yass
22/10/2004, 11:05
غسان تويني
ألا يحقّ لعربي (وضمن العرب، لبنان) ان يشتهي ان يأتي يوم يناظر فيه حكامنا معارضيهم، وعلى التلفزيون ليس عبر حيطان السجون او علامات القبور حيث تفلش كل الملفات بشفافية كلية، وبتهذيب كذلك... ثم تمضي مؤسسات الاستطلاع توزّع نسب التفوّق حسب الموضوعات المطروحة؟
يُتهم مشتهي ذلك، ولو لم يتمنّه او يعمل له، بالعمالة للاستعماررر (بثلاث راءات على الأقل)؟
وليُتهم... لا تزال حرية الاشتهاء أبعد من ان تطاولها مقصات المراقبة او قنابل المخابرات وملاحقاتها.
نعم، نحن نشتهي المشهد، وكنا نتمناه. ولو تحقق في لبنان، بالصورة الحضارية الإسمها ديمقراطية لربما كان وفّر علينا الكثير.
* * *
ولا نقصرنَّ المثال على لبنان.
تصوّروا مثلاً الرئيس بشار الاسد، الشاب الطالب التغيير والتطوير يناظر، مثلاً، الزعيم الشيوعي رياض الترك، بدل ان يسجنهّ!
لِِمَ لا؟... ممكن. منطق عقائدي يقارع منطقاً عقائديا مناهضاً، وبرنامج تطوير في وجه برنامج تغيير... بهدوء، وتهذيب. مع عرض للوقائع والحجج والبراهين، وتعيين الحدود والمسؤوليات... وليحكم الرأي العام، ولو لم يقترع الشعب.
شرط ان يكون الأمر حواراً ومناقشة منطقية موضوعية، لا مبارزة ومقارعة.
ولا نتوقع، ولا أحد يتوقع ان ينتهي الأمر باقتناع هذا بحجج ذاك، ولا بانسحاب ذاك من طريق هذا.
تماماً كما لن ولم يقنع الرئيس بوش منافسه بصحة سياسته، ولا طلب المعارض كيري من الرئيس ان يغيّر سياسته او يستقيل...
فقط حوار؟... نعم. ولكن حوار من أجل اقناع الشعب، صاحب السيادة وحده، لم يصطنعها، ولا ورثها من حاكم الى حاكم، ولا اغتصبها حاكم بانقلاب يولّد بدوره انقلاباً يغتصب منه ما كان قد اغتصب!!!
في هذا الجو، يشعر الانسان انه موضع احترام الحاكم او طالب الحكم الذي يصارحه ويعترف بسيادته ويطلب منه توليته.
والأمر ليس وقفاً على اميركا، التي تناظر تلفزيونياً ثلاثة اجيال من رؤسائها ومعارضيهم... حتى فرنسا، الرئيس شارل ديغول الذي كان يقول انه هو فرنسا ولم يجد غضاضة في مناظرة خصمه الاشتراكي الرئيس في ما بعد فرنسوا ميتران...وحيث لم تدرج قاعدة المناظرة او الحوار المباشر، كانت المواجهة الاعلامية على درجتين، وبالشفافية ذاتها والمنطق ذاته. ولم تنته مواجهة لا باغتيال المعارض، ولا بسجن الخاسر اذا خذله الشعب!
أوَلم يكن ذلك أفضل من ان يختفي ستالين، بعد تمديدات متتالية لولايته الرئاسية من غير ان يتيقّن أحد اذا كان مات ميتة طبيعية، بينما كان اطباؤه الرجال المرتدين الابيض يعالجونه، أم ان هؤلاء قد قتلوه؟
ولا تجرؤ اللجنة المركزية ولنقل تتجرأ - على الاستماع الى تقرير قيادتها عن ظلمه وطغيانه وغيّه وبغيه إلا بعد سنوات من استتباب الحكم لخليفته خروشوف؟
... ثم ينهار الاتحاد السوفياتي كقصر من كرتون، في حين لم تنهر الجمهورية الفرنسية عندما استقال بطل تحريرها وبطل اعادة صناعتها خامسة بعد الرابعة والثالثة، لأن الشعب لم يمنحه الاكثرية التي طلب عندما دعاه الى الاستفتاء. وجاء الى الحكم من بعده زعيم اليسار المعارض.
تلك هي الديمقراطية. ولذلك هي الافضل... لأنها تؤمّن المناوبة السلمية الحرة، واختبار الخطأ والصواب، قبل الاختيار.
* * *
ولنمض نحلم ونشتهي ونتمنى.
ماذا يكون افضل، أن يستمر الرئيس حسني مبارك، الولاية بعد الولاية، أم... أم، مثلا، يناظر زعيم التكتل المعارض، وعند الحاجة يتنازل عن كبريائه ويناظر ابنه جمال، قبل أن يولّيه؟ ومعروف ان منبر جمال في مناظرة كهذه سيكون ميثاق الاسكندرية الذي قيل ان الميثاق هذا كتبه حزبه، وبالذات الوزير الأقرب اليه؟
وماذا يكون أفضل؟ ان يستمر العقيد المعمر القدافي يجدد ويمدد، باذلاً الملايين، بل المليارات للتكفير عن الارهاب الذي اعترف به، وربما كلّف اقترافه الملايين من قبل... وهي أموال كان يسعد الشعب الليبي لو أنفقها العقيد المستبد على ترقيته وانمائه وتثقيفه...علماً بأن تهافت رؤساء الديمقراطيات الاوروبية لا يكسب العقيد شهادة في الديمقراطية، بل ربما العكس هو الصحيح!!!
ولن يمكّن هذا التهافت من اعتلاء سيف الاسلام القذافي عرش والده... بدليل ان صفته لم تمنع شرطة باريس من توقيفه هو وحرسه بمخالفة سيرّّ!
* * *
نستمر نحلم، فنتصوّر كم كانت توفّر علينا الهزات والخضات الدستورية، مناظرة، ولنقل حواراً، كان يمكن ان يسبق اقدام المجلس على تعديل الدستور اللبناني... حوار بين الرئيس العماد لحود، مباشرة، من دون المرور بنقل افكاره وطموحاته للبنان عبر تصريحات زواره، وأي واحد أو أكثر من المرشحين الأكثر أو أقل كفاية، من ميخائيل ضاهر الى روبير غانم، مروراً ببطرس حرب وحتى نايلة معوض... ويحتكمون لا الى انتخابات شعبية لا ينص عليها الدستور، بل الى النواب اياهم على ما يلطّخ انتخاب اكثيرتهم! - انما في جو من الحرية في التعبير كان ربما فرضها الرأي العام على النواب، كما مرات من قبل.
نتوقف، يا شهرزاد، عن الكلام المباح قبل ان يدركنا الصباح؟
* * *
ولننتقل ختاماً الى الاعظم من مظاهر تغيّر العالم، بالذات على المستوى الذي قال الرئيس البشار انه يريد سوريا اذاً، لبنان كذلك ان تبلغه.
على هذا المستوى، لا نجد القرار 1559 فقط. وهو قرار قلنا سابقاً اننا لن نبحث فيه، حتى لا ندخل في غياهب التخبّط الديبلوماسي غير المعقول.
نجد قراراً أهم، بالكاد تنبّه العرب ولبنان وسوريا الى صدوره والى خطورته. عنينا القرار 1566 الذي اقرّ في 8 تشرين الأول (اكتوبر) وبالاجماع، وبناء على اقتراح كان في الأصل روسياً، اي من آخر أصدقائنا في معمعة الـ1559!
القرار الجديد الاهم والاخطر موضوعه الارهاب...والمرهب فيه للدول وحكامها انه، الى صدوره في اطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ينص صراحة على اخضاع من لا يكافح الارهاب للعدالة الدولية، فكيف بالافراد والجماعات والكيانات الضالعين في النشاطات الارهابية، أو المرتبطين بها، الخ...
ويرسم مجلس الأمن قواعد المحاسبة ويقيم لها هيئات ومؤسسات ويعيّن عقوبات (يسمّيها تدابير عملية ) بدءاً بـ زيارات ممثلي مجلس الأمن للدول، مروراً بالتدابير المالية ( تجميد الارصدة المالية ـ، كذا بالحرف)، وصولاً الى اجراءات اكثر فاعلية لتقديمهم الى العدالة من طريق المقاضاة او التسليم الخ... الخ...
* * *
تعرفون ماذا اول ما كان يجب ان تفعله الديبلوماسية العربية (؟!) فوراً، انطلاقاً من هذا القرار واستناداً اليه، لو لم تكن هذه الديبلوماسية متسربلة بمركّبات النقص وعِقَدِ الذنب فضلاً عن سلفيتها حتى لا نقول جاهليتها؟
كان يجب ان تطلب ملاحقة السفاح شارون امام العدالة الدولية بتهمة القتل الجماعي فضلاً عن الاغتيال والاغتصاب ومخالفة ميثاق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان... كمثل ما اعتقل ويلاحق ميلوسيفيتش!!! وكنا، ربما، ننجح... وننجح اكثر اذا كانت انظمتنا ديمقراطية لا يشوبها شيء من ارهاب الدولة الذي نريد ملاحقة شارون بتهمته... وبعض معارضات اسرائيل شواهد، حين لا تكفي ولكنها تكفي صور وابناء الاعلام الدولي كل يوم، بينما الاعلام العربي الرسمي متخلّف رغم ثرواته.
تعرفون؟...
كان يمكن، لو كنا ديمقراطيين، ان نوفّر على العراق والعرب اهوال الحرب الاحترازية الاميركية المجنونة... لو بادرنا، اثر اكتشافنا بشفافية الديمقراطية (يا ليت، يا ليت!!!) ولو واحدة من المقابر الجماعية الصدامية التي تضم الوف الابرياء... لو بادرنا، نقول، الى تقديم شكوى على صدام الى العدالة الدولية وطلبنا محاكمته كمثل ما نطلب محاكمة شارون، وكمثل ما يحاكم ميلوسيفيتش!
ممارسة الديمقراطية هي، في انظمتنا، بديل تعرض بعضنا، في يوم قد لا يكون بعيداً، للعدالة الدولية. تعرفون؟...
الديمقراطية هي البديل عن الحرب والارهاب والانقلابات المخابراتية لأنها النافذة المفتوحة على العدالة الذاتية، عدالة الشعب في وجه السجن العربي الكبير الذي قد تفجّره يوماً عدالة دولية لا ترحم، ولا تهاب... بدليل انها لم تستهب الاقوى منا، والأكبر والأهم منا ثروة ومواقع.
ألا يحقّ لعربي (وضمن العرب، لبنان) ان يشتهي ان يأتي يوم يناظر فيه حكامنا معارضيهم، وعلى التلفزيون ليس عبر حيطان السجون او علامات القبور حيث تفلش كل الملفات بشفافية كلية، وبتهذيب كذلك... ثم تمضي مؤسسات الاستطلاع توزّع نسب التفوّق حسب الموضوعات المطروحة؟
يُتهم مشتهي ذلك، ولو لم يتمنّه او يعمل له، بالعمالة للاستعماررر (بثلاث راءات على الأقل)؟
وليُتهم... لا تزال حرية الاشتهاء أبعد من ان تطاولها مقصات المراقبة او قنابل المخابرات وملاحقاتها.
نعم، نحن نشتهي المشهد، وكنا نتمناه. ولو تحقق في لبنان، بالصورة الحضارية الإسمها ديمقراطية لربما كان وفّر علينا الكثير.
* * *
ولا نقصرنَّ المثال على لبنان.
تصوّروا مثلاً الرئيس بشار الاسد، الشاب الطالب التغيير والتطوير يناظر، مثلاً، الزعيم الشيوعي رياض الترك، بدل ان يسجنهّ!
لِِمَ لا؟... ممكن. منطق عقائدي يقارع منطقاً عقائديا مناهضاً، وبرنامج تطوير في وجه برنامج تغيير... بهدوء، وتهذيب. مع عرض للوقائع والحجج والبراهين، وتعيين الحدود والمسؤوليات... وليحكم الرأي العام، ولو لم يقترع الشعب.
شرط ان يكون الأمر حواراً ومناقشة منطقية موضوعية، لا مبارزة ومقارعة.
ولا نتوقع، ولا أحد يتوقع ان ينتهي الأمر باقتناع هذا بحجج ذاك، ولا بانسحاب ذاك من طريق هذا.
تماماً كما لن ولم يقنع الرئيس بوش منافسه بصحة سياسته، ولا طلب المعارض كيري من الرئيس ان يغيّر سياسته او يستقيل...
فقط حوار؟... نعم. ولكن حوار من أجل اقناع الشعب، صاحب السيادة وحده، لم يصطنعها، ولا ورثها من حاكم الى حاكم، ولا اغتصبها حاكم بانقلاب يولّد بدوره انقلاباً يغتصب منه ما كان قد اغتصب!!!
في هذا الجو، يشعر الانسان انه موضع احترام الحاكم او طالب الحكم الذي يصارحه ويعترف بسيادته ويطلب منه توليته.
والأمر ليس وقفاً على اميركا، التي تناظر تلفزيونياً ثلاثة اجيال من رؤسائها ومعارضيهم... حتى فرنسا، الرئيس شارل ديغول الذي كان يقول انه هو فرنسا ولم يجد غضاضة في مناظرة خصمه الاشتراكي الرئيس في ما بعد فرنسوا ميتران...وحيث لم تدرج قاعدة المناظرة او الحوار المباشر، كانت المواجهة الاعلامية على درجتين، وبالشفافية ذاتها والمنطق ذاته. ولم تنته مواجهة لا باغتيال المعارض، ولا بسجن الخاسر اذا خذله الشعب!
أوَلم يكن ذلك أفضل من ان يختفي ستالين، بعد تمديدات متتالية لولايته الرئاسية من غير ان يتيقّن أحد اذا كان مات ميتة طبيعية، بينما كان اطباؤه الرجال المرتدين الابيض يعالجونه، أم ان هؤلاء قد قتلوه؟
ولا تجرؤ اللجنة المركزية ولنقل تتجرأ - على الاستماع الى تقرير قيادتها عن ظلمه وطغيانه وغيّه وبغيه إلا بعد سنوات من استتباب الحكم لخليفته خروشوف؟
... ثم ينهار الاتحاد السوفياتي كقصر من كرتون، في حين لم تنهر الجمهورية الفرنسية عندما استقال بطل تحريرها وبطل اعادة صناعتها خامسة بعد الرابعة والثالثة، لأن الشعب لم يمنحه الاكثرية التي طلب عندما دعاه الى الاستفتاء. وجاء الى الحكم من بعده زعيم اليسار المعارض.
تلك هي الديمقراطية. ولذلك هي الافضل... لأنها تؤمّن المناوبة السلمية الحرة، واختبار الخطأ والصواب، قبل الاختيار.
* * *
ولنمض نحلم ونشتهي ونتمنى.
ماذا يكون افضل، أن يستمر الرئيس حسني مبارك، الولاية بعد الولاية، أم... أم، مثلا، يناظر زعيم التكتل المعارض، وعند الحاجة يتنازل عن كبريائه ويناظر ابنه جمال، قبل أن يولّيه؟ ومعروف ان منبر جمال في مناظرة كهذه سيكون ميثاق الاسكندرية الذي قيل ان الميثاق هذا كتبه حزبه، وبالذات الوزير الأقرب اليه؟
وماذا يكون أفضل؟ ان يستمر العقيد المعمر القدافي يجدد ويمدد، باذلاً الملايين، بل المليارات للتكفير عن الارهاب الذي اعترف به، وربما كلّف اقترافه الملايين من قبل... وهي أموال كان يسعد الشعب الليبي لو أنفقها العقيد المستبد على ترقيته وانمائه وتثقيفه...علماً بأن تهافت رؤساء الديمقراطيات الاوروبية لا يكسب العقيد شهادة في الديمقراطية، بل ربما العكس هو الصحيح!!!
ولن يمكّن هذا التهافت من اعتلاء سيف الاسلام القذافي عرش والده... بدليل ان صفته لم تمنع شرطة باريس من توقيفه هو وحرسه بمخالفة سيرّّ!
* * *
نستمر نحلم، فنتصوّر كم كانت توفّر علينا الهزات والخضات الدستورية، مناظرة، ولنقل حواراً، كان يمكن ان يسبق اقدام المجلس على تعديل الدستور اللبناني... حوار بين الرئيس العماد لحود، مباشرة، من دون المرور بنقل افكاره وطموحاته للبنان عبر تصريحات زواره، وأي واحد أو أكثر من المرشحين الأكثر أو أقل كفاية، من ميخائيل ضاهر الى روبير غانم، مروراً ببطرس حرب وحتى نايلة معوض... ويحتكمون لا الى انتخابات شعبية لا ينص عليها الدستور، بل الى النواب اياهم على ما يلطّخ انتخاب اكثيرتهم! - انما في جو من الحرية في التعبير كان ربما فرضها الرأي العام على النواب، كما مرات من قبل.
نتوقف، يا شهرزاد، عن الكلام المباح قبل ان يدركنا الصباح؟
* * *
ولننتقل ختاماً الى الاعظم من مظاهر تغيّر العالم، بالذات على المستوى الذي قال الرئيس البشار انه يريد سوريا اذاً، لبنان كذلك ان تبلغه.
على هذا المستوى، لا نجد القرار 1559 فقط. وهو قرار قلنا سابقاً اننا لن نبحث فيه، حتى لا ندخل في غياهب التخبّط الديبلوماسي غير المعقول.
نجد قراراً أهم، بالكاد تنبّه العرب ولبنان وسوريا الى صدوره والى خطورته. عنينا القرار 1566 الذي اقرّ في 8 تشرين الأول (اكتوبر) وبالاجماع، وبناء على اقتراح كان في الأصل روسياً، اي من آخر أصدقائنا في معمعة الـ1559!
القرار الجديد الاهم والاخطر موضوعه الارهاب...والمرهب فيه للدول وحكامها انه، الى صدوره في اطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ينص صراحة على اخضاع من لا يكافح الارهاب للعدالة الدولية، فكيف بالافراد والجماعات والكيانات الضالعين في النشاطات الارهابية، أو المرتبطين بها، الخ...
ويرسم مجلس الأمن قواعد المحاسبة ويقيم لها هيئات ومؤسسات ويعيّن عقوبات (يسمّيها تدابير عملية ) بدءاً بـ زيارات ممثلي مجلس الأمن للدول، مروراً بالتدابير المالية ( تجميد الارصدة المالية ـ، كذا بالحرف)، وصولاً الى اجراءات اكثر فاعلية لتقديمهم الى العدالة من طريق المقاضاة او التسليم الخ... الخ...
* * *
تعرفون ماذا اول ما كان يجب ان تفعله الديبلوماسية العربية (؟!) فوراً، انطلاقاً من هذا القرار واستناداً اليه، لو لم تكن هذه الديبلوماسية متسربلة بمركّبات النقص وعِقَدِ الذنب فضلاً عن سلفيتها حتى لا نقول جاهليتها؟
كان يجب ان تطلب ملاحقة السفاح شارون امام العدالة الدولية بتهمة القتل الجماعي فضلاً عن الاغتيال والاغتصاب ومخالفة ميثاق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان... كمثل ما اعتقل ويلاحق ميلوسيفيتش!!! وكنا، ربما، ننجح... وننجح اكثر اذا كانت انظمتنا ديمقراطية لا يشوبها شيء من ارهاب الدولة الذي نريد ملاحقة شارون بتهمته... وبعض معارضات اسرائيل شواهد، حين لا تكفي ولكنها تكفي صور وابناء الاعلام الدولي كل يوم، بينما الاعلام العربي الرسمي متخلّف رغم ثرواته.
تعرفون؟...
كان يمكن، لو كنا ديمقراطيين، ان نوفّر على العراق والعرب اهوال الحرب الاحترازية الاميركية المجنونة... لو بادرنا، اثر اكتشافنا بشفافية الديمقراطية (يا ليت، يا ليت!!!) ولو واحدة من المقابر الجماعية الصدامية التي تضم الوف الابرياء... لو بادرنا، نقول، الى تقديم شكوى على صدام الى العدالة الدولية وطلبنا محاكمته كمثل ما نطلب محاكمة شارون، وكمثل ما يحاكم ميلوسيفيتش!
ممارسة الديمقراطية هي، في انظمتنا، بديل تعرض بعضنا، في يوم قد لا يكون بعيداً، للعدالة الدولية. تعرفون؟...
الديمقراطية هي البديل عن الحرب والارهاب والانقلابات المخابراتية لأنها النافذة المفتوحة على العدالة الذاتية، عدالة الشعب في وجه السجن العربي الكبير الذي قد تفجّره يوماً عدالة دولية لا ترحم، ولا تهاب... بدليل انها لم تستهب الاقوى منا، والأكبر والأهم منا ثروة ومواقع.