s1_daoud
29/01/2006, 20:28
نسبه:
هو علي بن أبي طالب ــ واسمه عبد مناف ــ، بن عبد المطلب ــ واسمه شيبة الحمد ــ، بن هاشم ــ واسمه عمرو ــ، بن عبد مناف ــ واسمه المغيرة ــ، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، (ابن كعب)، بن لؤي، بن غالب.
مولده:
ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة.
أمه:
فاطمة بنت أسد بن هاشم. وهي أول هاشمية تزوجها هاشمي، وهي أم سائر ولد أبي طالب.
كنيته:
يكنى أبا الحسن وأبا الحسين، وكان الحسن في حياة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ يدعوه أبا الحسين، والحسين يدعوه أبا الحسن، ويدعوان رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أباهما. فلما توفي النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ دعوا علياً أباهما.
وكان يكنى بأبي تراب، كناه بها رسول الله ــ ص ــ، وذلك لما رآه ساجداً معفراً وجهه في التراب، وكان يعفر خديه وهو ساجد. وكانت هذه الكنية أحب كناه إليه لكون النبي ــ ص ــ كناه بها.
لقبه:
المرتضى، وحيدره، وأمير المؤمنين، والأنزع البطين، والأصلع، والوصي؛ وفي رواية ابن حنبل في مسنده وأبي نعيم في حلية الأولياء قال رسول الله ــ ص ــ:
"هذا يعسوب المؤمنين وقائد الغر المحجَّلين".
واليعسوب ذكر النحل وأميرها.
بوَّابه:
سلمان الفارسي ــ رضوان الله تعالى عليه ــ.
صفاته:
روي (عن مصادر مختلفة) أنه دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له: صف لي علياً.
قال: اعفني.
قال: لتصفنَّه.
قال:
أما إذا كان لا بد من وصفه فإنه كان ــ والله ــ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته.
وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبأناه؛ ونحن ــ والله ــ مع تقريبه إيانا وقربه منَّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. فإن تبسَّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين، ويقرِّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد وقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليلُ سدوله، وغارت نجومه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين. فكأني أسمعه الآن وهو يقول:
"يا ربنا، يا ربنا".
يتضرع إليه. ثم يقول:
"يا دنيا، غرِّي غيري، إليَّ تعرَّضتِ، أمْ إليَّ تشوَّفتِ. هيهات، هيهات، قد بتتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمركِ قصير، وخطركِ كبير، وعيشكِ حقير. آهٍ، آهٍ، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق".
فبكى معاوية، ووكفت دموعُه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء. وقال:
رحم الله أبا الحسن، كان ــ والله ــ كذلك، فكيف حزنُكَ عليه يا ضرار؟
قال: حزن مَن ذُبح ولدُها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها. ثم خرج.(انتهى)
ومن صفته أنه كان شديد الساعد واليد، وإذا مشى للحرب هرول. ثابت الجنان، قوي، شجاع، منصور على مَن لاقاه.
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:
كان أمير المؤمنين ــ عليه السلام ــ ذا أخلاق متضادة، منها ما ذكره الرضي وهو موضع التعجب، لأن الغالب على أهل الشجاعة والجرأة أن يكونوا ذوي قلوب قاسية، وفتك، وتمرد؛ والغالب على أهل الزهد والاشتغال بالمواعظ أن يكونوا ذوي رقة ولين، وهاتان حالتان متضادتان، وقد اجتمعا له ــ عليه السلام ــ. ومنها أن الغالب على شرفاء الناس، ومَن هو من أهل بيت السيادة والرياسة، الكبرُ والتيه. وكان أمير المؤمنين ــ ع ــ لا يشك عدوٌّ ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسباً بعد النبي ــ ص ــ، وقد حصل له من غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، ومع ذلك كان أشد الناس تواضعاً لصغير وكبير، وألينهم عريكة، وأبعدهم عن كِبر في زمان خلافته وقبلها؛ لم تغيره الأمرة، ولا أحالت خلقه الرياسة، وكيف ولم يزل رئيساً أميراً.
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم:
تذاكروا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل خلافةَ أبي بكر وعلي فأكثروا، فرفع رأسه إليهم وقال:
قد أكثرتم، إن علياً لم تزنه الخلافة ولكنه زانها.
وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه حلية الأولياء في ترجمته:
علي بن أبي طالب: سيد القوم، محب المشهود، ومحبوب المعبود، باب مدينة العلم والعلوم، ورأس المخاطبات، ومستنبط الإشارات، راية المهتدين، ونور المطيعين، وولي المتقين، وإمام العادلين؛ أقدمهم إجابةً وإيماناً، وأقومهم قضيةً وإيقاناً، وأعظمهم حلماً، وأوفرهم علماً؛ علي ابن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ قدوة المتقين، وزينة العارفين، المنبئ عن حقائق التوحيد، صاحب القلب العقول واللسان السؤول والأذن الواعي، فقأ عيون الفتن فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودفع المارقين.
قال (أبو إسحاق) النظّام: علي بن أبي طالب محنة على المتكلم، إنْ وفَّاه حقه غلا، وإنْ بخسه حقه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن صعبة المرتقى إلا على الحاذق الدَّين.
علمه:
فإنْ نظرنا إلى علمه وجدناه العالِمَ الربانيَّ الذي يقول على ملأ من الناس: "سلوني قبل أن تفقدوني". ومَن ذا الذي يجرؤ من الناس أن يقول هذا الكلام فوق المنبر على حشد من ألوف الخلق، وما يؤمنه أن يسأله سائل عن مسألة لا يكون عنده جوابها فيُخْجِله فيها إلا أن يكون مؤيَّداً بتأييد إلهي، لا يغيب عنه جواب مسألة مهما دقت وأشكلتْ.
شجاعته:
وإذا نظرنا إلى شجاعته، وقد ضربتْ بها الأمثال، وجدناه وقد باشر الحرب وعمره عشرون سنة، أو فوقها بقليل، وقد أنسى ذكر مَن كان قبله، ومحا اسم مَن يأتي بعده، ووجدنا تفوَّقه فيها على جميع الخلق، ملحقاً بالضروريات، يقبح بالإنسان إطالةُ الكلام فيه، وإكثار الشواهد عليه، ومقاماته في الحرب تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة. وكفى في ذلك أنه ما فرَّ في موطن قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية، وكانت ضرباته وتراً، إذا علا قدَّ، وإذا اعترض قطَّ، ولا دُعي إلى مبارزة فنكلَ.
وظهرتْ شجاعته البالغة لمَّا سار بالفواطم بعد الهجرة جهاراً من مكة وليس معه إلا ابن أم أيمن وأبو واقد الليثي، وهما لا يغنيان شيئاً، فلحقه ثمانية فرسان من قريش أمامهم جناحُ مولى حرب بن أمية فأهوى إليه جناحُ بالسيف وهو فارس وعليٌّ راجل فحاد عليُّ عن ضربته وضربه لما انحنى على كتفه فقطعه نصفين حتى وصلت الضربة إلى قربوس فرسه، وانهزم الباقون.
وفي يوم بدر قَتَل الوليدَ بن عتبة، وقتل جماعةً من صناديد المشركين، حتى روي أنه قتل نصف المقتولين أو أزيد من النصف بواحد، وقتل باقي المسلمين مع الملائكة المسوَّمين النصف الثاني.
وفي يوم أُحد قتل أصحاب اللواء جميعهم على أصح الروايات، وحامى عن النبي ــ ص ــ، وكلما أقبل إليه قوم ندبه النبي إليهم فيفرقهم ويقتل فيهم، حتى عجب منه جبرائيل وقال: يا رسول الله، إن هذه للمواساة؛ ونادى: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليٌّ.
وغير ذلك من المشهور كما في وقعة الخندق ويوم خيبر وغزوة حنين. (وسيأتي الحديث عن بعضها لاحقاً)
حلمه:
وإذا نظرنا إلى حلمه وصفحه وجدناه أحلم الناس، وكفانا لإثبات بلوغه أعلى درجة الحلم حلمه عن أهل الجَمَلِ عموماً، وعن مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير خصوصاً.
(أما عدله وزهده فلا طاقة لنا إلى الإتيان ببعض بدائعهما في هذا الموقع، وقد اشتهر مولانا بفضائله وسجاياه وأخلاقه وكرائمه، وأكتفي بهذه الإشارة في هذا الخصوص)
جوده وسخاؤه:
وإذا نظرنا إلى جوده وسخائه وجدناه أسخى من السحاب الهاطل، لا يُبارى في ذلك، ولا يُماثَل.
قال الشعبي: كان أسخى الناس.
وقال عدوه معاوية: لو مَلَكَ بيتاً من تبرٍ وبيتاً من تبنٍ لأنفق تبره قبل تبنه.
وكان يُكنِّس بيوت الأموال ويصلي فيها (فارغةً) ويقول:
" يا صفراء، ويا بيضاء، غُرِّي غيري " .
ولم يخلِّفْ ميراثاً، وكانت الدنيا كلها بيده عدا الشام، ولم يعمل بآية النجوى غيره. (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدِّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر)
وأعتق ألف عبدٍ من كسب يده، ولم يقل لسائل "لا" قط.(1)
قال عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الإمام:
ولد علي في داخل الكعبة، وكرَّم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنما كان ميلاده ثمة إيذاناً بعهد جديد للكعبة والعبادة فيها. بل قد ولد مسلماً على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنه فتح عينيه على الإسلام، وعرف العبادة في صلاة محمد وزوجه الطاهرة قبل أن يعرفها من صلاة أبيه وأمه. لقد ملأ الدين الجديد قلباً لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه، فبحق ما يقال: أن علياً كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أحداً أصدق إسلاماً ولا أعمق نفاذاً منه. ومهما كان الحال فلم يتردد أحد في سبقه إلى الإسلام والإيمان برسالة محمد بن عبد الله إلا بعض مَن أعمى التعصُّبُ قلوبَهم، فقالوا بأنه كان أصغرهم سناً في حساب الأعوام والشهور.(2)
هو علي بن أبي طالب ــ واسمه عبد مناف ــ، بن عبد المطلب ــ واسمه شيبة الحمد ــ، بن هاشم ــ واسمه عمرو ــ، بن عبد مناف ــ واسمه المغيرة ــ، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، (ابن كعب)، بن لؤي، بن غالب.
مولده:
ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة.
أمه:
فاطمة بنت أسد بن هاشم. وهي أول هاشمية تزوجها هاشمي، وهي أم سائر ولد أبي طالب.
كنيته:
يكنى أبا الحسن وأبا الحسين، وكان الحسن في حياة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ يدعوه أبا الحسين، والحسين يدعوه أبا الحسن، ويدعوان رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أباهما. فلما توفي النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ دعوا علياً أباهما.
وكان يكنى بأبي تراب، كناه بها رسول الله ــ ص ــ، وذلك لما رآه ساجداً معفراً وجهه في التراب، وكان يعفر خديه وهو ساجد. وكانت هذه الكنية أحب كناه إليه لكون النبي ــ ص ــ كناه بها.
لقبه:
المرتضى، وحيدره، وأمير المؤمنين، والأنزع البطين، والأصلع، والوصي؛ وفي رواية ابن حنبل في مسنده وأبي نعيم في حلية الأولياء قال رسول الله ــ ص ــ:
"هذا يعسوب المؤمنين وقائد الغر المحجَّلين".
واليعسوب ذكر النحل وأميرها.
بوَّابه:
سلمان الفارسي ــ رضوان الله تعالى عليه ــ.
صفاته:
روي (عن مصادر مختلفة) أنه دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له: صف لي علياً.
قال: اعفني.
قال: لتصفنَّه.
قال:
أما إذا كان لا بد من وصفه فإنه كان ــ والله ــ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته.
وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبأناه؛ ونحن ــ والله ــ مع تقريبه إيانا وقربه منَّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. فإن تبسَّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين، ويقرِّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد وقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليلُ سدوله، وغارت نجومه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين. فكأني أسمعه الآن وهو يقول:
"يا ربنا، يا ربنا".
يتضرع إليه. ثم يقول:
"يا دنيا، غرِّي غيري، إليَّ تعرَّضتِ، أمْ إليَّ تشوَّفتِ. هيهات، هيهات، قد بتتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمركِ قصير، وخطركِ كبير، وعيشكِ حقير. آهٍ، آهٍ، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق".
فبكى معاوية، ووكفت دموعُه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء. وقال:
رحم الله أبا الحسن، كان ــ والله ــ كذلك، فكيف حزنُكَ عليه يا ضرار؟
قال: حزن مَن ذُبح ولدُها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها. ثم خرج.(انتهى)
ومن صفته أنه كان شديد الساعد واليد، وإذا مشى للحرب هرول. ثابت الجنان، قوي، شجاع، منصور على مَن لاقاه.
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:
كان أمير المؤمنين ــ عليه السلام ــ ذا أخلاق متضادة، منها ما ذكره الرضي وهو موضع التعجب، لأن الغالب على أهل الشجاعة والجرأة أن يكونوا ذوي قلوب قاسية، وفتك، وتمرد؛ والغالب على أهل الزهد والاشتغال بالمواعظ أن يكونوا ذوي رقة ولين، وهاتان حالتان متضادتان، وقد اجتمعا له ــ عليه السلام ــ. ومنها أن الغالب على شرفاء الناس، ومَن هو من أهل بيت السيادة والرياسة، الكبرُ والتيه. وكان أمير المؤمنين ــ ع ــ لا يشك عدوٌّ ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسباً بعد النبي ــ ص ــ، وقد حصل له من غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، ومع ذلك كان أشد الناس تواضعاً لصغير وكبير، وألينهم عريكة، وأبعدهم عن كِبر في زمان خلافته وقبلها؛ لم تغيره الأمرة، ولا أحالت خلقه الرياسة، وكيف ولم يزل رئيساً أميراً.
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم:
تذاكروا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل خلافةَ أبي بكر وعلي فأكثروا، فرفع رأسه إليهم وقال:
قد أكثرتم، إن علياً لم تزنه الخلافة ولكنه زانها.
وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه حلية الأولياء في ترجمته:
علي بن أبي طالب: سيد القوم، محب المشهود، ومحبوب المعبود، باب مدينة العلم والعلوم، ورأس المخاطبات، ومستنبط الإشارات، راية المهتدين، ونور المطيعين، وولي المتقين، وإمام العادلين؛ أقدمهم إجابةً وإيماناً، وأقومهم قضيةً وإيقاناً، وأعظمهم حلماً، وأوفرهم علماً؛ علي ابن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ قدوة المتقين، وزينة العارفين، المنبئ عن حقائق التوحيد، صاحب القلب العقول واللسان السؤول والأذن الواعي، فقأ عيون الفتن فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودفع المارقين.
قال (أبو إسحاق) النظّام: علي بن أبي طالب محنة على المتكلم، إنْ وفَّاه حقه غلا، وإنْ بخسه حقه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن صعبة المرتقى إلا على الحاذق الدَّين.
علمه:
فإنْ نظرنا إلى علمه وجدناه العالِمَ الربانيَّ الذي يقول على ملأ من الناس: "سلوني قبل أن تفقدوني". ومَن ذا الذي يجرؤ من الناس أن يقول هذا الكلام فوق المنبر على حشد من ألوف الخلق، وما يؤمنه أن يسأله سائل عن مسألة لا يكون عنده جوابها فيُخْجِله فيها إلا أن يكون مؤيَّداً بتأييد إلهي، لا يغيب عنه جواب مسألة مهما دقت وأشكلتْ.
شجاعته:
وإذا نظرنا إلى شجاعته، وقد ضربتْ بها الأمثال، وجدناه وقد باشر الحرب وعمره عشرون سنة، أو فوقها بقليل، وقد أنسى ذكر مَن كان قبله، ومحا اسم مَن يأتي بعده، ووجدنا تفوَّقه فيها على جميع الخلق، ملحقاً بالضروريات، يقبح بالإنسان إطالةُ الكلام فيه، وإكثار الشواهد عليه، ومقاماته في الحرب تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة. وكفى في ذلك أنه ما فرَّ في موطن قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية، وكانت ضرباته وتراً، إذا علا قدَّ، وإذا اعترض قطَّ، ولا دُعي إلى مبارزة فنكلَ.
وظهرتْ شجاعته البالغة لمَّا سار بالفواطم بعد الهجرة جهاراً من مكة وليس معه إلا ابن أم أيمن وأبو واقد الليثي، وهما لا يغنيان شيئاً، فلحقه ثمانية فرسان من قريش أمامهم جناحُ مولى حرب بن أمية فأهوى إليه جناحُ بالسيف وهو فارس وعليٌّ راجل فحاد عليُّ عن ضربته وضربه لما انحنى على كتفه فقطعه نصفين حتى وصلت الضربة إلى قربوس فرسه، وانهزم الباقون.
وفي يوم بدر قَتَل الوليدَ بن عتبة، وقتل جماعةً من صناديد المشركين، حتى روي أنه قتل نصف المقتولين أو أزيد من النصف بواحد، وقتل باقي المسلمين مع الملائكة المسوَّمين النصف الثاني.
وفي يوم أُحد قتل أصحاب اللواء جميعهم على أصح الروايات، وحامى عن النبي ــ ص ــ، وكلما أقبل إليه قوم ندبه النبي إليهم فيفرقهم ويقتل فيهم، حتى عجب منه جبرائيل وقال: يا رسول الله، إن هذه للمواساة؛ ونادى: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليٌّ.
وغير ذلك من المشهور كما في وقعة الخندق ويوم خيبر وغزوة حنين. (وسيأتي الحديث عن بعضها لاحقاً)
حلمه:
وإذا نظرنا إلى حلمه وصفحه وجدناه أحلم الناس، وكفانا لإثبات بلوغه أعلى درجة الحلم حلمه عن أهل الجَمَلِ عموماً، وعن مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير خصوصاً.
(أما عدله وزهده فلا طاقة لنا إلى الإتيان ببعض بدائعهما في هذا الموقع، وقد اشتهر مولانا بفضائله وسجاياه وأخلاقه وكرائمه، وأكتفي بهذه الإشارة في هذا الخصوص)
جوده وسخاؤه:
وإذا نظرنا إلى جوده وسخائه وجدناه أسخى من السحاب الهاطل، لا يُبارى في ذلك، ولا يُماثَل.
قال الشعبي: كان أسخى الناس.
وقال عدوه معاوية: لو مَلَكَ بيتاً من تبرٍ وبيتاً من تبنٍ لأنفق تبره قبل تبنه.
وكان يُكنِّس بيوت الأموال ويصلي فيها (فارغةً) ويقول:
" يا صفراء، ويا بيضاء، غُرِّي غيري " .
ولم يخلِّفْ ميراثاً، وكانت الدنيا كلها بيده عدا الشام، ولم يعمل بآية النجوى غيره. (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدِّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر)
وأعتق ألف عبدٍ من كسب يده، ولم يقل لسائل "لا" قط.(1)
قال عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الإمام:
ولد علي في داخل الكعبة، وكرَّم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنما كان ميلاده ثمة إيذاناً بعهد جديد للكعبة والعبادة فيها. بل قد ولد مسلماً على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنه فتح عينيه على الإسلام، وعرف العبادة في صلاة محمد وزوجه الطاهرة قبل أن يعرفها من صلاة أبيه وأمه. لقد ملأ الدين الجديد قلباً لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه، فبحق ما يقال: أن علياً كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أحداً أصدق إسلاماً ولا أعمق نفاذاً منه. ومهما كان الحال فلم يتردد أحد في سبقه إلى الإسلام والإيمان برسالة محمد بن عبد الله إلا بعض مَن أعمى التعصُّبُ قلوبَهم، فقالوا بأنه كان أصغرهم سناً في حساب الأعوام والشهور.(2)