minime1967
06/12/2005, 14:26
سوريا في لبنان
من الذي وظَّّف الآخر سوريا أم اميركا؟
د. عادل سمارة
ربما لم يدر بخلد أحد أن في لبنان كل ذلك التعلق بالغرب إلى درجة "العشق" وذلك القدر الهائل من الارتباط والتمأسس الطائفي الذي يدفع باتجاه التحلُّق" على الذات تجاه المحيط القومي والتخارج إلى درجة الشبهة العلينة. يتضح اليوم كم كان هؤلاء المتغربنون ظمأى ليوم الارتماء في أحضان الانظمة الراسمالية الغربية ليقبلوا الايدي والاحذية شاعرين "بشرف" يفاخرون به. وقد لا تكون هذه السمة الأخطر في هذه الطائفية، بل قدرة الغرب الراسمالي على توظيفها ضد الامة العربية، وأستعدادها لذلك صاغرة سعيدة معاً.
ولكن، كي لا تأخذنا الفورة العاطفية لا بد من تثبيت المسألة المركزية التي مفادها، أن الطائفية لا بد ان تستدعي التبعية والارتباط بالاجنبي والعمالة. فالطائفية هي بحد ذاتها جزء من التجزئة، وكل مجزوء ومجزأ ومجتزء ضعيف بالطبييعة ولذا لا بد له من البحث عن مرتكز أو مرتكن، وهنا يجب ان يكون الاجنبي طالما ان الداخل نفسه مجزأ والطائفية جزء منه.
قد يعطي البعض للتبعية الطائفية إهاباً فيه درجة من الاحترام فيسمي ذلك صداقة. لكن الصداقة، حتى بين الافراد، هي علاقات مصلحية، فما بالك بالسياسة؟ نعم، ليست في السياسة صداقات دائمة بل هناك مصالح دائمة. والأصح انه ليس في السياسة صداقات ابداً، بل مصالح وحسب. وعلى هذه الارضية وحدها يمكن فهم الدور السوري في لبنان. وملف لبنان ملف حساس الى درجة التفجر الثقافي والسياسي والقومي أكثر من التفجر العسكري.
لقد نظر كل الى دخول سوريا الى لبنان بمنظوره وحدود معرفته واطلاعه (وليس شرطا قدرته على التحليل) وحسب رغباته او فهمه لطبيعة النظام السوري، او معرفته بالعلاقات الدولية لهذا النظام. فليس من السهل معرفة أهداف انظمة غير ديمقراطية وغير ثورية طالما ان الشفافية معدومة. وعندها قد يقع أفضل المحللين في أخطاء فادحة، وذلك ببساطة لأنهم ليسوا على صلة بأجهزة المخابرات والتجسس ليعرفوا ما وراء الكواليس. فالتحليل هو ارضية نظرية وفكرية تتعامل كمختبر أحياء مع المرئيات والمحسوسات المادية. وربما لهذا السبب كثيرا ما يخطىء افضل المحللين العرب (في التحليل السياسي خاصة) لأن الحقائق في هذا الوطن هي مجاهيل كاملة لأهل البلد، وقد يصيب محلل أجنبي، مثل روبرت فيسك، لأن حكامنا يفتحون له خزائن سياساتهم، وربما أموراً أخرى. ولذا، يكون اللجوء الى التحليل الاجتماعي وجزئيا الاقتصادي ملاذاً أكثر أمنا وتوفيرا للاتزان.
استمعت يوم 14 كانون الثاني 1977 إلى محاضرة ألقاها السيد نورمان مسفنسكي (كان آنذاك شخصية شبه رسمية في حكومة كارتر) على عدد محدود من الصحفيين الفرنسيين في باريس وذكر فيها أن الرئيس حافظ الاسد اتصل هاتفيا مع هنري كيسنجر وأكد له ان القوات السورية ستدخل لبنان ضد الفلسطينيين فقط (انظر كراس: الضال الموحد في مواجهة دولة التسوية- عادل سمارة 1977 ص 60). وكان لهذا الحديث زيادة في إقتناعي بأن الدور السوري في لبنان كان ضد المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية، وهو دور أيدته الانظمة العربية على اية حال، وهذا كافٍ للشك فيه. وبهذا المعنى، لم يكن من السهل نسب دخول الجيش السوري الى لبنان كجزء من مشروع عروبي وحدوي.
كان الطرف الذي أنقذه النظام السوري هو القيادات الطائفية اللبنانية أولاً، وخاصة الطوائف المنتمية والمرتبطة بالغرب اي الذين لا يرون انفسهم عرباً، وحاولوا دوما إقناع الغرب بإقامة "اسرائيل ثانية" في لبنان، وهو المشروع اليتيم الموتور الذي لم يحققوه، لكنهم لا زالوا يحلمون به، رغم تأكيد المركز الراسمالي الغربي لهؤلاء أن "لا إسرائيل بعد إسرائيل". والحقيقة، إن إقامة هذا الكيان كان بهدف طائفي معاد للقومية العربية.
ومع ذلك، وقد حصل التدخل، فهل كان بمقدور النظام السوري أن يؤثر على علاقة القطرين بطريقة تقود الى فرض ديمومة الترابط، ولا نطمح في القول حصول الوحدة؟ لكن شيئا من هذا لم يحدث، وليس هنا موقف تحليل طبيعة النظام في سوريا الذي لم يكن (باختصار) لدية أمثولة يقدمها الى لبنان كي يحذو حذوه ويتحد معه.
كان التدخل السوري في لبنان، مقبولا على اميركا والكيان الصهيوني الاشكنازي لأنه حال دون قيام لبنان وطني ديمقراطي، وأعاد الحياة الى الطائفية العميلة للغرب وحماها، وابقى على النظام الطائفي. لقد كان التدخل إذن مشروعا رجعيا وبالتالي فهو لا قومي. ولم يحل هذا التدخل دون احتلال الجنوب اللبناني ووصول جيش الاحتلال الى بيروت، مما افقد النظام السوري مصداقيته، وجعل دوره الحفاظ على وجوده في لبنان، مما اعطى الطوائف التي حماها فرصة الترويج بأن الوجود السوري في لبنان هو احتلال كالاحتلال الصهيوني. وهذا تأكيد على أن ما يدوم هي المصالح، وأن لا وجود للصداقة. لذا حاولت الطائفية العميلة طرد السوريين من لبنان. ولم لا، فقد أخذوا ما يريدون. لكن حرب العدوان على العراق عام 1991، ومشاركة النظام السوري بجيشه في ضرب الجيش العراقي في الكويت، كان يستحق برأي الولايات المتحدة الانتظار قليلاً على الوجود السوري في لبنان. وهو الامر الذي كانت نتيجته مقايضة مؤقتة، اي تدمير العراق ومن ثم احتلاله مقابل بقاء سوريا في لبنان، وهو بقاء مؤقت. مؤقت بمعنى أنه وجود مرهون بالقرار الاميركي والصهيوني من جهة، ولأن النظام السوري لم يخلق ارضية تسمح للوطنيين والقوميين اللبنانيين بأن يطالبوا ببقاء سوريا او الدفاع عن استمرار وجود قواتها. فقد وجدوا ان المهمة التي جاءت بها سوريا قد انتهت، وأن ممارسات النظام السوري في لبنان لم تكن ليفاخروا بها.
لكن تطورات النظام العالمي باتجاه قطبية واحدة اصبحت الولايات المتحدة بموجبها مسيطرة على العالم، ووصلت درجة تقرير مصير الوطن العربي أي إعادة هندسته طبقا لمصالحها، أصبح من الضروري طرد سوريا من لبنان، وإنهاء النظام السوري الذي لا يستطيع التكيف كما يجب مع المخطط الاميركي. فالنظام السوري، بالمفهوم النسبي، له رؤية قومية عربية، رغم خطاياه تجاه القومية العربية في العراق، وحتى في سوريا نفسها بمعنى أنه لم يقدم مثالا قوميا ديمقراطيا تنمويا، رغم كل هذا، فهو لا يصلح للمخطط الاميركي.
لا ننسى نحن ان النظام السوري لعب دوراً في دعم المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب مدعوما بالنظام الايراني ايضا. وهو الامر الذي يسجل لهذا النظام، والذي انتهى بأول هزيمة لجيش الاحتلال في بقعة عربية. ولكن لا ينسى العدو ذلك ايضاً.
صحيح ان النظام السوري ليس ديمقراطياً وليس ثورياً، ولكن الوجود السوري في لبنان، طالما ردَّ لهفة الطائفية العميلة من التصالح مع الكيان الصهيوني الاشكنازي. أما وقد أصبح المناخ الرسمي العربي جاهزاً أثر الاعتراف بهذا الكيان، فلا بد من تعميم الامر على لبنان ايضاً. وطالما أن الحركة الوطنية اللبنانية قد تغيرت عمّا كانت عليه عام 1975، وأن الوضع الطائفي قد "استقرط" ثانية في لبنان، وعادت "السيادة" في البلد الى مبناها الطائفي المركب على راس المال، كما كان لبنان دائماً. وطالما ان الرأسمالية اللبنانبة تابعة للراسمالية العالمية، وطالما ان الطائفية متخارجة ومتأجنبة ايضا وبالضرورة، فقد اصبح الوجود السوري في لبنان معيقاً لحركة المبنى السلطوي في لبنان، والمتشاركين في التهام التراكم، وهذا بعكس منتصف السبعينات حينما كان الوجود السوري ضرورياً لهذا المبنى، وطالما ان حلفاء سوريا، هذه الايام، هي القوى الوطنية والاسلامية في لبنان، فإن الوجود السوري في لبنان هو دعم لهذه القوى التي اصبح راسها مطلوباً. لهذه الامور كلها اصبح لا بد من خروج سوريا من لبنان. وقد حصل. وفي الاغلب الأعم، وطبقا لكيفية مرور الاحداث، فإن إقامة لبنان الرسمي علاقات مع الكيان الصهيوني أمر على أجندة التنفيذ، وهو الأمر الذي قد يكون ثمنه دم المقاومة الوطنية والاسلامية ولا سيما حزب الله ومنظمات الرفض الفلسطينية. إلاّ أن العشق الطائفي من جهة والكمبرادوري من جهة ثانية عشقهما للغرب الراسمالي تفوح منه رائحة الدم والخيانة والفاشية.
نحن هنا أمام سؤال ودرس.
أما السؤال فهو: ترى من الذي وظف الآخر؟ سوريا أم المخطط الامبريالي الصهيوني؟ فها قد ضاع العراق، والامل بالمقاومة وحسب، وها هي قوى الطوائف والكمبرادور تجهز فراشها ليفاخذها شارون، وها هي القوى الوطنية والاسلامية، تجهز نفسها من جديد لمواجهة المذبحة؟
وأما الدرس فهو: أن اي تحالف مع العدو الراسمالي الغربي لن ينتهي إلا بكارثة. وها هي أمام اعيننا، ومع ذلك، لا بد من الدفاع عن سوريا. لن نقول كما قال هرقل: "سلام عليك يا سوريا، سلام لا لقاء بعده". فهرقل كان محتلاً، أما نحن في فلسطين، فنحن جنوب سوريا.
من الذي وظَّّف الآخر سوريا أم اميركا؟
د. عادل سمارة
ربما لم يدر بخلد أحد أن في لبنان كل ذلك التعلق بالغرب إلى درجة "العشق" وذلك القدر الهائل من الارتباط والتمأسس الطائفي الذي يدفع باتجاه التحلُّق" على الذات تجاه المحيط القومي والتخارج إلى درجة الشبهة العلينة. يتضح اليوم كم كان هؤلاء المتغربنون ظمأى ليوم الارتماء في أحضان الانظمة الراسمالية الغربية ليقبلوا الايدي والاحذية شاعرين "بشرف" يفاخرون به. وقد لا تكون هذه السمة الأخطر في هذه الطائفية، بل قدرة الغرب الراسمالي على توظيفها ضد الامة العربية، وأستعدادها لذلك صاغرة سعيدة معاً.
ولكن، كي لا تأخذنا الفورة العاطفية لا بد من تثبيت المسألة المركزية التي مفادها، أن الطائفية لا بد ان تستدعي التبعية والارتباط بالاجنبي والعمالة. فالطائفية هي بحد ذاتها جزء من التجزئة، وكل مجزوء ومجزأ ومجتزء ضعيف بالطبييعة ولذا لا بد له من البحث عن مرتكز أو مرتكن، وهنا يجب ان يكون الاجنبي طالما ان الداخل نفسه مجزأ والطائفية جزء منه.
قد يعطي البعض للتبعية الطائفية إهاباً فيه درجة من الاحترام فيسمي ذلك صداقة. لكن الصداقة، حتى بين الافراد، هي علاقات مصلحية، فما بالك بالسياسة؟ نعم، ليست في السياسة صداقات دائمة بل هناك مصالح دائمة. والأصح انه ليس في السياسة صداقات ابداً، بل مصالح وحسب. وعلى هذه الارضية وحدها يمكن فهم الدور السوري في لبنان. وملف لبنان ملف حساس الى درجة التفجر الثقافي والسياسي والقومي أكثر من التفجر العسكري.
لقد نظر كل الى دخول سوريا الى لبنان بمنظوره وحدود معرفته واطلاعه (وليس شرطا قدرته على التحليل) وحسب رغباته او فهمه لطبيعة النظام السوري، او معرفته بالعلاقات الدولية لهذا النظام. فليس من السهل معرفة أهداف انظمة غير ديمقراطية وغير ثورية طالما ان الشفافية معدومة. وعندها قد يقع أفضل المحللين في أخطاء فادحة، وذلك ببساطة لأنهم ليسوا على صلة بأجهزة المخابرات والتجسس ليعرفوا ما وراء الكواليس. فالتحليل هو ارضية نظرية وفكرية تتعامل كمختبر أحياء مع المرئيات والمحسوسات المادية. وربما لهذا السبب كثيرا ما يخطىء افضل المحللين العرب (في التحليل السياسي خاصة) لأن الحقائق في هذا الوطن هي مجاهيل كاملة لأهل البلد، وقد يصيب محلل أجنبي، مثل روبرت فيسك، لأن حكامنا يفتحون له خزائن سياساتهم، وربما أموراً أخرى. ولذا، يكون اللجوء الى التحليل الاجتماعي وجزئيا الاقتصادي ملاذاً أكثر أمنا وتوفيرا للاتزان.
استمعت يوم 14 كانون الثاني 1977 إلى محاضرة ألقاها السيد نورمان مسفنسكي (كان آنذاك شخصية شبه رسمية في حكومة كارتر) على عدد محدود من الصحفيين الفرنسيين في باريس وذكر فيها أن الرئيس حافظ الاسد اتصل هاتفيا مع هنري كيسنجر وأكد له ان القوات السورية ستدخل لبنان ضد الفلسطينيين فقط (انظر كراس: الضال الموحد في مواجهة دولة التسوية- عادل سمارة 1977 ص 60). وكان لهذا الحديث زيادة في إقتناعي بأن الدور السوري في لبنان كان ضد المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية، وهو دور أيدته الانظمة العربية على اية حال، وهذا كافٍ للشك فيه. وبهذا المعنى، لم يكن من السهل نسب دخول الجيش السوري الى لبنان كجزء من مشروع عروبي وحدوي.
كان الطرف الذي أنقذه النظام السوري هو القيادات الطائفية اللبنانية أولاً، وخاصة الطوائف المنتمية والمرتبطة بالغرب اي الذين لا يرون انفسهم عرباً، وحاولوا دوما إقناع الغرب بإقامة "اسرائيل ثانية" في لبنان، وهو المشروع اليتيم الموتور الذي لم يحققوه، لكنهم لا زالوا يحلمون به، رغم تأكيد المركز الراسمالي الغربي لهؤلاء أن "لا إسرائيل بعد إسرائيل". والحقيقة، إن إقامة هذا الكيان كان بهدف طائفي معاد للقومية العربية.
ومع ذلك، وقد حصل التدخل، فهل كان بمقدور النظام السوري أن يؤثر على علاقة القطرين بطريقة تقود الى فرض ديمومة الترابط، ولا نطمح في القول حصول الوحدة؟ لكن شيئا من هذا لم يحدث، وليس هنا موقف تحليل طبيعة النظام في سوريا الذي لم يكن (باختصار) لدية أمثولة يقدمها الى لبنان كي يحذو حذوه ويتحد معه.
كان التدخل السوري في لبنان، مقبولا على اميركا والكيان الصهيوني الاشكنازي لأنه حال دون قيام لبنان وطني ديمقراطي، وأعاد الحياة الى الطائفية العميلة للغرب وحماها، وابقى على النظام الطائفي. لقد كان التدخل إذن مشروعا رجعيا وبالتالي فهو لا قومي. ولم يحل هذا التدخل دون احتلال الجنوب اللبناني ووصول جيش الاحتلال الى بيروت، مما افقد النظام السوري مصداقيته، وجعل دوره الحفاظ على وجوده في لبنان، مما اعطى الطوائف التي حماها فرصة الترويج بأن الوجود السوري في لبنان هو احتلال كالاحتلال الصهيوني. وهذا تأكيد على أن ما يدوم هي المصالح، وأن لا وجود للصداقة. لذا حاولت الطائفية العميلة طرد السوريين من لبنان. ولم لا، فقد أخذوا ما يريدون. لكن حرب العدوان على العراق عام 1991، ومشاركة النظام السوري بجيشه في ضرب الجيش العراقي في الكويت، كان يستحق برأي الولايات المتحدة الانتظار قليلاً على الوجود السوري في لبنان. وهو الامر الذي كانت نتيجته مقايضة مؤقتة، اي تدمير العراق ومن ثم احتلاله مقابل بقاء سوريا في لبنان، وهو بقاء مؤقت. مؤقت بمعنى أنه وجود مرهون بالقرار الاميركي والصهيوني من جهة، ولأن النظام السوري لم يخلق ارضية تسمح للوطنيين والقوميين اللبنانيين بأن يطالبوا ببقاء سوريا او الدفاع عن استمرار وجود قواتها. فقد وجدوا ان المهمة التي جاءت بها سوريا قد انتهت، وأن ممارسات النظام السوري في لبنان لم تكن ليفاخروا بها.
لكن تطورات النظام العالمي باتجاه قطبية واحدة اصبحت الولايات المتحدة بموجبها مسيطرة على العالم، ووصلت درجة تقرير مصير الوطن العربي أي إعادة هندسته طبقا لمصالحها، أصبح من الضروري طرد سوريا من لبنان، وإنهاء النظام السوري الذي لا يستطيع التكيف كما يجب مع المخطط الاميركي. فالنظام السوري، بالمفهوم النسبي، له رؤية قومية عربية، رغم خطاياه تجاه القومية العربية في العراق، وحتى في سوريا نفسها بمعنى أنه لم يقدم مثالا قوميا ديمقراطيا تنمويا، رغم كل هذا، فهو لا يصلح للمخطط الاميركي.
لا ننسى نحن ان النظام السوري لعب دوراً في دعم المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب مدعوما بالنظام الايراني ايضا. وهو الامر الذي يسجل لهذا النظام، والذي انتهى بأول هزيمة لجيش الاحتلال في بقعة عربية. ولكن لا ينسى العدو ذلك ايضاً.
صحيح ان النظام السوري ليس ديمقراطياً وليس ثورياً، ولكن الوجود السوري في لبنان، طالما ردَّ لهفة الطائفية العميلة من التصالح مع الكيان الصهيوني الاشكنازي. أما وقد أصبح المناخ الرسمي العربي جاهزاً أثر الاعتراف بهذا الكيان، فلا بد من تعميم الامر على لبنان ايضاً. وطالما أن الحركة الوطنية اللبنانية قد تغيرت عمّا كانت عليه عام 1975، وأن الوضع الطائفي قد "استقرط" ثانية في لبنان، وعادت "السيادة" في البلد الى مبناها الطائفي المركب على راس المال، كما كان لبنان دائماً. وطالما ان الرأسمالية اللبنانبة تابعة للراسمالية العالمية، وطالما ان الطائفية متخارجة ومتأجنبة ايضا وبالضرورة، فقد اصبح الوجود السوري في لبنان معيقاً لحركة المبنى السلطوي في لبنان، والمتشاركين في التهام التراكم، وهذا بعكس منتصف السبعينات حينما كان الوجود السوري ضرورياً لهذا المبنى، وطالما ان حلفاء سوريا، هذه الايام، هي القوى الوطنية والاسلامية في لبنان، فإن الوجود السوري في لبنان هو دعم لهذه القوى التي اصبح راسها مطلوباً. لهذه الامور كلها اصبح لا بد من خروج سوريا من لبنان. وقد حصل. وفي الاغلب الأعم، وطبقا لكيفية مرور الاحداث، فإن إقامة لبنان الرسمي علاقات مع الكيان الصهيوني أمر على أجندة التنفيذ، وهو الأمر الذي قد يكون ثمنه دم المقاومة الوطنية والاسلامية ولا سيما حزب الله ومنظمات الرفض الفلسطينية. إلاّ أن العشق الطائفي من جهة والكمبرادوري من جهة ثانية عشقهما للغرب الراسمالي تفوح منه رائحة الدم والخيانة والفاشية.
نحن هنا أمام سؤال ودرس.
أما السؤال فهو: ترى من الذي وظف الآخر؟ سوريا أم المخطط الامبريالي الصهيوني؟ فها قد ضاع العراق، والامل بالمقاومة وحسب، وها هي قوى الطوائف والكمبرادور تجهز فراشها ليفاخذها شارون، وها هي القوى الوطنية والاسلامية، تجهز نفسها من جديد لمواجهة المذبحة؟
وأما الدرس فهو: أن اي تحالف مع العدو الراسمالي الغربي لن ينتهي إلا بكارثة. وها هي أمام اعيننا، ومع ذلك، لا بد من الدفاع عن سوريا. لن نقول كما قال هرقل: "سلام عليك يا سوريا، سلام لا لقاء بعده". فهرقل كان محتلاً، أما نحن في فلسطين، فنحن جنوب سوريا.