-
دخول

عرض كامل الموضوع : فيلم ''قطعة الحلوى'' وثيقة بصرية عن الاعتقال السياسي


me2
23/02/2006, 12:54
منقول عن جدار ..

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)


رغم أن الاعتقال السياسي رافق تاريخ سوريا الحديث في الأربعين سنة الاخيرة، إلا أن توثيق هذه الظاهرة عبر الصورة البصرية،كان أمراً صعباً، إن لم نقل مستحيلاًً، وربما من هنا تكمن أهمية فيلم " قطعة الحلوى"للشاعرة هالا محمد، المندرج ضمن سلسلة أفلام "أدب السجون" والتي تبثها قناة الجزيرة عن الاعتقال السياسي في العالم العربي،


وبدرجة لاتقل أهمية أيضاً، أن مخرجة الفيلم تتصالح مع مناخها الشعري، ولاتتجاوز منطقتها تلك، عبر عدسة الكاميرا، وتتجه بوفاء حر نحو جهات الشعر من ناحية التقنية، والرؤية البصرية، فهي تلامس، ولا تغوص، تنحت في اشتغالات الذات والصورة، عبر مساحة خالصة البياض لعين الأنثى القادرة على النبش، وإعادة ترتيب التفاصيل، لتخرج بفضيلة العلاقة بين الصورة والألم، عبر مفردات، كالمرآة الحاضرة دوماً، وشعلة النار التي تحدق بثبات في عين الكاميرا، في مقاربة لولوج الذات، ورؤية الآنا في وجع الآخر مع مؤثرات سمعية، زادت جرعة الآسى والحنين إلى الموت، بنفس الانجراف نحو الحنين الى الحياة: صوت نعمة عمران الموجع، العذب. الحركة الطبيعية لأصوات الشارع. صمت الجدار .هسهسات الأبطال. حشرجة الصوت في الحلق.اختناق مخارج الحروف على الشفتين، الفضاء الفارغ في العيون، ونزعة السلام بعد سكينة الموت المؤقت في سجن الشيخ حسن في دمشق. نزق حسيبة الدونكيشوتي، ونصف وجهها الأنثوي الضائع في الزمن، الباحث عن نصفه الآخر، ورائحة الحلوى. صور لا يحتملها وجع القلب عن فكرة بديهية، صعبة ومفقودة، اسمها :
الحرية
يحكي الفيلم عن ثلاثة سجناء سياسين، كل منهم يتحدث عن رؤيته لحياة السجن " كاتبة، شاعر ممثل" ورغم أن السجينين يحكيان الآسى، وذكرياته عبر جلسة حميمية في مطعم صغير، ويسردون بشاعة التحول الى جزء من جدار، أو فردة حذاء، أو حتى رفيقاً للجرذان في الطعام، إلا أن البطل الحقيقيي - إن جاز لنا الحديث بلغة البطولة عن عوالم القهر تلك- تبدو الكاتبة حسيبة عبد الرحمن.
لاتروي حسيبة التفاصيل الكثيرة عن سجن الشيخ حسن، ولا تسرد كيف تسربت منها أنوثتها عبر قضبان الحديد، تتساءل باستغراب طفلة لم تشوهها القسوة التي صار إليها وجهها، ولا ذلك اللون القاتم الشبيه بأرواح دانتي الهائمة في ليمبوس أبدي. تقول: إن أمها أخبرتها، أنها صارت أكثر قسوة. تنظر في المرآة، وبلفتة ذكية من العدسة، تنشطر الصورة في المرآة، وعميقا تبحث حسيبة السجينة السابقة في الشيخ حسن عن معنى ما، وحياة جديدة بعد أن أفقدها الاعتقال السياسي كل حق لها بالوجود والحياة والعمل، .
تقف حسيبة في مطبخها، بالكاد تنحشر فيه وسط الآواني والعبوات البلاستيكية الفارغة، ولون الحيطان القاتم. تسأل: ربما لأني بحثت عن مساحة أكبر في هذا الوطن، ربما لأني حلمت بوطن متسع أكبر، تشير بسلام خالص، ورغبة قاتلة، وبشطط لاعودة عنه، إلى استمرار الحلم، يبح صوتها، ترتجف يدها: لقد عاقبونا بالسجن على أحلامنا ؟. لم نكن مسلحين، وكنا نطرح أفكاراً وندعو الى الحوار.
ورغم أن عنوان الفيلم "قطعة الحلوى " يحكي عن الممثل عبد الحكيم قطيفان، ورغبته في التحول الى ذبابة ليحط على قطعة حلوى، ورغم اللقطات الموجعة له، وهو يتلمظ أمام الكاميرا، ويأكل قطع الحلوى،والتي كانت منتهى المشتهى في سجن الشيخ حسن، إلا إن اصرار الحلم وثباته، لم يكن واضحا، كما هو عند حسيبة التي صورت في روايتها "الشرنقة" حال النساء السجينات، وعبرت في هذا الشريط التلفزيوني عن اصرارها، وانتمائها لزمن النبالات، والناس الذين لاينتظرون من الحياة، أكثر من حلمهم بجمالها، لا التصفيق، ولا الثناء، ولكنهم ببداهة، يطاالبون بسلامهم مع الحياة التي خرجوا منها بعد السجن.
السلام الذي لم يعرفوه، ولم تعرفه أكثر منهم؛ حسيبة، وذهب بها إلى أقصى ما لا تتمناه أي امرأة تبحث عن شرط طبيعي لتشرب قهوتها بسلام، وتلقي على أمها تحية الصباح.. وتسرع في شوارع دمشق، كما كل فتيات الأرض، إلى موعدها الغرامي.
شخصيات هادئة، تروي بشغف. توتروقلق. آسى ومساءلات واستغراب، كيف أطعمت جلودها للحيطان، وانتهى شبابها، شيئا فشيئا، بين الحديد والعسكر، ولم تستطع البوح بما أرادت قوله، لقد ضاع الحلم دون أن يحلموا كما يجب للحلم أن يكبر.
لكن حسيبة تمضي أبعد من الحلم االمهدور بين الحديد والعسكر، ربما لأنها تشعر أنه لم يعد هناك ما تخشاه، وما تخسره، ولن يفعلوا أكثر مما فعلوه بها.
فيلم قطعة الحلوى، لا يرواغ، ولا يتحدث عن ظل الأشياء. مباشرة يلقي بدفء يتحول إلى حريق، حتى ينتهي بوجع القلب، وهو يوثق بصرياً في خطوة غير مسبوقة، لمرحلة وتجربة مهمة عن الاعتقال السياسي في سوريا.