yass
26/10/2004, 14:24
بقلم: جهاد نصره *
نعم، نحن كاسدون .. وبضاعتنا بالتالي كاسدة لا لأنها كذلك، بل لأننا نحمل أوزار المرحلة بكلِّ أوساخها، وتفاصيلها، فالشريف فينا أقرب لأجهزة السلطة منه لطروحاته السياسية، والمثقف العتيد عندنا همه الأساس حجز مقعد في القطار، وأي قطار في هذا البلد غير قطار التسلط، والنفوذ، والمصلحة الشخصية ..! الكاتب منا، يبحث عن مجدٍ ما حتى ولو كان عابراً، أو خلبّياً .. والملتحق سريعاً، يبحث عن حيِّز في مكان لم يستطع الوصول إليه عبر الزمان المنقضي .. نحن نحبو في شيخوختنا نحو الأمل وهو الحق المشروع المتاح، لكننا لا نعرف كيف نخطو نحوه على الأرض ..! لقد وصل بنا الأمر إلى درجة أنه كلما اجتمع منا خمسة يكون بيننا عسسيٌ محترف، أو انتهازيٌ مؤتلف، وهكذا تكاثرت الدمامل على جسد الوطن ..! وكم سيسوء البلاد حين سيفقأ أحدٌ ما هذه الدمامل المنتشرة على كامل الجغرافيا .. وراهن التاريخ ..! كلنا أساتذة فلا ينقص سوى وجود التلاميذ ..! وكلنا طغاة من الحجم الصغير لكننا نمضغ علكة الديمقراطية طيلة نهارنا والباقي من ليالينا العقيمة ..! نكتب هواءً بلا أوكسجين .. وماءً بلا طعمٍ ولا نكهة .. ندور حول أنفسنا منذ أربعين سنة ولم نشعر بالدوار وكأن الدوران صار صنعتنا ..!
عند الغروب في بلدة الناصرية السورية قلت لنبيل (فياض): تعال نحاول الخروج من هذه الدائرة ونطلق صيحةً في هذا الوادي العميق .. وتلك البحيرة الراكدة ..! وكان ما كان فدخلت وإياه بسرعة البرق مربع الزوابع، ودهليز المتاعب .. ونفق الجالسين والمنتظرين أية فرصة وما أكثرهم في الزمن الصعب! بحثنا عن صبية اسمها - سورية - طويلاً فلم نجدها .. سألنا العابرين، والسارقين، حتى السفلة سألناهم ولم نجد لها عنواناً خلف حجر .. كل من وجدناهم حولنا أو في سعينا كانوا مثلنا يبحثون عن بلادٍ كانت ذات يوم مثل القمر ..
أيُّ سرابٍ هذا وأية تضاريس تلك التي تسربت من بين أصابعنا كنسمة ضوء، أو فسحة شعاع ..! ولدنا في الظهيرة وجرى تشييعنا مع أفول الشمس إنه عمر مديدٌ شقيٌ في بلادٍ ضائعة لم يعد لها اسمٌ، ولا فصلٌ، ولا أصل ..! يتغنى باسمها حفنة من التجّار .. والقصّار .. والفجّار .. ثم هاهم أولاء يرقصون حول جثتينا كما يفعل المحققون المنهمكون الذين وجدوا فجأة حروفاً ضائعة، ونقاطاً ضبطنا متلبسين بوضعها في مواضعها ..!
قلت لنبيل: هيا نلاقي الأمل ولنترك الجالسين في مراجيحهم يلعبون؛ فولدنا عند الفجر ..! وأهالوا على جثتينا التراب عند الظهيرة ..! يا لتلك البساطة بساطة أن تولد بلا قابلة، وبساطة أن تموت بلا صدى، وأن تُشيع بلا جنازة ..! تماماً كبساطة أن تحب تلك الصبية التي "ادعى جميع الآلهة" أنها ابنتهم .. وترِكَتهم التي أودعوها في أيدي العرب ..! يا لقباحة السياسة والسائسين ..! الغزاة والفاتحين ..! طُعنا في الأمس بخنجر اليمين وانتعش من خلفنا مساكين اليسار .. وانهالت على عظامنا بلطات التتار ..! أدرنا جثتينا نداري حلمنا الجميل ففاجأتنا - سورية - بشعرها الطويل ..!
للحديث صلة.
__________
* كاتب سوري - اللاذقية
نعم، نحن كاسدون .. وبضاعتنا بالتالي كاسدة لا لأنها كذلك، بل لأننا نحمل أوزار المرحلة بكلِّ أوساخها، وتفاصيلها، فالشريف فينا أقرب لأجهزة السلطة منه لطروحاته السياسية، والمثقف العتيد عندنا همه الأساس حجز مقعد في القطار، وأي قطار في هذا البلد غير قطار التسلط، والنفوذ، والمصلحة الشخصية ..! الكاتب منا، يبحث عن مجدٍ ما حتى ولو كان عابراً، أو خلبّياً .. والملتحق سريعاً، يبحث عن حيِّز في مكان لم يستطع الوصول إليه عبر الزمان المنقضي .. نحن نحبو في شيخوختنا نحو الأمل وهو الحق المشروع المتاح، لكننا لا نعرف كيف نخطو نحوه على الأرض ..! لقد وصل بنا الأمر إلى درجة أنه كلما اجتمع منا خمسة يكون بيننا عسسيٌ محترف، أو انتهازيٌ مؤتلف، وهكذا تكاثرت الدمامل على جسد الوطن ..! وكم سيسوء البلاد حين سيفقأ أحدٌ ما هذه الدمامل المنتشرة على كامل الجغرافيا .. وراهن التاريخ ..! كلنا أساتذة فلا ينقص سوى وجود التلاميذ ..! وكلنا طغاة من الحجم الصغير لكننا نمضغ علكة الديمقراطية طيلة نهارنا والباقي من ليالينا العقيمة ..! نكتب هواءً بلا أوكسجين .. وماءً بلا طعمٍ ولا نكهة .. ندور حول أنفسنا منذ أربعين سنة ولم نشعر بالدوار وكأن الدوران صار صنعتنا ..!
عند الغروب في بلدة الناصرية السورية قلت لنبيل (فياض): تعال نحاول الخروج من هذه الدائرة ونطلق صيحةً في هذا الوادي العميق .. وتلك البحيرة الراكدة ..! وكان ما كان فدخلت وإياه بسرعة البرق مربع الزوابع، ودهليز المتاعب .. ونفق الجالسين والمنتظرين أية فرصة وما أكثرهم في الزمن الصعب! بحثنا عن صبية اسمها - سورية - طويلاً فلم نجدها .. سألنا العابرين، والسارقين، حتى السفلة سألناهم ولم نجد لها عنواناً خلف حجر .. كل من وجدناهم حولنا أو في سعينا كانوا مثلنا يبحثون عن بلادٍ كانت ذات يوم مثل القمر ..
أيُّ سرابٍ هذا وأية تضاريس تلك التي تسربت من بين أصابعنا كنسمة ضوء، أو فسحة شعاع ..! ولدنا في الظهيرة وجرى تشييعنا مع أفول الشمس إنه عمر مديدٌ شقيٌ في بلادٍ ضائعة لم يعد لها اسمٌ، ولا فصلٌ، ولا أصل ..! يتغنى باسمها حفنة من التجّار .. والقصّار .. والفجّار .. ثم هاهم أولاء يرقصون حول جثتينا كما يفعل المحققون المنهمكون الذين وجدوا فجأة حروفاً ضائعة، ونقاطاً ضبطنا متلبسين بوضعها في مواضعها ..!
قلت لنبيل: هيا نلاقي الأمل ولنترك الجالسين في مراجيحهم يلعبون؛ فولدنا عند الفجر ..! وأهالوا على جثتينا التراب عند الظهيرة ..! يا لتلك البساطة بساطة أن تولد بلا قابلة، وبساطة أن تموت بلا صدى، وأن تُشيع بلا جنازة ..! تماماً كبساطة أن تحب تلك الصبية التي "ادعى جميع الآلهة" أنها ابنتهم .. وترِكَتهم التي أودعوها في أيدي العرب ..! يا لقباحة السياسة والسائسين ..! الغزاة والفاتحين ..! طُعنا في الأمس بخنجر اليمين وانتعش من خلفنا مساكين اليسار .. وانهالت على عظامنا بلطات التتار ..! أدرنا جثتينا نداري حلمنا الجميل ففاجأتنا - سورية - بشعرها الطويل ..!
للحديث صلة.
__________
* كاتب سوري - اللاذقية