yass
07/11/2004, 16:07
بقلم: أمير أوغلو *
أخبار الشرق
في كل رمضان تطالعنا الشاشات العربية والفضائيات المختلفة بشتى أنواع البرامج الدينية والمسلسلات الإسلامية، وكأن الإسلام لا يطبق إلا في شهر رمضان، يكتفي فيه المسلمون بأنواع العبادات والتوبة ليعوضوا كل ما بدر منهم من تقصير خلال السنة كلها، ثم ينتهي رمضان وتبدأ الدورة من جديد.
برامج الفتاوى تحتل حيزاً كبيراً من نشاط هذه الفضائيات والإذاعات، ومن متابعتها يكاد الإنسان يحس أن هذا هو أول رمضان يمر على المسلمين في حياتهم، فالأسئلة هي هي منذ عشرات السنين والإجابات هي هي، وكأن المسلم ينسى كل ما تعلمه في نهاية كل رمضان ليعود للسؤال عنه في رمضان القادم.
خطر ببالي وأنا أشاهد هذه البرامج أسئلة من نوع آخر، ولكنها للأسف لا تناسب رمضان ولا تناسب روتين رمضان، فلم أجد من يجيبني عليها، إلى أن يسر الله لي صديقاً دلني على شيخ مغمور لم يدرس أو يتخرج من أي مدرسة أو جامعة إسلامية معروفة، ولكنه يدعي أنه على علم كبير ويقول إنه درس في مدرسة الحياة، وتخرج من جامعة المعاناة، وحاز على الدكتوراة من جامعة المأساة الإسلامية.
طرحت عليه بعض الأسئلة، وسأحاول أن أختصر لكم إجاباته عليها، فهو من النوع الذي يحب الإطالة في الإجابة، وكأنه يريد أن يعوض صمت سنين أو يريد أن يعوض النقص الذي يعاني منه من قلة الواردين إليه، فكثير ممن جاءه وطرح عليه أسئلته لم يعد إليه خوفاً أو رهباً.
السؤال الأول: في تقرير التنمية العالمي لعام 2000 وحسب إحصاءات منظمة المؤتمر الإسلامي يبلغ عدد المواليد لأبوين مسمليَن في العام الواحد 33 مليون طفل، يموت منهم قبل بلوغ السنة الأولى مليونان على الأقل، ويموت قبل بلوغ خمس سنوات ثلاثة ملايين، أي أن مجموع الأطفال المسلمين الذين لا يكملون سنتهم الخامسة يبلغ خمسة إلى ستة ملايين تقريباً، أي خُمس المواليد. السؤال الآن لفضيلة الشيخ هل يمكن أن يطلق على هؤلاء اسم الموؤدة وبمن ستتعلق هذه الموؤدة يوم القيامة؟ وهل لحكام المسلمين علاقة بها أو أية مسؤولية عنها؟
أجاب الشيخ قائلاً: في المسألة أقوال: أولها أن وزر هؤلاء الأطفال يحمله أهلهم الذين خلفوهم ولم يأخذوا بالأسباب قبل ولادتهم، من حيث إمكانية تأمين المسكن والملبس والطعام والدواء لهم. أما القول الثاني، فإن وزر هؤلاء يرجع إلى المنظمات الخيرية الإسلامية التي لا تؤمن لهم الطعام والدواء رغم التشديد والتضييق الذي يمارس عليها. أما القول الثالث، فهو أن وزر هؤلاء يحمله الإستعمار الغربي والصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية والعولمة التي أضعفت قوة المسلمين وفرقت بلادهم وجعلتهم في أسفل دول العالم إنتاجاً وصناعة وتقدماً ودخلاً. أما القول الرابع، والذي أقول به (الكلام ما زال للشيخ) فهو أن كل موؤدة من هؤلاء ستتعلق برقبة كل حاكم للمسلمين من الدول الثلاثة والخمسين التي تسمى دولاً إسلامية، وهو قول سيدنا عمر بن الخطاب الذي قال: لو عثرت بغلة في أرض اليمن لسألني الله عنها لِمَ لَمْ تعبِّد لها الطريق يا عمر؟ وعندها سيلجأ هؤلاء إلى علمائهم الذين كانوا يفتون لهم بالأقوال السابقة لينقذوهم وليحاجوا الله عنهم، ولا أدري ماذا سيحصل بعدها.
السؤال الثاني: هل هناك علاقة بين وفاة خُمس أطفال المسلمين وبين زكاة البترول والتي تبلغ الخمس أيضاً، وهي ما يسمى زكاة الركاز أو زكاة المعدن والتي هي نصف العشر؟
الجواب: أيضاً على أقوال: الأول لا علاقة البتة بين هذين الأمرين، وزكاة المعدن أصلاً لا تنطبق على البترول، لأنه يتكلف مالاً لاستخراجه ولا ينبع لوحده من الأرض. أما القول الثاني، فهو أن السؤال عن هذا الأمر بدعة محرمة، لأنه يدخل في تحريض العوام والسفهاء على ولاة الأمر، وهذا يسبب الفتنة ويستحق سائله التعزير. والقول الثالث الذي أدين به (مرة أخرى القول للشيخ): إن زكاة المعدن التي لو وزعت لكفت أطفال المسلمين في كل دول العالم وأطفال غير المسلمين، لأننا مسؤولون عنهم من حيث أن كل مولود يولد على الفطرة، فهذه الزكاة واجبة في حق حكام الدول التي ينبع منها البترول والتي معظمها للأسف أو لحسن الحظ دول إسلامية، وعلى هؤلاء الحكام أخراج زكاة البترول والغاز الطبيعي في دولهم وتوزيعها على مصارف الزكاة، وأهمه حفظ حياة المسلمين! وهو أهم مقاصد الشريعة.
السؤال الثالث: هناك خمسة ملايين أم مسلمة في العالم سنوياً فقدت ولدها بسبب الفقر والجوع ونقص الدواء، هل يمكن لفضيلة الشيخ أن يتقدم بنصيحة لهؤلاء النسوة أو أن يتوجه إليهن بكلمة بمناسبة شهر رمضان، علماً بأن 90 في المائة منهن ليس لديهن تلفاز ولا حتى مذياع ليشاهدنه أو يسمعن رأيه، ولكن المهم هو أن يبرأ ذمته أمام الله تعالى، وأن يقول أي كلام يعجب المشاهدين الجالسين على مائدة الإفطار العامرة بما لذ وطاب، مع رجاء عدم ذكر أي كلام يذهب القابلية للطعام حتى لا يغير المشاهد القناة.
أجاب الشيخ غاضباً: هذا السؤال لا يوجه إلي، وإنما إلى العلماء المتربعين على عروش الفضائيات وأجوبتهم في هذا معروفة ومقنعة جداً، فهي تتراوح بين ذكر آيات الصبر والمصابرة، وبين تلاوة الأحاديث التي تصف ما أعد الله لهؤلاء النسوة في الجنة من قصور وطعام وجوار حسان، ولن ينسوا أن يحدثوك عن القضاء والقدر، وعن قسمة الأرزاق، ولو تجرأت على سؤالهم عن دور الحاكم المسلم في هذا ولم يقطع مقدم البرنامج صوتك عن الناس، مدعياً أنه فهم السؤال وأن الفكرة وصلت، فسيسردوا لك آيات وأحاديث طاعة الحاكم ولو جلد ظهرك وأخذ مالك، وأن الخروج عليه فتنة، وأن سؤاله عن ماله حرام، وأنه مشغول بالدفاع عن بلاد المسلمين تجاه الهجمة الأمريكية الشرسة على الإسلام، وأنهم ينصحونه بالسر، ولكنك لا تفهم مقاصد الشريعة، ولا تعرف شيئاً عن السياسة الشرعية التي نشأت منذ عهد يزيد وما زالت كوارثها تتوالى فوق رؤوسنا إلى هذا اليوم.
أما أنا (يقول الشيخ) فأرى أن هذه الأم يجب أن تجتمع هي وكل من تعرف أمام قصر الحاكم وتطالبه بحقها من أموال الدولة وأمول النفط وأموال الضرائب وأموال الدخل العام، ويجب أن تطالبه بدية ابنها أو ابنتها من ماله الخاص، وأن تقيم عليه دعوى بتهمة القتل العمد بشراكة كل من أفتى له أن مال الدولة ماله الخاص يفعل به ما يشاء، وأن هؤلاء ماتوا قضاء وقدراً، وأنه غير مسؤول عنهم يوم القيامة.
خرجت من عند الشيخ مكتفياً بما سمعت، وفاهماً لماذا لم يرجع إليه أحد ممن جاؤوه ليستفتوا عن أمور دينهم.
________
* كاتب سوري - الدانمارك، وفكرة المقال مستوحاة من كتاب "البوصلة القرآنية"، للكاتب أحمد خيري العمري.
أخبار الشرق
في كل رمضان تطالعنا الشاشات العربية والفضائيات المختلفة بشتى أنواع البرامج الدينية والمسلسلات الإسلامية، وكأن الإسلام لا يطبق إلا في شهر رمضان، يكتفي فيه المسلمون بأنواع العبادات والتوبة ليعوضوا كل ما بدر منهم من تقصير خلال السنة كلها، ثم ينتهي رمضان وتبدأ الدورة من جديد.
برامج الفتاوى تحتل حيزاً كبيراً من نشاط هذه الفضائيات والإذاعات، ومن متابعتها يكاد الإنسان يحس أن هذا هو أول رمضان يمر على المسلمين في حياتهم، فالأسئلة هي هي منذ عشرات السنين والإجابات هي هي، وكأن المسلم ينسى كل ما تعلمه في نهاية كل رمضان ليعود للسؤال عنه في رمضان القادم.
خطر ببالي وأنا أشاهد هذه البرامج أسئلة من نوع آخر، ولكنها للأسف لا تناسب رمضان ولا تناسب روتين رمضان، فلم أجد من يجيبني عليها، إلى أن يسر الله لي صديقاً دلني على شيخ مغمور لم يدرس أو يتخرج من أي مدرسة أو جامعة إسلامية معروفة، ولكنه يدعي أنه على علم كبير ويقول إنه درس في مدرسة الحياة، وتخرج من جامعة المعاناة، وحاز على الدكتوراة من جامعة المأساة الإسلامية.
طرحت عليه بعض الأسئلة، وسأحاول أن أختصر لكم إجاباته عليها، فهو من النوع الذي يحب الإطالة في الإجابة، وكأنه يريد أن يعوض صمت سنين أو يريد أن يعوض النقص الذي يعاني منه من قلة الواردين إليه، فكثير ممن جاءه وطرح عليه أسئلته لم يعد إليه خوفاً أو رهباً.
السؤال الأول: في تقرير التنمية العالمي لعام 2000 وحسب إحصاءات منظمة المؤتمر الإسلامي يبلغ عدد المواليد لأبوين مسمليَن في العام الواحد 33 مليون طفل، يموت منهم قبل بلوغ السنة الأولى مليونان على الأقل، ويموت قبل بلوغ خمس سنوات ثلاثة ملايين، أي أن مجموع الأطفال المسلمين الذين لا يكملون سنتهم الخامسة يبلغ خمسة إلى ستة ملايين تقريباً، أي خُمس المواليد. السؤال الآن لفضيلة الشيخ هل يمكن أن يطلق على هؤلاء اسم الموؤدة وبمن ستتعلق هذه الموؤدة يوم القيامة؟ وهل لحكام المسلمين علاقة بها أو أية مسؤولية عنها؟
أجاب الشيخ قائلاً: في المسألة أقوال: أولها أن وزر هؤلاء الأطفال يحمله أهلهم الذين خلفوهم ولم يأخذوا بالأسباب قبل ولادتهم، من حيث إمكانية تأمين المسكن والملبس والطعام والدواء لهم. أما القول الثاني، فإن وزر هؤلاء يرجع إلى المنظمات الخيرية الإسلامية التي لا تؤمن لهم الطعام والدواء رغم التشديد والتضييق الذي يمارس عليها. أما القول الثالث، فهو أن وزر هؤلاء يحمله الإستعمار الغربي والصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية والعولمة التي أضعفت قوة المسلمين وفرقت بلادهم وجعلتهم في أسفل دول العالم إنتاجاً وصناعة وتقدماً ودخلاً. أما القول الرابع، والذي أقول به (الكلام ما زال للشيخ) فهو أن كل موؤدة من هؤلاء ستتعلق برقبة كل حاكم للمسلمين من الدول الثلاثة والخمسين التي تسمى دولاً إسلامية، وهو قول سيدنا عمر بن الخطاب الذي قال: لو عثرت بغلة في أرض اليمن لسألني الله عنها لِمَ لَمْ تعبِّد لها الطريق يا عمر؟ وعندها سيلجأ هؤلاء إلى علمائهم الذين كانوا يفتون لهم بالأقوال السابقة لينقذوهم وليحاجوا الله عنهم، ولا أدري ماذا سيحصل بعدها.
السؤال الثاني: هل هناك علاقة بين وفاة خُمس أطفال المسلمين وبين زكاة البترول والتي تبلغ الخمس أيضاً، وهي ما يسمى زكاة الركاز أو زكاة المعدن والتي هي نصف العشر؟
الجواب: أيضاً على أقوال: الأول لا علاقة البتة بين هذين الأمرين، وزكاة المعدن أصلاً لا تنطبق على البترول، لأنه يتكلف مالاً لاستخراجه ولا ينبع لوحده من الأرض. أما القول الثاني، فهو أن السؤال عن هذا الأمر بدعة محرمة، لأنه يدخل في تحريض العوام والسفهاء على ولاة الأمر، وهذا يسبب الفتنة ويستحق سائله التعزير. والقول الثالث الذي أدين به (مرة أخرى القول للشيخ): إن زكاة المعدن التي لو وزعت لكفت أطفال المسلمين في كل دول العالم وأطفال غير المسلمين، لأننا مسؤولون عنهم من حيث أن كل مولود يولد على الفطرة، فهذه الزكاة واجبة في حق حكام الدول التي ينبع منها البترول والتي معظمها للأسف أو لحسن الحظ دول إسلامية، وعلى هؤلاء الحكام أخراج زكاة البترول والغاز الطبيعي في دولهم وتوزيعها على مصارف الزكاة، وأهمه حفظ حياة المسلمين! وهو أهم مقاصد الشريعة.
السؤال الثالث: هناك خمسة ملايين أم مسلمة في العالم سنوياً فقدت ولدها بسبب الفقر والجوع ونقص الدواء، هل يمكن لفضيلة الشيخ أن يتقدم بنصيحة لهؤلاء النسوة أو أن يتوجه إليهن بكلمة بمناسبة شهر رمضان، علماً بأن 90 في المائة منهن ليس لديهن تلفاز ولا حتى مذياع ليشاهدنه أو يسمعن رأيه، ولكن المهم هو أن يبرأ ذمته أمام الله تعالى، وأن يقول أي كلام يعجب المشاهدين الجالسين على مائدة الإفطار العامرة بما لذ وطاب، مع رجاء عدم ذكر أي كلام يذهب القابلية للطعام حتى لا يغير المشاهد القناة.
أجاب الشيخ غاضباً: هذا السؤال لا يوجه إلي، وإنما إلى العلماء المتربعين على عروش الفضائيات وأجوبتهم في هذا معروفة ومقنعة جداً، فهي تتراوح بين ذكر آيات الصبر والمصابرة، وبين تلاوة الأحاديث التي تصف ما أعد الله لهؤلاء النسوة في الجنة من قصور وطعام وجوار حسان، ولن ينسوا أن يحدثوك عن القضاء والقدر، وعن قسمة الأرزاق، ولو تجرأت على سؤالهم عن دور الحاكم المسلم في هذا ولم يقطع مقدم البرنامج صوتك عن الناس، مدعياً أنه فهم السؤال وأن الفكرة وصلت، فسيسردوا لك آيات وأحاديث طاعة الحاكم ولو جلد ظهرك وأخذ مالك، وأن الخروج عليه فتنة، وأن سؤاله عن ماله حرام، وأنه مشغول بالدفاع عن بلاد المسلمين تجاه الهجمة الأمريكية الشرسة على الإسلام، وأنهم ينصحونه بالسر، ولكنك لا تفهم مقاصد الشريعة، ولا تعرف شيئاً عن السياسة الشرعية التي نشأت منذ عهد يزيد وما زالت كوارثها تتوالى فوق رؤوسنا إلى هذا اليوم.
أما أنا (يقول الشيخ) فأرى أن هذه الأم يجب أن تجتمع هي وكل من تعرف أمام قصر الحاكم وتطالبه بحقها من أموال الدولة وأمول النفط وأموال الضرائب وأموال الدخل العام، ويجب أن تطالبه بدية ابنها أو ابنتها من ماله الخاص، وأن تقيم عليه دعوى بتهمة القتل العمد بشراكة كل من أفتى له أن مال الدولة ماله الخاص يفعل به ما يشاء، وأن هؤلاء ماتوا قضاء وقدراً، وأنه غير مسؤول عنهم يوم القيامة.
خرجت من عند الشيخ مكتفياً بما سمعت، وفاهماً لماذا لم يرجع إليه أحد ممن جاؤوه ليستفتوا عن أمور دينهم.
________
* كاتب سوري - الدانمارك، وفكرة المقال مستوحاة من كتاب "البوصلة القرآنية"، للكاتب أحمد خيري العمري.