yass
18/11/2004, 19:17
بقلم: د. أسامة نعيسة *
أكثر ما يلفت الانتباه حاضرا هو التشتت وعدم التركيز .. في البحث عن مخرج للمآزق التي وضعتنا فيها الأيديولوجية الواحدة والحزب الواحد وملحقاتها من قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وكبت الأفواه وقمع الرأي الآخر والامتيازات لرموز النظام وعائلاتهم والمقربين اليهم ..؟
كل الأطراف بدأت بإبراز مفاتنها .. ضمن قوقعة الذات .. الذات أولا ومن ثم فليكن الطوفان .. ونسمع منهم أنفسهم صراخا عن الديمقراطية .. والبعض في البحث عن طريق جديد والآخر وهو الشيوعي الذي راكم ثروة باسم الشيوعية عن طريق الحزب الواحد الآخر الذي انهار في أواخر القرن الماضي وما زال يصارع بهوس الإمبريالية وحواشيها بينما في كل يوم تغتصب العجائز ويشرب الجناة مع جنرالات الشرطة والأمن القهوة وهم طلقاء؟
لقد قرفت من الأمن وحواشيهم وحتى من اسمهم وعند النوم أبحث بين الفراش وتحت السرير عنهم وعن روائحهم الغريبة؟
الكل ينطلق من .. واقع إرضاء الطرف الآخر .. ولماذا؟ بعضهم متبعاً نصيحة .. وداروا سفهاءكم، والبعض الآخر منتظراً الفتات والرضى والآخرون ما زالت آثار الأقبية والتعذيب تصرح عن نفسها إن كان ألماً أو خللاً نفسياً .. بينما طواويس النظام ما زالت تتعامل معنا كرعايا عاقين .. بعضنا بحث عن الأمان في بلاد الغربة .. والبعض يبحث عنها ويعلنها صراحة أريد بلداً أكون فيه آمناً من العساعس وسكان الأقبية والتنصت والتعذيب وقطع الأرزاق .. في بلد يحكمه القانون والدستور .. في بلد تعمل فيه دون أن يسرق عملك وان تقول فيه للص لص ولا تُدبر لك مكيدة ولا تُضرب فيه أمك العجوز ويساومك رجال الأمن على ماذا ستقول أو تصبح أنت الضحية وأنت الجاني؟
في بلد لا يأتيك عنصر أمن صباحاً وأنت الطبيب عندما تحضر طفلاً بريئاً لعمل جراحي وأهله ينتظرون منك كلمة الحمد لله على السلامة كل شيء تمام؛ بدلاً من هذا يسمعون كلمة آسف لا أستطيع أن أقوم بهذا العمل لأنني موقوف عن عملي بناء على أمر من الأمن؟ أو يقوم بلطجية معروف من أين مصدرهم ومن أرسلهم وأمام جيرانك ويستعرضون كل زعراناتهم؟
أو يقفون أمام باب عيادتك للتشهير بك .. أو يرسلون لك التهديدات تلو التهديدات من خلال الأقارب والأصدقاء بأنهم سيلفقون لك تهماً جنائية "تروح فيها" .. ونحن في القرن الحادي والعشرون بينما العالم أجمع تجاوز هذه البلطجة واللاقانون وتجاوز هذه التفاهات منذ قرون؟
يريدوننا قطعاناً تسمع ولا تناقش .. وأنت مبتسم بادي الفرح والبهجة من سخافاتهم وتخلفهم؟
لم أتجاوز عتبة داري فلو تجاوزتها ستكتب المجلدات ولا يستوعبها اكبر جهاز حاسوب في العالم. إن النظام يريد إصلاحاً على مقاسه يحافظ على امتيازاته وأي تطرق زيادة على ما هو حدده فالمحاكم تطحن وبأقصى طاقتها، ومن يشك في هذا فليقف يوماً أمام محكمة أمن الدولة.
هنا المشكلة الرئيسة أي أن يقولب النظام أي تغيير مع إضفاء الشرعية الأبدية والإصلاحية عليه وان تبقى الأمور كما هي ولكن برتوش إصلاحية.
قد يكون أن السلطة لا تريد إظهار ضعفها ولكن إن كانوا حقا صادقين وهذا ما أشك فيه .. لن تتم دمقرطة المجتمع دون أن تظهر العورات والأخطاء والتجاوزات وقد تظهر لحظات الضعف عند المعارضة نفسها أيضاً. ولكن من اجل مستقبل الأمة كلها يجب أن نكون واضحين مع كل الأطراف. لم تستطع الإنسانية أن تنطلق إلا بعد أن تجاوزت كل المحرمات والقمع الجسدي والنفسي للبشر وإذا كانت العصي والبلطجة قد ذهب أوانها فان الاستمساك بها لهو قمة الجرائم إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وليس هناك بديل عن الديمقراطية، فهي الدواء وقد يكون مراً ولكنها تستحق ذلك ولن نستطيع الآن أن نحدد ما يقرره الشعب وإلا لاستخدمنا أسلوب العصي والأستذة نفسها التي تمارسها السلطة أو البحث عن الطريق الذي يجب أن يسير عليه الشعب ونحدده مسبقاً ونطلق عليه ديمقراطية ونحدد الأطر التي يجب أن لا تتجاوز المطب الذي يجب تحاشيه .. ونفرضها كأنها هي الحل المثالي وعدم الالتزام بها هو الشذوذ والانحراف. بينما نحدد الأسس الأيديولوجية الجديدة ننسى بان الطريق سيوصلنا إلى نفس المتاهات التي نعاني منها الآن.
إن اضعف الأيمان أن نكشف اللصوص والتجاوزات ونطمح بان يكون القضاء نزيها وأجهزة الأمن لخدمة المواطن وليست لقمعه وممارسة البلطجة عليه، وأن يقف المواطن مهما كان ضعيفاً أمام طواويس النجوم ويقول لهم ما يفكر فيهم دون خوف من قوانين الطوارئ.
سيارات الدولة التي تهدر سنويا عشرات المليارات على استخداماتها الخاصة كافية وحدها لتشغيل 30 ألف مواطن عاطل عن العمل. بعملية حسابية بسيطة: 200 ألف سيارة هناك من يؤكد بان العدد قد يتجاوز 500 ألف سيارة مع سائقيها ووقودها وصيانتها، يومياً الحد الأدنى لمصروفها 500 ليرة سورية ونضربها في عدد أيام السنة وسنرى الرقم الخيالي؛ حوالي 19 مليار ليرة سورية؛ هذا فضلاً عن الحوادث غير المسؤولة التي يقوم بها من يستخدمها، وهناك من يؤكد أن الحوادث التي تقوم بها هذه السيارات كبير جداً بالمقارنة مع حوادث السيارات الأخرى.
السرقات والسارقون كلهم مكشوف. أصبحت السرقة مادة للتباهي؟ في دوائر الدولة الرشاوى كلها أوصلت المواطن إلى طريق مسدود، إما أن يدفع أو ينتظر رحمة من الله ومن الموظف المغمضة العيون عنه من حماته. أما المديرون في كل القطاعات المعروفة فلا يخجلون من التباهي بالأرزاق التي يمتصونها من عرق المواطنين ومن حقوقهم ولم يعد يستثنى منها الصحة ولا الكهرباء ولا الخدمات الفنية والبلدية والهاتف أو غيرها كثير؟
وحتى الجيش الشعبي أصبح مصدراً للارتزاق، وأنا نفسي رأيت كيف من يؤدون خدمة العلم - أي الوطن - يبنون المنازل ويقومون بالعناية في بساتين هؤلاء الطفيليات. نريد إجابة على السؤال: هل هذا هو الوطن؟ .. الوطن هو كل الناس لا فرق بين مسؤول ومواطن إن كان موظفاً أو خادماً للعلم، وليس هناك منهم من ولد وعلى رأسه ريشة نعامة. لم تكن الديمقراطية يوماً مترافقة مع التخريب والقمع والسرقات؟
الفساد .. الفساد يا قوم .. التجاوزات .. والهدر .. الهدر للكرامة والأرزاق .. والمحسوبية .. والظلم واللاقانون. وبعد هذا كله من لمحات بسيطة ذكرت على عجالة؛ هل هناك من وقح يسألني لماذا أتكلم؟!
__________
* طبيب وكاتب سوري
أكثر ما يلفت الانتباه حاضرا هو التشتت وعدم التركيز .. في البحث عن مخرج للمآزق التي وضعتنا فيها الأيديولوجية الواحدة والحزب الواحد وملحقاتها من قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وكبت الأفواه وقمع الرأي الآخر والامتيازات لرموز النظام وعائلاتهم والمقربين اليهم ..؟
كل الأطراف بدأت بإبراز مفاتنها .. ضمن قوقعة الذات .. الذات أولا ومن ثم فليكن الطوفان .. ونسمع منهم أنفسهم صراخا عن الديمقراطية .. والبعض في البحث عن طريق جديد والآخر وهو الشيوعي الذي راكم ثروة باسم الشيوعية عن طريق الحزب الواحد الآخر الذي انهار في أواخر القرن الماضي وما زال يصارع بهوس الإمبريالية وحواشيها بينما في كل يوم تغتصب العجائز ويشرب الجناة مع جنرالات الشرطة والأمن القهوة وهم طلقاء؟
لقد قرفت من الأمن وحواشيهم وحتى من اسمهم وعند النوم أبحث بين الفراش وتحت السرير عنهم وعن روائحهم الغريبة؟
الكل ينطلق من .. واقع إرضاء الطرف الآخر .. ولماذا؟ بعضهم متبعاً نصيحة .. وداروا سفهاءكم، والبعض الآخر منتظراً الفتات والرضى والآخرون ما زالت آثار الأقبية والتعذيب تصرح عن نفسها إن كان ألماً أو خللاً نفسياً .. بينما طواويس النظام ما زالت تتعامل معنا كرعايا عاقين .. بعضنا بحث عن الأمان في بلاد الغربة .. والبعض يبحث عنها ويعلنها صراحة أريد بلداً أكون فيه آمناً من العساعس وسكان الأقبية والتنصت والتعذيب وقطع الأرزاق .. في بلد يحكمه القانون والدستور .. في بلد تعمل فيه دون أن يسرق عملك وان تقول فيه للص لص ولا تُدبر لك مكيدة ولا تُضرب فيه أمك العجوز ويساومك رجال الأمن على ماذا ستقول أو تصبح أنت الضحية وأنت الجاني؟
في بلد لا يأتيك عنصر أمن صباحاً وأنت الطبيب عندما تحضر طفلاً بريئاً لعمل جراحي وأهله ينتظرون منك كلمة الحمد لله على السلامة كل شيء تمام؛ بدلاً من هذا يسمعون كلمة آسف لا أستطيع أن أقوم بهذا العمل لأنني موقوف عن عملي بناء على أمر من الأمن؟ أو يقوم بلطجية معروف من أين مصدرهم ومن أرسلهم وأمام جيرانك ويستعرضون كل زعراناتهم؟
أو يقفون أمام باب عيادتك للتشهير بك .. أو يرسلون لك التهديدات تلو التهديدات من خلال الأقارب والأصدقاء بأنهم سيلفقون لك تهماً جنائية "تروح فيها" .. ونحن في القرن الحادي والعشرون بينما العالم أجمع تجاوز هذه البلطجة واللاقانون وتجاوز هذه التفاهات منذ قرون؟
يريدوننا قطعاناً تسمع ولا تناقش .. وأنت مبتسم بادي الفرح والبهجة من سخافاتهم وتخلفهم؟
لم أتجاوز عتبة داري فلو تجاوزتها ستكتب المجلدات ولا يستوعبها اكبر جهاز حاسوب في العالم. إن النظام يريد إصلاحاً على مقاسه يحافظ على امتيازاته وأي تطرق زيادة على ما هو حدده فالمحاكم تطحن وبأقصى طاقتها، ومن يشك في هذا فليقف يوماً أمام محكمة أمن الدولة.
هنا المشكلة الرئيسة أي أن يقولب النظام أي تغيير مع إضفاء الشرعية الأبدية والإصلاحية عليه وان تبقى الأمور كما هي ولكن برتوش إصلاحية.
قد يكون أن السلطة لا تريد إظهار ضعفها ولكن إن كانوا حقا صادقين وهذا ما أشك فيه .. لن تتم دمقرطة المجتمع دون أن تظهر العورات والأخطاء والتجاوزات وقد تظهر لحظات الضعف عند المعارضة نفسها أيضاً. ولكن من اجل مستقبل الأمة كلها يجب أن نكون واضحين مع كل الأطراف. لم تستطع الإنسانية أن تنطلق إلا بعد أن تجاوزت كل المحرمات والقمع الجسدي والنفسي للبشر وإذا كانت العصي والبلطجة قد ذهب أوانها فان الاستمساك بها لهو قمة الجرائم إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وليس هناك بديل عن الديمقراطية، فهي الدواء وقد يكون مراً ولكنها تستحق ذلك ولن نستطيع الآن أن نحدد ما يقرره الشعب وإلا لاستخدمنا أسلوب العصي والأستذة نفسها التي تمارسها السلطة أو البحث عن الطريق الذي يجب أن يسير عليه الشعب ونحدده مسبقاً ونطلق عليه ديمقراطية ونحدد الأطر التي يجب أن لا تتجاوز المطب الذي يجب تحاشيه .. ونفرضها كأنها هي الحل المثالي وعدم الالتزام بها هو الشذوذ والانحراف. بينما نحدد الأسس الأيديولوجية الجديدة ننسى بان الطريق سيوصلنا إلى نفس المتاهات التي نعاني منها الآن.
إن اضعف الأيمان أن نكشف اللصوص والتجاوزات ونطمح بان يكون القضاء نزيها وأجهزة الأمن لخدمة المواطن وليست لقمعه وممارسة البلطجة عليه، وأن يقف المواطن مهما كان ضعيفاً أمام طواويس النجوم ويقول لهم ما يفكر فيهم دون خوف من قوانين الطوارئ.
سيارات الدولة التي تهدر سنويا عشرات المليارات على استخداماتها الخاصة كافية وحدها لتشغيل 30 ألف مواطن عاطل عن العمل. بعملية حسابية بسيطة: 200 ألف سيارة هناك من يؤكد بان العدد قد يتجاوز 500 ألف سيارة مع سائقيها ووقودها وصيانتها، يومياً الحد الأدنى لمصروفها 500 ليرة سورية ونضربها في عدد أيام السنة وسنرى الرقم الخيالي؛ حوالي 19 مليار ليرة سورية؛ هذا فضلاً عن الحوادث غير المسؤولة التي يقوم بها من يستخدمها، وهناك من يؤكد أن الحوادث التي تقوم بها هذه السيارات كبير جداً بالمقارنة مع حوادث السيارات الأخرى.
السرقات والسارقون كلهم مكشوف. أصبحت السرقة مادة للتباهي؟ في دوائر الدولة الرشاوى كلها أوصلت المواطن إلى طريق مسدود، إما أن يدفع أو ينتظر رحمة من الله ومن الموظف المغمضة العيون عنه من حماته. أما المديرون في كل القطاعات المعروفة فلا يخجلون من التباهي بالأرزاق التي يمتصونها من عرق المواطنين ومن حقوقهم ولم يعد يستثنى منها الصحة ولا الكهرباء ولا الخدمات الفنية والبلدية والهاتف أو غيرها كثير؟
وحتى الجيش الشعبي أصبح مصدراً للارتزاق، وأنا نفسي رأيت كيف من يؤدون خدمة العلم - أي الوطن - يبنون المنازل ويقومون بالعناية في بساتين هؤلاء الطفيليات. نريد إجابة على السؤال: هل هذا هو الوطن؟ .. الوطن هو كل الناس لا فرق بين مسؤول ومواطن إن كان موظفاً أو خادماً للعلم، وليس هناك منهم من ولد وعلى رأسه ريشة نعامة. لم تكن الديمقراطية يوماً مترافقة مع التخريب والقمع والسرقات؟
الفساد .. الفساد يا قوم .. التجاوزات .. والهدر .. الهدر للكرامة والأرزاق .. والمحسوبية .. والظلم واللاقانون. وبعد هذا كله من لمحات بسيطة ذكرت على عجالة؛ هل هناك من وقح يسألني لماذا أتكلم؟!
__________
* طبيب وكاتب سوري