-
دخول

عرض كامل الموضوع : الشرق الأوسط يهجر الديمقراطية


yass
16/11/2004, 15:37
بقلم: أحمد مصارع *


بافتراض أن من مجموعة من الضغوط وقعت في عمق الأراضي الأوروبية، من نوع الحروب المستمرة وفنون من العقوبات والحصار، وحين يحدث ذلك ولعدة عقود، ألن تؤدي مثل تلك الشروط القاسية إلى إحداث زعزعة شاملة فيه؟ هذا إن سلم من الأزمات المتنوعة، الإثنية والطائفية، المحلية والقومية، الطبقية والاجتماعية.

والمفارقة في هذه الفرضية، أن الديمقراطية، وهي النظام الأنجع لمواجهة كل تلك الأزمات، سيكون الخاسر الأول بالنسبة لأوروبا، سواء كانت جمهورية أو ملكية، فالقارة القديمة والمستقرة نسبياً، المتوازنة حضارياً، ستفكر بالمخاطر المحدقة بأسس وجودها، نتيجة لتعاظم معاملات الحرية والوحدة القومية، وعندها ستظهر صارمة للغاية، وستفقد الكثير من ملامحها الإنسانية الأنيقة، وسيختل توازنها التقليدي.

القدر المفروض دولياً على الشرق الأوسط الكبير ليس فرضية، بل واقع وحقيقة، والسؤال المشروع للغاية، هو من هي القوى الظاهرة والخفية، من داخله أو من خارجه، التي تعمل بإصرار على جعله محروماً من الأداء الديمقراطي؟

أوروبا الإمبريالية، كانت قد خلفت وراءها بلداناً، منتدبة أو مستعمرة، نواة لأنظمة محلية ذات طابع ديمقراطي، وكان لها وعلى الرغم من هشاشتها أن تستمر على نفس النحو، وهذا ما لم يحدث.

ليس في الأمر حنين، ولكن بحثاً عن خفي حنين. لقد كان النظام في مصر ملكياً وديمقراطياً، والنظام في سورية جمهورياً ديمقراطياً، والنظام في العراق ملكياً وديمقراطياً وفي ليبيا كذلك، عدا عن لبنان والأردن.

لقد كان يمكن للرافعة الديمقراطية في الشرق الأوسط الصغير أن تحدث التوازن، السلمي والعادل، وهو المطلوب وعلى مبدأ الأواني المستطرقة، وعندها وفقط عندها، ستكون مشاريع حوض البحر الأبيض المتوسطوالشراكة الأوروبية، كانت ستحصد ثمار ما غرسته، بشكل أليم. وبتعبير آخر: لما بذلته من جهود لإلحاق المنطقة بمشروعها الحضاري الأوسع.

الحروب على الشرق الأوسط، كان من نتائجها تعليق البحث عن الشكل الأفضل للوجود، وأولى ضحاياها الأنظمة الديمقراطية والإنسانية، وذات السلوك الحضاري.

إنني أتساءل، ليس إلا: هل كانت الصهيونية العالمية، وهي الحاضنة الدولية للمشروع الإسرائيلي، ومن خلال توسعها على حساب غيرها، هي الناشط الأكبر، والذي عمل بوعي تام على إزاحة الأنظمة الديمقراطية الموروثة عن أوروبا، وعلى الأقل، تلك الأنظمة المحيطة بها، أي في الشرق الأوسط الصغير المدلل، ثم تداعت بعد ذلك أحجار الدومينو المجاورة لها على التتابع، حتى وصلت لأفغانستان وباكستان والهند؟

الأنظمة الديمقراطية ذات النشأة الحديثة آنذاك، كانت ساذجة وبروتوكولية أكثر مما كان ينبغي لها أن تكون. وحين خيمت الأنظمة الموتورة بفعل فاعل، وشحنت المنطقة وأصابها الانفصام وأمراض العصاب لم تجد من يعالجها من تلك الأمراض، وبالعكس كان الثمن مؤلماً على الجبهتين الداخلية الوطنية، والخارجية الأجنبية.

لقد ترسخت الأنظمة الممسوخة في الواقع المحلي، وبشكل حديث ومتطور، وهيهات. إن مجرد التفكير بإزاحتها يثير الرهاب في النفوس، والعمل على إزاحتها عن طريق العنف كارثة ما بعدها كارثة، من أجل الديمقراطية؟ أم من أجل الحرية؟

إن الأنظمة الموجودة حالياً، وعلى أنقاض الديمقراطية الموؤدة، كانت قد جاءت من أجل الحرية والوحدة الوطنية والقومية والإسلامية، ومن أجل مواجهة الغرب الاستعماري وأمريكا ..

الوعود عزيزة علينا، نريد إزالة "إسرائيل"، استعادة الأرض السليبة من براثن الاحتلال، وتحرير بيت المقدس. الشرق الأوسط الكبير لم يعد بحاجة للديمقراطية وحتى إشعار آخر، لأن الأنظمة اللاديمقراطية لدينا قد تطوعت لنا، ووعدتنا بتحقيق النصر على أعدائنا، فلماذا نكذبها ونصدق غيرها؟؟ لقد وعدتنا بالشبع بعد الجوع ولعدة عقود، ولقد وعدتنا إذا لم يتحقق ذلك في الحياة الدنيا فسنلقاه في الآخرة مضاعفاً (..) إلا أنه لم نعد نرى حقيقة هل ستكون الحياة قبل الموت أم بعده؟

نحن في الشرق الأوسط الكبير نؤيد حكوماتنا (الوطنية اللاديمقراطية) ومستعدون للتضحية في سبيلها، ولا نطلب منها شيئاً سوى تحقيق الوعود التي جاءت من أجلها، وهي: تدمير أوروبا وتمريغ أنف أمريكا في الوحل، وتحرير الشرق الأوسط صغيره وكبيره، لأننا كشعوب وإذا أيدنا "حكوماتنا الثورية" في حربها الشاملة على العالم المعادي لنا، فقد نخسر بعض شعبنا ويعيش البقية، في حين إذا قمنا بمحاربة أنظمتنا في الشرق الأوسط الكبير فسنموت جميعاً ولن يبقى سوى الحكام، ويعز علينا ونحن أموات أن نرى حكامنا يعيشون بلا شعب يحكمونه، ولا يجدون مع الأسف شعبا يستقوون به.

إن أبناء الشرق الأوسط الحالي وحين يغادرون الحياة إلى غير رجعة، لن يأسفوا قط إذا تحولت "إسرائيل" إلى واحة الصهيونية العالمية في صحاري الشرق الأوسط الكبير.

__________

* كاتب سوري - الرقة