King RORO
20/11/2004, 03:05
عندما تدخل إلى إحدى دوائر الدولة في دمشق لمتابعة معاملة ما، ترى الكثير من الفتيات والشبان الذين تجاوزت أعمارهم الثلاثين ولم يتزوجوا، والتجوال في شوارع دمشق المكتظة خلال فترة الظهيرة، يظهر الأعداد الهائلة من الفتيات والشباب أثناء خروجهم من عملهم، لتدلك ملامحهم على عدم الاستقرار والاضطراب. هذه الدلائل دفعتنا إلى التأكد من مدى انتشار هذه الظاهرة، وأسبابها. ففي مركز الإحصاء بدمشق تظهر أن نسبة غير المتزوجين من الشباب في سورية مرتفعة، وهو تعبير واضح على أن ظاهرة العنوسة في سورية آخذة بالتزايد.
فإحصاءات المسح عن صحة الأسرة في مركز الإحصاء لعام 2002، تبين أن هناك ارتفاعاً في سن الزواج، إذ يعتبر متوسط عمر العزوبة عند الذكور قد بلغ 30، وعند الإناث 26. وقد سجل المسح أن نسبة إجمالي الغير متزوجين من الذكور 29.4%، ومن الإناث 25.6.
بقدر ما للزواج المبكرة من مساوئ أيضاً لتأخر الزواج مساوئ أكثر أهمها أن العازب يمكن أن يعيش حياته دون زواج، والمجتمع لا يتعامل مع هذه الظاهرة بحيادية، بل يعتبرها سيئة ويجب التخلص منها، لما تتركه من أثر على الآخرين، ومن هنا تأتي المشاكل النفسي التي تنطبع على الفتاة والشاب. هذا لا ينفي أن هذه الظاهرة في المدن أخف وطأة من الجوانب النفسية على الشباب لأنهم عن طريق العمل والحياة المفتوحة يحققون قدراً من الحياة المستقلة التي يعتادون عليه ولا يستطيعون العيش دونه.
ولو حاولنا الدخول في تفاصيل النسب بين الذكور والإناث حسب التقدم في العمر، نجد أن نسبة النساء اللواتي تتاح لهن فرص الزواج تناقصها قليل نسبتاً للذكور، التي تتناقص بشكل أكبر، طبعاً لهذا الأمر اعتبارات هامة، وهي أن الذكر مهما تأخر في الزواج يبقى لديه خيار الارتباط قائم.
وتبين الإحصاءات لعام 1995 أن نسبة الغير متزوجين من الذكور من الفئة العمرية (35-39) تشكل حوالي 7.2% ، ومن الإناث 8.8%. وأن نسبة الغير متزوجات ممن تجاوزت أعمارهن الأربعين هي 6.3 من الإناث، وهي الفترة التي تفقد فيها الأنثى الخصوبة، فتفقد بنظر المجتمع أنوثتها، ليكون زواجها في حال تزوجت ليس كالزواج الطبيعي. أما عند الرجل فهي 2.2، ويكون زواجه طبيعياً. أما نسبة الغير متزوجين ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين وما فوق نجدها 4.8 عند الإناث، و1.2 عند الذكور. لتكون بذلك نسبة العوانس من الإناث في سورية أكثر منها عند الرجال، وهذا يحيلنا للأسف كما ذكرنا إلى أن العنوسة تكون غالباً إرادية عند الشاب، وغير إرادية عند الفتاة.
حاولنا التواصل مع عدد من الشباب والفتيات والذين يعتبرون أنفسهم إما فاتهم القطار أو أنهم تأخروا في الزواج كلاً لأسبابه، لكن من أهمها وأولها، الظروف الاقتصادية.
فالشاب (م . ع) يعمل في الصحافة تجاوز 37 عاماً، قال: "السبب المادي هو العامل الأساسي، عندما أحببت كنت في سن العشرين، وكيف لشاب في الخامسة والعشرون أن يتزوج من فتاة أحلامه لا يمكن حتى المقدرة على الصرف على نفسه، رحلت العلاقة الأولى ورحلت معها الأحلام، بعدها أبعدت فكرة الزواج حتى أستطيع أن أحقق الوضع المادي الذي يسمح لي بالزواج، والمجتمع يحل أزمات العلاقات الخاصة باتفاق بين الطرفين طبعاً، فلم يعد يوجد هذا الرابط العاطفي والوجداني الذي يشعره الشاب في بداية حياته، بالتالي يؤثر على خياراته ورغباته، وبالتأخير تتولد حالة أخرى وهي عدم القناعة بما هو موجود وهذا يساهم أكثر في التردد عند أي الاختيار".
يقول الموظف (س.ل) في وزارة الشؤون الاجتماعية: "كيف لي أن أتزوج وكل من أختارها تريد كذا وكذا، متطلبات الحياة الحالية صعبة جداً لم تعد الفتاة ترضى كما كنا سابقاً، وكيف لها ذلك وهي تشاهد كل ما نراه على التلفاز، ولا أعتقد أن أمامي الفرصة لكي أكون غنياً وتقبل بل الفتاة التي أريد، ربما أجد فتاة تقبل بظروفي عندها فقط أتزوج".
تعتبر سورية، من الدول ذات الدخل المنخفض، فمتوسط دخل الفرد أدنى بكثير من الاستهلاك، إذ لا يتجاوز متوسط الراتب الشهري للمواطن 6000 ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يكفي أجار مسكن، خاصة مع ارتفاع أسعار العقارات، دون سبب مقنع، فكيف بالمأكل والمتطلبات الأخرى وخاصة أن نمط الحياة الحالي هو نمط استهلاكي، مما يؤثر على الفتاة وعلى أهلها وحتى على الشاب، وقد أثبتت الإحصاءات أن نسبة الفقر في سورية 60% وما دون، كما أن هناك بطالة لأكثر من مليون شخص من إجمالي قوة العمل السوري.
كل تلك الأسباب كانت عائق أمام الشاب في الزواج بالسن الذي يرغب به، وكانت سبباً في التأخر في الزواج ومن ثم تكريس ظاهرة العنوسة.
أما عند الفتيات فنجد إضافة إلى المعوقات الاقتصادية، هناك معوقات أخرى من أهمها المجتمع، والذي وبحسب تعبير إحدى الفتيات لم يحل تلك العلاقة الثنائية بين التطور والعقلية القديمة التقليدية حول مفهوم مهام المرأة وسبب وجودها.
تقول موظفة في قطاع حكومي في أواخر الثلاثين: "أنا لست ضد الزواج وهذا ليس قراراً، لقد مررت بتجارب حب فاشلة، صحيح أنها لم تشكل لي صدمة لكنني لم أعد أستطيع القبول بخيار عادي، وصلت إلى مرحلة من التعليم العالي وحققت نمط من الحياة المستقلة، وخلال عملي كونت شخصيتي، لا أستطيع التخلي عنها والعودة إلى الوراء، من هنا كانت الخيارات المتوفرة لدي قليلة، ولعمر المرأة في مجتمعنا الخيار الأصعب، أريد فقط رجل قريب من روحي ومن خياراتي وتفكيري. الزواج في مجتمعنا يحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي، وأهم ما يحققه القبول والحصانة الاجتماعية. لا أنكر أنني لست مرتاحة لكنني لا أستطيع الزواج لمجرد الزواج، وبصراحة الزواج الآن ليس بيدي بل بيد الطرف الآخر، وهذا من أسوء الأمور".
أما الموظفة (ن . ع) تعمل في مجال الصحافة والإعلام تجاوزت الثلاثين فتقول: "ربما لأن مجتمعنا يرفض التطور، والذي ندفع نحن الفتيات ثمنه، مطلوب منا أن نتعلم وأن نثبت ذاتنا وأن نعمل، وعندما نحصل على هذه الأمور نجد أن خياراتنا في الزواج أصبحت قليلة جداً، ونحن لا نستطيع إلا أن نقول إما نعم، أو لا. فالمطلوب منا شيء والموجود ضمن الواقع وعقول المجتمع شيء آخر. كيف لنا أن نحقق المطلوب والمفروض. وحتى الرجل يعتقد إلى الآن بأنه يقدم الكثير للفتاة حين يتزوجها".
هذه من العوامل الهامة عند الفتاة، والتي تشكل هامش ضعيف بين التأخر في الزواج والعنوسة، خاصة أننا نجد الكثير من المتزوجات يتركنا الدراسة بعد الزواج، وهذا يؤثر بالتالي على الأخريات، فيرفضن الزواج قبل إتمام التعليم والحصول على العمل. فقد سجلت الاحصاءات أن نسبة النساء اللواتي يتركن الدراسة بعد الزواج وصلت إلى 42.8%.
تقول الموظفة (ب . د) القادمة من الريف: "لقد أتيت إلى العاصمة من أجل العمل، بانتقالي إلى هذا العالم الجديد لا أستطيع أن أختار من أريد أخاف الرفض الاجتماعي من بيئتي، لا أستطيع الزواج من رجل يعتبره أهلي غريباً، وفي مكان عملي وحتى سكني لا يوجد إلا الغرباء بالنسبة لأهلنا. لا أعرف كيف سنحل نحن الشباب هذه المشكلة، لا تتصوري أن عددنا قليل، نحن نشكل في العاصمة عدداً كبيراً جداً".
في الحقيقة هذه المشكلة، بدأت بالظهور مؤخراً. وتعتبر من المشاكل الاجتماعية الخطيرة، فانتقال الفتاة من الريف أو من المدينة الصغيرة إلى العاصمة، تنتقل بذلك إلى جو مختلف، ليشكل عائقاً أمامها في الزواج، فلا الخيار المتوفر أمامها مرغوب لبيئتها، ولا العودة إلى الأهل مرغوبة، بسبب حاجة الأهل إلى الراتب، فتمر السنوات وهي تنتظر الشاب المناسب، ليحولها الانتظار إلى عانس..
يضاف إلى المشاكل السابقة المشاكل النفسية الممزوجة مع الاجتماعية، وهي ازدواجية المجتمع وازدواجية الرجل، الذي يريد المرأة كما كان يراها سابقاً، فالشاب الذي تجاوز الأربعين لا يحبذ، ولا يرغب الزواج من فتاة تجاوزت الثلاثين، لا هو ولا المجتمع يرغب بهذا؟
موظف في قطاع خاص تجاوز الأربعين من العمر، يقول: "عندما كنت شاباً لم أستطع الزواج ممن أحب، فقررت أن لا أتقدم إلى أي فتاة حتى أحقق وضع مادي يساعدني على الزواج، عندما تمكنت من هذا وأنا الآن في الأربعين لم أعد أستطيع الزواج بسهولة، الفتاة التي تجاوزت الثلاثين لا أستطيع التقدم إليها، والأصغر تريد شاباً. ربما مازلنا محبوسين في عمر الشباب".
هناك مشاكل أخرى تتعلق بظرف المرأة، وبخصوصية الحالات الاجتماعية التي نراها: تقول موظفة في وزارة التربية، بأنها لن تتزوج لأن الزوج يريد راتبها وهي تتمنى أن تتوقف عن العمل بالأربعين، لذلك تفضل الحياة بمفردها من أن تقدم كل ما تنتجه للرجل الذي قد يتزوج مرة أخرى إذا تجاوزت الخمسين.
أما الفتاة (د . ر) موظفة في قطاع خاص، تعزف عن الزواج لأسباب إنسانية، لا ترغب في الزواج كونها تقوم برعاية والدتها، لأنها البنت الوحيدة، تركت الدراسة لأجل أمها، وتابعت دراستها حرة وأخذت الجامعة وهي تعمل وتدرس في البيت. تقول: "لمن أتركها لرجل قد يكون قاسي أو لصهر يرفض وجودها معي ورعايتها. أنا سعيدة في خياري كوني أرد الجميل".
المعطيات التي أمامنا تدلنا على أن السبب الأساسي للعنوسة ينشأ من تأخر سن الزواج وسبب الأساسي والأول هو العامل الاقتصادي ومن ثم تأتي الأمور الأخرى والتي تكون أحياناً أقصى من الظرف الاقتصادي، فالشاب والفتاة يحاولون إثبات وجودهم في المجتمع من حيث التعليم والعمل، وعندما يتهيئوا للزواج، يكون إما الظرف الاقتصادي أو العمر أو حتى المجتمع عائقاً كبيراً في دخوله حياة مستقرة وحقيقية، من هنا نجد أن الهامش ما بين تأخر سن الزواج في سورية وما بين العنوسة صغير جداً.
------------------------------------
((منقول))
فإحصاءات المسح عن صحة الأسرة في مركز الإحصاء لعام 2002، تبين أن هناك ارتفاعاً في سن الزواج، إذ يعتبر متوسط عمر العزوبة عند الذكور قد بلغ 30، وعند الإناث 26. وقد سجل المسح أن نسبة إجمالي الغير متزوجين من الذكور 29.4%، ومن الإناث 25.6.
بقدر ما للزواج المبكرة من مساوئ أيضاً لتأخر الزواج مساوئ أكثر أهمها أن العازب يمكن أن يعيش حياته دون زواج، والمجتمع لا يتعامل مع هذه الظاهرة بحيادية، بل يعتبرها سيئة ويجب التخلص منها، لما تتركه من أثر على الآخرين، ومن هنا تأتي المشاكل النفسي التي تنطبع على الفتاة والشاب. هذا لا ينفي أن هذه الظاهرة في المدن أخف وطأة من الجوانب النفسية على الشباب لأنهم عن طريق العمل والحياة المفتوحة يحققون قدراً من الحياة المستقلة التي يعتادون عليه ولا يستطيعون العيش دونه.
ولو حاولنا الدخول في تفاصيل النسب بين الذكور والإناث حسب التقدم في العمر، نجد أن نسبة النساء اللواتي تتاح لهن فرص الزواج تناقصها قليل نسبتاً للذكور، التي تتناقص بشكل أكبر، طبعاً لهذا الأمر اعتبارات هامة، وهي أن الذكر مهما تأخر في الزواج يبقى لديه خيار الارتباط قائم.
وتبين الإحصاءات لعام 1995 أن نسبة الغير متزوجين من الذكور من الفئة العمرية (35-39) تشكل حوالي 7.2% ، ومن الإناث 8.8%. وأن نسبة الغير متزوجات ممن تجاوزت أعمارهن الأربعين هي 6.3 من الإناث، وهي الفترة التي تفقد فيها الأنثى الخصوبة، فتفقد بنظر المجتمع أنوثتها، ليكون زواجها في حال تزوجت ليس كالزواج الطبيعي. أما عند الرجل فهي 2.2، ويكون زواجه طبيعياً. أما نسبة الغير متزوجين ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين وما فوق نجدها 4.8 عند الإناث، و1.2 عند الذكور. لتكون بذلك نسبة العوانس من الإناث في سورية أكثر منها عند الرجال، وهذا يحيلنا للأسف كما ذكرنا إلى أن العنوسة تكون غالباً إرادية عند الشاب، وغير إرادية عند الفتاة.
حاولنا التواصل مع عدد من الشباب والفتيات والذين يعتبرون أنفسهم إما فاتهم القطار أو أنهم تأخروا في الزواج كلاً لأسبابه، لكن من أهمها وأولها، الظروف الاقتصادية.
فالشاب (م . ع) يعمل في الصحافة تجاوز 37 عاماً، قال: "السبب المادي هو العامل الأساسي، عندما أحببت كنت في سن العشرين، وكيف لشاب في الخامسة والعشرون أن يتزوج من فتاة أحلامه لا يمكن حتى المقدرة على الصرف على نفسه، رحلت العلاقة الأولى ورحلت معها الأحلام، بعدها أبعدت فكرة الزواج حتى أستطيع أن أحقق الوضع المادي الذي يسمح لي بالزواج، والمجتمع يحل أزمات العلاقات الخاصة باتفاق بين الطرفين طبعاً، فلم يعد يوجد هذا الرابط العاطفي والوجداني الذي يشعره الشاب في بداية حياته، بالتالي يؤثر على خياراته ورغباته، وبالتأخير تتولد حالة أخرى وهي عدم القناعة بما هو موجود وهذا يساهم أكثر في التردد عند أي الاختيار".
يقول الموظف (س.ل) في وزارة الشؤون الاجتماعية: "كيف لي أن أتزوج وكل من أختارها تريد كذا وكذا، متطلبات الحياة الحالية صعبة جداً لم تعد الفتاة ترضى كما كنا سابقاً، وكيف لها ذلك وهي تشاهد كل ما نراه على التلفاز، ولا أعتقد أن أمامي الفرصة لكي أكون غنياً وتقبل بل الفتاة التي أريد، ربما أجد فتاة تقبل بظروفي عندها فقط أتزوج".
تعتبر سورية، من الدول ذات الدخل المنخفض، فمتوسط دخل الفرد أدنى بكثير من الاستهلاك، إذ لا يتجاوز متوسط الراتب الشهري للمواطن 6000 ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يكفي أجار مسكن، خاصة مع ارتفاع أسعار العقارات، دون سبب مقنع، فكيف بالمأكل والمتطلبات الأخرى وخاصة أن نمط الحياة الحالي هو نمط استهلاكي، مما يؤثر على الفتاة وعلى أهلها وحتى على الشاب، وقد أثبتت الإحصاءات أن نسبة الفقر في سورية 60% وما دون، كما أن هناك بطالة لأكثر من مليون شخص من إجمالي قوة العمل السوري.
كل تلك الأسباب كانت عائق أمام الشاب في الزواج بالسن الذي يرغب به، وكانت سبباً في التأخر في الزواج ومن ثم تكريس ظاهرة العنوسة.
أما عند الفتيات فنجد إضافة إلى المعوقات الاقتصادية، هناك معوقات أخرى من أهمها المجتمع، والذي وبحسب تعبير إحدى الفتيات لم يحل تلك العلاقة الثنائية بين التطور والعقلية القديمة التقليدية حول مفهوم مهام المرأة وسبب وجودها.
تقول موظفة في قطاع حكومي في أواخر الثلاثين: "أنا لست ضد الزواج وهذا ليس قراراً، لقد مررت بتجارب حب فاشلة، صحيح أنها لم تشكل لي صدمة لكنني لم أعد أستطيع القبول بخيار عادي، وصلت إلى مرحلة من التعليم العالي وحققت نمط من الحياة المستقلة، وخلال عملي كونت شخصيتي، لا أستطيع التخلي عنها والعودة إلى الوراء، من هنا كانت الخيارات المتوفرة لدي قليلة، ولعمر المرأة في مجتمعنا الخيار الأصعب، أريد فقط رجل قريب من روحي ومن خياراتي وتفكيري. الزواج في مجتمعنا يحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي، وأهم ما يحققه القبول والحصانة الاجتماعية. لا أنكر أنني لست مرتاحة لكنني لا أستطيع الزواج لمجرد الزواج، وبصراحة الزواج الآن ليس بيدي بل بيد الطرف الآخر، وهذا من أسوء الأمور".
أما الموظفة (ن . ع) تعمل في مجال الصحافة والإعلام تجاوزت الثلاثين فتقول: "ربما لأن مجتمعنا يرفض التطور، والذي ندفع نحن الفتيات ثمنه، مطلوب منا أن نتعلم وأن نثبت ذاتنا وأن نعمل، وعندما نحصل على هذه الأمور نجد أن خياراتنا في الزواج أصبحت قليلة جداً، ونحن لا نستطيع إلا أن نقول إما نعم، أو لا. فالمطلوب منا شيء والموجود ضمن الواقع وعقول المجتمع شيء آخر. كيف لنا أن نحقق المطلوب والمفروض. وحتى الرجل يعتقد إلى الآن بأنه يقدم الكثير للفتاة حين يتزوجها".
هذه من العوامل الهامة عند الفتاة، والتي تشكل هامش ضعيف بين التأخر في الزواج والعنوسة، خاصة أننا نجد الكثير من المتزوجات يتركنا الدراسة بعد الزواج، وهذا يؤثر بالتالي على الأخريات، فيرفضن الزواج قبل إتمام التعليم والحصول على العمل. فقد سجلت الاحصاءات أن نسبة النساء اللواتي يتركن الدراسة بعد الزواج وصلت إلى 42.8%.
تقول الموظفة (ب . د) القادمة من الريف: "لقد أتيت إلى العاصمة من أجل العمل، بانتقالي إلى هذا العالم الجديد لا أستطيع أن أختار من أريد أخاف الرفض الاجتماعي من بيئتي، لا أستطيع الزواج من رجل يعتبره أهلي غريباً، وفي مكان عملي وحتى سكني لا يوجد إلا الغرباء بالنسبة لأهلنا. لا أعرف كيف سنحل نحن الشباب هذه المشكلة، لا تتصوري أن عددنا قليل، نحن نشكل في العاصمة عدداً كبيراً جداً".
في الحقيقة هذه المشكلة، بدأت بالظهور مؤخراً. وتعتبر من المشاكل الاجتماعية الخطيرة، فانتقال الفتاة من الريف أو من المدينة الصغيرة إلى العاصمة، تنتقل بذلك إلى جو مختلف، ليشكل عائقاً أمامها في الزواج، فلا الخيار المتوفر أمامها مرغوب لبيئتها، ولا العودة إلى الأهل مرغوبة، بسبب حاجة الأهل إلى الراتب، فتمر السنوات وهي تنتظر الشاب المناسب، ليحولها الانتظار إلى عانس..
يضاف إلى المشاكل السابقة المشاكل النفسية الممزوجة مع الاجتماعية، وهي ازدواجية المجتمع وازدواجية الرجل، الذي يريد المرأة كما كان يراها سابقاً، فالشاب الذي تجاوز الأربعين لا يحبذ، ولا يرغب الزواج من فتاة تجاوزت الثلاثين، لا هو ولا المجتمع يرغب بهذا؟
موظف في قطاع خاص تجاوز الأربعين من العمر، يقول: "عندما كنت شاباً لم أستطع الزواج ممن أحب، فقررت أن لا أتقدم إلى أي فتاة حتى أحقق وضع مادي يساعدني على الزواج، عندما تمكنت من هذا وأنا الآن في الأربعين لم أعد أستطيع الزواج بسهولة، الفتاة التي تجاوزت الثلاثين لا أستطيع التقدم إليها، والأصغر تريد شاباً. ربما مازلنا محبوسين في عمر الشباب".
هناك مشاكل أخرى تتعلق بظرف المرأة، وبخصوصية الحالات الاجتماعية التي نراها: تقول موظفة في وزارة التربية، بأنها لن تتزوج لأن الزوج يريد راتبها وهي تتمنى أن تتوقف عن العمل بالأربعين، لذلك تفضل الحياة بمفردها من أن تقدم كل ما تنتجه للرجل الذي قد يتزوج مرة أخرى إذا تجاوزت الخمسين.
أما الفتاة (د . ر) موظفة في قطاع خاص، تعزف عن الزواج لأسباب إنسانية، لا ترغب في الزواج كونها تقوم برعاية والدتها، لأنها البنت الوحيدة، تركت الدراسة لأجل أمها، وتابعت دراستها حرة وأخذت الجامعة وهي تعمل وتدرس في البيت. تقول: "لمن أتركها لرجل قد يكون قاسي أو لصهر يرفض وجودها معي ورعايتها. أنا سعيدة في خياري كوني أرد الجميل".
المعطيات التي أمامنا تدلنا على أن السبب الأساسي للعنوسة ينشأ من تأخر سن الزواج وسبب الأساسي والأول هو العامل الاقتصادي ومن ثم تأتي الأمور الأخرى والتي تكون أحياناً أقصى من الظرف الاقتصادي، فالشاب والفتاة يحاولون إثبات وجودهم في المجتمع من حيث التعليم والعمل، وعندما يتهيئوا للزواج، يكون إما الظرف الاقتصادي أو العمر أو حتى المجتمع عائقاً كبيراً في دخوله حياة مستقرة وحقيقية، من هنا نجد أن الهامش ما بين تأخر سن الزواج في سورية وما بين العنوسة صغير جداً.
------------------------------------
((منقول))