسيحي كانت تقف في الجانب الوطني في مواجهة الانعزالية الكتائبية والفاشية الرهبانية، إذ أن الحزبين الرئيسيين في الحركة الوطنية الشيوعي والقومي السوري الاجتماعي كانا يحشدان حشدهما في الوسط المسيحي مناطقياً وتاريخياً ومعهم الأرمن والأرثوذكس. وحسب تعبير كمال جنبلاط آنذاك لحافظ الأسد: القضية ليست قضية المعسكر المسيحي. ولا تنسى يا سيادة الرئيس أن الروم الأرثوذكس والأرمن وثلاثة أرباع الروم الكاثوليك وثلث الموارنة أنفسهم يعادون موقف متطرفي المارونية الانعزالية. وهؤلاء يربون على ثلثي المسيحيين في لبنان، ولا بد من تخليصهم من النير الفاشي وجميعهم لا يزيد عن 25 بالمائة من عدد المسيحيين. فأجابني بصورة قاطعة: حتى لو كان الأمر كذلك فلن أسمح لك بقتال الانعزاليين ولا أريد لهم أن يشعروا بشعور المهزوم (وصيتي لكمال جنبلاط).
سنة 1976 دخلت القوات السورية لبنان بالنيابة عن أمريكا و"إسرائيل" لتفك الضغط عن الانعزاليين الكتائبيين، وتسرع بمجزرة تل الزعتر، وتقصم ظهر الحركة الوطنية اللبنانية، يوم كانت أحزابها تمتلك برنامجاً وطنياً حقيقياً للإصلاح السياسي والاجتماعي - قبل أن تحولها الهيمنة السورية إلى أتباع رخيصين بالترغيب والترهيب والإلغاء - وتقف رديفة للعمل الوطني الفلسطيني الذي كان مستهدفاً بالهيمنة السورية لحجز قراره المستقل. وما أبلغ دلالة المكالمة الهاتفية بين اسحق رابين وكيسينجرالذي ردّ على استفسار رابين عن لعبة الرضا الأمريكي عن التدخل السوري في لبنان: إنك إذاً لا تعلم ما يجري. دع الأمور تسير. فاكتفى الإسرائيليون بالخط الأحمر الدي حددوه بجنوب الليطاني.
يفقأ الرئيس السوري الحصرم في عين الدروز والصرح البطريركي، عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وهو لا يعرف كم رمى خدام وحكمت الشهابي عشية هذا الاجتياح قادة الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينيين بالجبن والتهويل عن عدوان إسرائيلي يحذر منه كل العالم. ويوم اجتاحت جيوش شارون الحدود الدولية كانت السلطة السورية تحجز على أطنان من الذخيرة والأسلحة الفلسطينية اللبنانية في ميناء اللاذقية ومستودعات الجيش السوري، كما منعت قوات جيش التحرير الفلسطيني في البقاع من المشاركة في الدفاع عن أهلها ومخيماتها تاركين، مع باقي الحكام العرب، بيروت الوطنية لجلجلتها، هي والمخيمات التي قاومت باللحم الحي والأسلحة التقليدية، أما دبابات "T72" والصوارخ المتطورة، فلقد دمرت في الجبال والبقاع دون مواجهة لا يندى لها الجبين. ويأتي الابن اليوم يسأل أين كان الآخرون وأية أرقام وهمية أدخلوها في رأسه بالآلاف عن قتلى الجيش السوري من ملف التعويضات التي طالب بها حافظ الأسد العرب في قمة رباط بالمغرب، منافساً ياسر عرفات على الاحتضان الذي أراد بها الحكام العرب غسل عار التخلي عن اللبنانيين والفلسطينيين ثلاثة أشهر يقاومون ببطولة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أذل العرب في جميع حروبهم.
يتناسى الرئيس السوري كيف أن قوات والده أخلت الجبال والوديان منسحبة أمام جيوش شارون، مخلفة الأسلحة الثقيلة والخفيفة وجثث مرمية على الطرقات أعادت إلى الأذهان الانسحاب المذل في هزيمة 1967 واسقاط القنيطرة قبل سقوطها، كما ويتناسى أو هو لا يعرف أصلا أن كتيبة من جيشه تلك التي كانت مخصصة لإذلال بيروت نُسيت في الرملة البيضاء - بالفعل المبني للمجهول لكن هنا الفاعل معروف ـ بدون تموين داخل الحصار، ولولا عرفات الذي بادر بشهامة إلى صرف مخصصات فدائية للكتيبة وقائدها، أسوة بضباطه ومقاتليه، عارضاً عليهم شرف الدفاع عن الطريق الساحلي ببضع الدبابات التي كانت في حوزتهم. وهذه الكتيبة بعد اتفاق انسحاب القوات من بيروت خرجت إلى البقاع ليعدم قائدها بتهمة التعاون مع الأعداء، والمقصود بالأعداء عرفات. واذا كان الرئيس لا يعرف، فإن وزير دفاعه لا ينسى البرقية - وهي منشورة في أرشيف جريدة السفير- التي ردّ بها على قيادة الجيش اللبناني بعد انسحاب "إسرائيل" من محيط بيروت بالقول إن الجيش السوري لا يترك جثث قتلاه على الطرقات، لأن قيادة الجيش اللبناني آنذاك طلبت من قيادة الجيش السوري استلام 18 جثة عسكرية سورية في انسحابهم السريع غير المنظم كعادته أمام "إسرائيل" على طريق بيروت دمشق الدولي، يوم استطاعت ثلة معدودة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني أن تدافع ببطولة عن قلعة شقيف.
ولم يكتف نظام دمشق بالاجتياح الإسرائيلي لبيروت واتفاق المغادرة الذي شمل قوات عرفات في بيروت ومخيماتها فشنت سورية اجتياحها الخاص بمخيمات الشمال اللبناني في البداوي ونهر البارد وطرابلس بالتعاون مع عميليها أبو موسى وخالد العملة، وخالد الفاهوم سنة 1984 في الحرب التي كانت النسخة السورية عن تلك التي قادها شارون، كانت النتيجة رحيل من تبقى من قوات عرفات عن الشمال اللبناني على البواخر الفرنسية التي قدمها الرئيس (الفرنسي فرانسوا) ميتيران، وكانت نقطة التحول الحاسمة في موقف الرجل تجاه شعب وقيادة مطاردة من كل الطغاة.
لماذا يعتبر يعتبر الحكام أن ذاكرة مستمعيهم محشوة بالتبن؟ واذا كان الرئيس السوري يغمز من قناة وليد جنبلاط ووالده الشهيد الذي سقط برصاص غدرهم، فالجميع يتذكر مغادرته المختارة المحتلة إلى بيروت سنة 1982 يشد من أزرها، قائلاً لشاشات التلفزة: أتيت لأموت مع فقراء بيروت وحركتها الوطنية. في حين أن أنصار النظام السوري انتقلوا جميعاً إلى البقاع عبر الحواجز الإسرائيلية، وكانت تلك الوقفة وراء أول عملية اغتيال تحدث في بيروت بعد خروج المقاومة، حينما نجا الرجل ابن كمال جنبلاط بأعجوبة وزوجته من انفجاراستهدفت سيارته المصفحة في منطقة كركول الدروز.
كما ينسى النظام السوري أن بيروت غدت محتلة من جيش الكتائب وغيرهم من عملاء "إسرائيل" لغاية 1985، وأن الذي سهل عودة سورية وجيشها وعملائها هي انتفاضة وليد جنبلاط ودروزه على الكتائب والقوات اللبنانية وجيشها، وطردهم من الجبل ومن بيروت بالتعاون مع منظمة "أمل"، التي جرّها النظام الدمشقي سنة 1985 إلى أقذر حرب ضد المخيمات الفلسطينية في برج البراجة، حصاراً وتجويعاً وقتلاً ودماراً، فاقت جريمة ايلي حبيقة وقواته في مجزرة صبرا وشاتيلا، قبل أن يغدوا حليفاً لدمشق ووزيراً مفوضاً في حكوماتها الدمى.
كان الأجدر بالرئيس السوري - والوقت لم يفت بعد - أن يصحو من وهم إرضاء أمريكا، ومن وهم استبدال الشعوب ورموزها ببضع من العملاء والمرتشين والفاسدين، وعليه أن يتجاوز الحاجز الذي سقط عنده صدام حسين وكل أنظمة الاستبداد، وحان الوقت أن يسمع الناقوس يدق أن وقت الاستحقاق اللبناني قد حان، ومن مصلحة سورية أن تكون حاضرة فيه بدل من أن تغيب عنه، ومن مصلحة نظامه أن يعيد للشعبين السوري واللبناني ما أخذ منهما بغير حق وبغير نباهة، لأن الزمن تجاوز أيام الحرب الباردة.
نعم سورية مهددة من أمريكا و"إسرائيل"، وليس من شعبها ولا من اللبنانيين الحريصين على مصلحة بلدهم. ومهددة من الذين ينفذون صباح مساء سياسات لا تنقل الماء الا إلى طاحونة أمريكا ومصالح "إسرائيل"، بإلغاء الشعوب عن مصائرها والدولة عن مجتمعاتها والسياسة عن شعوبها. وسورية ليست حكامها ولا تختزل بالمسؤولين وأبنائهم، وهي ليست شركة قابضة لرموز الفساد وهي ليست مزرعة أبقار وسترن يتم الدفاع عنها بأخلاق الكاوبوي. سورية وطن وشعب وتاريخ وجغرافيا ومصالح متداخلة ومعقدة لشعبها وشعوب الجوار والهرم يستقيم على قاعدته، فلماذا تصر السلطة السورية على الهروب من الاستحقاق الوطني بالتصالح مع شعبها، إلى تسوية التنازلات للمتربصين بسورية؟
وأعداء سورية معرفون غير قابلين للتأويل والتفسير. فأعداء سورية الحقيقيون ليسوا أولئك الذين يسمعونها في لبنان كلاماً لا يطرب أذنها، لأن أعداء سورية اللبنانيين هم أولئك المنافقون المخادعون في لبنان الذين لا تهمهم مصلحة لبنان وشعبه ولا يمكن لهم أن يصدقوا سورية القول والوفاء، أعداء سورية ليسوا وليد جنبلاط ولا مروان حمادة ولا البطريرك الماروني ولا الشيوعيين اللبنانيين ولا القوميين السوريين ممن يطالبون بإعادة عقيدة سعادة العلمانية واعادة العزة القومية إلى الوطنية السورية. كما أن أعداء سورية السوريين ليسوا المعتقلين السياسيين، ولا طلبة الجامعات ولا المواليد التي لم تلد بعد، ولا نبيل فياض ولا عارف دليلة، ولا النشطاء الكرد ممن نزعت جنسيتهم السورية بقرارات سياسية خاطئة بل ملغومة بحق الوطن السوري، الذين يستجدونها المساواة والمواطنة وحق الدفاع عن سورية والافتخار بهذا الدفاع، لأن أعداء سورية هم أولئك المرتشون من الحكام والمجرمين في دوائر الدولة، والمحافظين الذين يحرقون السجون على الموقوفين في السجون (..) والذين يطلقون الرصاص على شعبهم أمثال تيسير كبول، وهم القوانين الاستثنائية ومؤسسات الفساد الذين يدقون إسفين قطع صلة الوطن بأهله وبنيه. فهل للعقل من آذان وهل للبصر أن يرى العاصفة بل العواصف؟
أعداء سورية ليسوا المثقفين اللبنانيين الذين يريدون إرساء العلاقة بوطنهم على المشترك الوطني والحد الأدنى الذي تمثل باتفاق الطائف ولا يرون في ذلك انتقاصاً من مكانة سورية ودورها، بل يريدون لها موقعاً في قلوبهم ووجدانهم يستطيعون به الدفاع عن سورية الوطن بحق وايمان، لا عن خوف وارتزاق. أعداء سورية ليسوا الأطفال الكرد في المعتقلات والأجيال المقموعة بالحرمان والتمييز، أعداء سورية هم: المعتقلات السورية وقانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية العرفية ومستوطنات الغمر في أراضي الجزيرة، وعقلية الاستبداد، والنهب المستشري في إدارة السوء وأمراء الفساد. وعدو سورية اللدود هواستمرار الاحتلال السوري للبنان.
_________
* كاتب كردي سوري - باريس